المصدر:
• د. إينا ميخائيلوفنا
التاريخ: 11 يناير 2011
من المعروف عن الهند أنها الدولة الوحيدة في العالم التي يصعب تحديد توجهها الأيديولوجي، فعلى الرغم من أن النظام الاقتصادي الهندي نظام رأس مالي، تغيب فيه سلطة الدولة وتغلب عليه سياسات اقتصاد السوق الحر، إلا أن الهند كانت بعد الحرب العالمية الثانية وما زالت حتى الآن، تعتمد اعتمادا رئيسيا على الاتحاد السوفييتي سابقا وعلى روسيا حاليا، في تسليح جيشها، حيث تبلغ نسبة السلاح الروسي في الجيش الهندي أكثر من ستين في المئة.
وتبعا لهذا كانت سياسات الهند الخارجية تميل بشكل واضح نحو الكتلة الاشتراكية، وكان هذا واضحا أكثر عندما تأسست حركة عدم الانحياز في أواخر خمسينات القرن الماضي، هذه الحركة التي كانت مدعومة بشكل كبير من موسكو والعالم الاشتراكي، ومرفوضة بشكل كبير من واشنطن والمعسكر الرأسمالي. وقد تطور التعاون العسكري بين روسيا والهند بشكل واضح بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، خاصة في العقد الأخير، ووصل الأمر إلى درجة التصنيع الحربي المشترك للأسلحة الثقيلة والاستراتيجية، من الصواريخ بعيدة المدى ومن طائرات الجيل الخامس، وذلك في إطار شركة التصنيع الحربي المشتركة بين البلدين التي تسمى «براموس»، وهي كلمة مشتركة بين نهر براهما الهندي ونهر موسكو.
ولأن الهند بلد العجائب كما يقولون، فإنه من الصعب تحديد توجهاتها السياسية والاستراتيجية، حيث توجهت الهند مؤخرا في سوق السلاح إلى دول ربما تكون أبعد عن روسيا والشرق، وأقرب لواشنطن والغرب، حيث نما التعاون الهندي ـ الإسرائيلي في مجال التسليح، بشكل واضح في الأعوام القليلة الماضية، وبشكل يثير العديد من التساؤلات، على الرغم من أن العلاقات بين دلهي وتل أبيب جيدة منذ سنوات مضت، وهناك علاقات متبادلة في مجالات كثيرة، وعلى الرغم من أن روسيا نفسها تطورت علاقاتها مع إسرائيل في مجالات كثيرة، بما فيها المجال العسكري.
وللعلم فإنه في عام 2008 احتلت إسرائيل لأول مرة، المرتبة الأولى بين الدول المصدرة للأسلحة إلى الهند، متقدمة على روسيا، وكشفت إسرائيل بالتالي عن رغبتها في أن تصبح أهم تاجر في سوق آسيا للأسلحة.
وبالنسبة للهند، هناك عدة أسباب تدعوها لاستيراد المزيد من العتاد العسكري الحديث من إسرائيل، ومنها رغبة الهند في تعزيز وتنويع قواتها المسلحة. وقد وقعت الهند صفقة شراء طائرات بدون طيار من طراز «ناغور» مع إسرائيل، وهذه الطائرات التي ستبدأ الهند باستلامها في عام 2011، تستطيع العمل كصواريخ جوالة، كما اشترت الهند صواريخ إسرائيلية قادرة على التوقف في الجو لبعض الوقت قبل مهاجمة أهدافها، وحصلت الهند من إسرائيل على 18 من منظومات الدفاع الجوي «سبايدر» في عام 2008، وستبدأ الهند باستيراد منظومات الدفاع الجوي «باراك ؟ 8» من إسرائيل في عام 2017. وقد تعهدت شركة «صناعة الدفاع الإسرائيلية» في عام 0092، بتشييد خمسة مصانع لإنتاج القذائف المدفعية في شمال شرق الهند.
من الواضح أن الهند تسعى لمنافسة كل من الصين وباكستان بالتحديد، حتى تفرض سيطرتها على المحيط الهندي، خاصة وأن الصين باتت تكشر عن أنيابها في المنطقة بشكل واضح، وباتت تهتم بالعسكرة وتجري المناورات المكثفة، وقد أعلن وزير الدفاع الصيني ليانغ غوانغ لي في تصريح صحافي، أن القوات المسلحة الصينية ستواصل في السنوات الخمس المقبلة استعداداتها لنزاع مسلح على المحاور الاستراتيجية كافة، وقال الوزير الصيني: «إننا نعيش وقت السلم، ولكن الحرب لا تغيب عن ذاكرتنا».
وكانت الصين قد أعلنت إنجاح تجربة صاروخ «دون فينغ 21»، القادر على إغراق أي حاملة طائرات أميركية، ووعدت بتدشين أول حاملة طائرات صينية في عام 2011. ومن أجل ذلك اشترت الهند عدة غواصات من روسيا، وأيضا حاملة الطائرات «الأدميرال غورشكوف». وقد طال أمد المباحثات المتعلقة بشراء هذه السفينة، حتى أن بعض الهنود اعتبروا أن موسكو لم تعد تنظر إلى بلادهم على أنها شريك هام، ولكن موسكو تؤكد دائما على خصوصية العلاقات مع الهند، وهو ما صرح به الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أثناء زيارته للهند، مؤخرا، حيث وصف العلاقات بين البلدين بأنها «استراتيجية».
التعاون بين إسرائيل والهند تجاوز الأسلحة إلى مجالات أكثر خصوصية وحيوية، حيث تقوم إسرائيل بإطلاق أقمار صناعية للتجسس من قاعدة «شرهاريكوتا» الفضائية الهندية، بواسطة صواريخ هندية. وتستخدم الهند أيضاً أقمار التجسس الصناعية الإسرائيلية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن روسيا كانت قد أبدت تحفظاتها سابقا على التعاون الهندي مع إسرائيل في مجال التسليح، خشية من أن تصل أسرار الأسلحة الروسية الحديثة لدى الهند إلى تل أبيب ومنها إلى واشنطن، ولكن هذا الأمر لم يعد قائما الآن، حيث وصلت الثقة بين الهند وروسيا في مجال التسليح وصناعة السلاح إلى الحد الذي يخلو من أية شكوك.
ورغم هذا تعد إسرائيل وروسيا اليوم أهم موردين للأسلحة إلى الهند، إلا أن دلهي تريد استيراد الأسلحة من المزيد من الدول، وخاصة بريطانيا وفرنسا، وحتى من الولايات المتحدة لو وافق الجمهوريون في الكونغرس، فلطالما عارضوا التعاون النووي والعسكري مع الهند، بسبب علاقاتها القوية مع روسيا.