تُعتبر المدفعية - بصورة عامة - صنف أساسي Main Assort من صنوف القوات
البرية، وهي التي تحقق القدرة النارية لتلك القوات عند خوضها الأعمال
القتالية، أو العمليات الحربية. وكانت المدفعية تُعتبر - أيضاً - أكبر
صانع - أو مسبب - للضحايا في حروب القرن العشرين السابقة، ولم ينحسر دورها
مطلقاً بظهور الأسلحة الصاروخية كوسائط نيران أساسية في ميدان المعركة،
وإنما أصاب تطور ها بعض الجمود ولم تتغير منذ الحرب العالمية الثانية وحتى
منتصف الخمسينيات، حيث اتجهت الدول الكبرى نحو التأكيد على الأسلحة
النووية بدلاً من التقليدية، ففي تلك الفترة نسقت كميات كبيرة من المدافع،
وبخاصة من قوات الدول الأوروبية الشرقية.
أدى إدخال السلاح الصاروخي النووي - وبخاصة في المستويات التكتيكية - إلى
التحسين المستمر لوسائط الصراع المسلح، ووضعت أمام المدفعية متطلبات جديدة
لتطويرها اللاحق، تتلخص هذه المتطلبات في: زيادة مدى الرمي، وقدرة
المناورة، وإنتاجية النيران، وخفة الوزن، وتأمين الحماية لأفراد الطاقم
المدفعي من تأثير الأسلحة التقليدية بشكل عام، والأسلحة النووية بشكل خاص.
وباتت الدول - غير النووية - تسعى دائبة للحصول على الأعتدة المدفعية من
الطرازات والأجيال الجديدة، وبخاصة المدفعية ذاتية الحركة.
يجدر بنا - بعد هذه المقدمة عن مدفعية الميدان - أن نتعرف على النماذج
والطرازات الموجودة في التسليح العالمي، مستعرضين أبرز مواصفاتها الفنية
(التكنولوجيه)، وخصوصاً الطرازات أو النماذج المتوفرة حالياً في تسليح
القوات البرية العربية، وبعض دول الجوار الجغرافي.
أولاً : عموميات عن مد فعيةالميدان
يتحقق النجاح في المعركة الحديثة بالجهود المشتركة لجميع الصنوف والقوى،
ويعتبر التعاون فيما بينها، ومع القوات الخاصة والجوار، الشرط الأساسي
لتحقيق النصر في المعركة، وتعتبر مدفعية الميدان القوة
النارية الضاربة Strike Fire Power الرئيسة للقوى البرية، وهي تتميز بمدى
رميها الكبير (العميق)، وقوتها النارية الهائلة، وقدرتها على المناورة
بالنار والعتاد، حيث تفتح نيران المدفعية لقواتنا (الصديقة) الطريق في
الهجوم، وتغلق الطريق على العدو في الدفاع.
وتعتبر الرمايات الكثيفة Density of Fire، والمناورة الواسعة بالوحدات
(القطعات) والنيران في حقل المعركة، الأساس في الاستخدام القتالي
للمدفعية. إن مدفعية الميدان قادرة على تنفيذ المهمات التالية:
- تدمير وإبطال مدفعية وهاونات العدو والوسائط النارية الأخرى والقوى الحية المعادية.
- تدمير الدبابات والقانصات ( المدرعة) المعادية.
- تهديم المنشآت الدفاعية الميدانية والحصينة.
- شل قيادة قوات العدو وعمل مؤخراته (اللوجيستية، والإدارية).
- منع العدو من تحقيق المناورة والقيام بالأعمال الدفاعية وترميم الأهداف المخربة.
وتتحقق النتائج الحاسمة والسريعة لأعمال مدفعية الميدان بما يلي:
- حشد التجميع الرئيس (الأساسي) للمدفعية في الوقت المناسب على اتجاه
الضربة الرئيسة في الهجوم، وعلى أهم اتجاهات الجهد الرئيس في الدفاع.
- تكثيف وتركيز نيران المدفعية على أهم أغراض (أهداف) Toirgets وتجمعات العدو.
- الاعتماد على المفاجآت بالنيران الفعالة.
- القيادة المرنة الأكيده لنيران المدفعية في المعركة (والعملية).
- التعاون المستمر مع الصنوف الأخرى، والطيران، والجوار، أثناء سير الأعمال القتالية.
- الحصول على معلومات الاستطلاع في حينه.
- الاستفادة القصوى من نيران (خصائص) العتاد المدفعي، ورفع الكفاءة التدريبية للطواقم المدفعية.
يرى الخبراء الاختصاصيون الأمريكيون، أن المدفعية والقطعات الصاروخية الداخلة في تسليح القوات البرية
الأمريكية، هي صنف أساسي من صنوف القوات، التي تؤمِّن الدعم الناري للقوى
البرية، والصراع ضد وسائط التدخل الجوي المعادي، وتُقسم القوات البرية
في الولايات المتحدة الأمريكية إلي: مدفعية ميدان، ومدفعية مضادة
للطائرات، وتصنف حسب العيارات، والوزن، وأسلوب التحرك إلى: مدفيعة خفيفة،
ومتوسطة، وثقيلة. لكن الخبراء الروس الاختصاصيين يعطون لمدفعية الميدان
استقلالاً ذاتياً، ويفصلون بينها وبين المدفعية المضادة للطائرات، حيث
يلحقون هذه الأخيرة بصنف مستقل بذاته هو "قوات الدفاع الجوي". وبعض الدول
يلحق هذه الأخيرة بالقوات الجوية.
على كل الأحوال، تنتمي إلى المدفعية الميدانية في جيش الولايات المتحدة
مجموعات (منظومات) الأجهزة الصاروخية الموجهة وغير الموجهة من فئه "أرض -
أرض"، والهاونات على مختلف عياراتها، والراجمات الصاروخية (مدفعية الجيش)،
والقذائف الموجهة المضادة للدروع. ويوجد في تسليح قطعات مدفعية التشكيلات البرية
الأمريكية واحتياط القيادة العامة، أجهزة مدفعية ذات سبطانات عيار 105
ملم، و 155ملم و 175 ملم، و 2ر203 ملم قذافات ومدافع، ويوجد في كتائب
المشاة المحمولة (المشاة) والدبابات، هاونات عيار 7ر106 ملم، وفي سرايا
(وحدات المشاة المحمولة) هاونات عيار 81 ملم، وسوف نقتصر في هذه المقالة
على دراسة المدافع ذات الرمي المنحني (القوسي) فقط.
كانت أهم التحسينات التي أجريت على المدفعية - من أجل زيادة قدرتها على
المناورات - باتجاه إعطاء المدفع The gun إمكانية الحركة الذاتية، دون
الحاجة إلى القطر، وذلك بتركيبها على عربات مدرعة مجنزرة، وهذه الميزة
تمكن المدفعية من مرافقة الدبابات في ميدان المعركة، وتمكنها من التمتع
بسرعة رد الفعل، حيث تستطيع فتح النيران من الحركة أو بعد حوالي دقيقة من
الوقوف. ويستطيع بعضها تنفيذ الرماية الدائرية، والمناورة مباشرةً بعد
الرمي (اتباع تكتيك أطلق وانسحب) وقابلية التمويه بسهولة، بينما يحتاج
المدفع المتطور إلى حوالي نصف ساعة لتجهيزه بعد الوقوف. وتقدم المدافع
الذاتية الحركة الحماية للأطقم من شظايا الأسلحة الخفيفة، وبعضها يقدم
الحماية ضد الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
ثانياً : المدفعية المقطورة Tractor-Drawn Artillery
في استعراض الطرازات فى مدفعية الميدان الداخلة حالياً في التسليح
العالمي، أمكن حصر حوالي (16) طرازاً فى المدفعية المقطورة، منها (10)
قذافات Howitzers، و (3) مدافع- قذافة Howitzer/gun، و (3) مدافع The gun،
لكن هذا لا ينفي وجود طرازات أو مدافع من أجيال أقدم منها، وكذلك وجود
طرازات (وأجيال) من مدفعي ميدان (مقطورة) من صنع دول أخرى غير الدول
الصانعة التي سنذكرها لاحقاً "أنظر الجدول 1".
ثالثاً: المدفعية ذاتية الحركة Self-propelled Artillery
بدأ تطور المدفعية ذاتية الحركة عشية الحرب العالمية الثانية وفي أثنائها،
حيث ركبت المدافع على هياكل الدبابات لتسمح للدعم الناري والمحافظة على
مرافقة الهجوم السريع، حيث دخل المدفع السوفيتي ذاتي الحركة (سو -14)
المركب على الدبابة الروسية (ت -34) في المعركة في عام 1940م، كما دخل
المدفع الأمريكي الذاتي الحركة (م -7) المركب على الدبابة الأمريكية (م
-2) في الخدمة عام 1942م، ومذ ذلك الحين أخذت المدفعية ذاتية الحركة في
التطور بعد الحرب العالمية الثانية بوتائر
عالية، وتم تصنيعها بأعداد كبيرة، ودخلت في تسليح القوات المسلحة في معظم
دول العالم، وحلت محل المدفعية المتطورة؛ وبالرغم من ذلك فقد أبقت غالبية
الدول على قطع من المدفعية المقطورة حتى الآن.
وقد أمكن حصر حوالي (14) طرازاً من المدفعية ذاتية الحركة الداخلة حالياً
في تسليح الدول الصناعية الكبرى، وفي تسليح دول الوطن العربي ودول الجوار
الجغرافي، ولعل أشهر تلك الطرازات هما: المدفع الأمريكي نموذج (م-109)
عيار 155 ملم، والمدفع الأمريكي الآخر نموذج (م -110) عيار 2ر203 ملم.
وهما الأوسع انتشاراً في الدول العربية وإسرائيل وإيران. وفى الوجهة
الإجمالية فإن المدفعية ذاتية الحركة يتميز منها - في الوقت الحاضر ستة من
فئة (القذاف) وثلاثة من فئة (مدافع-قذاف)، وخمسة من فئة (مدفع)، وسوف
نستعرض بعض المواصفات الأساسية لتلك الفئات:-
وتجدر الاشارة إلى أن هناك 18 دولة من الدول العربية (باستثناء العراق
والصومال وجيبوتي وجزر القمر) تملك حوالي (10857) فوهة مدفعية ميدان من
فئات متنوعة، ويقابلها في ذلك الكيان الصهيوني الذي يملك في الوقت الراهن
حوالي (1550) فوهة مدفعية ميدان، منها (400) مدفع مقطور، و (1150) مدفعاً
ذاتي الحركة، وتملك إيران في قواتها البرية حوالي (2284) فوهة مدفع، منها (1995) فوهة مدفع مقطور، وزهاء (289) مدفعاً ذاتي الحركة من عيارات مختلفة.
رابعاً : قذائف مدفعية الميدان والنماذج الصاروخية
من الصعوبة بمكان أن نعدد لكل طراز من مدفعية الميدان - السالفة الذكر -
أنواع القذائف التي تُرمى بواسطته، ولكن يمكن القول- باستثناء العيارات
أقل من 122 ملم - إن جميع هذه الطرازات أو الفئات مصممة لترمي جميع أنواع
قذائف المدفعية التقليدية - والتي سنذكرها لاحقاً - ماعدا قذائف المدفعية
الصاروخية الموجهة، حيث لا ترمي هذه الأخيرة سوى في العيارين 155 ملم و
2ر203 ملم الأميركية الصنع.
1. أنواع قذائف مدفعية الميدان (التقليدية) العادية:
أمكن حصر زهاء (14) نوعاً من تلك الذخائر التي ترمى بواسطة المدفعية،
سواءً كانت مقطورة أو ذاتية الحركة. وحتى أريح القارئ من عناء الترجمة من
اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، فإني سوف أذكر كل نوع بالرمز الوارد
في تقارير وكتب الميزان العسكري التي تصدر عن مراكز الدراسات الاستراتيجية
الدولية، وهذه الأنواع هي:-
2. أنواع القذائف الصاروخية الموجهة التي تُرمى بواسطة مدفعية الميدان:
يرى الخبراء العسكريون الغربيون أن الذخائر Munitions والقذائف الموجهة
Gvided Missiles التي تطلقها مدفعية الميدان والمدفعية الصاروخية، هي
الواسطة الأساسية لزيادة الرمي في مدفعية الميدان، والواسطة الفعالة
للصراع ضد الدبابات أو المدرعات على مسافات بعيدة، وبالرمي من مرابض رمي
مستورة. ويجب أن تتوفر في هذه الذخائر العالية الدقة المتطلبات (أو
الشروط) التالية:-
أ- ألا يقل مدى طيران القذيفة عن 80% من مدى طيران القذيفة العادية.
ب - ألا تزيد عن 9ر0 من الخطأ الدائري المحتمل للقذائف العادية.
ج - المحافظة على الفعالية حتى فى ظروف التشويش (ستائر دخانية، غبار، أهداف كاذبة).
د - مدى عمل نظام التوجيه الذاتي يؤمِّن إمكانية الدلالة على الأهداف حتى
على مسافة التقاط الهدف من قبل رأس التوجيه الذاتي من 2 - 5كم.
تدل المعطيات على أنه يوجد لدى الدول الغربية عدة طرازات (نماذج) من
القذائف الموجهة التى ترمى بواسطة مدفعية الميدان والهاونات والراجمات
الصاروخية، مثل: القذيفة كوبر هيد (م -712)، والقذيفة ساد ارم (م -836)،
والقذيفة (م -281.أ) وقذيفة الهاون (بوسارد) الألمانية الصنع، وقذيفة
الهاون (ستريك) السويدية الصنع، والقذيفة (جامب) Gamp الأمريك