التّوازنات والتّفاعلات الجيوستراتيجيّة والثّورات العربيّةتهدف هذه الورقة إلى تحليل أثر الثّورات العربية الجيوستراتيجي المحتمل إقليميًّا وعالميًّا، كما تعالج أثر العوامل الجيوستراتيجيّة في هذه الثّورات. وهي لا تنظر في عوامل نشوب الثّورات وأسبابه، ولا في دوري الاقتصاد والإعلام وغيرهما في نشوبها؛ كما أنّها لا تعالج بنية الثّورات العربية. وتدحض هذه الورقة عددًا من الأفكار المسبقة غير المؤسّسة على معلوماتٍ ووقائعَ.
مقدّمة[b]
قد تبدأ الثّورات العربيّة تحقيبًا جديدًا لتاريخ المنطقة العربيّة، إذا ما نجحت في تحقيق تحوّل ديمقراطي. ويصحّ منذ الآن أن ننظر إليها كثورات يتداخل فيها السّياسي والاجتماعي إلى درجة يصعب معها فصلهما. ولكن لا يمكن النّظر إلى موجة التّغيير والثّورات العربيّة في إطارها الاحتجاجي الدّاخلي فقط، وذلك على الرّغم من مركزيّة هذا البعد في انطلاقتها كثوراتٍ اجتماعيّة اجتاحت -في نمطها العامّ- الجمهوريّات العربيّة، إذ دقّت في مناسباتٍ عديدة أجراس التّغيير والإصلاح في ملَكيّات مثل البحرين، والأردن، والمغرب.
ذلك أنّ لهذه الثّورات بعدًا جيوستراتجيًّا مهمًّا أيضًا؛ وهو يتمثّل أساسًا في تأثيرها في الخريطة الجيوسياسيّة في المنطقة، وما يرتبط بها على مستوى العالم. وقد تبيّن في بعض الحالات أنّ للبعد الجيوستراتيجي تأثيره المباشر أيضًا في الثّورات، وهذا بتفاوتٍ من ثورةٍ إلى أخرى.
لم يُنظَر للثّورات من هذه الزّاوية في بداية انطلاقتها بتونس. وكان من الطّبيعي أن يُنظر إلى تأثير الثّورة المصريّة الجيوستراتيجي، بسبب وزن مصر الإقليمي. ولكن بوصول الثّورات إلى محاورَ جيوسياسيّة تشهد تبايناتٍ في توجّهات الفاعلين الجيوستراتيجيّين والإقليميّين، مثل: البحرين، واليمن، وسورية؛ بدت حركات الاحتجاج كما لو أنّها تعكس نسقًا من التّفاعلات داخل النّظام الدّولي والإقليمي، نظرًا لتقاطع المصالح واختلافها، وانعكاس ذلك على مواقع الفاعلين الجيوستراتيجيّين وأدوارهم في منطقةٍ تُعدّ "بؤرة الأزمات عالميًّا" لأهمّية موقعها جيوسياسيًّا، وجيواقتصاديًّا.
وكما هي حال المنطقة العربيّة كحدٍّ جغرافيّ متأثّر بأدوار الفاعلين الإقليميّين والدّوليّين ومواقعهم؛ فقد انطلقت الثّورات العربيّة في ظلّ تغيّرات جيوستراتيجيّة. وأحدثت تغيّرات تبدو -إذا ما نُظر إليها نظرة استشرافيّة بأنها ستكون بالغة التّأثير في تحديد الخريطة الجيوستراتيجيّة من ناحيتي أوزان القوى وأدوارها والمحاور الجديدة المحتملة؛ بكيفيّةٍ تتلاءم طردًا مع مقدرات الدّول المعنيّة، وطموحاتها، وأهميّة المنطقة العربيّة.