"ليمان براذرز" الأمريكي يهدد اقتصاد العالم

- السلام عليكم
-أعلن مصرف ليمان براذرز رابع أكبر مصرف استثماري بالولايات المتحدة إفلاسه، مطالباً الجهات المعنية بحمايته من الدائنين بعد أن حاول تمويل الكثير من الأصول المحفوفة بالمخاطر بقدر محدود نسبيا من رأس المال، ليصبح أكبر وأبرز ضحايا أزمة الائتمان العالمية المندلعة منذ 13 شهراً، متسبباً بذلك في اهتزاز أسواق المال العالمية، وتراجع سعر الدولار لأقل مستوياته منذ شهرين.

وتعليقاً على انهيار البنك الذي أسسه مهاجرون يهود ألمان منذ 158 عاماً قال ماركو أنوتسياتا كبير الاقتصاديين في بنك يونيكريديت في لندن: "إننا نشهد نقطة تحول في التاريخ الحديث للنظام المالي، حيث اختفى الآن من الساحة ثلاثة من كبار اللاعبين، وستكون الأيام والأسابيع القادمة حاسمة فعلا للتوقعات الاقتصادية العالمية". بحسب وكالة رويترز للأنباء اليوم الإثنين 15-9-2008.

وهوت أسهم بنك ليمان براذرز في فرانكفورت في بداية تعاملات الأسبوع الجديد اليوم بنسبة 85% بعد أن أخفقت محادثات طارئة جرت في مطلع الأسبوع الجاري مع بنك باركليز البريطاني لشراء معظم أسهم ليمان براذرز.

ووفق الأرقام التي أعلنها البنك فإنَّ خسائره جراء أزمة قطاع العقارات الأخيرة فقط بلغت نحو 7 مليارات دولار، في حين فقدت أسهم البنك قرابة 90% من قيمتها، وذلك قبيل إشهاره إفلاسه مباشرة، ليصبح بذلك أكبر بنوك الاستثمار التي تنهار منذ عام 1990 حين انهارت مؤسسة "دركسل برنام لامبرت" المتخصصة في السندات عالية المخاطر.

"الأحد الأسود"

وفيما وصفته رويترز بيوم "الأحد الأسود" لسوق المال الأمريكية طلبت شركة أمريكان إنترناشونال جروب للتأمين التي تعمل للحيلولة دون خفض تصنيفها ودعم رأسمال شركتها الأم من مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) تمويلا قصير الأجل بقيمة 40 مليار دولار في خطوة غير مسبوقة من قبل.

كما أثَّرت الأزمة الائتمانية تأثيرًا كبيرًا على أوضاع عدد من كبار المصارف وشركات الخدمات الماليَّة الأمريكيَّة، وعلى رأسها بنك الاستثمار ميريل لينش، الذي أعلن موافقته على صفقةٍ عرضها بنك "أوف أمريكا" - أكبر مصرفٍ أمريكيٍّ من جهة الودائع- لشرائه بـ50 مليار دولارٍ أمريكي.

وفي السياق ذاته أدى إفلاس ليمان براذرز إلى انخفاض الدولار لأدنى مستوياته منذ شهرين أمام العملة اليابانية عند 104.82 ين اليوم، ما يعد أكبر هبوط للدولار في يوم واحد أمام العملة اليابانية منذ فبراير شباط عام 2002.

ولاحتواء الأزمة التي تهدد الاقتصاد الأمريكي – أكبر اقتصاد في العالم بحجم يزيد عن 7 تريليون دولار- اتخذ مجلس الاحتياطي اليوم الإثنين سلسلة من الخطوات الجديدة للتخفيف من التقلبات في التعاملات المالية، معلناً أنه سيبدأ قبول الأسهم كضمان للقروض الطارئة للمرة الأولى في تاريخه، وأنه سيزيد المبلغ الذي يطرحه من سندات الخزانة في المزادات المنتظمة بمقتضى أحد برامجه الخاصة بالإقراض.

كما وافقت في الوقت نفسه 10 من أكبر بنوك العالم على تكوين صندوق للطوارئ بقيمة 70 مليار دولار، يكون من حق أي من هذه البنوك الحصول على ثلث قيمته.

وتشير هذه التطورات التي تأتي بعد ثلاثة أيام من المحادثات بين الرؤساء التنفيذيين للبنوك والسلطات التنظيمية في مقر مجلس الاحتياطي الاتحادي إلى أن وول ستريت وواشنطن تسلمان بأن قدرا هائلا من الدعم والمساعدة أصبح مطلوبا في مواجهة أزمة الائتمان ومتاعب سوق العقارات في الولايات المتحدة، بحسب وريترز.

السوق العالمية مهددة

وحذت البنوك المركزية في أوروبا وآسيا حذو مجلس الاحتياطي الاتحادي اليوم الإثنين بمحاولة دعم الأسواق التي تترنح تحت وطأة انهيار بنك ليمان براذرز وبيع بنك ميريل لينش المتعثر.

فقد سجلت الأسهم الأوروبية انخفاضًا حادًّا في أوائل التعاملات اليوم الإثنين، حيث انخفض المؤشر الرئيسي لأسهم الشركات الكبرى في أوروبا "يوروفرست 300" بنسبة 3.1%، كما انخفضت أسهم البنوك الأوروبية بنسب وصلت إلى 9%.

فمن جهته أعلن البنك المركزي الأوروبي أنه مستعد للمساهمة في ضمان انتظام أحوال العمل في السوق النقدية باليورو، بينما قال بنك إنجلترا المركزي إنه سيتحرك إذا تطلب الأمر.

وأعلنت بنوك مركزية في دول أخرى من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أنها تتابع الأسواق عن كثب وتقف على أهبة الاستعداد للتحرك.

وقال مصدر في بنك اليابان المركزي "إننا نراقب تطورات السوق المالية وعلى اتصال مع المركزي الأمريكي والسلطات في دول أخرى".

مخاطر عربيَّة

الاقتصاديَّات العربيَّة ليست بمنأى عن الأزمة، حيث ترتبط البورصات العربيَّة بنظيرتها العالميَّة، وتتأثَّر بأوضاعها، خاصة مع وجود أموالٍ عربيَّة تتراوح ما بين 600 إلى 800 مليار دولار تعمل في البورصات والبنوك الغربيَّة، ومن بينها البورصات والبنوك الأمريكيَّة المأزومة، بحسب دراسة نشرتها مجلة (المستثمرون) الكويتية في يوليو 2008.

وبحسب خبراء فإنَّ التَّباطؤ الرَّاهن في الاقتصاد الأمريكيِّ، على مُعدَّلات النُّمو الاقتصاديِّ في العالم العربيِّ، وبخاصَّة مع وجود مؤشرات أولية بتراجع الإقبال على النَّفط بسبب الأزمة المالية الراهنة في الولايات المتحدة، وتمثِّل صادرات الخليج العربيِّ من النَّفط حوالي 60% من إجمالي صادرات النَّفط العالميَّة.

ويرجح الخبراء أن المجال الأكثر تأثراً بالأزمة التي فجرها إفلاس بنك "ليمان براذرز" اليوم هو الاستثمارات العربية بالخارج، حيث بدأت الأموال العربية بشكل عام والخليجية خاصة في دخول سوق العقارات الأمريكيِّة في الأشهر الأخيرة التي سبقت الأزمة، ومن بينها الصَّناديق الاستثماريَّة التَّابعة لبعض الحكومات الخليجية.

وكانت الصَّفقات الأبرز في هذا المُقام، والتي أثارت جدلاً سياسيًّا واقتصاديًّا في الغرب وفي داخل أروقة صندوق النقد الدَّولي قيام المجلس الاستثماريِّ لحكومة أبو ظبي بشراء 75% من بناية كرايسلر، إحدى أشهر معالم مدينة نيويورك الأمريكيَّة.

بالإضافة إلى الصَّفقة التي اشترى بموجبها أحد الصناديق الاستثماريَّة بمدينة دبي الإماراتية في يونيو الماضي بناية "جنرال موتورز"، بقيمة 2.8 مليار دولار.

وفي شهر نوفمبر الماضي استثمرت سلطة الاستثمار في أبو ظبي -التي تعد واحدة من أغنى الصَّناديق الاستثماريَّة في العالم وتُدير استثماراتٍ بقيمة 800 مليار دولار- مبلغ 7.5 مليار دولار في المجموعة المصرفيَّة الأمريكيَّة العملاقة "سيتي جروب".

وبحسب الأرقام الصَّادرة عن مُؤسَّسة الأبحاث الأمريكيَّة المعروفةِ باسم "تحليلات عقاريَّة"، فإنَّ المستثمرين الذين ينتمون إلى الشرق الأوسط، وبصفةٍ خاصَّة من الخليج العربيِّ قد استثمروا نحو 1.8 مليار دولار على صفقاتٍ تتعلَّق بعقاراتٍ تجاريَّةٍ في الولايات المتحدة وحدها.