بروكسل من نيكولاس ريغيللو: الناس ترد غريزيا على التهديد بالتقوقع أو الانكفاء على نفسها أو غيرها من وسائل حماية النفس. لكن عندما يتعلق الامر بالتجارة الدولية فان غالبية الخبراء يحذرون بان زيادة الموانع ليست أفضل الحلول.
يقول سيمون تيلفورد كبير خبراء الاقتصاد بمركز الاصلاح الاوروبي وهو مؤسسة بحثية مقرها لندن ' إننا جميعا نستفيد من الاستغلال الامثل للموارد ومن ثم فإن أي محاولة لحماية الاقتصادات القومية تقوض هذا المبدأ الاساسي'.
لكن ثمة مؤشرات متزايدة على أن الدول على جانبي المحيط الاطلسي تسعى للدفاع عن صناعاتها من المنافسة الخارجية بينما تكافح للتعامل مع كساد عالمي هو بين الاسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.
ومن ثم فان أنصار التجارة الحرة يدفعون بان من شأن هذا الفكر المتقوقع أن يثير حربا تجارية متفاقمة بين اوروبا والولايات المتحدة لا يمكن إلا أن تنتهي بدفع العالم إلى مزيد من البؤس الاقتصادي.
فالامريكيون الذين يحبون تسمية الاشياء بأسمائها ويميلون إلى الاسلوب المباشر يفكرون في كيفية حماية وظائفهم من خلال خطة 'اشتر المنتج الامريكي' التي تجري مناقشتها حاليا في الكونغرس بمجلسيه.
ومن شأن هذه الخطة أن يتم تمديد العمل بحظر فرض عام 1933 على بعض المنتجات الاجنبية إلى واردات من الحديد والصلب تستخدم في مشروعات البنية الاساسية وذلك حسبما ورد في حزمة الانعاش الاقتصادي الامريكية التي تتكلف 800 مليار دولار.
وعقب جون بروتون سفير الاتحاد الاوروبي في واشنطن على ذلك التحرك قائلا إن بروكسل ترى أن هذا التشريع ' يضع سابقة شديدة الخطورة' في وقت يواجه فيه العالم أزمة اقتصادية عالمية.
بيد ان دانيل غروس الخبير الاقتصادي بمركز دراسات السياسات الاوروبية ومقره بروكسل يشير إلى انه من الطبيعي تماما أن تميل الحكومات لمنتجاتها القومية عندما يتعلق الامر بتدابير قومية.
ويقول الرئيس الامريكي باراك اوباما الان انه لا يريد أن تنتهك خطة الانقاذ اتفاقات منظمة التجارة العالمية وانه سيحاول أن ' يتجنب حروبا تجارية لا نملك ترف خوضها في هذا الوقت الذي تغرق فيه التجارة في مختلف أرجاء المعمورة'.
وعلى اية حال فان الاوروبيين ليسوا بأقل حصانة أمام الاغراءات الحمائية. فخلال الاسبوع الماضي على سبيل المثال كان وزير الصناعة الفرنسي لوك شاتيل في بروكسل سعيا وراء موافقة غير مرجحة من جانب مسئولي الاتحاد الاوروبي على خطته المثيرة للجدل والتي تقضي بضمان أن تشتري شركات صناعة السيارات الفرنسية مكونات فرنسية فقط.
ولم يغب وزير الزراعة اليوناني عن المشهد إذ يدفع هو الاخر باتجاه مزيد من الدعم لقطاع الزراعة في خضم احتجاجات عن يفة في الشوارع على تدني أسعار الحاصلات الزراعية .
كما أن مفوضة الزراعة في الاتحاد الاوروبي ماريان فيشر بويل أغضبت المنتجين في استراليا ونيوزيلندا بالفعل بإعادة تقديم دعم للصادرات لمنتجات الالبان الاوروبية.
على جانب آخر فان زميلتها مفوضة المنافسة نيللي كرويس من المتوقع أن تتعرض لضغوط متزايدة من جانب الحكومات القومية للتخفيف من القيود الصارمة التي تفرضها الكتلة بشأن نوع المساعدات الحكومية المسموح أو غير المسموح بها.
وصرح جوناثان تود المتحدث باسم الاتحاد الاوروبي بان كرويس أوضحت بجلاء للحكومات الاوروبية أن أية اجراءات حمائية تقود إلى ' تشويه غير متناسب للمنافسة' لن تؤدي إلا إلي مفاقمة الركود ثم تدمير السوق الواحدة للكتلة الاوروبية في خاتمة المطاف' التي هي ' مصدر للنمو والرخاء في الاتحاد الاوروبي كما يقر الجميع'. واستطرد تود قائلا ' كافة الدول الاعضاء تدرك أنها لو أثارت الفرقة والانقسام وقادت السوق الداخلية إلى الفوضى فإنها ستخسر كثيرا'.
وقال المفوض إن كوريس 'عدلت ' بالفعل بعض القواعد بهدف مساعدة الحكومات على إنقاذ البنوك التي تضررت بشدة بفعل تداعيات الازمة المالية العالمية .
وتعهد زعماء الاتحاد الاوروبي خلال قمتهم التقليدية في بروكسل التي عقدت في كانون أول / ديسمبر عبر البيان الختامي بـ 'رفض الحمائية'. بيد انهم أكدوا في ذات الوقت على حقهم في انقاذ الشركات التي سقطت فريسة للازمة المالية.
ومنذ ذلك الحين وافقت كل من فرنسا والمانيا على توفير تسهيلات إئتمانية بمليارات الدولارات لشركات الطيران المفلسة التي قدمت طلبات لشراء طائرات ايرباص أوروبية الصنع.
بيد أن ما أثار دهشة المحللين بشدة انه حتى شركة بوينغ الامريكية اكبر منافسات ايرباص لم تشتك من هذا التحرك.
ويقول غروس إن العالم يشهد 'اتجاها عاما نحو مزيد من تدخل الدولة'. ويضيف قائلا انه مع تأميم عدد كبير من البنوك في كل من أوروبا والولايات المتحدة فإن 'تدخل الحكومات صار الان مقبولا بشكل أكبر'.
وفي الوقت الذي يقلل فيه من مخاطر حرب عالمية تجارية جديدة فان أنصار التجارة الحرة يشكون من أن العالم دفن في الواقع وبقوة جولة الدوحة المتعثرة منذ فترة طويلة خلال المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي الذي عقد في دافوس الشهر الماضي.
ويدفع تيلفورد بانه بدلا من توجيه اللوم لاوباما فان يتعين على قادة الاتحاد الاوروبي معالجة الاسباب الحقيقية لضعف اقتصادياتهم.
وينطبق هذا بنحو خاص على المانيا التي يعتمد نموذجها في النمو الاقتصادي بشدة على التصدير.
وقال 'ظل العالم لردح طويل من الزمان ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها مستهلك الملاذ الاخير الامر الذي يعني أن المستهلكين الامريكيين هم الذين يقودون في الواقع النمو الاقتصادي العالمي. وخلص تيلفورد إلى القول 'سيتم إعادة التوازن الان في هذه الناحية لكن العملية ستكون مؤلمة'.