تشير مصادر غربية إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية قدمت تقريراً، سُرِّب مؤخراً، للرئيس باراك أوباما حول الوضع في مصر، وذكر محللو البنتاجون أن الرئيس الأمريكي يحاول بأي ثمن قبل نهاية الصيف التدخل العسكري في مصر ما قد يكون انتحاراً عسكرياً، ولن يغير المعطيات بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط بل سيؤذي المصالح الأمريكية ومناطق أخرى من العالم.
وقد طالبت إدارة أوباما بإعداد نص تقدير موقف حول سيناريوهات التدخل العسكري الفعلي، وفقاً لمعطيات جديدة تعمل عليها الإدارة الأمريكية، وتجعل من التدخل العسكري عملاً مقبولاً دولياً وبدعم الأمم المتحدة.
ويذكر التقرير أن الجانب الأمريكي أبلغ الإخوان بتصوراتهم للعمل وفقاً لها ليسير حسب آلياتها الإخوان ومؤيديهم من التيار السلفي، وتركز خطة التدخل العسكري بأن يتحركوا على ثلاثة محاور الأول: توسيع نطاق الاعتصام داخل القاهرة وجعله أكثر تحصيناً وأكثر كلفة بشرية لفضه مما يتيح للإدارة الأمريكية إلقاء اللوم على الإدارة المصرية عند سقوط ضحايا، وإيصال صورة باعتبار الإخوان الأغلبية التي انقلب الجيش المصري عليها، وتعرضهم لموجة كراهية شديدة من قبل الشعب المصري، قد تتسبب بعملية إبادة شعبية مدعومة من الجيش وأجهزة الدولة، ما يتطلب تدخلاً سريعاً بذريعة الحيلولة دون عمليات تصفيات دموية.
والثاني: الضغط بشدة على الجزء الجنوبي من مصر، والقيام بعمليات ضد المسيحيين تستهدف منازلهم ودور العبادة بصورة واسعة، بشرط أن يكون واضحاً من يقوم بذلك ليس من الإخوان المسلمين المحاصرين في القاهرة، بل ينتمون للتيار السلفي المتشدد، مما يستدعي أيضاً التحرك لحماية الأقليات الدينية في مصر بظل تراجع دور الدولة، حتى لو لم يطلب المسيحيون ذلك.
والمحور الثالث: توسيع نطاق العمليات في سيناء وممارسة عمليات استفزاز عسكري على الحدود مع إسرائيل، والقيام بعمليات استعراض قوة، والقيام بأي شيء من شأنه تهديد سلامة الملاحة بقناة السويس، والتعرض بنفس الوقت لقوات حفظ السلام بسيناء والتي ستطالب بتعزيزها بناء على ذلك.
ووفقاً للخطة، فالمحاور الثلاثة لو نفذت باحترافية ونالت ما يكفي من التغطية الإعلامية، لوجدت المسألة المصرية طريقها للأمم المتحدة بسرعة، وعندها يمكن تدبير العديد من الأحداث التي وصفت بذات البعد الإعلامي، واستصدار مجموعة قرارات بعقوبات بحق مصر، تنتهي بتدخل عسكري فعلي.
وأشار التقرير لوجود خيارين للتدخل العسكري، الأول: التدخل كطرف وسيط بين تيار الإسلام السياسي والدولة، وتلعب دور الوسيط الضامن مثل الدور الذي لعبته الولايات المتحدة بين مصر وإسرائيل، مما يقتضي وجود آليات ضمان على الأرض، أي قوات مراقبة دولية، وأهم نقاط نجاح هذا الخيار وجود استعداد لدى الحكومة المصرية أو أطراف داخلها بمنح واشنطن فرصة لعب هذا الدور وتمريره شعبياً.
والخيار الثاني هو التحرك في حالة فشل الموالين للإدارة الأمريكية داخل الحكومة المصرية بإعطاء فرصة لنجاح الخيار الأول، وبالتالي سيتم التركيز أحداث الأراضي المصرية من كافة الجوانب، وشيوع حالة الفوضى بحماية الأقليات الدينية وحماية أتباع التيار الإسلامي، والسيطرة على العنف في سيناء وعلى ضفاف القناة، عندها سيكون متاحاً وفقاً لموافقة وإرادة دولية التدخل عسكرياً في مصر، يدعمه نجاح الإخوان بحشد مظاهراتهم أمام البيت الأبيض وتحقيق نجاحات إعلامية داخل الولايات المتحدة.
وأورد التقرير نتائج كارثية على السياسة الأمريكية إذا ما نفذ هذا السيناريو، مما شكل صدمة كبرى لإدارة أوباما وللإعلاميين وأعضاء في الكونجرس، واعتبرته الإدارة ضغط من البنتاجون على أوباما، لإثنائه عن أي إجراء عسكري تجاه الأزمة المصرية.
تحدث التقرير أيضاً عن معطيات محددة وبشكل شديد الواقعية، وجاء فيه متوسط السن للمصريين خاصة بين الذكور، وحدد عدد القادرين على حمل السلاح داخل مصر بعشرة ملايين من الذكور، وسبق لأكثر من ستة ملايين منهم التدرب عليه، ضمن الخدمة الإلزامية، متطرقاً لأنواع السلاح التي يمكن للمصريين الحصول عليها خارج نطاق القانون، موضحاً أنه لم يعد هناك احتكار للسلاح في مصر، خاصة بعد تسرب أسلحة الجيش الليبي لمصر، والكثير من المصريين بمقدورهم الحصول على السلاح سواء بشرائه أو بالحصول على أنواع منه مصنعة محلياً لن تكون مناسبة لاستخدامات الأفراد بمواجهة القوات النظامية، لكنها ستوقع الكثير من الخسائر.
وأوضح التقرير أنه إذا تحرك الأمريكان تحت شعار حماية الأقليات والمضطهدين ومن بينهم تيار الإسلام السياسي، فإن ذلك سيستفز قطاعات عنيفة من الشعب المصري حافظت على صمتها حتى اللحظة، لكن قد تخسر واشنطن حلفاءها من الإسلاميين على الأرض ضمن موجة تصفية جسدية عنيفة للغاية، لا يمكن أن يتدخل فيها أحد.
وأضاف التقرير: إذا خرج الجيش المصري من المعادلة فإن الأمر لن يتغير كثيراً، فالجيش تدرب كثيراً خلال العام الماضي على تكتيك حرب العصابات وحروب المدن، والعمل ضمن ظروف لا تضمن القدرة على التواصل مع القيادات عبر الوسائل المألوفة، وتمت زيادة أعداد القوات الخاصة بأنواعها، ما يعني أن واشنطن لو قررت توجيه ضربات مؤلمة لنظم القيادة والسيطرة، فذلك لن يعني إمكانيتها الحفاظ على قواتها.
ففي حالة إخراج الجيش المصري من المعادلة فسيواجه الأمريكان أكثر التيارات اليسارية تشدداً ونمواً خلال العقود الماضية، والتي لم تعبر عن نفسها حتى الآن سوى في بعض المصادمات، لكنها ستستقطب الكثير من الفئات العمرية الشابة وستمثل تهديداً لوجود القوات الأمريكية بكل لحظة، وسيدعمها كثير من المصريين لوجستياً متأثرين بخطاب يؤكد أن التيار الديني تسبب باحتلال الدولة، ما سيعمق الكراهية من ناحية ويزيد من شعبية تلك التيارات من ناحية أخرى.
وسيكون بمقدور المصريين دون الاعتماد على الجيش ممارسة الحرب ضد وجود أي قوات عسكرية نظامية، ولن تكون هناك منطقة خضراء كما في العراق، وحتى شبه جزيرة سيناء ستشهد تطاحن العديد من الأطراف ولن يكون بمقدور القوات الاعتماد على تأييد دولي لفترة طويلة إذا ما تمكن بعض المتحمسين من تعطيل الملاحة في القناة، ولا يمكن الحيلولة دون ذلك في حالة الإصرار عليه.
وفي نهاية التقرير كان تقدير البنتاجون للموقف بأن التورط في مصر عسكرياً سيجعل من حرب فيتنام نزهة عسكرية، مقارنة بما سينتظر القوات التي يمكن الدفع بها للميدان وسينتهي الأمر بخروجه من هناك بشكل أو بآخر، والنظام القادم في مصر لن يكون صديقاً، وسيعمل بكل قوته على تقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة وقد يكون ذلك بتهديد إمدادات النفط أو باستهداف القطع البحرية المنتشرة في المتوسط.