علق الجنرال الفرنسي الشهير نابليون بونابرت على سلاح المدفعية بقوله المأثور: بالمدفعية تصنع الحروب، ولا تزل الجيوش الحديثة ترى في الأسلحة التي ترمي نيران غير مباشرة مكونات قوية في ترساناتها.
يخضع دور المدفعية في القرن الحادي والعشرين لتغيير سريع بفضل توفر الذخائر الدقيقة التي تُرمى من سبطانات مدفعية غير معدلة، وذلك على نطاق واسع وبتكلفة منخفضة نسبياً.
حاولت غالبية الجيوش الحديثة الإبقاء على مزيج من نظم المدفعية الذاتية الحركة والمقطورة لتأمين المرونة التكتية والعملانية لها. تتمتع النظم الذاتية الدفع المدرعة والمجنزرة بمستوى عال من القدرة على المقاومة والبقاء، لكنها تفتقر في الوقت نفسه الى الحركية الاستراتيجية التي تؤمنها النظم المدولبة التي يمكن أن يتم نقلها بسرعة على متن طائرة نقل أو معلقة تحت بدن الطوافات.
شهد العقد الماضي تقدماً واسعاً في نظم الاتصالات الشبكية التي تربط فرق المراقبة على الخطوط الامامية ببطاريات الرماية ومراكز تنسيق مراقبة النيران. سرّع هذا الأمر الوقت الذي ابانه يمكن الحصول على نيران المدفعية وبعدها يعاد التسديد لضبط النيران على الهدف. تستخدم هذه
القدرة الآن على نطاق واسع وقد جعلت من المدفعية سلاحاً سريعاً جداً في الاستجابة للأوضاع القتالية التكتية.
المدفعية المجنزرةلا تزال نظم المدفعية المدرعة والمجنزرة متوافرة من عدة مصادر مختلفة. تسوق اليوم NORINCO مدفع PLZ45 وهو نظام من عيار ٤٥/١٥٥ ملم، تم تطويره أساساً ليلبي متطلبات جيش التحرير الشعبي الصيني. مع اطلاق القذيفة الفائقة السرعة ذات المدى الموسع الشديدة الانفجار (HE ER FB) النموذجية من NORINCO يمكن بلوغ مدى أقصى يقدر ب ٣٠ كلم. بيد ان هذا المدى يوسع أيضاً ليطال ٥٠ كلم مع القذيفة (HE ER FB) ذات الدفع الصاروخي المعزز المشققة القاعدة (BB RA) المطورة حديثاً.
بالاضافة الى ذلك، يختبر عدد من نظم المدفعية الجديدة، بما فيها نظام PLZ52 الذي يرمي قذائف من عيار ٥٢/١٥٥ ملم، بالاضافة الى نظام المدفعية الذاتية الحركة الجديد من عيار ١٢٢ ملم الذي يتمتع بقدرة برمائية.
ينشر الجيش الالماني نظام مدفعية وحيداً وهو نظام المدفعية الذاتية الحركة PzH 2000 من عيار ٥٢/١٥٥ ملم من انتاج Krauss - Maffei عمل هذا المدفع في افغانستان مع القوات الألمانية والهولندية.
اشترى الجيش الألماني ١٨٥ نظاماً، وبلغت المبيعات الخارجية لنظام PzH 2000، ٢٤ نظاماً تم تسليمها لليونان، و٧٠ نظاماً لإيطاليا استلمتهم من خط انتاج ايطالي، وقد طلبت هولندا ايضاً ٥٧ نظاماً. ورغم توقف انتاج هذا المدفع لكن هناك نظم مستعملة في السوق.
يبلغ وزن المدفع PzH2 000 القتالي ٥٥ طناً بما في ذلك نظام التلقيم النصف آلي الذي يحمل الذخيرة مع نظام الحشوة التضمينية (Modular Charge System - MCS) الذي يلقم يدوياً. يبلغ مدى الرماية الأقصى للقذيفة الشديدة الانفجار من نوع L15A2 من عيار ١٥٥ ملم، ٣٠ كلم، لكن يمكن توسيعه لأكثر من ٤٠ كلم مع الذخيرة المعززة.
طورت Oto Melara الايطالية، لحاجات سوق التصدير، نظام المدفعية الذاتي الحركة Palmaria من عيار ٤١/١٥٥ ملم، الذي تم بيعه الى ليبيا وحديثاً لنيجيريا، يشكل البرج أيضاً الأساس لنظام المدفعية الذاتية الحركة من نوع TAMSE VCA 155 من عيار ١٥٥ ملم، التي هي قيد الخدمة لدى الجيش الأرجنتيني، ويعتمد هذا المدفع على هيكل دبابة TAM المطول.
في سنغافورة، وبعد تطوير عدد من نظم المدفعية المقطورة من عيار ١٥٠ ملم ووضعها قيد الانتاج، وتشمل المدفعية FH-88 عيار ٣٩ وFH-2000 عيار ٥٢ والهاوتزر الخفيف المقطور الأكثر حداثة من نوع Pegasus عيار ٣٩ المجهز بوحدة طاقة ثانوية، ركزت شركة Singapore Technologies Kinetics (STK) بعد هذه التطويرات اهتمامها نحو نظام مدفعية ذاتي الحركة جديد. يعد نظام Primus الجديد من الفئة المجنزرة بالكامل، وهو مسلح بمدفع من عيار ٣٩/١٥٥ ملم مع نظام تلقيم نصف آلي، وتلقيم آلي للقذائف المشهبة. اما الحشوات الدافعة فهي تلقم يدوياً. يحمل النظام ٢٦ قذيفة من عيار ١٥٠ ملم والحشوات الدافعة العائدة لها.
القوة النارية المدولبةلقد كان في السنين القليلة الماضية اتجاه واضح نحو تصميم نظم المدفعية الذاتية الحركة المدولبة، وتطويرها ونشرها.
طورت الصين عدداً من نظم المدفعية الذاتية الحركة المدولبة وتقوم NORINCO بتسويق نظامين منها على الاقل وهما نظاما SH1 وSH2، لزبائن خارجيين محتملين.
يعتمد نظام SH2 من NORINCO على هيكل صالح للعمل خارج الطرقات المعبدة سداسي الدفع ٦٦ يتميز بقدرة دفع بالعجلات الامامية والخلفية، اما المدفع فمن عيار ١٢٢ ملم، مثبت على قاعدة في وسط الهيكل ويعتمد على السلاح المقطور D-30 التي تصنعه NORINCO محليا.
فرنسا، طوّرت النظام الذاتي الحركة المحمول على شاحنة من عيار ٥٢/١٥٥ ملم CAESAR كمشروع خاص من قبل شركة Nexter Systems وعرض النموذج الاولي منه للمرة الاولى عام ١٩٩٤. يعتمد نظام CAESAR الموضوع في الخدمة لدى الجيش الفرنسي على هيكل عربة Sherpa السداسية الدفع ٦٦ من انتاج Renault Trucks Defense، وتتمتع العربة بمقصورة محمية بالكامل. جهز النظام ايضا بنظام تحكم، بالنيران كمبيوتري، للسماح بتنفيذ عمليات مستقلة، كما وينقل CAESAR ١٨ قذيفة والحشوات العائدة لها. يبلغ المدى الاقصى لرماية قذيفة مشقوقة القاعدة وشديدة الانفجار HE-BB ٤٢ كلم. لغاية الآن طلب زبونا تصدير مدفعة CAESAR ويستخدم الجيش الفرنسي تلك المدفعية اثناء العمليات في افغانستان ومالي في العام الجاري.
تنهي "BAE Systems" الآن تطوير نظام المدفعية الذاتية الحركة FH-77 BW L52 Archer SP 6x6 وتنتظر ان تحصل على طلب لمجموعة من ٤٨ نظاما، ٢٤ منها للنروج والباقي للسويد. يعتمد Archer على هيكل عربة Volvo 6x6 لكل الاراضي مع مقصورة كاملة الحماية في المقدمة. ينقل النظام مجموع ٣٤ قذيفة وحشواتها ويبلغ المدى الاقصى ٤٠ كلم مع استعمال القذائف التقليدية وحتى ٦٠ كلم مع القذائف الموسعة المدى.
المدفعية المقطورةشهدت المدفعية المقطورة تقدماً هاماً في تطويرها بفضل استخدام مواد جديدة مثل التيتانيوم. ويُستخدم السلاح M777 من عيار ١٥٥ ملم، من انتاج BAE Systems بشكل واسع مادة التيتانيوم وسبائك التيتانيوم مما يتيح تخفيض الوزن بنسبة ١٧٥.٣ كلغ اي ما يعادل ٧٠٠٠ رطل مقارنة مع الهاوتزر من نوع M198 الذي سيحل محله في ترسانة الجيش الاميركي ومشاة البحرية الاميركيين. تم شراء المدفع M777 من قبل القوات المسلحة الاميركية، والكندية والاوسترالية التي تحب حركيته المماثلة للسلاح من عيار ١٠٥ ملم لكن مع قذيفته من عيار ١٥٥ ملم ذات القوة التدميرية الاكبر.
يبلغ مدى الرماية القصوى للمدفع M777 ٧،٢٤ كلم مع الطلقات غير المعززة و٣٠ كلم مع القذائف ذات الدفع الصاروخي. سيرمي المدفع M777 A2 قذائف من عيار ١٥٥ ملم موسعة المدى موجهة بواسطة الملاحة الموجهة بالقصور الذاتي وال GPS من نوع XM982 Excalibur من انتاج Raytheon/Bofors. تستخدم هذه القذائف نظم حشوات مدفعية تضمينية (Modular Artillery Charge Systems - MACS) تتمتع قذيفة Excalibur بمدى اقصى يبلغ ٤٠ كلم ودقة حوالي العشرة امتار يزن مدفع M777 ٧٤٥،٣ كلغ ويمكن نقله على متن طائرة نقل او سفينة ومعلقا اسفل طوافة. يمكن لاي عربة رباعية الدفع ٤٤ ذات مكابح عاملة على الهواء، وذات وزن يتعدى ٥،٢ طن قطره.
الضربة الدقيقةيحدث تطوير الطلقات الدقيقة التوجيه المجهزة بشهابات تصحيح المسرى، والتي يمكن اطلاقها من نظم مدفعية غير معدلة، تحدث ثورة في الدعم الناري غير المباشر. يعد الدعم اللوجستي الضخم اللازم لتغذية بطاريات المدفعية بالذخيرة تقييدا اساسيا لحركية نظم المدفعية الاستراتيجية والعملانية. وتساعد القذائف الدقيقة التوجيه امكانية تخفيض الدعم اللوجستي الضخم اللازم لدعم وحدات المدفعية في مناطق القتال.
يعد هذا الامر انجازا كبيرا للحد من التكاليف. من المعلوم ان القذائف الدقيقة مثل الذخيرة الدقيقة التوجيه (Precision Guided Munition - PGM) من نوع Excalibur من عيار ١٥٥ ملم من انتاج Raytheon/Bofors تعتبر منتجات كاملة تُلقّم وتطلق من سبطانات المدفعية وتؤمن درجة عالية من الدقة ضمن اطار خطأ دائري محتمل (CEP) لا يتعدى قطره ٥ امتار.
استخدمت الولايات المتحدة وكندا النماذج القديمة من Excalibur في افغانستان وينتظر ان تدخل قذائف Excalibur مرحلة الانتاج الكمي في المستقبل. هذا، وتبذل كل الجهود لتخفيض تكاليف الوحدة لاتاحة استعمال ذخيرة PGM على نطاق اوسع.
يركب الشهاب المصحح للمسرى في مقدمة قذائف المدفعية المعيارية من عيار ١٥٥ ملم وله زعانف صغيرة تضبط سقوط القذيفة في المراحل النهائية من الطيران نحو الهدف.
بعد دخولها في منافسة مع شركات اخرى، تم اختيار شركة "ATK" لتجهيز الجيش الاميركي بمجموعة توجيه دقيق (Precision Guidance Kit) مع وظائف تشهيبية ويعد الامر استبدالا مباشرا لشهابات المدفعية الحالية. واثناء التجارب، برهنت المجموعة عن ان احتمال الخطأ الدائري، "CEP" قدرة ٥٠ م على مسافة ٥.٢٠ كلم من الهدف وذلك عندما جهزت بها قذيفة M589A1 من عيار ١٥٥ ملم.
سيتيح نشر مجموعة PGK تخفيضا مهما في عدد القذائف المطلوبة لتدمير الهدف، الامر الذي من شأنه ايضا ان يفضي الى تخفيض رئيسي في طلبات الامداد بالذخائر.
تخطط فرنسا، من ناحيتها، لنشر ٣٠٠٠٠ من سهب تصحيح المسار من نوع "Spacido" بدءا من العام ٢٠١٧، في حين ان الذخيرة الدقيقة المترية (Metric Precision Munition - MPM) ستدخل الخدمة عام ٢٠٢٠. يؤكد الجنود الفرنسيون ان الجيش الفرنسي يسعى الى شراء الذخيرة الدقيقة التوجيه "Excalibur" من Raytheon وستؤمن هذه الذخائر قدرة دقيقة في الوقت الذي لا تزال فيه ذخيرة MPM تحت التطوير. تجدر الاشارة في هذا الصدد الى ان الذخيرتين ستكملان بعضهما مستقبليا مع توفير ذخيرة MPM توجيها ليزريا عوضا من التوجيه بالاقمار الاصطناعية "GPS".
قد تشتري المانيا ايضا ذخيرة Excalibur مع قرار يتخذ باختيار طلقة Raytheon وذخيرة Volcano من Oto Melara اثر اختبارات بهدف المقارنة. ستكون السويد المستخدم المستقبلي لذخيرة "Excalibur" التي استلمت ١٠٠ قذيفة منها، والنروج التي من المنتظر ان تطلب السلاح ليستخدم مع نظم المدفعية Archer العاملة لديها. وتسعى بريطانيا الى تحقيق شهاب لتصحيح المسرى، ومن المعتمد انها مهتمة بقذائف Excalibur.
تتحضر شركتا BAE Systems وUnited Technologies لدخول سوق الذخائر الدقيقة التوجيه من خلال تطوير القذيفة الموجهة النموذجية (Standard Guided Projectile - SGP) ومن المخطط له ان تطلق من كل من نظام المدفعية البحري Mk 45 Mod 4 عيار ٦٢، والاسلحة من عيار ١٥٥ ملم الخاصة بالقوات البحرية.
نفذ اختبار طيران موجه ناجح في حقل White Sands لرماية الصواريخ في New Mexico في وقت سابق من العام الحالي.
هذا وينوي مصنعو الذخيرة MS-SGP ان يبلغ مداها الاقصى حوالي ٦٠ ميل مع مستوى دقة اقل من ٥ امتار. تؤمن ذخيرة SGP وقت طيران سريع والقدرة على اعادة الاستهداف اثناء الطيران لمواجهة الاهداف المتحركة، وتلك التي يتغير نمط حركتها، وتهديدات السطح.
على الهدف
يستمر طلب جيوش العالم كبيرا على نظم المدفعية، يمكن لهذه النظم الجديدة ان تؤمن اصابات عالية الدقة في ساحة المعركة او حتى في منطقة القتال الاوسع. وبذلك، يمكن التأكيد ان المدفعية لا تزال سلاحاً اساسياً على ارض المعركة.
ثانيا
الردع والتقييد أدوار
جديدة للمدفعية
عندما نتكلم عن المدفعية يتبادر الى الاذهان دورها كسلاح تدمير الأهداف من مشاة، ودبابات، وطائرات وتحصينات الخ... وان اي تطور للمقاربات الاستراتيجية، يبرز بشكل قوي ادوارها الأخرى وهي الردع عن القيام بمناورات معينة وارغام العدو على تنفيذ بعض الأعمال، وذلك دون الاضطرار الى تدميره مباشرة.
في الوقت الذي يعمد فيه بعض الباحثين والمختصين في شؤون المدفعية الى وضع عمليات المساندة الأرضية والجوية على قدم المنافسة، من الضروري الا يقتصر استعمال المدفعية لعمليات التدمير التي تفرضها ساحة المعركة. تفرض هذه المسألة نفسها اذا زج بالمدفعية في الصراعات والمعارك المعاصرة.
وان الدور الرادع للمدفعية في اطار التفوق النفسي على القيادة المعادية والسكان والتجمعات السكانية المعادية او المترددة، يشكل مادة اساسية للتفكير في كيفية استعماله في الحد الأقصى على مسارح العمليات الحالية.
عليه فمن الطبيعي ان يتم البحث والتفكير حول الوسائل والمنهجيات التي تعمل بها المدفعية للتأثير على الارادة الخصم في القتال، كما والتأثير على ادراك ميزات القوة الصدمية، مع الحد من اللجوء الى النيران الكلاسيكية وأعمال التدمير.
تعرف المدفعية بسلاح المساندة بالنيران غير المباشرة، لكن يمكنها تعزيز وزيادة تأثيرها غير المباشر من خلال المناورة بحيث ينشر هذا السلاح تهديداً بعيد المدى، وحماية معززة للقوات مع تسهيل استعمال قائد الأسلحة المشتركة للبعد الثالث. بالفعل، يعد نشر بعض الأعتدة مثل المجسات العائدة للمدفعية ذو تأثير رادع حقيقي بالنسبة للعدو في ظل حتمية المواجهة، يمكن الاستعمال المبتكر للوسائل الكلاسيكية والقدرات الجديدة وهذه تفرض تقييدات اضافية على العدو وتؤمن حرية أكبر للحركة بالنسبة للقوات الصديقة. تجدر الاشارة الى أن المدفعية هي من صلب الحرب المعتمدة على الادراك الذي تتسم به الصراعات المحدودة الحالية. وبذلك فان نشر الوسائل التي من شأنها تأمين الحماية يخلق ما يسميه الباحثون الاستراتيجيون القلعة التكنولوجية التي يضاف تأثيرها الرادع الى القدرة على تنفيذ مناورات استباقية بالنار. لا ينتج المفعول الرادع للمدفعية على المستوى الاستراتيجي بفعل قوة نيران المدفعية المنتشرة فحسب. بل ان فعل زج وسائل الدفاع الجوي ولو بشكل محدود على مسرح العمليات يشكل ايضاً اشارة قوية خاصة في اطار التصميم على خوض عمليات التدخل.
تجدر الاشارة الى انه في هذا المنحى، الى جانب القدرة على اعتراض الطائرات المعادية، يعتمد الجيش الفرنسي مثلاً على مراكز MARTHA وهي مراكز تعمل على جعل الرادارات التكتية في اطار شبكة تعمل للدفاع ضد الطوافات والطائرات الثابتة الجناح، ويحمل هذا الامر اهمية بالغة في ما يتعلق بالسيطرة التي يوفرها البعد الثالث في منطقة المسؤولية. لكن هذه القدرة تشكو من ما يسميه الجنرال الفرنسي Desports استراتيجية التكتيك، بحيث ان غياب التفويض في فتح النار وصولاً الى المستوى التكتي الأدنى يعطل هذه الآلية لأن حرية ووتيرة الحركة لأي من القوى او الأطراف المتواجهة لن تعاق والمثال على ذلك هو الخرق المتمادي والمنتظم للطيران الاسرائيلي للمجال الجوي اللبناني بفضل غياب الرد على قواعد الدفاع ارض جو المعادية. من هنا نستطيع التأكيد على مصداقية الانتشار مرتبطة بطبيعة الأعتدة والقدرات وعلى القدرة القانونية للرد بقوة على عمليات التهديد دون اللجوء الى التدمير المنهجي للمدفعية او الطائرات الخ...
يمكن خلق قوة ردع حتى على المستوى التكتي لمواجهة الرمايات غير المباشرة من خلال انشاء ما يمكن تسميته بقلاع دفاع بفضل المجسات الخاصة واعتدة الاستشعار المتوفرة ضمن سلاح المدفعية. يعتمد مفعول القلعة على عدم جدوى الرمايات غير المباشرة من خلال بناء سور تكنولوجي من نظم الانذار واعتراض القذائف الصاروخية وقذائف الهاون كنظام Phalanx الاميركي.
تعتمد قوة الردع ايضا على التفوق التكنولوجي على المجسّات واجهزة الاستشعار المعادية.
الى جانب التكنولوجيا المعتمدة على المجسّات واجهزة الاستشعار، يمكن للمدفعية ان تردع العدو من زج قوى معينة من خلال تنفيذ رمايات مناورة من شأنها ضرب الرأس بدلا من الجسم الذي تشكله القوى المعادية. يهدف هذا الاسلوب الهجومي الى اسقاط اي محاولة للعدو لتعزيز وحدة ستشتبك معها قوة برية. يفترض هذا الامر الاثبات للعدو ان القوة الصديقة تملك قدرة على اصابة كل طرق الاقتراب التي قد تسلكها تعزيزاته، بحيث تجعل منها تلك الضربات الموجهة ضدها غير قادرة على التأثير او قلب ميزان التوازن المحلي للقوى. اذا تم استعمال القذائف المتفجرة للرمايات الوقائية، فان استخدام قذائف مدخنة ومضيئة يؤثر على نفسية قوات العدو ولا يلحق الضرر بالتجمعات السكانية التي يتوجب استمالتها. بالاضافة الى ذلك، فان هذا المفعول الردعي يتعدى البقعة التي تتم عليها الرمايات، لان تنفيذها يفترض لا بل يبين بشكل جلي ان لديه شبكة مراقبة لن يستطيع العدو تقرير قدراتها بدقة.
اما ان لم يتمكن هذا الاسلوب من الحاق الضرر النفسي بالعدو وجعل قدراته تتآكل، فانه يسمح بتحقيق وعزل بقعة او هدف معينين في اطار استراتيجية تقطيع الاوصال والعزل بدل التدمير للقوات المعادية.
يقول الباحثون الاستراتيجيون ان التدمير المنهجي لا يقود الى نتائج ايجابية على المدى الطويل، بالفعل فالى جانب دورها الرادع يمكن للمدفعية ان تستعمل في اطار تقييد العدو ويفترض تقييد العدو في هذا المجال لدرجة يشعر معها بالتهديد الذي ينتجه العزل مع تعطيل قدرته على استعمال عنصر المفاجأة. لذا يقوم دور المدفعية على تقييد حرية حركة العدو من خال احداث تهديد تنتشر مفاعيله في عمق التدابير المعادية.
لتحقيق هذا المبتغى، على المدفعية ان تقوم بالحد من قابلية رد الفعل في صفوف العدو عبر التأثير عليه حتى قبل فتح النار. يكمن الهدف في جعل احتياط التدخل المعادي يتراجع، مع الاستفادة القصوى من مدى الاعتدة المنتشرة، فبفعل المستوى العالي من التقدم التكنولوجي الضروري لفعالية الرمايات المضادة، يضمن التفوق التكنولوجي لعمليات التدخل تخفيضا هاما في ما يتعلق بالحساسية لتلك التهديدات. تجدر الاشارة في هذا السياق ان المدفعية الجورجية تكبدت خسائر ضئيلة جدا جراء الرمايات المضادة الروسية، وذلك بفعل التأخير بين اكتساب المعلومات والمعالجة بالنار من الجانب الروسي. وعليه فانه بفضل التفوق الجوي لا يتعرض نشر مرابض صديقة غير معرضة للرماية المباشرة على مقربة من خط التماس للأذى الكبير. يترجم مبدأ الانتشار هذا القريب جدا في اوقات تأخير اضافية لتدخل التعزيزات المعادية، ناهيك عن الفرص الجديدة المتاحة لاحداث التآكل عند الوحدات المعادية التي تقوم برد الفعل.
تجدر الاشارة الى ان وسائل المدفعية تساعد في الحد من حرية الحركة لدى العدو من خلال معرفة منظومته. بالفعل فان الرماية على النسق الثاني وابعد، تعني ان القوة الصديقة تملك القدرة على المراقبة في العمق، وعليه، وبعد انتشار اول خلف الخطوط الصديقة، فان اعادة نشر المجسات المدفعية وغيرها من المستشعرات الاخرى في مواقع متاخمة جدا من خط التماس ستفسره المخابرات العسكرية المعادية كاشارة عن تسلل مجموعات في عمق منظوماتها. يعني هذا الامر بالنسبة للعدو عدم القدرة على احداث المفاجأة التكتية وحماية محاور جهده او اخفاء بعض من امكانياته الا اذا اعاد نشر وحداته ابعد الى الخلف. اما النتيجة الاخرى المستنتجة ايضا من هذا الامر فهو زيادة حجم القوى المستهلكة في تأمين بقعة الانتشار وبذلك استهلاك واستنزاف قدرات العدو.
يمكن ايضا تقييد العدو، في اطار المناورة الدفاعية، من خلال انتشار اكبر لقطع المدفعية وذلك باستعمال اقصى للقدرات الحركية الجديدة والامدية الموسعة للمدفعية. تتيح هذه الخصائص الجديدة لاسلحة المدفعية الحفاظ على قدرة تركيز النيران لقلب معادلة القوى.
يؤدي عدم حصر فصائل الرمي الى جعل السيطرة النارية اكثر صعوبة بالنسبة للعدو مما يضعف جهده في استخدام المدفعية بشكل فعال. اضف الى ذلك ان اكتساب هذه الافادة لا تخفض من حدة التهديد الذي يتربص بالعدو بفضل التقنيات العديدة المتعلقة باتمتة الرمايات والخبرات المكتسبة في المدارة تسمح بضرب هدف في لحظة معينة من مدفعية من انواع مختلفة تابعة لوحدات مختلفة. الى جانب تعزيز امن الوسائل الصديقة مما يجعل موازين القوى صعبة التقييم. يخلق هذا التهديد عدم وضوح في تقدير الوضع الميداني بالنسبة لقيادة العدو التي تجد نفسها مضطرة الى التعامل مع ما هو غير متوقع وبالتالي زيادة احتياطها. لذا يمكننا القول انه مع مخاطرة مدروسة في ما يخص منظومات المدفعية، يمكن تقييد العدو من خلال اعمال غير مادية هدفها القيادة المعادية، الى جانب اثارة الشك من خلال المخاطرة، تساعد المساندة المدفعية على التفوق ليس عبر الاستنزاف فحسب بل ايضا من خلال المناورة.
اذا كانت غزارة النيران، وقوتها التدميرية ودقة اصابتها من سمات المدفعية، فان هذا السلاح عليه ان يكيف انتشاره ومناورته لخلق عدم وضوح وارتباك في صفوف قيادة العدو. يجب ان يكون التكامل بين الاعمال الحركية وغير الحركية من صلب الاهتمامات مع استثمار تركيز النيران وتشتيتها الى الحد الاقصى لاحداث تفكك مادي ومعنوي. يوضع هذا التحول موضع التنفيذ مع ادخال الخدمة لاعتدة وذخائر جديدة. اليوم تسمح التجهيزات الحالية باحداث مفعول رادع وتقييد المناورة العدوة، مع مخاطرة مدروسة من جانب القوة الصديقة.
............................................................منقول