كان العام المنصرم بلا ريب صعبا بالنسبة لسورية. وأثر هذا بصورة رئيسية، على علاقات سورية مع من كان قد أدرجها في قائمة "الدول المنبوذة"، وعلق كافة العلاقات معها تقريبا. ويدور الحديث في هذه الحالة، حول أوروبا ولبنان، اقرب جار لسورية، مهما كان هذا غريبا.
وبعد بضع سنوات من تجاهل الاتحاد الأوروبي لسورية، بصورة رئيسية من قبل فرنسا، وجد الاتحاد أنه لا يمكن حل القضايا الأساسية في المنطقة، وإحلال السلام في الشرق الأوسط بدون سورية.
ولذلك كانت زيارة الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي إلى دمشق صيف عام 2008، بلا ريب، حدث هذه السنة السياسي الرئيسي لا بالنسبة للبلدين فحسب، بل وللعالم كله.
واكتشفت أوروبا في عام 2008 من جديد الجانب الإيجابي لسورية، بإداركها أنه لدى هذا البلد إمكانيات كبيرة للتأثير على الأحداث في المنطقة من مختلف الجوانب. وحدث هذا بعد أن ساعدت سورية على انتخاب الرئيس اللبناني الجديد، وإنهاء الأزمة السياسية في هذا البلد التي استمرت 18 شهرا.
واكتشف لبنان، الذي تحولت سورية الجارة منذ عام 2005 بالنسبة للائتلاف الحاكم فيه، إلى هدف للانتقاد اللاذع وكافة الاتهامات الممكنة، أنه من المستبعد أن يتسنى له إيجاد حل وسط بين القوى السياسية المتصارعة بدون سورية.
ويعتبر تاريخيا قرار رئيسي البلدين، بشار الأسد وميشال سليمان الذي أعلن إبان زيارة سليمان إلى دمشق خريف هذه السنة، حول إقامة علاقات دبلوماسية بين سورية ولبنان، وفتح سفارتين فيهما. فطوال التاريخ الحديث للدولتين، اللتين استقلتا عن فرنسا قبل ما يقارب 60 عاما، لم تتحقق هذه الفكرة، بل وحتى لم يجر النظر فيها بجد.
في الحقيقة، لم يتسن لسورية ولبنان إزالة التوتر في العلاقات الثنائية بصورة تامة، وجعلها تتسم بحسن الجوار حقا، إلا أنه تم خلال النصف الثاني من السنة المنصرمة توفير احتياطي ملموس على هذا الاتجاه. ويتمثل هذا في زيارة الزعيم المسيحي اللبناني، القائد السابق للجيش اللبناني الذي حارب القوات السورية في لبنان إبان الحرب الأهلية، العماد ميشال عون. وحضر من أجل قلب صفحة الماضي، والبدء بصفحة جديدة في العلاقات مع سورية الجارة، التي لها تأثير بالغ على الأحداث في لبنان، واستقبله السوريون بحفاوة بالغة. وشكلت زيارته إلى سورية دليلا على تحقيق نصر سياسي ودبلوماسي آخر، وعلى العموم، سنة سياسية موفقة بالنسبة لسورية.
ومع ذلك وقعت في سورية في هذه السنة أحداث
ستبقى انعكاساتها على الوضع العام في المنطقة فترة طويلة، ومنها قصف الطيران الإسرائيلي "المنشأة السرية" في محافظة دير الزور الصحراوية.
فبعد فشل الغرب في إثبات ضلوع دمشق في جريمة اغتيال رفيق الحريري، توفر لدى البلدان الغربية متمسك آخر، قيدت به سورية وهو ما يسمى "بالبرنامج النووي السوري السري". فاتهم الغرب دمشق بتنفيذ برنامج نووي سري بواسطة مفاعل نووي كوري شمالي في المنشأة التي جرى قصفها وتدميرها.
وبهذه الصورة، أصبحت سورية، كما البلدان الأخرى، وبالتحديد العراق، الذي بدأت مشاكله بتوجه أنظار مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إليه، بصورة غير متوقعة هدفا لهذه المنظمة. وتوفرت لدى أوروبا نفسها والولايات المتحدة الآن حجة جديدة لزجر سورية في الحالات المناسبة. واستبدلت العبارة "يتعين على سورية في البداية إثبات عدم ضلوعها في جريمة اغتيال الحريري" التي مل منها الجميع، بأخرى مشابهة تقريبا ـ "يتعين عليها قبل التفاوض معها، إثبات عدم ضلوعها في تنفيذ برنامج نووي سري".
وغير معروف بماذا ستنتهي هذه الملحمة. ففي الظروف، عندما يقول مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في البداية، أن المفتشين الدوليين لم يعثروا على أي آثار لليورانيوم في منطقة المنشأة التي قصفت، ومن ثم يغير لأسباب غير معروفة وجهة نظره، ويعلن أنه عثر مع ذلك على اليورانيوم، من الممكن أن يكون لهذه القصة مختلف التتمات، بما فيها السيناريو الأسوأ، كما في حالة العراق. وكل شيء يتوقف على التقلبات السياسية، وربما الاقتصادية.
هذا وقبل فترة أعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن رغبة البلد في إجراء مفاوضات سلام مباشرة مع إسرائيل، إلا أن مصير مرتفعات الجولان المحتلة يشكل حجر العثرة الرئيسي.
وإن العام القادم، 2009، الذي على الأبواب، سيكشف سير تطور الأحداث، إلا أن شيئا واحدا أصبح واضحا من الآن، إذ يمكن أن يكون ما يسمى "ببرنامج سورية السري لتطوير الطاقة الذرية" وسيلة ضغط طويل الأمد، تتوقف درجة تأثيره على مدى إذعان سورية واستعدادها لسلوك نهج محدد للبلد