auress54 القائد الاعلى للدرك الوطني
عدد المساهمات : 7617 نقاط : 11436 سمعة العضو : 567 تاريخ الميلاد : 05/05/1995 التسجيل : 29/12/2011 العمر : 29 الموقع : جبال الاوراس المهنة : جزائري نقاط التميز : 10
| موضوع: .مواعظ في موت الإسكندر المقدوني الخميس ديسمبر 12, 2013 3:11 pm | |
| رجع الأسكندر " إلى العراق فمات في طريقه بشهرزور بعلّة الخوانيق، وكان عمره ستّاً وثلاثين سنة في قول ، ودفن في تابوت من ذهب مرصّع بالجوهر وطلي بالصبر لئلا يتغيّر وحمل إلى أمه بالإسكندرية . وكان ملكه أربع عشرة سنة ، وقتل دارا في السنة الثالثة من ملكه ، وبنى اثني عشرة مدينة، منها : أصبهان ، وهي التي يقال لها جَبّي ، ومدينة هراة ، ومرو ، وسمرقند ، وبنى بالسواد مدينة لروشنك ابنة دارا ، وبأرض اليونان مدينة ، وبمصر الإسكندرية . فلمّا مات الإسكندر أطاف به من معه من الحكماء اليونانيين والفرس والهند وغيرهم ، فكان يجمعهم ويستريح إلى كلامهم ، فوقفوا عليه ، فقال كبيرهم : ليتكلم كلّ واحد منكم بكلام يكون للخاصّة معزّياً وللعامّة واعظاً ، ووضع يده على التابوت وقال : أصبح آسر الأسراء أسيراً !! ، وقال آخر: هذا الملك كان يخبأ الذهب فقد صار الذهب يخبأه !!، وقال آخر: ما أزهد النّاس في هذا الجسد وما أرغبهم في التابوت !! ، وقال آخر: من أعجب العجب أنّ القويّ قد غلب والضعفاء لا هون مغترّون !!، وقال آخر: هذا الذي جعل أجله ضماراً وجعل أمله عياناً ، هلاّ باعدت من أجلك لتبلغ بعض أملك ، بل هلاّ حقّقت من أملك بالامتناع من وفور أجلك !!، وقال آخر: أيّها الساعي المنتصب جمعت ما خذلك عند الاحتياج إليه فغودرت عليه أوزاره ، وقارفت آثامه فجمعت لغيرك وإثمه عليك !! ، وقال آخر: قد كنت لنا واعظاً فما وعظتنا موعظة أبلغ من وفاتك ، فمن كان له معقول فليعقل، ومن كان معتبراً فليعتبر، وقال آخر: رُبّ هائب لك يخافك من ورائك وهو اليوم بحضرتك ولا يخافك ، وقال آخر: رُبّ حريص على سكوتك إذ لا تسكت ، وهو اليوم حريص على كلامك إذ لا تتكلّم ، وقال آخر: كم أماتت هذه النفس لئلاّ تموت وقد ماتت !! ، وقال آخر- وكان صاحب كتب الحكمة - : قد كنت تأمرني أن لا أبعد عنك فاليوم لا أقدر على الدنّو منك !! ، وقال آخر: هذا يوم عظيم أقبل من شرّه ما كان مدبرا ً، وأدبر من خيره ما كان مقبلاً ، فمن كان باكياً على مَنْ زال ملكه فليبك ، وقال آخر: يا عظيم السلطان اضمحل سلطانك كما اضمحلّ ظلّ السحاب ، وعفت آثار مملكتك كما عفت آثار الذباب ، وقال آخر: يا من ضاقت عليه الأرض طولاً وعرضاً ليت شعري كيف حالك بما احتوى عليك منها ، وقال آخر: اعجبوا مّمن كان هذا سبيله كيف شهر نفسه بجمع الأموال الحطام البائد والهشيم النافد ، وقال آخر: أيّها الجمع الحافل ، والملقى الفاضل لا ترغبوا فيما لا يدوم سروره وتنقطع لذّته ، فقد بان لكم الصلاح والرشاد من الغيّ والفساد ، وقال آخر : انظروا إلى حلم النائم كيف انقضى ، وظل الغمام كيف انجلى ؟ وقال آخر: يا من كان غضبُه الموت هلاّ غضبت على الموت ؟! وقال آخر: قد رأيتم هذا الملك الماضي فليتعظ به هذا الملك الباقي ، وقال آخر: إن الذي كانت الآذان تنصت له قد سكت ، فليتكلّم الآن كلّ ساكت ، وقال آخر: سيلحق بك مَنْ سرّه موتك كما لحقت بمن سرّك موته ، وقال آخر: ما لك لا تقلّ عضواً من أعضائك وقد كنت تستقلّ بملك الأرض ؟ بل ما لك لا ترغب عن ضيق المكان الذي أنت فيه وقد كنت ترغب عن رحب البلاد ؟ ! وقال آخر: إنّ دنيا يكون هذا في آخرها فالزهد أولى أن يكون في أولها. وقال صاحب مائدته: قد فرشتُ النمارق ونضدت النضائد ولا أرى عميد القوم !!، وقال صاحب بيت ماله: قد كنت تأمرني بالادّخار فإلى من أدفع ذخائرك؟!! . وقال آخر: هذه الدنيا الطويلة العريضة قد طويت منها في سبعة أشبار ولو كنت بذلك موقناً لم تحمل على نفسك في الطلب. وقالت زوجته روشنك: ما كنتُ أحسب أنّ غلاب دارا يُغلب ، فإنّ الكلام الذي سمعت منكم فيه شماتة ، فقد خلف الكأس الذي شرب به ليشربه الجماعة ، وقالت أمّه حين بلغها موته: لئن فقدت من ابني أمرَه لم يُفقد من قلبي ذكره . "ابن الأثير في كتابه الكامل (1/243) عن موقع ملتقى الخطباء |
|