نزول المسيح من القرآن الكريم
ظلّ كثير من المشايخ يقدِّمون الحديث الضعيف على القرآن الكريم قرونا طويلة، فظلوا يؤمنون أن المرتد يُقتل، لمجرد أن عكرمة مولى ابن عباس روى أنّ "مَن بدّل دينه فاقتلوه".. مع أن الله تعالى قد قال {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة 257). وظلوا يؤمنون أن الزاني المتزوج يُقتل، مع أن الله تعالى قد قال {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} (النور 3) من دون تفريق بين متزوج وأعزب.
مع أنه يمكن التوفيق بين هذه المرويات وبين الآيات القرآنية، بحيث تكون الآيات حكَمًا على المرويات، وتُفهم المرويات في ضوئها من غير تناقض.
أما حين تعلق الأمر بنزول المسيح عليه السلام، ومع أن الروايات في نزوله متواترة، ومروية عن أكثر من عشرين صحابيا، إلا أنهم صاروا يقولون لن نؤمن بهذه الأحاديث، بل بالقرآن الكريم وحده، فأْتونا بآية قاطعة أن الله تعالى سيبعث مسيحا من هذه الأمة. وكانوا من قبل يقولون بصعود المسيح حيا إلى السماء، ولكن لما تبيّن لهم موته فَضَّلوا أن ينكروا أحاديث النزول ويطلبوا آية قرآنية.
فالقضية أنه إذا كان الأمر تقليدا لِما وجدوا عليه آباءهم دافعوا عنه بالباع والذراع، ولكن إن كان مخالفا لما هُم عليه سَعَوْا لنقضه بكل السبل. وهذا واضح أنه كيل بمكيالين مختلفين.
وقبل أن نسرد هذه الآيات لا بدّ أن نسأل: أين النصّ الدالّ على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والأناجيل؟ فلو كنتَ في زمن يهود بني قريظة ماذا كنتَ ستقول لهم؟ وما هو النص التوراتي الذي كنت ستقدّمه لهم إثباتا لنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهم الذين ظلوا يتعلمون أن النبوة فيهم منذ الأزل وإلى الأبد؟ وإن قلت إن التوراة محرفة قلنا لك إنها هي هي التي أمر القرآن الكريم بالرجوع إليها، حيث يجدون فيها النبيَّ الأميّ، ولم تتغير شيئا منذ نزول القرآن وحتى اليوم؛ لأن التحريف الذي طالها كان قد سبق نزول القرآن الكريم بقرون.
ومع هذا فإنّه قد ورد في القرآن الكريم أن هناك بعثةً لمسيح من هذه الأمة يشبه في ظروفه المسيح الإسرائيلي عليه السلام. وقد بيّن ذلك المسيح الموعود عليه السلام في كتابه إزالة أوهام الذي ألّفه في مطلع عام 1891، فيقول حضرته: "لقد كشف الله تعالى عليّ في كشف صريح أن ذكر مجيء مثيل ابن مريم موجود في القرآن الكريم، وهو أن الله تعالى جعل نبينا r مثيل موسى كما يقول: ]إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا[. فقد اعتبر الله تعالى في هذه الآية نبينا r مثيل موسى واعتبر الكفارَ أمثال فرعون. ثم يقول تعالى:]وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[.. إن المماثلة التامة التي تُفهَم من الإشارة الكامنة في: ]كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ[، تدل بوضوح على أن هذه المماثلة إنما هي من حيث مدة فترة الخلافة ومن حيث أسلوب الإصلاح لدى الخلفاء وأسلوب ظهورهم... إن مبدأ المماثلة بين السلسلتين هو أن تكون المماثلة التامة بين بدايتهما ونهايتهما، لأن الاطلاع المفصَّل على أحوال جميع الأفراد الذين تخللوا هذه السلسلة أثناء المدة الطويلة محاولة لا فائدة منه. فلما أنبأ القرآن الكريم بكل صراحة أن سلسلة الخلافة الإسلامية تماثل تماما وتشبه كليّا الخلافة الإسرائيلية من حيث تقدمها وانحطاطها وجمالها وجلالها، وأنبأ أيضا أن النبي الأمّي r هو مثيل موسى؛ ففي ذلك نبأ قطعي ويقيني أنه كما أن مثيل موسى هو سيد خلفاء الله وهو زعيم السلسلة الإسلامية ومَلِكها .... كذلك فإن خاتَم هذا السلسلة - بسبب المماثلة التامة - هو المسيح بن مريم من أبناء هذه الأمة الذي اصطبغ بصفات المسيح بأمر ربّاني". (إزالة أوهام)
كان أحد الملاحدة قد قال لي: لقد خلق الله الكون وخلق في الإنسان قدرة ذاتية للبحث، ثم تركه ليتطور ذاتيا، ولم يرسل له أي رسول، لأنه ليس بحاجة إلى الرسل، بل إن هؤلاء الرسل قد تسببوا في الحروب الطاحنة. واستدل على ذلك بأن العالم يرى أن النبوة لم تكن إلا في بني إسرائيل، وأن الله لم يرسل أي رسول لغيرهم، وأن هذا غير معقول بحال، فلو كان الله مهتما بهداية البشر عن طريق الأنبياء لأرسل رسولا في كل أمة.
فقلت له: لو كانت مقدمتك صحيحة، لقلنا بما توصلت إليه من نتيجة، لكن معاذ الله أنْ تكون النبوة محصورة في بني إسرائيل، بل إن الله أرسل الرسل لكل الأمم. ولكن لما كان هناك تشابه كبير بين الأمة الإسىلامية والأمة الإسرائيلية، فقد ركّز القرآن الكريم على قصص أنبياء بني إسرائيل من أجل أخذ العبر. فالقرآن الكريم ليس كتاب تاريخ، ولا يعنيه أن يسرد تاريخ العالم، بل هو كتاب هداية ومواعظ وعبر، والقصة القرآنية تهدف إلى إبراز العبرة لا مجرد القصّ للتسلية.
من هنا علينا أن نتمعّن في أوجه التشابه الكثيرة، والتي من ضمنها أن مسيحا سيُبعث بعد 1300 عام من بعثة مؤسس هذه السلسلة كما بُعث مسيح للأمة الإسرائيلية بعد 1300 عام من بعثة مؤسسها، وهو موسى عليه السلام. وهذا منصوص عليه في آية: ]كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ[ كما قال المسيح الموعود عليه السلام.
ثانيا: هناك نبوءة قرآنية تحدِّد ظروف نزول المسيح وعِرقيته، حيث يقول الله تعالى ]هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ (الجمعة3-4)
وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ. قَالَ قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ (البخاري، كتاب التفسير)..
"أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سوف يعلِّم الدين جماعةً أخرى لم تلحق بعد بالمسلمين، بل ستظهر في المستقبل. وذلك ليس بمستبعد على الله تعالى، لأنه العزيز الحكيم.. أي أنه لن يدَع أمةَ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لتهلك هكذا، بل لا بد أن يبعثه لإصلاحهم بعثةً روحانيّةً". (التفسير الكبير)
يقول المسيح الموعود عليه السلام: "والذين كثر عليهم فيضان العلوم والمعارف من هذا النبي الرسول الأُمّيّ، فمنهم قوم توجّهوا إلى كتاب الله والتدبر فيه واستنباطِ دقائقه، وقوم آخرون كانت همّتهم أَخْذَ العلوم من الله تبارك وتعالى، فهم الحكماء المحدَّثون أهلُ الحكمة الربّانية. وكل يأخذون من تلك العين المباركة، ويُرَبّون من فيوضه إلى يوم الدين. وإلى هذا أشار الله - عز وجل - في قوله: { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}، يعني يُزكّي النبيُّ الكريم آخرين من أمته بتوجّهاته الباطنية كما كان يُزكّي صحابته، فتفكرْ في هذه الآية واستعذ بالله من شر كل مستعجل ولو كان عندك له كرامة وعزازة أو كان من عشيرتك الأقربين. ولن تجد في الأرض أحدا من الصالحين أن يتبدّى مُرشدًا وما تفوّقَ من كأس النبي - صلى الله عليه وسلم -. فدَعْ عنك الالتفاتِ إلى غيره نبيًّا كان أو من المرسلين. وعليك أن تقبل ما قيل، وتتحامى القال والقيل، واعلم أنه خاتم الأنبياء، ولا يطلع بعد شمسه إلا نجم التابعين الذين يستفيضون من نوره. هو منبع الأنوار، وكاد يحل نوره بساحة قوم منكرين". (حمامة البشرى)
وقد ظهر المسيح الموعود عليه السلام حين كان الإيمان غائبا، وظهر من آل فارس.. فهاتان علامتان على ظهوره.
ثالثًا: قوله تعالى{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} (الأنبياء)..
هذه النبوءة عن يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم تفيد أنهم يأتون من كل مكان بكثرة بالغة، وقد تحقق هذا في الاستعمار الذي عاصر المسيح الموعود عليه السلام، وجاء إلى بلادنا من كل طرف.. فكان هذا علامة على بعثته عليه السلام. وإذا أيقنا بيأجوج ومأجوج رحنا إلى الأحاديث المنسجمة معه فسنجدها تتحدث عن نزول المسيح أيضا.
رابعًا: كثير من سور جزء عمّ تتحدث عن ظروف بعثة المسيح الموعود عليه السلام، ويكفي أن أشير هنا إلى سورة التكوير.. وفيها العلامات التالية التي تصف ظروف بعثته عليه السلام..
إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ: الشمس ترمز إلى سيدنا محمد r الذي وصف بـ ]سراجا منيرا[ وتكويرها يعني أن تعاليمه r لن يقتدي بها الناس في ذلك الزمان. والمعنى الثاني هو كسوف الشمس في رمضان، وهي علامة من علامات ظهور الإمام المهدي.
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ: يعني أن محاسن الصحابة وفضائلهم لن تنعكس في أعمال أفراد الأمة، ولن يُرى لها تأثير فيهم. فالنجوم ترمز للصحابة حسب الحديث: أصحابي كالنجوم. والمعنى أن المسلمين في ذلك العصر سيقتدون بالغرب وليس بماضيهم، سيقلدون أشخاص الغرب وليس الصحابة،سيفتخرون ببطولات نابليون وليس بعمر وعليّ. والمعنى الثاني للآية أن الشهب ستسقط بكثرة عند ظهور الإمام المهدي. وهذا عين ما حصل.
وإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ: المعنى المادي لها هو شقّ الطرق بنسف الجبال بالديناميت وغيره.
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ: أي أنه سيستغنى عن الجمال، وسيخترع الناس وسائل مواصلات جديدة.
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ: أي أن الحيوانات ستُحشر في حدائق الحيوانات. وهناك معاني رمزية لها أيضا كما لسابقاتها، ولكنا هنا نحاول الاختصار قدر الإمكان.
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ: أي أن البحار فُجِّرت فالتقت، وهذا حصل بشق قناة السويس وقناة بنما. وسجرت تعني أيضا اشتعلت، وهذا يتضمن أن البترول سيستخرج من البحار. وهذا حاصل. ويتضمن أن معارك بحرية رهيبة ستحدث.. وهذا تحقق. وغير ذلك من معاني مادية،عدا عن المعنى الرمزي، حيث إن من معاني البحر العالم، فتعني الآية أن العلماء سيُنـزع منهم العلم ويصبحون جهالا.
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ: إشارة إلى التواصل عبر الاتصالات الحديثة من تلفون وجوال وانترنت وفضائيات. فالتزويج هو التلاقي، وهذا تحقق أيضا من خلال وسائل المواصلات التي صارت تجمع الناس من شتى الأعراق. كما تحققت الآية من خلال كثرة الزواج بين مختلف الألوان والجنسيات، حيث انتشر ذلك في العصر الحالي.
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ: انتشار الجرائد والمجلات.
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ: علم الفلك والمراكب الفضائية. وانكشاف علوم السماء عن طريق الإمام المهدي عليه السلام.
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ : "هذه الآية إشارة لطيفة إلى بعثة مأمور من عند الله في ذلك الزمن، لأن بعثة المأمور الرباني تفتح أبواب الرحمة للمؤمنين، وتفتح أبواب العذاب للكافرين أيضًا".
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ: يعني أن "دخول الجنة يصبح أسهل نسبيًّا للذين يبايعون على يد المأمور الرباني بالمقارنة مع الذين لم يدركوا زمن إمامهم الرباني. فمثلاً إن النور الذي لم يكن يحظى به الناس قبل قرن من الزمان إلا ببقائهم طوال العمر في صحبة العلماء الربانيين يتولد في قلوبنا الآن بسماع بعض المعارف التي بيَّنها المسيح الموعود عليه السلام. ثم متى تيّسرت لهم رؤية هذه الآيات والمعجزات التي رأيناها على يده عليه السلام والتي رأينا بها وجه الله تعالى؟! ثم متى تيسرتْ لهم الإلهامات المتجددة التي تزيدنا اليوم إيمانًا على إيمان؟ فثبت أن دخول الجنة أصبح أسهل لنا من السابقين نتيجة بعثة المأمور الرباني في هذا العصر وبيعتنا على يده. وهذه هي علامة زمن المأمور الرباني، حيث تُقرَّب الجنة من الناس في وقته." (التفسير الكبير)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ: "هذه الآية نبوءة بأنه سيأتي يوم تظهر فيه نتائج هذه الحروب والزلازل على صعيد الأمم، وسيظهر قدر الله تعالى في الدنيا ظهورا خاصا". (التفسير الكبير)
هذه العلامات كلها وغيرها قد تحققت، فلا بد أن يكون المسيح قد نزل.. وحيث إنه لم يعلن غير حضرة ميرزا غلام أحمد أنه هو المسيح والمهدي فقد قضي الأمر.