]وأصبح
أخيرا لمنفيي كاليدونيا وطنا اسمه الجزائر ودينا اسمه الاسلام ولغة هي
العربية حيث انتدب لكاليدونيا إمام لتعليمهم أصول الدين الإسلامي واللغة
العربية، وعلق في كل بيوت منفيي كاليدونيا علم الجزائر، وقد زار الصديق
التاوتي كاليدونيا أربع مرات، كما توالت زيارات منفيي كاليدونيا إلى
الجزائر خاصة بعد أن تعرفوا على عائلاتهم في وطنهم الأم وصاروا يتبادلون
الرسائل والمكالمات الهاتفية، وقد أنجز التلفزيون الجزائري تحقيقا تاريخيا
عن منفيي كاليدونيا بمساعدة الصديق التاوتي وتبعه الجزائريون باهتمام
وتأثر، واكتشف بعضهم لأول مرة أنه خلف هذا العالم توجد دماء جزائرية تنبض
بالحياة كانت إلى وقت غير بعيد ضائعة في غياهب النسيان، وقد ألف الصديق
التاوتي كتابا بعنوان "المبعدون إلى كاليدونيا الجديدة: مأساة هوية
منفية"، كما قامت شابة من منفيي كاليدونيا بإنجاز كتاب عن هؤلاء المبعدين
باللغة الفرنسية وشاركت به في معرض الجزائر الدولي وتوقف
عندها الرئيس بوتفليقة للحظات عند زيارته لذاك المعرض.[/b]
العرب الجزائريون "الضائعون" في جزر المحيط الهادي منذ القرن الـ91 زارهم: د.صالح مهدي السامرائي أخبرني
المرحوم الدكتور علي الكتاني أن عرباً جزائريين هُجِّروا بعد دخول فرنسا
الجزائر إلى كاليدونيا الجديدة التي تبعد عشرين ألف كيلو متر شرق الجزائر،
فقررت أن أتفقدهم، وحملت نفسي من جدة إلى طوكيو ست عشرة ساعة طيرانا ومن
طوكيو إلى سيدني تسع ساعات ومن سيدني إلى كاليدونيا الجديدة ساعتين ونصف،
استقبلني في مطار عاصمة الجزيرة "نوميا" شخصان أحدهما الأخ الداعية موسى
بوخ "أصله من جيبوتي وعمل في فيتنام ثم هاجر للعمل في كاليدونيا الجديدة
والآن مقيم في كوالالمبور"، والمرحوم محمد عبده "مهاجر من اليمن"، وكان
الأخ موسى هو دليلي في الجزيرة، واستضافني خلال مدة بقائي. أما
العرب الجزائريون فهم موجودون في العاصمة نوميا إلا أن مقرهم الرئيس في
مدينة "بواري" على بعد مائة وسبعين كيلومتراً إلى الشمال، ولقد تم نفي
هؤلاء بعد احتلال فرنسا للجزائر، وذلك إثر المقاومة البطولية التي قام بها
الشعب الجزائري في ثورات متتالية ضد الاحتلال، منها ثورة المقراني،
كما كان يحدث احتكاك وتحرش يومي بين الجنود الفرنسيين
وأفراد الشعب الجزائري، فمن شاكس وعاكس فرنسياً يُبعَد
إلى أقاصي الدنيا. في العاصمة بواري رأيت ما يأتي: 1 - المسجد الوحيد بالجزيرة. 2- جالية إندونيسية تناهز الخمسة آلاف وأفراداً من جيبوتي واليمن وتونس. 3
- تمثالاً لفتاة عربية نصب في قلب العاصمة ويقال إنها
كانت أجمل بنات الجزيرة وتزوجها الحاكم الفرنسي وعمل
لها هذا التمثال. 4 - امرأة من أصل جزائري
تعمل في أحد المخازن، كأنها في ملامحها توأم للرئيس
بن بله، وعن طريق المترجم سألتها: إذا أتيحت لك فرصة
للذهاب إلى الجزائر هل توافقين؟ فردت بالإيجاب. أما مدينة بوراي فهي مكان تجمع العرب الجزائريين وعمدتها جزائري ولفت نظري فيها: 1 - جيلان من العرب، الكبير منهم يعرف شيئاً من العربية، لكن الشباب لا يعرفها. 2
- لا يعرفون من الإسلام إلا دفن الموتى في المقبرة الجزائرية التي يعلوها
الهلال والكتابة العربية، وبجانبها غرفة واسعة من القصدير، فإذا توفي
أحدهم يجتمع الناس، وبعد الدفن يذبحون بقرة ويتناولون الطعام عند المقبرة،
وذلك طقس غريب ولا يقل غرابة عن قصة هؤلاء المساكين!. 3 - رأيت
بعضهم يسكن في أكواخ هم وزوجاتهم الفرنسيات "حيث جلب لهم الفرنسيون
مهجَّرات فرنسيات" وسألت أحدهم واسمه "ميسوم" وهو يتكلم اللهجة الجزائرية
ويسكن كوخاً... سألته: هل نبني لكم مسجداً، فرد قائلاً: إذن ينتهي الإسلام
"إن لم تبنوا". أما الآخر فاسمه "العربي" ويسكن بيتاً متواضعاً
حديث البناء وله سيارة. 4 - أسماء العرب فرنسية، ولكن لاحظت أنهم يحتفظون بأسماء عربية أيضاً. 5
- كان يتردد عليهم شاب تونسي مبعوث من الشيخ بن باز
رحمه الله فاستعاد بعضهم هويته الإسلامية. بعد هذه
الزيارة الخاطفة لبوراي عدت للعاصمة وجمعت الوثائق عن العرب ووعدتهم أني
لعدم معرفتي بالفرنسية أسعى لحث شخصية جزائرية تعمل في البنك الإسلامي
للتنمية وتهتم بمسلمي العالم لزيارتهم والاعتناء بهم وهو الدكتور صديق
التاوتي. ملاحظات عامة على الزيارة 1-
يشكل العرب في كاليدونيا الجديدة نسبة مهمة من
السكان تصل إلى نحو الخمس، إذ يبلغ تعدادهم عشرين
ألفاً في بعض التقديرات. 2 - نصف أهالي الجزيرة من السكان الأصليين "بولونيزيون". 3
- عندما وصل الجزائريون إلى الجزيرة منفيين تم حجزهم في معسكرات اعتقال،
وكان حراسهم الفرنسيون يلعبون القمار والرابح منهم يأمر جزائرياً بأن يحفر
حفرة يدفن فيها نصف جسمه، ثم يصوب له طلقة نارية تقتله. 4-
عدلت قوانين فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر وأعطي
هؤلاء بعض الحرية وأخرجوا من معسكرات الاعتقال وأعطوا
أراضي يزرعونها وأثقلوهم بالضرائب. 5 - زوجوهم بالمحكوم عليهن بفرنسا. 6
- سألوا السلطات أن يكون لهم محل للعبادة وقالوا
للمسؤولين: إن الحيوان فقط ليس له دين، فأجيبوا نبنِ
لكم كنائس، فوافقوا. 7 - بعد عودتي إلى جدة
حدثت الدكتور صديق التاوتي فزارهم بعد زيارة له
لأستراليا وتعرف أكثر على أحوالهم. وسعى جزاه الله خيراً فبنى لهم مسجداً ومركزاً إسلامياً. وقد
سعى الدكتور صديق التاوتي لدى المسؤولين في الجزائر في آخر عهد الرئيس
الشاذلي بن جديد، فدعت صحيفة المجاهد وفداً من عرب كاليدونيا الجديدة
وتعرفوا على أقاربهم، وقام الدكتور التاوتي بمصاحبة وفد تلفازي جزائري إلى
كاليدونيا الجديدة وسجل فيلماً وثائقياً عن العرب فيها وذلك في
يناير 2001م، كما وضع الدكتور صديق التاوتي كتاباً عنهم
باللغة الفرنسية، وترجمه للعربية. 8 - المسجد والمركز في
بوراي ليس فيه إمام ولا داعية، وطلبت مرات عديدة من اتحاد المسلمين في
فرنسا برئاسة الحاج تهامي إبريز أن يرسلوا داعية فرنسياً من أصول جزائرية
إلى هناك، على أن تكفله بعض الهيئات في البلاد العربية، ولكن مع الأسف لم
تحدث أية استجابة. وأخيراً، فإن الجنسية الفرنسية ضرورية،
لأن كاليدونيا الجديدة جزء من فرنسا، ومن الصعب على
الجنسيات الأخرى الدخول والعمل... فهل من مستجيب