هذه الرواية تظهر تأثير البيئة على الإنسان
يقال كان علي بن الجهم و هو شاعر بدوياً جافياً-يعني يابس- ، فقدم على المتوكل العباسي ، فأنشده قصيدة منها:
أنت كالكلب في حفاظك للود ..... وكالتيس في قِراع الخطوب
أنت كالدلو ، لا عُد مناك دلواً ...... من كبار الدلاء كثير الذنوب
الذنوب بفتح الذال- بمعنى كثير العطا-
فعرف المتوكل حسن مقصده وخشونة لفظه ، وأنه شبهه بما يراه يوميا وذلك لحياته في البادية ، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة ، فيها بستان حسن ، يتخلله نسيم لطيف يغذّي الأرواح ، والجسر قريب منه ، وأمر بالغذاء اللطيف أن يتعاهد به ، فكان – ابن الجهم – يرى حركة الناس و لطافة الحضر ، فأقام ستة أشهر على ذلك ، والأدباء يتعاهدون مجالسته ومحاضرته ، ثم استدعاه الخليفة بعد مدة لينشده ، فحضر وأنشد - عيون المها - التي تعتبر من أجمل أبيات الغزل والتي قيل عنها لم يسبقه احد إليها:
عيون المها بين الرصافة والجسر .....جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن لي الشوق القديم ولم أكن ....... سلوت ولكن زدن جمرًا على جمر
بما بيننا من حرمة هل رأيتما ..... أرق من الشكوى وأقسى من الهجر
فقال المتوكل : لقد خشيت عليه أن يذوب رقة و لطافة.
و نعتبر من هذه القصة أن الإنسان ابن بيئته فمن يعيش في منطقة فإنها تنعكس على شخصيته بالضرورة.