لندن: عمار الجندي
قال الدكتور جون تشيبمان، وهو مدير «معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية» الذي يتخذ من لندن مقراً له، إن الاجماع الدولي الذي سبق صدور القرار 4141 حول حيازة العراق اسلحة دمار شامل ربما كان خاطئاً في بعض جوانبه الاساسية. وشكك بإمكان معرفة حقيقة اسلحة الدمار الشامل العراقية. ورأى ان الحلفاء لم يخططوا قبل الحرب لكيفية ضبط الاسلحة العراقية التي قد يتسرب الكثير منها الى دول الشرق الاوسط. ورجح أن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ستطلب من مجلس الامن معاقبة إيران لاستمرارها في السعي لتطوير قوة نووية واتباعها سياسة المماطلة مع الوكالة. بيد انه استبعد اتخاذ المجلس قرارت صارمة بحق طهران، مشيراً الى احتمال عقد صفقات مع طهران لتشجيعها على التجاوب ولم يستبعد احتمال توجيه ضربات عسكرية لها.
ولفت تشيبمان الى أن خطر شبكة «القاعدة» لم يتضاءل بعد، مضيفاً انها تسعى لتوجيه ضربات في الغرب ولو بواسطة «قنابل قذرة» غير انها قد تفضل مهاجمة أهداف أميركية في العراق. واعتبر ان مبدأ «الضربة الوقائية» سيبقى جزءاً من الاستراتيجية الاميركية لوقت طويل.
جاء ذلك في مؤتمر صحافي دعا الىه المعهد بمناسبة إطلاق كتابه «الميزان العسكري 2003 ـ 2004»، وشارك فيه خبراؤه الذين اشرفوا على إعداده. وفي رد على سؤال عما إذا كانت الحرب على العراق خاطئة، قلل تشيبمان من اهمية ترسانة الرئيس المخلوع صدام حسين المزعومة من اسلحة الدمار الشامل. وقال إن الاجماع الدولي في سبتمبر (ايلول) واكتوبر (تشرين الاول) من العام الماضي الذي سبق اتخاذ مجلس الامن بأعضائه الـ15 قرار 1441، «كان على الارجح غير صحيح لجهة تقييم العناصر الكيميائية التي احتفظت (بغداد) بها» وفاعلية صاروخ الحسين ايضاً. واضاف «لا اعتقد اننا سنعرف الحقيقة على الاطلاق لان اي شيء يتم العثور عليه في الاشهر الستة القادمة لن يكون دليلاً على ما كان هناك أو لم يكن (قبل الحرب)». وزاد «سيكون هناك على الداوم درجة من عدم التاكد حول ما امتلكته (بغداد) عشية الحرب». إلا انه اعتبر أن «ما سيظهر هو تفهم افضل لمدى طموحات العراق التي لو تُركت بدون معالجة لكانت قدراته ستنضج وتصل الى المستوى الذي يغدو فيه تهديدها للمنطقة مهماً فعلاً». ولم يستبعد مدير المعهد أن تعمد الولايات المتحدة في المستقبل الى استعمال مبدأ «الضربة الوقائية» مجدداً. وقال إن من المحتمل أن يكون «هناك استخدام لمبدأ الضربة الوقائية» خصوصاً أن الادرات الاميركية حريصة على الدفاع عن الساحة الداخلية ضد خطر الارهاب بصرامة وقد تجد أن ذلك يستوجب توجيه ضربة استباقية الى هدف ما. إلا ان تشيبمان رأى ان «هذا المبدأ لن يكون في قلب السياسة الاميركية، بل سيبقى جزءاً من استراتيجية الولايات المتحدة» لبعض الوقت. واشار الى أن التاريخ يدل ان الادراة الاميركية قد تحتفظ بمبادئ عدة تلجأ الى إبراز احدها حين يخدم ذلك سياسة معينة.
وكان الدكتور تشيبمان قد استهل المؤتمر بكلمة لخص فيها أهم ما ورد في الكتاب الجديد. وعن حرب العراق وما بعدها، قال في كلمته إن «الديناميكية الكبيرة» والمرونة العسكرية التي ميزت الحرب ضد العراق، قد غابت عن «إدارة (الوضع) خلال مرحلة الاحتلال بعد الحرب». واضاف ان «التحالف لم يكن مهيأً (لمواجهة) حجم المشكلة ولم تكن لديه طريقة لتأمين كمية الذخائر ومواقع تخزين الاسلحة». وذكر ان «خمسة اشهر مرت والحالة لم تكد تتحسن» لا سيما ان الاسلحة الخفيفة لا تزال متوفرة بسهولة في العراق. وقال إن ما افاد به ديفيد كاي رئيس «مجموعة المسح العراقية» في تقريره الاخيره عن وجود 120 موقعا لتخزين الاسلحة العراقية لم يجر تفتيشها بعد يصلح «تعليقاً مهماً على الذخائر التي قد تتوفر للإرهابيين ممن يستطيعون الوصول الى مستودعات تفتقر الى الحراسة الجيدة». وحذر من خطر تسرب الاسلحة الخفيفة المضادة للطائرات كنظام «إس. آ ـ 7» السوفياتي الصنع أو نظام «ستينغر» الاميركي. ولفت الى ان عدم صعوبة التسلل عبر الحدود العراقية تجعل «من السهل تدفق الاسلحة (العراقية) الى خارج البلاد والشرق الاوسط عموماً». ورأى تشيبمان أن الحرب على العراق قد ألحقت بعض الاذى بشبكة «القاعدة» لانها حرمتها من مصدر محتمل لاسلحة الدمار الشامل كما كانت تحذيراً واضحاً لدول مثل ايران وسورية لضرورة عدم دعمها. إلا انه ادرف ان الحرب قد «رفعت معنويات القاعدة وقدرتها على تجنيد الناشطين، كما زادت ولو بشكل هامشي قدرتها العملياتية». واوضح ان «بعض الناشطين ممن لهم صلة بالقاعدة، على استعداد لاستعمال اسلحة لم يستخدمها الارهابيون بصورة عادة، وهذه الاسلحة تشتمل على سموم مثل الرايسين وأنظمة دفاع جوي يحملها مستخدمها من النوع المتوفر بسهولة في العراق». وقال إن من الممكن أن يلجا هؤلاء الى «قنابل قذرة» او ما سماه «اسلحة فوضى شاملة» لصعوبة القيام بعملية على مستوى هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
واضاف تشيبمان ان «الجهاديين قد يجدون هجوماً مثيراً على الاميركيين في العراق ـ من نوع الهجوم الانتحاري الذي نفذه حزب الله ضد جنود ثكنة المارينز في لبنان مما اسفر عن مقتل 241 جندياً ـ بديلاً ممكناً حتى يصبح بوسعهم شن هجوم يسفر عن سقوط ضحايا كثيرين على التراب الاميركي». وقال إن «التأكيدات الاميركية عقب الحرب العراقية» بأن القاعدة قد هزمت وأن الحرب على الارهاب تنتقل من نجاح الى نجاح «تبدو مبالغة بالثقة بالنفس».
وعن ايران، قال مدير المعهد إن ايران ماضية في المماطلة ولا تبدو مستعدة للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الامر الذي يفتح الباب على احتمال تعرضها لهجمات عسكرية. واضاف «ما لم يكن هناك تغير دراماتيكي في اللحظة الاخيرة (من جانب طهران) «فإن من المرجح أن يقرر مجلس حكام الوكالة في اجتماعه المقبل الشهر القادم بإبلاغ مجلس الامن ان ايران لا تتعاون معه». وزاد ان «ما سيحصل عندها موضع تخمين واسع». وتابع ان «موسكو قد تعمد الى تجميد تعاونها النووي مع ايران» في هذه الحالة «فإن المجلس لا يبدو مستعداً لتمرير اجراءات أشد صرامة، من قبيل عقوبات سياسية واقتصادية اوسع ما لم تنسحب ايران من اتفاقية الحد من التسرب النووي». واعتبر ان فشل مجلس الامن في معالجة الامر سيؤدي «حتماً الى النظر في خيارات اخرى قد تتراوح من الهجمات العسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية الى التفاوض على صفقة توافق بموجبها طهران على التخلي عن برنامجها المتعلق بحلقة الوقود وذلك لقاء مكتسبات سياسية واقتصادية».