كما هو معلوم أن أول ما يتعلمه المتخصصون في علوم الطيران سواء أكانوا طيارين أو مهندسين أو فنيين هو طبيعة الوسط الذي سيتعاملون معه وهو الغلاف الجوي، إذ أن فهم الطبيعة الفيزيائية لهذا الوسط هي التي ستتحكم في أداء المركبات الجوية بمختلف أنواعها و بالتالي كيفية تصميمها و تشغيلها.
علاوة على محاولة ولوج الفضاء و تقديمه للقراء بصورة مبسطة نتمنى أن تنال إعجابكم حيث رأينا أنه من الأفضل أن نبدأ معكم مسيرة نشر ثقافة في مجال الطيران و الفضاء من الأساس المبني عليه هذا العلم و التدرج في سبر أغواره و الإطلاع على أسراره و نقل ما يستجد من أخباره.
يسمي بالغلاف الجوي بهذا الاسم لأنه يغلف كوكبنا الأرض ممتداً من قشرتها وحتى ارتفاع يصل إلى 10،000 كم بحسب بعض التصنيفات. يحتوي على تركيبه من الغازات بنسب متفاوتة و ذلك لتوفير الجو والمناخ الملائم للكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات حسب الحاجة فبدونه سوف لن تكون هناك حياة على وجه الأرض فهو يحمل مزيجا من الغازات و الأبخرة والأكسيد ممثلاً في غاز النيتروجين بنسبة تصل إلى 78 % من مكوناته وغاز الأكسجين 21% بينما تمثل باقي الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون والآرجون ما نسبته 1% هذا المزيج من الغازات يعرف بالهواء الجوي.
و يقوم الغلاف الجوي بحماية الحياة علي كوكبنا وذلك بامتصاصه الإشعاع الشمسي والأشعة فوق البنفسجية الضارة ويخفض التغير الكبير في درجات الحرارة بين الليل و النهار.
حيث لا يوجد حتى اليوم تعريف واضح لحدود الغلاف الجوي ، وتتباين حوله نظريات العلماء و المختصين، فالغلاف الجوي يصبح أقل كثافة مع زيادة الارتفاع حتى يتلاشى تأثيره ، حيث أن 75 % إلى 80 % من كتلته تتركز في الطبقة الأولى منه الممتدة حتى ارتفاع متوسط يبلغ 11 كم و التي تعرف بطبقة التروبوسفير K(Troposphere) وهى مصطلح إغريقي متكون من كلمتين تروبو (Tropo) و تعني (متبدل أو متغير) و كلمة سفير (Sphere) و تعني (كروي) لإحاطتها بالأرض حيث يختلف ارتفاع هذه الطبقة عند الأقطاب ليبلغ 7 كم ويزداد عند خط الاستواء ليصل إلى 17 كم ففي هذه الطبقة ، تنشط معظم الظواهر الطبيعية والتغيرات الجوية ويتركزفيها النشاط الإنساني من الطيران إلى رصد الظواهر الطبيعية حيث ينخفض فيها معدل الأكسجين والضغط و كثافة الهواء الذي تزداد لزوجته مع زيادة الارتفاع فمن أهم المتغيرات فيها هي درجة الحرارة التي تنخفض بمعدل حوالي 6.5 درجة مئوية لكل 1 كيلومتر أو 2 درجة مئوية لكل 1000 قدم، لتصل في أعلى الطبقة إلى حوالي 56 درجة مئوية تحت الصفر لثبتت من جديد مع زيادة الارتفاع في طبقة تسمى التروبوبوز (Tropopause) وهي مصطلح لاتيني يتكون من كلمتين تروبو (Tropo) و تعني التغير وبوز(Pause) و تعني التوقف عن فعل شيء مؤقتا أي توقف التغير (الانخفاض في الحرارة) و تعني هنا التغير في درجة الحرارة و تتميز بجفاف الهواء فيها و لهذا السبب تعرف بالمصيدة الباردة (Cold Trap) لأنها تعمل على تحويل بخار الماء المتصاعد من الأرض إلى جليد يحمي الأرض من فقد الماء المتكون فيها.
ومع زيادة الارتفاع تبدأ طبقة جديدة تسمى طبقة الستراتوسفير (Stratosphere) التي يصل ارتفاعها إلى 50 كم فوق سطح الأرض و كلمة ستراتو (Strato) كلمة لاتينية تعني (التوسع أو الانتشار) و يقصد بها هنا أن درجة الحرارة و بعد أن ثبتت عند 56 درجة مئوية تحت الصفر في طبقة التروبوبوز ستأخذ في الازدياد مجدداً و هو ما يلاحظه طيارو المقاتلات التي تطير على ارتفاعات عالية جداً مثل طيارو طائرة الميج 25 والذين يحلقون في مهام الاستطلاع على ارتفاع أكثر من 25 كم و يختبرون تأثير ارتفاع الحرارة على هيكل الطائرة البالغة أكثر من 300 درجة مئوية في السرعات العالية مع الانخفاض في الضغط الجوي . كما تحتوى هذه الطبقة كميات كبيرة نسبياً من غاز الأوزون الذي يشكل ما يسمى بطبقة الأوزون ذلك الحزام المتين الذي يحمي الأرض من الإشعاعات الكونية الضارة وتتركز طبقة الأوزون في الجزء السفلى من هذه الطبقة و التي تمتد إلى ارتفاع يتراوح بين 15 إلى 35 كم و لهذا السبب كانت هذه الطبقة عرضه للتلف نتيجة زيادة نسبة الآكاسيد الكربونية المتصاعدة من الأرض و خاصة من الطائرات لأنها تحلق بالقرب من هذه الطبقة. كما أن التحليق فوق مستوى هذه الطبقة يتضمن أضراراً تتعلق بالتعرض لجرعات عالية من الإشعاع الشمسي ذو الموجات الكهرومغناطيسية الضارة ، حيث أجريت بعض الدراسات على تعرض الأطقم الجوية لطائرات الكونكورد الذين يحلقون على ارتفاع 18 كم في المتوسط لجرعات عالية من الإشعاع قد تتسبب في آثار صحية خطيرة على المدى المتوسط و الطويل، وقد نتعرض لهذا الموضوع بالدراسة و البحث في مقالات قادمة.
ومع زيادة الارتفاع نصل إلى الطبقة التالية و التي تعرف بطبقة الستراتوبوز وهي طبقة رقيقة نسبياً تفصل بين طبقتي الستراتوسفير و الميزوسفير وترتفع مسافة 50 إلى 55 كم من سطح الأرض حيث يبلغ عندها الارتفاع في درجة الحرارة معدلاتها القصوى، وبالاتجاه صعوداً تظهر طبقة الميزوسفير (Mesosphere) وكلمة ميزو (Meso) كلمة إغريقية تعني (المتوسط) وهى تمتد من ارتفاع حوالي 50 كم وحتى ارتفاع 85 كم، وما يميزها هو انخفاض الحرارة مجدداً وهى الطبقة التي تحترق فيها معظم ذرات الغبار الكوني المحملة بالإشعاع الذري عند محاولتها دخول الغلاف الجوي، فمثلاً عند إطلاق الصاروخ (R-17) أو ما يعرف بالسكود ب (Scud B) وتحليقه كمقذوف سيصل إلى ارتفاع حوالي 80 كم أي أنه سيخترق كل الطبقات التي سبق شرحها بكل ما فيها من تغيرات في طبيعتها الفيزيائية، ليعاود الرحلة انخفاضا بالغاً مداه الأقصى (300 كم) الأمر الذي يعتبر تحدياً يواجه المصممين و لهذا روعي نوع المواد المصنع منها و شكله ليلاءم ويتحمل المتغيرات المتكررة في درجة الحرارة والضغط و غيرها صعوداً وهبوطاً.
لتأتي بعد ذلك طبقة تسمى الثيرموسفير (Thermosphere) تمتد حتى ارتفاع أكثر من 640 كم والثيرمو تعني هنا (الحراري) لأنها تتميز بارتفاع درجة الحرارة فيها كلما زاد الارتفاع ، وتجدر الإشارة هنا أن هذه الطبقة هي التي تستخدمها المحطات الفضائية مثل المحطة الفضائية الدولية التي تقبع على ارتفاع 400 كم والأقمار الصناعية التي تستخدم المدارات المنخفضة الارتفاع. وإذا استمرينا صعوداً ستظهر الطبقة المعروفة بالأيونوسفير (Ionosphere) وهى الطبقة المتأنية بفعل الإشعاعات الشمسية والتي تجعل الموجات المرسلة من الأرض تنعكس عليها لترجع مجدداً إلى الأرض، نظراً لتأين جزيئات الغلاف الجوى تنتج الظاهرة المعروفة بالأورورا (Aurora) المسؤولة علي تغير لون السماء و تزينها بألوان زاهية في فترات معينه من النهار حيث تتركز هذه الظاهرة في مناطق القطبين نظراً لتعرضها إلى إشعاعات شمسية أكثر قوة.
ومن ثم تأتي آخر الطبقات المتعارف عليها و = هي طبقة الايكزوسفير (Exosphere) و كلمة إكزو تعنى هنا الخارجي و ليس لهذه الطبقة حدود واضحة فهي تمتد من ارتفاع 500 إلى 1000 كم وحتى ارتفاع 10،000 كم وتتميز بوجود الهيدروجين المتأين فيها بشكل أساسي حيث ينخفض فيها تأثير الجاذبية الأرضية مما يسهل على الذرات المكونة لها الهروب نحو الفضاء الخارجي وعملياً هذه الطبقة هي التي تستخدمها بعض الأقمار الصناعية ذات المدارات المتوسطة...........................................................................................................منقول