التواصي بالصبر وثورات العرب
قارئ القرآن يلحظ تركيزا في حضّه على الصبر على الظلم، ولكن لا يلحظ أي آية تحضّ على التمرد ونشر الكراهية والتثوير. لنقرأ الآيات التالية:
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر 11)
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (البقرة 46)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (البقرة 154)
وهنالك آيات تحضّ على التواصي بالصبر، وليس مجرد الصبر:
{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } (البلد 18)
{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر 4)
وآيات تبين أن الله لن يضيع أجر الصابرين:
{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } (هود 116)
{فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (هود 50)
ولكن لن تجد آية تمتدح المؤمنين بوصفهم: وَتَوَاصَوْا بِالثورة، أو تواصوا بالتظاهر أو بالخروج على الحاكم أو بالتمرد.. بل حرّم الإسلام الغيبة والإشاعة كل التحريم. والمظاهرات تتضمن الغيبة وتتضمن الإشاعة، وهي على النقيض من التواصي بالصبر.
قال الله تعالى محذرا من نشر الإشاعات في سياق وصف المنافقين بأنهم: {إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء 84)
ولم تذكر الآيات أن للصبر حدودا، بل هو تواصٍ مطلق لا ينتهي، لكن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فمن لم يستطع الصبر فليهاجر، فمن مُنع من الهجرة فهنا حُقَّ له أن يُعلن الخروج على النظام.. وحتى في هذه الحالة فليس هنالك نصّ يجيز له أن يثوّر الناس ويوصيهم بالتمرد والخروج والتظاهر.. بل هو خروج بمعنى عدم الاعتراف وعدم وجوب الطاعة والدفاع عن النفس عند الضرورة. أما قتلُ الناس أو التسبب في قتلهم فلا يجوز بحال.
ندعو الله تعالى أن ينجّي أمتنا من الأخطار، وأن يوفِّق الحكام والشعوب للخروج من هذا الوضع بأقصى سرعة. وإنّ الأصلح فيهم مَن يتنازل أسرع، ومَن يصبر أكثر، ومَن يقرِّر أن "يكون عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ لا عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ".
www.alsabiil.110mb.com