القتل والذبح على يد »شياطين« الظلام
المؤلفان الصهيونيان »رونين برغمان« و»جيل مالتسر«، يكشفان في كتاب يحمل اسم »حرب يوم الغفران، اللحظة الحقيقية« عن وثائق سرية من أرشيف هيئة الأركان العامة والحكومة الصهيونية تفضح جزءاً مما حدث في معركة »الزيتية«، وفي الفصل الثالث من هذا الكتاب وتحت عنوان »الزيتية.. بئر الموت« يستهل الكاتبان بالقول: اعترافات الجنود والضباط الناجين من معركة الزيتية أمام لجنة الاستماع تكشف عن ارتكاب القادة العسكريين الإسرائيليين وكذلك القيادة السياسية لجملة من الأخطاء القاتلة، أدت في النهاية للهزيمة.. لقد اختصر القادة أهدافهم وخططهم العسكرية على إحداث فجوة في الجيش المصري، لم يكن هدفها الالتفاف على القوات المهاجمة بقدر إحداث ضجة إعلامية، تقلل من وقع الهزيمة عند الرأي العام الإسرائيلي، فمن الجانب العملي كانت هذه الخطة غير قابلة للتطبيق نظرا لتفوق العدو العسكري بدءا من اليوم الرابع للحرب، وتماسك خطوطه القتالية وتحكمه في زمام الأمور.. وقراءته الصائبة لرد الفعل الإسرائيلي.
ويضيف الكاتبان: نتيجة معركة الزيتية تمثل أكبر فشل تعرض له الجيش الإسرائيلي، لكن المؤسف أن صانعي القرار في »إسرائيل« لم يكتفوا بإخفاء ما حدث فيها، بل قدموها للشعب على أنها واحدة من إنجازات حرب الغفران، وربما استندوا في رأيهم هذا إلى عودة قرابة الخمسين في المئة من قواتنا سالمة، وهو ما لم يحدث في معركة الأديبة التي سبقتها بيوم واحد بنسبة خسائر مئة في المئة، هكذا إذن بلغ الطموح العسكري الإسرائيلي في القتال مع العرب.. التغني بالنجاة والتهليل للتقهقر والفرح لوقف إطلاق النار، وبالاطلاع على شهادات المشاركين في معركة الزيتية أمام لجنة الاستماع يتضح أن »إسرائيل« لم تنهزم فقط عسكريا، بل انكسرت انكسارا لا تكفي السنون لإصلاحه.
ويواصل الكاتبان قائلين: أحد الجنود المشاركين في هجوم الزيتية الفاشل يقول: لم نكن نحارب بشرا بل شياطين تظهر وتختفي.. قذائفنا لا تصل إليهم ونيرانهم تحرق كل شيء.
جندي آخر يقول: لم تكن هناك جبال ولا أحراش ولا حتى أحجار يختفون وراءها.. لم تكن هناك سوى الصحراء والرمال.. حتى السماء كانت صافية ومبشرة بالنصر.. لم نر عدونا لكنه كان يرانا بوضوح.. يراقب تحركاتنا في صمت حتى أطبق علينا.. ظننت أن النيران تطلق علينا من السماء، أو من المدفعية بعيدة المدى.. تخبطنا وارتبكت صفوفنا.. ولم يكن لدينا الوقت الكافي لإعادة تنظيمها.. وفجأة وجدناهم في كل مكان.. يقفزون كالقردة لا تسترهم سوى سحب الدخان المتصاعد من آلياتنا، فوجدناهم فوق أسطح دباباتنا.. وفوق أعناقنا.. يطعنون ويذبحون بلا رحمة.. لقد كانوا متوحشين فوق الوصف.. وملامحهم مخيفة تزرع الرعب في القلب.. وحتى الآن لا أعرف من أين هبطوا لنا.. لا تفسير لديّ حتى الآن.
ويعلق الكاتبان: هذا جزء من شهادات عشرات الجنود الذين شاركوا في معركة الزيتية، وهذه الشهادات ليست أحسن حالاً من شهادات قادتهم في المعركة، فقد اخترقت الهزيمة قلوب الإسرائيليين وتركت جرحا غائرا في العقيدة القتالية للجيش الذي لا يقهر.