المشاكل التي واجهت قوات الشرطة
لم تكن القوات الفيدرالية تمتلك نظاماً فعّالاً للتمييز بين القوات الصديقة والمعادية، وقد تسبب هذا القصور في مشاكل بين القوات المسلحة وقوات الشرطة، وتفاقم الوضع باستخدام الجيش وقوات الشرطة لإحداثيات مختلفة من الخرائط نفسها، وبذلك لم تتمكن القوات من تمييز بعضها من بعض. كما أن الأنظمة الحاكمة لاستخدام صواريخ الإشارة كانت تختلف بين الفروع فتسبب هذا التضارب بين الاتصالات في العديد من المشاكل بين الجيش وقوات الشرطة. وبينما كانت بعض المصادر الروسية لا تفهم الأخرى، فإن الشيشانيين كانوا يتنصتون عليهم بأجهزة الاتصال التي تستخدمها قوات الشرطة وقوات التدخل السريع نفسها، مستخدمين موجات الاتصال اليومية التي يسهل التعرّف عليها.
وكانت هناك مشاكل أخرى بين قوات الشرطة والقوات المسلحة، ففي داغستان كانت عمليات الجيش في البداية تتم تحت قيادة الشرطة، ولكن فجأة تم استبعاد قائد الشرطة من وظيفته كقائد عام واحتفظ بوظيفته كقائد للشرطة، وحل محله مسؤول من وزارة الدفاع عندما تطلب الأمر استخدام الطيران والدروع التي لا تملكها الشرطة لإكمال المهمة. ويعزو آخرون ذلك إلى عدم مقدرة الشرطة على إجراء التنسيقات المطلوبة مع القوات المسلحة.
وفي أواخر يناير، تم استبعاد قائد الشرطة للمرة الثانية أثناء احتدام العمليات لاحتلال غروزني، وحلَّ محله قائد آخر من الجيش كان قد عمل سابقاً كقائد لمنطقة الزورال، وقد عزا البعض فشل الهجوم الذي شنته القوات الروسية في يومي 25 و 26 ديسمبر إلى استبعاد ذلك القائد.
لم ينقطع الخلاف بين قوات الشرطة والجيش، فقد كانت قوات الشرطة تعتقد أن الجيش كان يدفعهم بلا رحمة نحو الهلاك بدون إسناد مدفعية أحياناً، ولذلك فإن العلاقة لم تكن هادئة بين الجانبين في كثير من الأحيان، وربما يكون ذلك هو السبب في تعيين ضباط من الجيش في مناصب مهمة في الشرطة (مثل منسق نشاطات الشرطة في شمال القوقاز) للمساعدة في بعض المواقف أو استبدال من يبدون عدم كفاءة في العمل. ومن وجهة نظر قوات الشرطة فإن قادة الجيش لم يحاولوا حماية قوات الشرطة من التعرُّض للمخاطر.
العمليات النفسية
تعتبر العمليات النفسية ذات أهمية بالغة في القتال داخل المدن، فقد استخدمت القوات الروسية المنشورات لإقناع السكان المدنيين بمغادرة العاصمة غروزني، كما استخدمت مكبرات الصوت لمناشدة المقاتلين بالاستسلام، وحاولت إنشاء منطقة تجمُّع للمقاتلين الشيشانيين الذين يرغبون في الاستسلام. واستخدم الروس والشيشانيون عديداً من عمليات السيطرة العكسية (نوع من العمليات النفسية) ضد بعضهما البعض، ومن الأمثلة على ذلك محاولة الشيشانيين الخروج من المدينة، حيث كان الرئيس الشيشاني أصلان مسخادوف قد أعلن أن المقاتلين سيبقون داخل المدينة حتى 23 فبراير بينما كان قد صرّح لهم بمغادرة مواقعهم الدفاعية منذ أول فبراير وكان هدفه من ذلك هو السيطرة على القوات الروسية بمحاولة إظهار أن قواته ستبقى في مواقعها لثلاثة أسابيع على الأقل. ومن العمليات النفسية التي مارسها الروس أيضاً، محاولة القوات الروسية إقناع المدافعين الشيشانيين
بإمكانية انسحابهم بأمان في اتجاه الجنوب الغربي تحت جنح الظلام، وقد حقق الروس مآربهم باستخدام شبكات اتصال لاسلكي مزيفة تترك مفتوحة عمداً للشيشانيين ويمررون من خلالها هذه المعلومات، وفي الواقع كان الروس ينتظرون مثل هذا الانسحاب ويفشلونه بحقول الألغام واعتراضه بالقوات.
لقد استفادت القوات المسلحة الروسية من دروس حربها الأولى في الشيشان عام 1995م، فقد أعطوا حرب المعلومات أهمية قصوى وسيطروا على وسائل الإعلام. كانت المدفعية والدبابات وحتى القوات البرية تقوم بدور الإسناد في البداية ولم تعيَّن كقوة تدخل إلا بعد قصف المقاتلين الشيشانيين قصفاً كثيفاً. وقد أنقذ هذا الحذر بلا شك حياة عديد من الجنود الروس بصورة أفضل كثيراً من حربهم عام 1995م. ولم تستخدم الدروع في الهجوم على المدينة كما كان الحال في يناير 1995م، فبدلاً من القيام باقتحام أمامي ضد المواقع الدفاعية الحصينة للمقاتلين الشيشانيين، فإن القوات الفيدرالية الروسية آثرت إرسال وحدات استطلاع لتصبّ نيران المدفعية على مواقع المقاتلين الشيشانيين المشتبه فيها، وكان هذا النوع من الاقتراب غير المباشر يعتمد على القتال من مواقع بعيدة، ومن الممكن أن تقوم الطائرات بدون طيار بمثل هذه المهام الاستطلاعية إذا نشب مثل هذا القتال في المستقبل.
كما تم التغلُّب على مشاكل الاتصالات إلى حدّ ما بما في ذلك المقدرة على إرسال الرسائل المشفرة وزيادة فاعلية الأنواع المختلفة من الأجهزة اللاسلكية وأعطت القوات الروسية أولوية مبكرة لتعطيل محطات تقوية الهواتف الخلوية، حيث إن هذه الهواتف تعمل في المدن بصورة أفضل من الاتصالات ذات الذبذبات المعدلة.
اعتمدت القوات الروسية اعتماداً كبيراً على الصواريخ التكتيكية (سكود) التي كان لها أثر كبير على الشيشانيين من الناحيتين البدنية والنفسية، كما استخدمت في شنّ الهجمات على المقاتلين الشيشانيين المختبئين في الأدوار السفلية من المباني. ولاشك أن الغرض من هذه الضربات هو إحداث ضغط نفسي كبير على المقاتلين وإثبات عدم جدوى المقاومة ضد خصم يمكنه الضرب ولا يتعرض للتدابير المضادة، كما لعب نظام Tos-1 (قاذفة صواريخ مركبة على دبابة ت 72) دوراً بارزاً كسلاح رعب.
علاوة على ذلك فقد كانت أجهزة الرادار ذات تأثير فعّال للجيش الروسي حيث كانت المدينة شبه خالية من السكان. وعلى العكس من الحرب الأولى فإن الشيشانيين كانوا يقاتلون بعضهم البعض مما ساعد الروس على التغلُّب على العديد من المشاكل ذات العلاقة بالتكتيكات واللغة داخل المدينة، حيث كانت القوات الشيشانية الموالية للروس تستطيع التحدّث مع السكان المحليين وتجمع الاستخبارات عن مواقع المقاتلين الشيشانيين وتحركاتهم. وقد ثبت أن الاستخبارات البشرية كانت أفضل من الاستخبارات الروسية التي يتم جمعها بالأجهزة الاستخبارية.
ومن المشاكل التي لم يتم حلها التنسيق بين القوات المسلحة الروسية وقوات الشرطة، مما أثار النزاع بينهما وعدم مقدرة القوات الروسية على التغلّب على تكتيكات الشيشانيين، وكانت هاتان المشكلتان موجودتين في الحرب الأولى. ولم ينتبه الروس إلى ضرورة استخدام أجهزة رؤية ليلية أكثر كفاءة في بنادق القناصة وطائرات الهجوم الأرضي إلا في أواخر شهر نوفمبر.
لقد كان الهجوم الروسي على غروزني عام 2000م أفضل بكثير من هجومهم عليها عام 1995م، ولكن تحويل تلك المدينة الرئيسة إلى أنقاض ودمار يثير عديداً من الأسئلة عن طبيعة الدروس العسكرية والسياسية التي تم استيعابها من الحرب الأولى، ففي عامي 1994م و 1995م احتل الروس مدينة غروزني ولكن الشيشانيين استعادوها خلال 18 شهراً فقط، ومازالت بعض المسائل عالقة لروسيا؛ يذكر منها:
الأولى: أن النجاح العسكري يعتبر شرطاً أساسياً لفرض الاستقرار السياسي، ولكن الحكومة الروسية لم تحاول تحويل انتصارها الأخير إلى استقرار سياسي.
الثانية: أن زخم العمليات طويلة الأمد يكون على حساب الانتصار السريع في المدن.
وأخيراً فإن المعركة الأخيرة على غروزني لقنت العسكريين درساً مفاده أنه لا الأسلحة المتقدمة ولا الفن العسكري كافيان لتحقيق النجاح في قتال المدن دون رغبة الجندي في القتال ومقدرته على التغلّب على الضغط النفسي المصاحب للمواقف المهلكة في قتال المدن