أنواع المواد البيولوجية:
يحتاج استعمال المواد البيولوجية إلى تخطيط وتنظيم حتى تتوصل إلى الأهداف التي استعملت من أجلها، ويمكن إجمال هذه المواد فيما يلي:
البكتريا، وأهمها: ميكروبات الطاعون، والحمى الفحمية، والكوليرا، والدوسنتاريا الباسيلية، والحمى المتقطعة، والالتهاب السحائي.
والركتسيا، وأهمها: ميكروبات التيفوس الوبائي، والتيفوس المتوطّن، والحمى المجهولة، وهذه كلها من الأمراض المشتركة التي تنتقل من الحيوان للإنسان.
والفيروسات: مثل فيروسات مرض الببغاء، والنيوكاسل، والجديري، والتهاب المخ السحائي، والأنفلونزا، والصعر: وهو داء الكلب الذي ينتقل من الحيوانات للإنسان.
والفطريات، مثل: فطريات الكوكسيديا، والهستوبلازموزس، والبلاستوميكوزس، والنيوكادر يوكيكوزس.
والسموم، وأهمها: سموم البيتولينم ولها أنواع متعددة، وكلها تسبب التسمم الغذائي الحاد، وتؤثر في أعصاب المخ، وتستخدم في الحرب البيولوجية عن طريقة تلويث الهواء، وقد وجد أن جراماً واحداً من هذ السموم يكفي للقضاء على 8 ملايين نسمة.
ومزيج بيولوجي كيماوي، وهو مكون من نوع من المواد البيولوجية أضيفت إليها مواد كيميائية أخرى لتقوية المفعول وصعوبة الاكتشاف.
وغالباً ما تستعمل هذه المواد على شكل مادة سائلة، أي تكون الميكروبات في وسط سائل (شوربة) تنمو عليها الجراثيم، أو على شكل مادة صلبة، وذلك بخلط هذه المواد الميكروبية بالنشا أو الزلال، بحيث يسهل انتشارها في الجو. وهناك طرق متعددة لاستخدام الميكروبات في الحروب، وتعدّ طريقة الرش أسهلها، حيث تكون على شكل جزئيات دقيقة جداً تبقى معلقة في الهواء وتصيب الأفراد عن طريق الاستنشاق، وفي هذه الحالة تكون المواد المستخدمة سائلة أو معلقة في الهواء في مادة صلبة؛ ومن وسائل الرش، المضخات أو بواسطة الطيارات. وهناك طريقة الحشرات لنقل ميكروبات الحروب للأفراد والحيوانات كاستخدام البراغيت حاملة الطاعون، وهذه تصيب الفئران التي تصير بؤراً للعدوى المستمرة؛ ومن الحشرات المستخدمة داخل قنابل من الفخار: البعوض لتنقل الملاريا والحمى الصفراء، والقمل لنقل التيفوس الوبائي والحمى الراجعة، والبراغيث لنقل الطاعون والتيفوس، والقراد لنقل الحمى المجهولة، والذباب لنقل التيفود والكوليرا والدوسنتاريا والإسهال الوبائي، وهناك طرق أخرى متعددة تقوم بها الجيوش المحاربة.
الوقاية من الحرب البيولوجية والكيميائية:
وللوقاية من من عدوى الميكروبات التي قد تستخدم في الحروب البيولوجية، يجب أن يكون هناك وعي عام في احتمال التعرّض للحرب البيولوجية، مما يحتّم الاستعداد التام لهذه الحرب حتى لا يؤخذ المواطنون على غرة، فهناك إجراءات تتخذ إذا ما كان هناك علم وتهديد من العدو باستخدام هذا السلاح، كما أن هناك إجراءات أخرى يجب مراعاتها وتطبيقها إذا نفّذ العدو تهديده وألقى بهذه الميكروبات، ففي الحالة الأولى أي قبل استخدام العدو للسلاح البيولوجي يجب أن تعطى التطعيمات الواقية ضد الأمراض الخطرة التي يتوقع أن يستخدمها العدو، والأمر يستدعي الاستعداد بإجراء التحصين ضد التيفود والتيتانوس والجدري والتسمم اليتبوليني والطاعون، وهناك لقاح يشمل كل هذه الأمراض. أما إذا ما استخدم سلاح الجراثيم فعلاً، فالأمر يوجب استخدام الأقنعة الواقية حتى تحتجز الميكروبات فلا تدخل الجسم، وفي هذه الحالة يتحتم أن يعطى المصاب (قبل تشخيص نوع الميكروب) مزيجاً من المضادات الحيوية الوقائية التي لها تأثير قاتل لعديد من الميكروبات، ويتكون هذا من جرام من الأستربتومايسين ونصف جرام من التراميسين ونصف جرام من البنسلين، ويمتاز هذا المركب بأنه قوي المفعول. وأهم وسائل استخدام هذه الأسلحة، هو الصاروخ والطائرة التي تلقي قنابل صغيرة من ارتفاعات عالية جداً لتتحلل عند اقترابها من الارتفاعات المنخفضة. وأي خطأ ولو كان طفيفاً قد يؤدي بالأسلحة البكتريولوجية إلى السقوط في دولة غير الدولة المقصودة بالهجوم.
ومن المؤكد أن هذه القنابل الصغيرة التي تحوي مواد بكتريولوجية من الممكن وضعها في رؤوس صواريخ. والمواد البكتريولوجية عاجزة عن دخول جسم الإنسان ما لم تنطلق الحشرات، ولهذا فهناك وسائل لقذف هذه المواد في الهواء حتى تدخل الجسم عن طريق الجهاز التنفسي.
ويتم ذر المواد البكتريولوجية بثلاث طرق هي: الضغط، أو التفجير، أو وضعها في تيارات هوائية شديدة.
أما وسائل الوقاية من الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية فيقول العلماء: إن التطعيم هو الوسيلة الوحيدة الفعّالة حتى الآن لمواجهة هذه الأسلحة؛ وبالرغم من أن فعالية التطعيم قد تضعف إذا ما تعرّض الإنسان لجرعات ضخمة من المواد البكتريولوجية، فإنه لا توجد حتى الآن وسيلة أخرى.
كما يشير العلماء إلى استحالة تطعيم كل الناس ضد كل الأمراض المحتمل أن تنقلها الأسلحة البكتريولوجية؛ ورغم ما أحرزته عمليات التطعيم من تقدّم واضح خلال السنوات القليلة الماضية، فإن وسائل وقاية الإنسان من خطر البكتريا في حالة الحرب مازالت محدودة جداً.
ولا تزال الأقنعة الواقية حتى الآن هي أسلم الوسائل للوقاية ضد الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وفي الإمكان إنتاج قناع يقي الجهاز التنفسي للإنسان من جميع أنواع الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية التي تؤثر على الجهاز التنفسي.
ومن الممكن استخدام ملابس من نوع معين للوقاية من هذه الأسلحة، من المواد المستخدمة في صنع هذه الملابس: مواد مغطاة بالمطاط، أو مواد عادية تعامل بمواد كيميائية خاصة؛ ومن الممكن استخدام قفازات خاصة لوقاية اليدين والقدمين نظراً لاحتمال تسرّب المواد الكيميائية أو البكتريولوجية عن طريق أي خدش ولو كان طفيفاً في الساق أو القدم أو اليد أو الذراع.
وكان (أوثانت) السكرتير العام للأمم المتحدة قد طلب من 14 عالماً من مختلف دول العالم أن يعدوا تقريراً حول الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية؛ يقول أوثانت في مقدمة هذا التقرير: لقد أقلقتني الحرب الكيميائية والبكتريولوجية "البيولوجية" طوال السنوات الماضية، وقد أعربت عن قلقي هذا في أكثر من مناسبة، وكما أوضحت في العام الماضي أن المجتمع الدولي لا يدرك أبعاد الخطر الكامن في هذه الأسلحة التي تسبب القتل الجماعي، وبينما تحرز محادثات نزع السلاح الذري تقدماً ملموساً عاماً بعد عام، نجد أن الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية لا تلقى الاهتمام نفسه، برغم أن خطرها قد يفوق الأسلحة الذرية، خصوصاً وأن تكاليفها أقل بكثير من الأسلحة الذرية.
وإذا كانت اتفاقية جنيف لعام 1952م قد حرمت استخدام الأسلحة الغازية السامة إلا أن ما حققته الأسلحة الكيميائية من تطوّر خلال السنوات الماضية يحتم إعادة النظر في الاتفاقية.
والتقرير الذي نعرضه هنا يضم مجموع الدراسات والأبحاث التي قام بها 14 خبيراً دولياً من المجر وهولندا وأمريكا والهند وتشيكوسلوفاكيا واليابان وفرنسا وكندا والاتحاد السوفيتي والمكسيك والسويد وأثيوبيا وبولندا وبريطانيا. يقول الخبراء في مقدمة تقريرهم: لم يحدث أن أدانت البشرية نوعاً من الأسلحة، كما أدانت الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية، وكانت الإدانة قديمة ومنذ فجر التاريخ، فالرومان حرَّموا تسميم الآبار قائلين: "إن الحرب بالسلاح وليست بالسموم". وفي عام 1874م صدر في بروكسل قانون بتحريمها، وبعدها في لاهاي عام 1899م صدر قانون بتحريم الأسلحة السامة أو الطلقات المسممة.
ويرجع الخبراء بدء استخدام الأسلحة الكيميائية إلى الحرب العالمية الأولى، ففي عام 1914م استخدمت هذه الأسلحة لأول مرة على نطاق المعارك، وأسفرت المعركة الأولى التي استخدمت فيها هذه الأسلحة عن مقتل 5 آلاف شخص، وبعدها استخدمت هذه الأسلحة في أكثر من مكان.
وتشير التقارير الرسمية للحرب العالمية الأولى إلى الحقائق التالية:
بلغت كميات الكيميائيات السامة التي استخدمت في الحرب العالمية الأولى 125 طناً، ووصل عدد الإصابات من جراء هذه الأسلحة الكيميائية إلى مليون و 300 ألف إصابة.
ثم يقول الخبراء: إن المواد التي استخدمت في سنوات الحرب العالمية الأولى أقل في خطورتها بكثير عن الأسلحة التي يعرفها العالم الآن.
ويتناول الفصل الأول من التقرير الفرق بين الأسلحة الكيميائية والبيولوجية فيقول: برغم التشابه الذي قد يبدو للوهلة الأولى بين النوعين، فإن اختلافات أساسية بينهما من ناحية درجة التسمم وسرعة الفاعلية ومدى التأثير ودرجة التحكّم الكيميائية والأْعراض الجانبية، فبينما المواد الكافية لتسمم شخص واحد تقاس بالمليجرام، فإن الأسلحة البكتريولوجية المحققة للغرض نفسه لا تقاس بالبيكوجرام وهو واحد على مليون من الميكروجرام أي هو بدوره واحد على ألف من المليجرام؛ بالإضافة إلى أن الأسلحة البكتريولوجية تتوالد إذا ما كانت هناك ظروف مواتية، مما يؤكد زيادة خطورتها على الإنسان.
وبينما يقتصر تأثير الأسلحة الكيميائية على فترة محددة قد يزول بعدها الخطر، نجد أن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية مصدر خطر على كل الكائنات الحية: الإنسان، والنبات، والحيوان، وإن كانت الأسلحة البيولوجية بمفردها أشد خطراً على الإنسان وحده.
وفي نهاية التقرير يقدم الخبراء تحذيراً عاماً يلخصون فيه أبعاد الدراسة التي قاموا بها فيقولون: لا تستطيع أي دولة في العالم حتى الآن بما في ذلك أغنى الدول أن تبني شبكة لحمايتها من خطر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، فمثل هذه الشبكة لا وجود لها، حتى لو افترضنا أننا سننفق عليها ما لم ننفقه من قبل، وسنضحي من أجلها بما لم نضح.
وتكمن خطورة الأسلحة البكتريولوجية والكيميائية في احتمالات تصعيدها، والتصعيد هنا قد يتم لنوع السلاح نفسه، أو لكمياته، الأمر الذي يزداد خطورة، ليس على الدولة التي تتعرض للعدوان فقط، وإنما لبني البشر جميعاً.
لكل هذا، لا يستطيع أحد أن يتصوّر مدى الأخطار التي تلحق بالبشرية من استخدام الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية، ولا يستطيع أحد أن يتصور مدى خطرها على المجتمعات البشرية والظروف المعيشية التي نحيا فيها.
ووجه الخطورة هو أن أية دولة في العالم تستطيع أن تصنع هذه الأسلحة