كل الشواهد الماثلة أمامنا, تنذر بأن الحرب وشيكة في شبه الجزيرة الكورية, وأن منطقة شمال شرق آسيا تنتظر انطلاق الرصاصة الأولي, لتبدأ الحرب الكورية الثانية التي جرت جولتها الأولي لثلاث سنوات
ابتداء من.1950 هذه الشواهد يعززها ويقولها الإجراءات التصعيدية من جهة كوريا الشمالية, التي هددت بشن حرب نووية وصفتها بالوقائية ضد الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية وحليفتها الولايات المتحدة, ورفعها درجة التأهب في صفوف جيشها وتوجيه صواريخها في اتجاه أمريكا, وإعلانها أنها في حالة حرب مع كوريا الجنوبية.
التطورات المتلاحقة في شبه الجزيرة الكورية تثير علامة استفهام كبيرة تتعلق بإقدام بيونج يانج علي التشدد في موقفها بهذا الشكل الصارخ, مما يفتح الأبواب لاندلاع حرب لن تقتصر علي طرفي النزاع فيها, وهما سول وبيونج يانج, لكنها ستكون عالمية, فالولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الايدي إذا هوجمت كوريا الجنوبية, نظرا لارتباط البلدين بمعاهدات تحالف عسكرية تجيز لواشنطن التدخل. كذلك فإن الحليف, وهو اليابان سيتعرض للخطر, وإن أقدمت كوريا الشمالية علي مهاجمة الجزر اليابانية فإنها لن تتخلي عنه وستدعمه, في الوقت نفسه فإن الصين تربطها علاقات وثيقة بالنظام الشيوعي في بيونج يانج وستضطر لحماية حدودها البرية المشتركة مع كوريا الشمالية.
غير أن القراءة المتمهلة للخطوات الكورية الشمالية تفاجئك بأن رفعها سقف التهديد والوعيد ليس سوي انعكاس لحالة من القلق المزمن المسيطرة علي الحكومة الشيوعية في بيونج يانج, علي الرغم مما تكتظ به ترسانتها من أسلحة وقدرات غير تقليدية, وأنها ربما كانت خطوة تكتيكية تستهدف اجبار الأطراف المعنية, وعلي رأسها أمريكا إلي طاولة المفاوضات.
ومن الواضح أن الطبقة الحاكمة في الشطر الشمالي تخوض معركة طاحنة علي النفوذ والسيطرة وتريد ضمان عدم ميل الجيش لطرف من الأطراف المتنازعة عبر توجيه تركيزه الكامل صوب مواجهة مؤامرة خارجية تقودها سول وواشنطن ضد النظام القائم. كما أن بيونج يانج غير مرتاحة وقلقة إزاء نبرة التشدد التي أبدتها رئيسة كوريا الجنوبية الجديدة باك جون هاي حيال كوريا الشمالية وإصرارها علي أن تتم عملية تطبيع العلاقات بين البلدين علي مهل, وألا تقدم حوافز لبيونج يانج دون الحصول علي تنازلات أو مقابل منها. المثير في الأمر أن تشدد رئيسة كوريا الجنوبية الجديدة ليس مفاجئا, وهو ما التزم به سلفها كيم ميونج باك, فما الذي استجد؟
علي كل يبدو أن هذا الموقف استفز كوريا الشمالية كثيرا, خاصة إذا وضعنا في الاعتبار احتياجها للمساعدات الخارجية للتخفيف من حدة متاعبها الاقتصادية الصعبة, ومن ثم أرادت التقدم خطوة علي أمريكا وكوريا الجنوبية بإيصالها الأمور إلي حافة الهاوية, حتي تراجع كل الجهات مواقفها وتميل ناحية اللين.
علاوة علي ذلك فإن الشطر الشمالي يدرك تمام الإدراك أن تكاليف الحرب ستكون باهظة وفادحة علي الصعيدين البشري والمالي, ويعلم أن الشطر الجنوبي يمتلك8 أقوي جيوش العالم, ولديه أسلحة متقدمة للغاية, ويخصص29 مليار دولار سنويا لموازنته العسكرية في مقابل7 مليارات دولار للشطر الشمالي. فالمعركة لن تكون متكافئة القوة, خصوصا وأن تسليح الجيش الكوري الشمالي يعد قديما للغاية, ويعاني من مشكلات في التحديث والصيانة بمختلف أفرعه, ولعل أفضليته تنحصر في الشق المتصل بالقدرات النووية والصاروخية غير التقليدية, بالإضافة إلي اعتماده علي المدفعية بعيدة المدي القادرة علي إحراق سول التي تبعد40 كم فقط من خط الهدنة الفاصل بين شطري كوريا. وعند استخدام السلاح النووي فإن كوريا الشمالية ستكون أول المتضررين وستواجه مأزقا صعبا في توفير الخدمات الطبية اللازمة لتطويق آثاره.