الاستراتيجية كلمة أصلها يوناني مشتقة من كلمة استراتيجس Startegos التي تعني القائد أو الحاكم وليس فقط القائد العسكري بل المدني أيضاً لأن الحاكم أو الإمبراطور في الأزمنة القديمة هو الذي كان يقود الجيش في ميادين القتال، فكل السياسات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية الصادرة عن ذلك القائد سميت بالاستراتيجية وقد ترجمت إلى العربية بكلمة السوقية لأنه قد تكون مأخوذة من سوق الجيوش إلى القتال.
فالاستراتيجية هي "علم ٌ وفن ينصرفان إلى الخطط والوسائل التي تعالج الوضع الكلي للصراع الذي تستخدم فيه القوة بشكل مباشر أو غير مباشر من أجل تحقيق هدف السياسة الذي يتعذر تنفيذه من غير ذلك السبيل". إن الاستراتيجية متعددة الأنواع فمنها العليا والمباشرة وغير المباشرة والإدارية، وغير ذلك من الأنواع(1).
إن الاستراتيجية غير المباشرة هي تحاشي الدخول في مواجهات ومجابهات مباشرة مع الأعداء وذلك انتظاراً لظروف تكون أكثر ملاءمة بحيث يمكن التفوق على العدو تفوقاً كاملاً وبدرجة يمكن معها تدمير العدو تدميراً كاملاً والقضاء عليه، فلذلك يعتمد أسلوب هذه الاستراتيجية على توريط الخصم في معارك جانبية تستنزف موارده وترهق معنوياته وتنال من صلابته وتماسكه، فكل ذلك يضعف من إمكانات الخصم العسكرية وقدراته في معارك المواجهة الرئيسية(2).
أنواع الاستراتيجية غير المباشرة
منذ قديم الزمان ونحن نسمع ونرى حتى وقتنا الحاضر نموذجان للحرب هما النموذج المباشر والنموذج غير المباشر ويسمى هذان النموذجان في لغة التكتيك العسكري الاستراتيجية المباشرة والاستراتيجية غير المباشرة.
تتضمن الاستراتيجية المباشرة في النموذج الحربي على أخذ الثور من قرنيه أي الاشتباك المباشر وتتصف هذه الاستراتيجية بالقيام بهجوم للقضاء على الخصم وعلى ترتيبات الخصم وعلى إعداد الخصم الهجومي والدفاعي بسرعة بواسطة المعركة. أما الاستراتيجية غير المباشرة في النموذج الحربي فتتصف بالصبر والطموح فللصبر والطموح دوران أساسيان في هذه الاستراتيجية وتتضمن هذه الاستراتيجية إخلال توازن وزعزعة وإزعاج الخصم وتفتيته مادياً ومعنوياً والاقتراب من الخصم من اتجاهات لا يتوقعها قبل الإجهاز عليه إجهازاً تاماً.
ولفهم الاستراتيجية غير المباشرة يجب علينا معرفة أن هذه الاستراتيجية غير خالية من القتال، بل تمزج في القتال بين مجموعة من التظاهرات والمراوغات والعمليات ضد مواصلات وشئون العدو الإدارية وغيرها من الشئون الأخرى. فالهدف من هذه الاستراتيجية هو تفكيك العدو وتفتيته قبل الإجهاز عليه وإعطاؤه إحساس الفريسة المطاردة(3).
يدخل في عداد هذه الاستراتيجية نظرية التقرب غير المباشر، فالتقرب غير المباشر هو التقدم نحو العدو من اتجاهات غير متوقعة وتغيير تلك الاتجاهات بحيث ينصرف تفكير العدو عن أهدافنا الحقيقية(4). ومن الأمثلة على هذه النظرية استخدام هتلر للاستراتيجية غير المباشرة في غزوه لفرنسا فمجموعة جيوش (فون بوك) هي الجهاز الرئيسي للجيش الهتلري فتحركت هذه الجيوش في اتجاهات مختلفة في أرض معقدة التضاريس وسط الغابات، وعند اختراقها (سيدان) غيرت اتجاهها حيث حيرت الفرنسيين إلى أي اتجاه ستذهب؟ فقد كانت حركة وسير الجيوش الألمانية في استراتيجية غير مباشرة وبتكتيك عسكري سياسي لتجنب الانقضاض على العدو وقد كان الجيش الألماني يبحث باستمرار عن نقاط الضعف عند عدوه ليتسرب منها ويحقق فوزه على عدوه. ويعتبر هذا المثال هو أصدق تمثيل للاستراتيجية غير المباشرة ونظرية التقرب الغير مباشر(5).
يعتبر الكاتب العسكري البريطاني ليدل هارت نظرية التقرب غير المباشر من أفضل الاستراتيجيات وتتضمن هذه النظرية عدم التقرب في مجابهة الخصم تقريباً مباشراً لاختبار القوة بل زعزعة وإخلال توازن الخصم وإزعاجه بتقرب غير متوقع من قبل(6).
إن مناورة التقرب غير المباشرة وسيلة تفرض نفسها على أحد الطرفين المتنازعين إذا كان أحد الطرفين لا يثق بنفسه أنه على قدر كاف من القوة بحيث يستطيع النصر على خصمه في أرض الطرف الثاني، ونتيجة لذلك لا يستطيع أي طرف الدخول في حرب مباشرة إلا عن طريق مناورة التقرب غير المباشر حتى لو أحس أحد الطرفين أنه أقوى من خصمه فإن التدخل المباشر يكلف هذا الطرف مبالغ باهظة وفقدان بعض الضباط والجنود. فالفكرة الرئيسة في مناورة التقرب غير المباشر هي قلب ميزان القوى المتجابهة قبل اختبار المعركة بمناورة التقرب غير المباشر لا بالقتال(7). فيجب علينا أن لا نجابه العدو من البداية مجابهة مباشرة بل نستعين بلعبة دقيقة ممتازة نهدف من وراء هذه اللعبة إلى التعويض الموجود في أنفسنا بالنسبة لقوات العدو. لقد وجدت مناورة التقرب غير المباشرة ذات الطابع الجغرافي تطبيقاً في الاستراتيجية الشاملة لمختلف النزاعات التي يريد فيها أحد الخصمين الوصول لنتائج عسكرية ليست عن طريق القوة المباشرة ويرجع ذلك إلى نتيجة خوف أو ضعف أو استخدام القوة النووية عند أحد الطرفين(8). ولذلك لا بُد من تسمية مناورة التقرب غير المباشرة بالاستراتيجية غير المباشرة.