ما يسمى بالربيع العربي قدم للمنطقة وفي جعبته حركات وتنظيمات الإسلام السياسي ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين التي باتت تسيطر على مقاليد الحكم والسلطة في العديد من الدول العربية إضافة للإسلامية منها، ناهيك عن الوهابية السلفية التكفيرية التي تتواجد بقوة في العديد من مناطق ودول العالم وبمقدمتها السعودية. أعاصير الشتاء العربي دمرت الكثير من الدول العربية مثل تونس وليبيا ومصر، ولا تزال سرعتها شديدة في سوريا، وهذه الأعاصير الأصولية المتشددة حاولت ترسيخ فكرة نجاحها من خلال البوابة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية الأصولي وحكومته التي يرأسها رجب طيب أردوغان صاحب الجذور الإخوانية. التجربة التركية الإخوانية كادت تنجح لولا تورط حكومة أردوغان بالحرب على سوريا وسفك دم شعبها، ومع ذلك يصر إخوان تركيا على نجاح تجربتهم بقيادة البلاد نحو ازدهار اقتصادي واجتماعي ومعيشي، وربما يكون حزب العدالة والتنمية قد نجح بذلك نوعاً ما، إلا أن الاستبداد الذي أبداه تجاه الشعب التركي، وقمع الحريات وكم الأفواه وملاحقة الصحفيين والاستئثار بالسلطة بعيداً عن الأطراف السياسية التركية الأخرى وخصوصاً العلمانية منها، جعل التجربة الإخوانية في تركيا تفشل فشلاً ذريعاً. فالثورة التركية الحالية أكبر دليل على فشل جماعة الإخوان المسلمين بالإطباق على تركيا وشعبها ومقدراتها، وهذا الأمر بالتحديد أفشل المشروع الإخواني في مصر بقيادة محمد مرسي، فلو استمر مشروع الجماعة في تركيا لكان مصيرها في مصر أفضل. الشأن السوري فضح النوايا والتوجهات الإخوانية التركية، وأوضحت الأزمة السورية مدى تورط أردوغان الإخواني بالجرائم والسرقات التي حصلت في سوريا ولا تزال، فالإخوان من نشأتهم مستمرون على نفس النهج الدموي الإجرامي الذي اتخذوه سبيلاً لتعميم فكرهم الأصولي في كل مكان وصلوا إليه. فهم يتعاملون مع الأمور وكأنهم في عصور الجاهلية الأولى، فمن يقف بطريقهم يزيلونه بأبشع الوسائل الممكنة، وهذه الجماعة لا تعتمد إلا الشعارات الدينية المتشددة وركزت جهودها منذ تأسيسها على تأصيل فكرة الأخونة للمجتمعات العربية وكذلك في الساحة الإسلامية بعيداً عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني وقيم الديمقراطية المزعومة التي يتباكى عليها أردوغان في سوريا، ويسحق من يطالب بها في تركيا. في الظاهر لدى الحركات والتنظيمات والأحزاب الإخوانية، كل ما هو ليس إسلامياً فهو حرام حتى ولو كان ضمن أطر الأخلاق والإنسانية، وكل من لا يطبق الفكر الأصولي فهو كافر، ويغرقون المجتمعات بمجادلات أيديولوجية عقيمة، وشعارهم: الإسلام السياسي هو الحل الأنسب للشعوب وفق صبغة خرافية تتمحور حول الوصول للجنة عبر الموافقة والمصادقة والانصياع للرغبات الإخوانية، بينما مضمونهم يؤكد الاستهزاء بالأديان، فكل ما يفعلونه لا يمت للإسلام بصلة، وهم من رسخ فكرة القتل والذبح والتقطيع وأكل لحوم البشر. الإخوان لديهم ماكينات إعلامية جبارة تقلب وتزيف الحقائق، وتختلق الأحاديث والتوجيهات الدينية بما يخدم مصلحتهم العامة والخاصة، فحزب العدالة والتنمية خدع أتباعه في تركيا بشعارات براقة خلبية، وزور بنتائج الانتخابات الأخيرة، حتى أن بعض المراقبين أكدوا بأنه قد ساق الناخبين إلى صناديق الاقتراع عبر إيهامهم بمستقبل اقتصادي واجتماعي زاهر، واستعمل بهذه الانتخابات بطاقات شخصية لأكثر من 700 ألف متوفى من الشعب التركي. في البلدان التي تتواجد فيها هذه الجماعة الأصولية الدموية، تعتبر الأقليات من أهم أعدائها، فيسعى الإخوان لسحقها والقضاء عليها بشتى الوسائل، وتعلن تكفيرها لأي شخص تعود أصوله وجذوره لهذه الأقليات، تماماً كما حصل في سوريا بثمانينيات القرن الماضي، وما يحدث فيها اليوم أيضاً، إضافة لتركيا ومصر التي يشكل المسيحيون فيها أقلية، ومنذ وصول محمد مرسي لسدة الحكم في البلاد يعاني المسيحيون من الاضطهاد والاستبداد والإجرام الإخواني. كما تمارس جماعة الإخوان في مصر الضغوط الشديدة على لجنة إعداد الدستور التي أغلبيتها من الإخوان لكي لا يتم إقرار قانون منع الاتجار بالفتيات، ويطالب بعض أعضاء الجماعة بإباحة زواج الفتيات عند بلوغهن التاسعة من العمر، متحدين كل قوانين الأرض التي تشدد على حماية واحترام الطفولة والأطفال. وهذه الجماعة المؤذية للدين والإنسان تقدم الوعود الكثيرة للشعب وخصوصاً في مصر، فقد وعد مرسي بخطة 100 يوم لحل مشاكل النظافة والمرور ورغيف الخبز في البلاد، لكنه لم يفِ بوعده وتفاقمت الأوضاع بشكل خطير، ناهيك عن مشروع النهضة الذي تفتق عنه عقل القيادي الإخواني خيرت الشاطر والذي ما يزال وفق تصريحاته يفكر بكيفية تنفيذه. إخوان تركيا الأذكياء سيطروا لسنوات طويلة على عقل الشعب بعكس إخوان مصر الأغبياء الذين خسروا الشعب خلال أشهر معدودة، فالمسلسلات التركية الغامضة انتشرت في العالم العربي والإسلامي بطريقة مخيفة، وتتم دبلجتها لجميع اللغات، وأصبح نجومها أكثر الشخصيات تأثيراً بالمجتمعات العربية والإسلامية المتخلفة، في حين مصر محمد مرسي تلاحق المذيعين والممثلين والنجوم وتحاول القضاء على التراث الفني المصري، وقضية الفنان عادل إمام أكبر دليل على التعسف الإخواني باستخدام السلطة. كما أن الجماعة في مصر تلاحق الإبداع والمبدعين بذريعة الخروج عن الملة، وكم من مرة خرج وزير الإعلام الإخواني المصري مؤخراً ليؤكد أنه سيمنع مسلسل الجماعة من الإنتاج والعرض لأنه يمس بما لا يعجب الإخوان المسلمين. أردوغان الإخواني استطاع خداع الشعب التركي والشعوب العربية بأنه ضد إسرائيل، وذلك بمسرحيته في دافوس حيث افتعل إشكالاً متفق عليه مسبقاً، مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بحجة الدفاع عن أطفال غزة، بينما محمد مرسي الأصولي لم يخفِ محبته واحترامه لصديقه العزيز بيريز عبر رسالة وجهها له عند وصوله للرئاسة في مصر، ما أثار موجة قرف وغضب في الشارع المصري والعربي. عموماً... النهج والهدف الإخواني واحد في كل زمان ومكان، فإجرامهم واحد، وإرهابهم متطابق، وفكرهم المتشدد الظلامي والتكفيري لا يتغير، لكن الأساليب تختلف لتحقيق مصالح الجماعة ومن ورائها مصالح الكيان الإسرائيلي، وذلك حسب العقليات التي تدير هذه الجماعة المتشددة في أي بلد، وهذا هو الفارق الوحيد بين إخوان تركيا مصر، ففي تركيا استطاع حزب العدالة والتنمية تحقيق نتائج اقتصادية لا بأس بها بالتزامن مع تحقيق مصالحه الأصولية في البلاد والمنطقة عموماً، وإخوان تركيا وصلوا لمرحلة استطاعوا فيها السيطرة على شعوب المنطقة بشكل كبير إلى حين بدء الأزمة السورية حيث افتضحت نواياهم الإجرامية بحق الشعوب العربية والإسلامية، في حين إخوان مصر محمد مرسي لا يزالون يجلسون بجانب الترعة ينشدون ويحلمون بالفتيات الجميلات ليضيفونهن إلى آلاف النساء اللاتي تزوجوا بهن.(م.خ) |