قطع أعوان الحرس البلدي بصفتهم هيئة نظامية شبه عسكرية مسلّحة، ما يزيد عن 50 كيلومترا، في أول مسيرة من نوعها، انطلاقا من مركز الحرس البلدي بولاية البليدة، وإلى غاية بلدية بئر خادم، مرورا بعدّة دوائر ومناطق عمرانية، في وجهة إلى مقرّ الرئاسة، وكلّهم غضب على السلطات، التي تماطلت -حسبهم- في تصفية ملفّاتهم، والاستجابة لمطالبهم التي يرونها مشروعة ولا مجال للتنازل عنها.واستمرّت مسيرة قُرابة 15 ألف عون حرس بلدي مدّة 12 ساعة، من دون أن يعترض طريقهم أحد من السلطات الأمنية المختصّة، التي كانت تفتح لهم الطريق وتعمل على تنظيم حركة المرور، بدل فتح مجال الحوار وإقناعهم بشتى الطرق من أجل العودة والعدول عن قرار الوصول إلى رئاسة الجمهورية، نظرا لخطورة الموقف وحجم التهديد الذي قد ينجم عن جهاز شبه عسكري مسلّح، يرى بأن الحكومة تنكّرت لتضحياته طيلة سنوات الجمر. وقد مكث أعوان الحرس البلدي بولاية البليدة مدّة تزيد عن 15 يوما في اعتصام وطني، دون تدخل أية جهة على الرغم من الجموع التي كانت تصل إلى مقر الاعتصام،
حيث شارك في المسيرة أغلب مفرزات الحرس البلدي على المستوى الوطني، وذلك تحت حماية مصالح الدرك الوطني التي كانت ترافقهم على هيئة موكب رسمي، على الرغم من أن الأمين العام لولاية العاصمة، ''محمد حطاب'' راسل قيادة الدرك الوطني وجهاز الشرطة عند الساعة 11 صباحا من أجل اعتراضهم. وتمكّنت كلّ المركبات التي على متنها أعوان الحرس البلدي التي انطلقت إلى العاصمة من الوصول إلى مقرّ الإعتصام، وهم يرتدون الزي الرسمي، في الوقت الذي بيّنت التجارب السابقة أن مصالح الأمن تعمد إلى غلق كلّ مداخل العاصمة، عند عزم أية جهة تنظيم مسيرة داخلها، وهو ما عزل كلّ المسيرات التي كانت مقرّرة بالعاصمة، في الوقت الذي رفضت هذه الجهات اتباع نفس المنهاج في إفشال مسيرة الحرس البلدي، على الرغم من أنّها تعدّ الأخطر على استقرار الوضع داخل العاصمة. ودعّم هذا الموقف المبهم للجهات المختصّة في إيقاف هذه المسيرة، غموض تصرّف مصالح الدرك الذين رافقوا المسيرة من بدايتها وحتى نقطة الالتحام مع أعوان الشرطة، إذ لم يتم إيقافهم حتى بلوغ نقطة اختصاص جهاز الشرطة، وما برز من مواجهات بين الطرفين وإخوة السلاح ومكافحة الإرهاب، كادت تقود إلى فتنة على مرأى ومسمع من الجهات العليا في الدولة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول الجهة التي لها مصالح في وصول الحرس البلدي إلى قصر الرئاسة. وكانت وجهة الحرس البلدي واضحة من البداية وهي قصر الرئاسة، في حين لم تتّخذ أية إجراءات وقائية جادّة لإيقاف ذلك منذ البداية، وقبل تفاقم الأوضاع، خاصة وأن مصالح الدرك الوطني التي سايرت كل مراحل المسيرة، كانت تعلم أن هناك دفعات من الحرس البلدي تنتظر بعضها بعضا على أرصفة الطريق الذي تسلكه القوّة الكبرى القادمة من البليدة، إلا أنه لم يتم العمل على تفريقهم على الأقل بعزل المسيرة التي توقفت في أكثر من نقطة في طريقها إلى العاصمة.وكان من الواضح أن عناصر الحرس البلدي كانوا يفكّرون في تجاوز كل العقبات في طريقهم إلى وجهتهم، وذلك من خلال الشعارات التي تدلّ على خطورة بلوغهم شوارع وأزقة العاصمة، والتي جاء فيها ''الموت ولا الرجوع إلى الوراء''، وهي الشعارات التي كانت توحي بإمكانية حدوث فتنة، والعودة إلى نقطة الصفر في استقرار وأمن الجزائر التي تجاوزت كل دعوات الفتنة و''التخلاط'' في عهد ما أُطلق عليه ''بالربيع العربي''. والسؤال الذي يطرح نفسه أيضا، يدور حول جدوى انتظار 5 ساعات لإيقاف مسيرة الحرس البلدي، ببلدية بئر خادم على الرغم من طلب الأمين العام لولاية العاصمة بضرورة عزل المسيرة وتفريقها عند الحادية عشرة صباحا، حيث كانت جموع عناصر الحرس البلدي لم تتجاوز بعد بلدية بئر توتة، وكان في الإمكان إقناعهم بالعودة، أو التوصّل إلى حلّ يُرضي جميع الأطراف وتجنّب المواجهة مع أعوان الشرطة في بئر خادم. وخلّفت المواجهة التي جرت بين أعوان الحرس البلدي وقوات مكافحة الشغب مئات الجرحى من الجانبين.