دور الشرطة في واقع متغير...ضرورات المراجعة واتجاهات التطوير
مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية
دور الشرطة في واقع متغير...ضرورات المراجعة واتجاهات التطوير
في ظل متغيرات الواقع الاستراتيجي الدولي ووحداته المختلفة،والتي أفرزت أنواعًا غير تقليدية من التهديدات باتت هناك ضرورة لتبني وسائل وتكتيكات تدريبية وسياسات أمنية من شأنها زيادة فاعلية أجهزة الأمن المختلفة(ولاسيما الشرطة)في التعامل مع تلك التهديدات..
فقد أصبحت مسألة بناء فرد الأمن(مهنياً،وتدريبياً،وثقافياً) ضمن أولويات الأجندة الوطنية للعديد من دول العالم،وخاصة تلك التي تقع تحت طائلة التهديدات المستمرة،وهو ما ينطبق بدوره على مملكة البحرين،التي تشهد بيئتها الخارجية بعض التوترات،والأزمات،المحفزة لظهور تيارات وعناصر تستهدف أمن وسلامة المملكة.
وإذا كانت الشرطة تعني مجموعة ( أفراد أو أجهزة مخولة لفرض النظام العام والنظام الاجتماعي من خلال وسائل الإجبار التي تشمل الاستخدام المشروع للقوة)فإن متغيرات الواقع وما ترافق معه من تصاعد حدة التهديدات الأمنية،أفضى إلى ضرورة القيام بمراجعة لهذا التعريف،بحيث يتضمن مهام ووظائف أخرى لا تقتصر بدورها على الجانب القسري لفرض القانون...وبالتالي يجب إعادة النظر بشكل واقعي في جهاز الشرطة،وهو ما يجب أن يتم عبر مستويين رئيسيين:
الأول: يرتبط بالإطار الهيكلي.
الثاني: يرتبط بمعايير اختيار فرد الشرطة،وبرامج التدريب المختلفة..
وفي سياق البحث في آليات التطوير..ثمة ضرورة للأخذ في الاعتبار عدد من العوامل التي يجب مراعاتها عند البدء في مراجعة استراتيجيه بناء جهاز أمني- شرطي قادر على التفاعل مع متغيرات الداخل والخارج على السواء،ومن أبرزها:
- الواقع الجغرافي،والمرتبط بالحدود والمساحة الجغرافية.
- الواقع الديموجرافي، والمتعلق بالكثافة السكانية والقدرات البشرية.
- البناء الثقافي،بتنوعاته وإشكالياته المختلفة،واتجاهات التفاعل بين هذه الثقافات( سوءا صراعية أم تعاونية).
وبالنظر إلى هذه العوامل...يتضح أنها تمثل مدخلاً مناسباً يمكن خلاله بناء إستراتيجية متكاملة تهدف على إعادة بناء وتشكيل الجهاز الأمني وزيادة فاعليته،من منطلق بناء تعاون - شراكة- بينها وبين المجتمع بفئاته وطوائفه وجماعاته المختلفة.
اتجاهات التنوع في الأنظمة الشرطية
تتنوع أشكال ومنطلقات بناء هياكل الأجهزة الشرطية في دول العالم تبعاً للعوامل السابق ذكرها،وتضم بدورها نموذجين رئيسيين يرتكزان على أسلوب الإدارة:
الأول: النظم اللامركزية..
الثاني: فيتجسد في النظم المركزية..
بالنسبة للأنظمة اللامركزية: فكما هو الحال في الولايات المتحدة،تقوم على تقسيم المهام الشرطية إلى مهام فيدرالية ومهام على مستوى كل ولاية،بمعني وجود نظام غير مركزي ومفتت لفرض القانون،بحيث يقوم كل جهاز في إطاره الجغرافي بفرض مجموعة منفصلة من القوانين واجبة النفاذ،ولكن لا تخرج عن القواعد والمبادئ العامة للقانون الفيدرالي...
أما الأنظمة المركزية: فتعمل وفق هيكل تنظيمي يقوم على إرسال التعليمات والسياسات تجاه الفروع الأخرى في مختلف النطاقات الجغرافية،بحيث تقوم على تنفيذ قانون واحد تحت قيادة موحدة.
ويدخل ضمن هذه النماذج الإدارية- الهيكلية تقسيمات على مستوى الأفراد والأجهزة الفرعية،وتتنوع يدروها إلى : شرطة وقائية،شرطة سرية،شرطة أمن الدولة.. وهو ما يمكن بيانه فيما يلي:
وهم أفراد الشرطة المرتدين للزي الشرطي،وتضطلع بمهام:القيام بدوريات سيارة،الاستجابة لنداءت الطوارئ وباقي الحوادث الأخرى.. وتستند في وظائفها إلى التنفيذ الفوري والمباشر،ومن أكثر هذه المهام شيوعاً: تنظيم المرور،وإيقاف واحتجاز قائدي السيارات المخالفين،ومنع الجرائم المعتادة من الحدوث.والجدير بالذكر أن أغلب قوات الشرطة حول العالم،يندرجون ضمن الشرطة الوقائية،حيث أنها تشكل غالبية العدد الإجمالي لأفراد الأمن على مستوى النظم الشرطية المختلفة في العالم.
وتكون مسؤولة عن التحقيقات وأعمال التحري وتقصي الحقائق،وتشير التقديرات إلى أنهم يمثلون نسبة تترواح ما بين 15-25% من العدد الإجمالي لأفراد الشرطة في العالم،وفي بريطانيا- على سبيل المثال- يطلق على هذا القسم إدارة التحقيقات الجنائية،ويشترك ضباط هذه الإدارة في التحقيقات التي تتعلق بالجرائم الكبرى مثل: الاغتصاب،والقتل،والاعتداءات الخطيرة،والفساد،وأي نوع آخر من الجرائم التي تتطلب أعمال كشف وتحر معقدة من نوعها.
- كما أنهم مطالبون بالتصرف على أساس المعلومات الاستخباراتية التي يتلقونها،ثم القيام ببناء قضيتهم من التحليلات المبدئية للحادث،وانتهاء باعتقال ومحاكمة المشتبه بهم،ففي بريطانيا أي ضابط يرغب في العمل بإدارة التحقيقات الجنائية،يتعين عليه أن يقضي سنتين على الأقل كضابط في الشرطة الوقائية قبل أن يتقدم بطلب تحويله لهذا القسم،كما يتطلب منه أيضاً أن يخضع لمرحلة تدريبية إضافية عندما يتم قبولهم بالفعل.
- جهاز شرطة الأمن الوطني( أمن الدولة): ويعني بالتعامل مع القضايا التي تتعلق بالأمن الوطني،وفي بريطانيا يعرف هذا القسم باسم(الفرع الخاص)،بحيث يكون مسؤولاً عن تطوير المعلومات الاستخباراتية للمساعدة في حماية الشعب والدولة من مصادر تهديدات الأمن الوطني،والتي تتضمن: الأعمال الإرهابية،ومحاولات الانشقاق والانقلابات،وأعمال التدمير والتخريب،وباقي الأعمال المتطرفة الأخرى.
ويعمل ضباط هذا القسم أو الجهاز عن قرب مع الأجهزة الأمنية العليا للدولة( الاستخبارات بفروعها ومهامها المختلفة).وقد اندمج هذا الفرع الخاص في عام 2005 مع قسم (مكافحة الإرهاب) داخل شرطة لندن ليشكل قيادة موحدة لمكافحة الإرهاب،وهو الأمر الذي يعكس ضرورة التكيف مع المتغيرات المحيطة الداخلية والخارجية على السواء.
وما بين هذه التقسيمات.. هناك بعض المجموعات الثانوية التي تعمل داخل أقسام الشرطة السرية(التحري) والشرطة الوقائية،وهذه الأقسام المتخصصة إما أن تتعامل مع بعض الأنماط الإجرامية الخاصة مثل: تنفيذ قوانين المرور،وتحقيقات حوادث التصادم،وإما حوادث القتل،أو الفساد،أو مع تلك الجرائم التي تتطلب مهارات متخصصة،مثل:البحث تحت الماء والطيران،وعمليات إبطال القنابل(والتي تقوم بها فرق القنابل)،وجرائم الكمبيوتر.
وفي الولايات المتحدة الامريكية..توجد مجموعة متخصصة تدعى( فرق الأسلحة والتكتيكات الخاصة)(SWAT)وهي وحدة مدربة شبه عسكرية ومختارة خصيصاً،ومزودة بأسلحة مشابهة لتلك التي يستخدمها الجيش،وتقوم مهامها على التعامل مع مواقف العنف،والتي تكون أكبر من قدرات شرطة الدوريات،وفي سياق ذلك يتم تجهيزهم بأدوات ومعدات غير قاتلة مثل المركبات الكيميائية،وقنابل الضوء،والرصاص المطاطي.
أما في بريطانيا،فان هذه القوات يعلق عليها(القيادة 19 المتخصصة للتعامل مع الأسلحة النارية)،وتعتبر جزءاً من شرطة العاصمة التي تقوم بتوفير الدعم المتعلق بالأسلحة لقوات الشرطة الوقائية،ويطلق عليها في بعض الدول- مثل مصر- فرقة العمليات الخاصة- ويتم نشر هذه القوات في المواقف الخطرة،والتي تتضمن: احتجاز الرهائن،والهجمات المسلحة،والإرهاب.
ويتضح من العرض السابق.. أن هناك اتساعاً في مفهوم فرض الإجراءات الشرطية في القرن الحادي والعشرين للتعامل مع التحديات الداخلية والخارجية لفرض القانون على المستوى المحلي والحفاظ على الاستقرار،وهو ما يعني ضرورة اعتماد قوات الشرطة على نظام وهيكل للتدريب يتوافق مع سمة التهديدات الراهنة-والمنبثقة من سمة النظام الدولي عموماً- القائمة على التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة.
وبالتالي،فان التركيز بشكل خاص على الإجراءات الشرطية التقليدية يجب أن يترافق مع بناء شراكة واقعية مع أجهزة الاستخبارات،وذلك عبر بناء صيغة للتعاون المعلوماتي الذي يفرض العديد من المهام غير التقليدية على قوات الشرطة والأفراد العاملين بها،تتجاوز الجانب القانوني السلطوي،إلى التحليل الملائم للمعلومات الاستخباراتية في شكلها الخام،وهو ما يشكل جوهر المنهج الشرطي الحديث،ويتطلب أيضا من أفراد الشرطة التدريب على تكنولوجيا المعلومات،والتحليل الهيكلي لها،بحيث تتوافر لهم مقومات إدارة بنوك البيانات وتحويل المعلومات الاستخباراتية إلى معلومات يمكن التحرك بموجبها.
تدريب وإعداد وتسليح الشرطة..نماذج دولية
في عصر الاتصالات المتطورة وأجهزة المراقبة والتطور التكنولوجي السريع،أصبح الأمر أكثر أهمية بالنسبة لضباط الشرطة لان يحصلوا على تدريب شامل في كافة أشكال الأنشطة الأمنية الخاصة بقواتهم..حيث تدخل التكنولوجيا في صميم عمل أجهزة الشرطة منذ ظهور ما يعرف بـ(الجهاد والإرهاب الإلكتروني)،ومثل على ذلك أنشاء قسم التطوير العملي بوزارة الداخلية البريطانية،والذي يعمل على تشغيل23 برنامجاً تقنياً،يضم أكثر من 125 مشروعاً منفصلاً،يخدم كل جهاز من تلك الأجهزة.
ويعمل ذلك القسم على تكوين روابط مع الأكاديميين والخبراء والأمنيين،بل والعاملين بمجال الصناعة،كما يعمل كمصدر للاستشارة في المجالات العلمية،والتقنية وتتمثل أبرز مهامه في نقل القدرات التكنولوجية المبتكرة،وتطوير وتبني الأساليب التكنولوجية في أجهزة الشرطة،وذلك لتمكينها من الاشتراك في مخاطر وتكاليف ومنافع التكنولوجيات المعقدة.
وبالتالي،فان التكنولوجيا المستخدمة في أساليب الشرطة تخطو خطى واسعة،حيث أن التحديات العديدة التي تواجه الأمن الداخلي-وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر- تتطلب من الحكومات وقوات الشرطة إعادة بناء قدرات أفراد الأمن،وبناء عليه فان أكاديميات الشرطة في حاجة إلى تقديم نطاق أوسع من برامج التدريب لضمان قدرة أفرادها على التعامل مع مصادر التهديدات غير التقليدية للأمن الوطني،الأمر الذي من شأنه اكتساب ضباطها المهارات اللازمة للتعامل مع كافة المعدات بشكل احترافي يضمن تحقيق الغرض من استخدامها،مثل: العصا،وأدوات السيطرة على أعمال الشغب،والرصاصات المطاطية،وأسلحة الصدمات الكهربائية..بالإضافة إلى المعدات عالية التقنية،مثل المركبات المزودة بأجهزة الحاسب الآلي،والتي تقوم بدعم اتصالات الشرطة والكشف عن السجلات الإجرامية للمشتبه فيهم،وتساعد أيضا على تحديث سجل ضابط الشرطي اليومي والسجلات الأخرى المطلوبة في وقتها المحدد...
وقد شهدت بعض المجالات تطورا ملحوظاً،والتي تتطلب بدورها توافر فريق علمل على درجة عالية من التدريب والتخصص،وخاصة تلك المجالات المتعلقة بـ: الطب الشرعي،تكنولوجيا الكشف عن أرقام لوحات السيارات،أنظمة ووحدات التتبع المختلفة التي يمكن أن تقوم بتسجيل كل من صوت وصورة لشخص ما مشتبه فيه.
وفي سياق التأكيد على دور الخبرة العملية في بناء قدرات قوات الشرطة المتطورة،فانه يمكن تحقيقها من خلال دمج برامج التدريب المتعلقة بتشغيل الأجهزة الفنية،والهندسية،والمراقبة في الدورات،بتلك التي يتم تدريسها في أكاديميات تدريب الشرطة،كما يجب الاخد في الاعتبار ضرورة تحقيق مستوى معين من الكفاءة كشرط للالتحاق بقوات الشرطة.
وكحل بديل،يمكن تشكيل جهاز جديد من المتخصصين للمساعدة في تحقيق تلك الأهداف المشار إليها،وقد تم ذلك في المملكة المتحدة حيث اقترح اتحاد قادة ضباط الشرطة تشكيل الجهاز تحسين أداء الشرطة في 2006،وكان ذلك استجابة لبيان الحكومة البريطانية الصادر بعنوان(معا نبني مجتمعات أكثر أمنا) وتتمثل أهداف هذا الجهاز في : دعم أساليب فعالة لعمل الشرطة،ومساندة ثقافة التحسن الذاتي حول عمل الشرطة في المملكة المتحدة،وقد بدأ القيام مهامه في 1 أبريل 2007، يهدف إلى التغلب على الأخطاء في آليات تطوير أداء الشرطة الوطنية،والتي تم تحديدها في بيان الحكومة في 2004 الخاص بإصلاح الشرطة.
وتقوم هيئة تحسين وكالة الشرطة الوطنية والمعروفة باسم NPIA) بتوحيد وتحويل عمل الهيئات العديدة المتواجدة،مثل: منظمة تكنولوجيا معلومات الشرطة،والسلطة المركزية لتدريب وتطوير الشرطة( وقد تم استبدال كلتيهما في أبريل 2007بــ NPIA) والمركز الوطني لتمييز الأعمال الشرطية،ويتمثل دررها المبدئي في تنفيذ برنامج التغيير IMPACT والذي يهدف إلى إدارة وتبادل المعلومات بين قوات الشرطة المحلية المتنوعة في بريطانيا،ودمج المعلومات المتواجدة في الوقت الحالي في الحاسبات الوطنية للشرطة،وذلك من خلال نقطة دخول منفردة للبحث.
وهذا الدمج للمعلومات يتم الاحتفاظ به حاليا في أربع قواعد بيانات حاسبية مختلفة تساعد في مهام قوات الشرطة،وخاصة فيما يتعلق بتحليل الجرائم والمعلومات الاستخباراتية حول القضايا المختلفة.
وعلى المستوى العملي،فقد بينتNPIA عددا من النطاقات ذات الأولوية التي تركز عليها أنشطتها،
النطاق الأول:
يتمثل في الجانب ألاستخباراتي والمعلوماتي،بحيث تتعامل مع الآليات والوسائل التي تقوم بتصنيف وتحليل المعلومات الاستخباراتية.
النطاق الثاني: بناء هياكل تنظيمية لضمان تنفيذ العمليات الموكلة لها بكفاءة مثل إدارة الاتصالات والاعتقال،وإدارة العمليات القضائية..وهذا النطاق يركز على اعتماد آخر الابتكارات والتطورات العلمية والتكنولوجية،بحيث يتم اختبارها وتطبقيها في أعمال الشرطة من أجل تحقيق أقصى منافع واستفادة عملية.
وهناك ثلاثة نطاقات تهتم بالأبعاد الإنسانية للشرطة:
يوجد هناك جهاز لتحسين أداء عملها،ويهدف إلى تطوير أسلوبها في قبول الأفراد وتنمية مهاراتهم،وقيادات الأفراد العاملين بها،ومن ثم فان المساعدة في بناء مجتمع يتقدمه النظام تنخفض فيه التوترات بين الشرطة وشرائح المجتمع المختلفة،تماماً كما حدث مع التجمعات الإسلامية في أعقاب ما حدث في فورست جيت في يونيو 2006، حيث اكتشف جهاز تحسين أداء الشرطة حينئذ الحاجة