مع تقدم الاستيطان الأمريكي نحو الغرب في القرن التاسع عشر، احتاج المستوطنون الجدد إلى أسيجة وجدران تحميهم في حربهم مع المواطنين الأصليين. وكان الخشب ومواد البناء الأخرى قد ندرت وغلا ثمنها خلال هذا التقدم. فبدأ التفكير في جعل الأسلاك المانعة للتقدم، أسلاكاً مؤذية لمن يلمسها أو يحاول المرور من فوقها. وتعدَّدت المساعي من دون نجاح في البداية.
وفي سنة 1873م، ابتكر جوزف فيرويل غليدن سلكاً مجهَّزاً بمسامير حادة جارحة، متباعدة قليلاً، سرعان ما صار يُستخدم في حجر القطعان في أرض مسيّجة. وسجَّل غليدن ابتكاره هذا في السنة التالية. وباع زميلاً كان يعمل في هذا الأمر اسمه أيزاك إيلوود، حصة من حقوق ابتكاره بمبلغ 265 دولاراً. وفيما بعد، أسسا معاً شركة سمياها: شركة السياج الشائك (Barbed Fence Company) ثم باع غليدن حصته الباقية، وهي النصف، لشركة واشبورن ومون الصناعية. لكن المحاكم ثبتت اسمه على أنه مبتكر الأسلاك الشائكة.
ويتكون السلك الشائك في الحقيقة من سلكين توأمين من الصلب المطلي بالزنك، يُلَوَيان معاً ويُزَوَّدان أشواكاً معدنية موزَّعة على أبعاد متساوية. وقد خطرت الفكرة لغليدن حين كان يحضر معرضاً للمواشي في ديكالب، بولاية إيلينوي. وقد رأى هناك أخشاباً بها مسامير، معلَّقة بأسلاك، لمنع المواشي من مغادرة أرض المعرض.
ففكَّر في الاستغناء عن الخشب في تثبيت المسامير، وكان الغرض من لَيّ سلكين أحدهما مع الآخر في البداية، تثبيت الأشواك أو المسامير بين السلكين. وحين كانت الفكرة لا تزال تراود غليدن، لم تولد بعد، شجعته زوجته على صنع سلك شائك لتسييج حديقة منزلها. فكان الابتكار.
وعند بيعه اختراعه لشركة واشبورن ومون الصناعية حصل على 60 ألف دولار، ونسبة من أرباح الشركة. فلما مات غليدن سنة 1906م، كان قد صار من أغنى أغنياء الولايات المتحدة.
وقد صارت الأسلاك الشائكة لا يحتاج إلاَّ إلى أوتاد خشبية، تثبَّت عليها الأسلاك، في أربعة صفوف أو أكثر، متقاربة إلى الحد الذي يحول دون مرور البشر، أو يردع الماشية عن الاقتراب. فكل من يحاول تخطي السياج يصاب بخدوش مؤلمة، أو حتى بجروح. ويمد بعض أصحاب المزارع أسلاكاً شائكة فوق حافة السياج المشيد من الحجارة، حتى يمنعوا المتسلقين من اجتياز السياج.
ومثلما حدث مع ألفرد نوبل الذي اخترع تركيبة البارود من أجل الأعمال الهندسية، فحوّل آخرون اختراعه لأغراض الحروب، هكذا تحوَّلت الأسلاك الشائكة بسرعة لتصبح أداة في الحرب مع السكان الأصليين، ثم شاع استخدامها في كل الحروب، بل في أغراض الأمن عموماً.