إن واقعنا الأمني والسياسي الحالي يحتم علينا طرح العديد من الانشغالات والقضايا التي قد لا تغيب عن انشغال أي مواطن أو مثقف تخصيصا, إذ أن حساسية التحديات والمخاطر التي تستهدف الجزائر في أكبر وأهم مصالحها الإستراتيجية وهو أمنها القومي ,تستوجب إسالة حبر دراسات وأفكار الكثير من مثقفي واستراتيجي هذا الوطن المستهدف دوما ,وربما وجب التفكير بجدية وجرأة وطنية في منظومة معرفية معلوماتية تهتم بهذا المجال الحيوي الهام في بناء وازدهار الدولة والتنمية الشاملة .
إن التفكير الإستراتيجي الصريح في مشاكلنا وأزماتنا المترابطة الأسباب والتأثيرات يضعنا أمام التصورات الواقعية والأطروحات الوقائية قصد تفادي أي تأثيرات أو تراكمات خطيرة تهدد مباشرة أمن ووحدة الوطن .
إن للأمن القومي فواعل وعوامل عديدة ومترابطة, تستوجب العناية الفائقة من أجل ضمان استمرارية فعالية هذه المقومات الحاسمة في الدفاع على أمننا القومي وصيانته بأنجع البدائل والسياسات مما يضمن استقرار وقوة الدولة وهيبتها.
وتخصيصا لقيمة وحساسية هذا الموضوع ,رأيت أن أوجز هذه المحددات والمقومات عبر شروحات مستفيضة مفسرة لبعض التصورات والتقديرات المستخلصة من عدة منطلقات وأسس أتحرى قدر المستطاع واقعيتها وموضوعيتها والتي هي كالآتي:
01- ترقية التماسك الوطني وتقوية الجبهة الداخلية:
يعد هذا العنصر من حيث حيويته وحساسيته المؤشر الحاسم والفاعل في قوة الدولة وأمن مؤسساتها,وذلك لصلته التفاعلية الكبيرة بالأمن الاجتماعي والحس المدني لدى الفرد والمجتمع ,فكل الدراسات التاريخية والسياسية وتحديدا المختصة بظاهرة الحروب والصراع ,وكذا ظواهر علم الاجتماع السياسي تؤكد بأن
النظم السياسية التي لا تتميز بوحدة الشعب وتماسكه بفعل بؤر التوتر والفتن وتباين الفوارق الاجتماعية و القوميات والمعتقدات ,تكون أكثر عرضة لأخطار وكوارث الاضطرابات ومظاهر النزاع والفرقة الداخلية ,مما يؤثر وبأثر سلبي مباشر على الوحدة الوطنية التي هي أساس كل استقرار وأمن وازدهار .
إن التماسك الوطني يبنى على مجموعة متكاملة من القيم والأفكار والضوابط التي تجمع أبناء الوطن الواحد حول أهداف ومصير وانتماء مشترك تلتقي حولها اغلب الإرادات والتوجهات الثقافية والإيديولوجية رغم تنوعها واختلافها في إطار منظومة وطنية مكرسة ومجسدة لقيم ومبادئ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وروح المواطنة الشريفة النبيلة .
فالحفاظ على قوة ولحمة الجبهة الداخلية ينطلق أساسا من إصرار وعزم الدولة وكافة مؤسساتها الدستورية بالتصدي لكل سلوكيات وممارسات التفرقة والجهوية واللامبالاة ,وبمحاربة كل سياسيات العبثية والتلاعب بحقوق وثروات مصالح الوطن والمواطن ,وذلك بترسيخ وتفعيل سيادة القانون وحرمة الواجب والحق معا وترشيد استغلال الموارد والثروات الوطنية وتوزيع منافعها .
إن مؤسسات الدولة مطالبة بتحمل أعباء كبيرة اتجاه تلبية المطالب الأساسية والمشروعة للمواطن وتأمين حقوقه من كل ممارسات وسياسات الانتهاكات والتجاوزات التي غالبا من تضيع لتفريط أو إفراط, مما ينعكس سلبا وبآثار كارثية على الأمن الاجتماعي والحس المدني لدى المواطن وخصوصا من فئة الشباب التي سيكون لها فيها نصيب الاهتمام والتحليل المستفيض في السلسلة اللاحقة من مقالات هذا الموضوع .
02- تعزيز إجراءات واستراتيجيات الدفاع الوطني :
من المؤكد أنه لكل دولة نظمها وتصوراتها الأمنية والدفاعية في حماية سيادتها ومصالحها, وذلك لما يمثله عنصر الأمن الشامل والاستقرار العام من أهمية فائقة في التنمية وبناء قوة الدولة في مختلف المجالات والميادين.
إن مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والمحددة المهام والوظائف دستوريا وفق تخصصها وصلاحياتها هي الفاعل الجوهري والأساسي في حماية الوحدة والسيادة الوطنية ,وهي صمام الأمان وأداة الردع الحاسم اتجاه كل الأخطار والإستهدافات الداخلية والخارجية للأمن القومي ,ولابد أن تحضي هذه المؤسسات الدستورية بكل رعاية وعناية بالتطوير والإصلاح ومواكبة التغيرات والمستحدثات التكنولوجية والتقنية المتطورة لتمكينها من التصدي التام لكل التهديدات والأخطار التي تمس أمن وممتلكات المواطن والدولة .
لقد أحدثت الثورة التكنلوجية والتقنية ومنجزاتها المتسارعة التطور والتحديث ,تحولات وتغييرات كبيرة في أدوات وقواعد العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للدول ,لتجعل من لعبة تبادل أو تباين المصالح الحيوية بينها حلبة صراع ونزاع ظاهر و خفي, يكون فصل الخطاب فيه لميزان القوة الشاملة والمؤثرة على صنع القرار أو توجيهه ,خصوصا عندما يتعلق الأمر بمتطلبات ومقتضيات الأمن القومي ,الذي يعتد أساسا بكل مقومات وأدوات التفوق العسكري والإستخباراتي.
فلابد أن تكون هذه المؤسسات ذات قدرة كبيرة على التخطيط والتحليل والتنفيذ لمسايرة تحديات ومسؤوليات الدفاع والأمن المنوط بهما اتجاه الوطن والمواطن
يتبع -------