لهذه الأسباب يتفوق السلاح الروسى
توجد مقولة فى أدبيات الثقافة العسكرية العالمية تقول «إن الروس أمراء البر والأمريكيون أمراء البحر»
، وانطلاقًا من هذا القول يمكن قراءة قواعد إنتاج السلاح فى كلتا البلدين، حيث يعتبر الروس الممثل الأول للعقيدة العسكرية الشرقية، والأمريكيون الممثل الأول للعقيدة العسكرية الغربية، ودائمًا ما تنعكس العقائد العسكرية على طبيعة التسليح ليتلاءم استعماله مع الاتجاهات الخاصة بتنظيم واستخدام القوات، وبالتالى تصبح تكنولوجيا تصنيعه خاضعة لمقتضيات العقيدة العسكرية ودواعيها، لذلك تظهر فروق واضحة وجوهرية أحيانًا بين السلاح المنتج فى الكتلة الشرقية والمنتج فى الكتلة الغربية، ومصطلح «الكتلة» هنا لا علاقة له بالمفهوم القديم فى فترة الحرب الباردة، والمقصود بها الآن مجموعة الدول التى تعتنق العقيدة العسكرية الشرقية ومجموعة الدول التى تعتنق العقيدة العسكرية الغربية، ودون الخوض فى تفاصيل كل عقيدة منهما، حيث يقتصر الموضوع على اختلاف السلاح بينهما فقط، ويمكن بداية رصد العوامل المؤثرة الآتية:
الكتلة الشرقية أقل ثراءً من الكتلة الغربية، وبالتالى فإن الإنفاق على ميزانيات التسليح فى دول الغرب تزيد على مثيلتها فى دول الشرق، ومثال على هذا أن المشروع الأمريكى لحرب النجوم إبان الحرب الباردة بميزانيته الفلكية يعتبر أحد أسباب سقوط الاتحاد السوفيتى، الذى اضطر لمجاراة الولايات المتحدة حفاظًا على التوازن الاستراتيجى، ولقد أدى هذا الوضع إلى تحفيز صناع السلاح الروسى تحديدًا على إبداع أفكار غير مسبوقة فى أنواع السلاح تعويضًا للنقص النسبى فى الإمكانيات.
تميل أسلحة الكتلة الغربية إلى الجانب الهجومى، بينما تميل أسلحة الكتلة الشرقية إلى الجانب الدفاعى، ولا يعنى هذا التوجه أن الشرق لا يملك أسلحة هجومية، وأن الغرب لا يملك أسلحة دفاعية، والهامش فى هذا التصنيف ليس جذريًّا، بحيث يمكن القول إن أسلحة الغرب هجومية، وأسلحة الشرق دفاعية.
يلعب الفرد فى العقيدة الشرقية دورًا أكبر فى أعمال القتال الأرضية تحديدًا (الروس أمراء البر)، بينما يزداد الاعتماد على القدرات النيرانية فى العقيدة الغربية من البحر والجو، مع الأخذ فى الاعتبار أن مساحات الاختلاف نسبية.
حتى لا يتم الدخول فى تفاصيل زائدة على الحد ستقتصر المقارنة بين السلاح الأمريكى والروسى فقط لتوضيح الفرق بين كل من السلاح الشرقى والغربى، ولتكن البداية مع الحرب فى جنوب لبنان عام 2006 عندما تصدى سلاح الـ«آر بى جى 29» للدبابة «الميركافا» الإسرائيلية المحسوبة بالطبع على المنظومة الغربية، وهى دبابة ثقيلة أخذت فى تصنيعها كل الاعتبارات اللازمة للوقاية من كل أنواع الأسلحة المضادة للدبابات، وكانت تعتبر فى عالم السلاح دبابة معجزة، وقتها أذهل «حزب الله» العالم بقدرة مقاتليه على تدمير «الميركافا» وشل فاعلية المدرعات الإسرائيلية تمامًا، واكتشف بعدها أن السلاح الروسى البسيط للغاية الـ«آر بى جى 29» هو «البعبع» الذى هزم الغول المدرع المسمى دبابة «الميركافا»، من هذه الواقعة يمكن قراءة الفرق بين السلاح الأمريكى والسلاح الروسى، ويمكن تلخيصه فى الآتى:
فى مجال المدرعات تتميز الدبابات الروسية بخفة الحركة، مما يعنى قدرة أعلى على المناورة، فبينما يبلغ وزن الدبابة الأمريكية «إم 1 أبرامز» 63 طنًا تبلغ الدبابة الروسية «تى 90» 46.5 طن، ويقل ارتفاع الدبابة الروسية 66 سم عن مثيلتها الأمريكية، وقد يتسبب هذا فى الإقلال من راحة الفرد فى الدبابة الروسية، لكنه فى المقابل يحقق عامل أمان ووقاية أكبر، فكلما قل الارتفاع قلت إمكانية إصابتها من الأسلحة المضادة.
بالنسبة إلى الأسلحة الصغيرة الروسية كالبندقية الآلية الكلاشينكوف والآر بى جى والرشاش الخفيف وغيرها لا سيما أن الكلاشينكوف أصبح التسليح الشخصى للأفراد فى أغلب الجيوش، فهذه الأسلحة تتصف بعدة مميزات هامة عن مثيلتها الأمريكية هى: خفة الوزن، وسهولة الاستعمال، وسهولة الصيانة.
أما بالنسبة إلى أسلحة الدفاع الجوى، فتعتبر منظومتا «SS300» و«SS400» الأقوى فى العالم، والأخيرة منهما قادرة على التصدى لأى نوع من الطائرات مهما بلغت سرعتها وقدرتها على المناورة والشوشرة الإلكترونية بما فى ذلك الطائرات السيلت (الشبح)، كما أنها قادرة على التصدى لجميع أنواع الصواريخ الباليستية والمجنحة كـ«التوماهوك» و«الكروز»، بمعنى أن هذه القدرة تنسحب على هذه الصواريخ مهما اختلفت طبيعة منصات الإطلاق من البر أو البحر أو الجو، وتستطيع منظومة الدفاع الجوى الروسية الأحدث إصابة الهدف على بعد 400 كلم على الارتفاعات القصوى التى يمكن أن تصلها أى طائرة وعلى أقل ارتفاع يمكن أن تحلق عليه.
وعن المدفعية الأرضية، وهى المدافع والهاوتزرات والهاونات والصواريخ التكتيكية كـ«الراجمات» المسماة بـ«الجراد»، يمكن القول إن ميزتها الأهم فى توفير خفة الحركة وسهولة الاستعمال للقوات فى كل الأجواء وجميع أنواع الأراضى (الصحراوية - الزراعية).
يتفوق السلاح البحرى الأمريكى على نظيره الروسى تفوقًا كبيرًا فى مجال القطع البحرية الرئيسية، فالولايات المتحدة تمتلك 11 حاملة طائرات تعمل جميعها بالطاقة الذرية، بينما تمتلك روسيا واحدة فقط، وتمتلك أمريكا عددًا أكبر من الغواصات النووية بفارق بسيط عن روسيا التى لديها صواريخ محمولة على القطع البحرية الصغيرة أو من البر ذات قدرات خارقة فى الإصابة المدمرة لأى قطعة بحرية على سطح الماء مهما بلغ حجمها.
يتفوق السلاح الجوى الأمريكى على نظيره الروسى تفوقًا ملحوظًا من حيث نوعية الطائرات وعددها وعدد القوات العاملة وانتشار القواعد فى أماكن كثيرة من العالم، لكن الروس يعوضون هذا فى تأمين أجوائهم بمنظومات الدفاع الجوى والرادار المتقدمة، وفى الفترة الأخيرة بدأت روسيا الاهتمام بتطوير تكنولوجيا تصنيع الطائرات الحربية، لكن الولايات المتحدة ما زالت متقدمة فى هذا المجال.
بعد هذه النظرة العامة على الفروق بين أسلحة الشرق والغرب يمثلهما فى المقارنة كل من روسيا وأمريكا يمكن القول إن الروس (أمراء البر) يحققون تفوقًا ملحوظًا فى الأسلحة البرية، وأن الأمريكيين (أمراء البحر) يحققون تفوقًا ملحوظًا فى مجالى البحر والجو، وهنا يأتى التساؤل عن مصلحة مصر فى هذا السلاح أو ذاك لا سيما أن المصلحة الحقيقية هى فى تنويع مصادر السلاح، ومن الملاحظ أن السلاح الروسى يحقق فى مجال الأسلحة البرية تفوقًا عن مثيله الأمريكى بما يتناسب مع أى مسرح عمليات محتمل، فمصر لا تحتاج إلى أسلحة استراتيجية من نوعية تلك التى تحتاجها الدول العظمى كالصواريخ الباليستية بعيدة المدى التى يبلغ مداها 10.000 كلم مثلا، وهى لا تستطيع الحصول على الطائرة الأمريكية «F35» التى ستحصل عليها إسرائيل قريبًا، وهى الطائرة الأقوى فى العالم الآن، وغير مطروح أن تعطيها أمريكا لمصر حتى ولو بدفع ثمنها الكبير للغاية مقدمًا، وهنا تصبح منظومة الدفاع الجوى الروسية ذات القدرات الهائلة بديلًا يؤمن سماء مصر من أى مغامرة غير محسوبة من أى طرف فى أى وقت، وثمن هذه المنظومة مهما ارتفع ثمنها يعتبر قليلًا جدًا مقارنة بسرب واحد من الطائرات الأمريكية الحديثة، حيث يبلغ سعر الطائرة الواحدة من الـ«f-35» ٩٢ مليون دولار، وعلينا أن ننتبه إلى أن المنظومة الروسية قادرة على صد الصواريخ الباليستية والمجنحة كالتوماهوك.
فى مجال المدرعات تحقق الدبابات الروسية تفوقًا كبيرًا على مثيلتها الأمريكية، لأن الدبابة الروسية أخف وزنًا، وأقل ارتفاعًا، وهذا مناسب جدا للقتال فى المناطق الصحراوية، كما أن الأعطال الناتجة عن كثافة ما تثيره الدبابات من أتربة فى الصحراء نسبتها أقل بكثير فى الدبابات الروسية.
وتحقق الأسلحة الخفيفة الروسية مميزات ضخمة لسهولة استخدامها وصيانتها وقدرتها على إصابة الأهداف، وغنى عن الذكر فى هذا المجال ما تقدم عن القدرة المذهلة لـ«آر بى جى 29» فى معارك «حزب الله» 2006 والـ«آ ر بى جى» سلاح صغير الحجم قليل الوزن بخس الثمن.
السلاح الروسى إذن مناسب لطبيعة الأرض فى مصر، وهو غير مكلف وخصائصه الفنية والتكتيكية فى ما يخص احتياجات مصر مناسبة، ومن المعروف أنه أمام كل نوعية سلاح رئيسى يصنع الروس دائمًا سلاحًا بسيطًا رخيصًا سهل الاستعمال للغاية قادرًا على تدمير السلاح الرئيسى مهما بلغ عنفوانه كالطائرة والدبابة والقطعة البحرية الكبيرة، وهنا علينا أن لا ننسى أننا دمرنا المدمرة الإسرائيلية «إيلات» التى لا يزيد عنها حجمًا إلا حاملة الطائرات، دمرناها بصاروخ روسى صغير من لنش روسى صغير، وأن صواريخ الدفاع الجوى الروسية حيدت ومنعت الطائرات الحربية الإسرائيلية المتفوقة والأحدث فى العالم فى هذا الوقت من الاقتراب من قناة السويس، وعلينا أن لا ننسى أيضا أن الـ«آر بى جى 2» والـ«آر بى جى 7» والمقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، وكلها بسيطة وصغيرة وأرخص مما يتصوره العقل من ثمن الدبابة أطاحت بسلاح المدرعات الإسرائيلى..
موضوع: اسباب تفوق السلاح الروسي 
الثلاثاء يناير 03, 2017 12:36 am
