العلاقة مع السلطة.. تعاون أم تصادم
لقد أمرنا الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، وهذا الأمر عام، ولم يُخصِّصه بالمسلمين؛ فلم يقل: وتعاونوا على البر والتقوى مع المسلمين أو الأتقياء فقط.
وأمرنا بطاعة أولي الأمر في المعروف، ولم يشترط إسلامهم وتقواهم وصلاحهم وعدلهم، فلم يقل: وأطيعوا أولي الأمر المسلمين، أو العادلين أو الأتقياء أو من تحبونهم، أو ما داموا ملتزمين بالشريعة الإسلامية. أمرنا بطاعتهم إلا في المعصية المتعلقة بنا، أي إذا أُمرنا بممارسة معصية فنعلن أننا لن نطيع في هذه المسألة فقط، وما عداها فنحن مطيعون.
وأمرنا الله بالصدق مع الجميع، ولم يستثن منهم الكافرين والفاسقين.
وأمرنا بالوفاء والأمانة والعدل مع الجميع من دون استثناء.
ونهانا عن نشر الإشاعة من دون تثبت، ولم يستثن الإشاعات المتعلقة بالكافرين والظالمين، فكل الإشاعات لا يجوز نشرها، وكل إساءة لأي أحد لا يصحّ التلفظ بها أمام الناس، إلا أمام المسؤولين شهادةً، وليس مجرد كلام.
وأمرنا بالدعوة بحكمة وموعظة حسنة، ولم يستثن من ذلك الكافرين والفاسقين، وأمرنا بالجدال بالتي هي أحسن مع الجميع.
ونهانا أن نأخذ أحدا بجريرة أحد، فالظالم وحده يحاسَب وليس أهله وأقاربه.
ونهانا أن نقابل الجريمة بجريمة، بل أمرنا بالصبر على الأذى أو رفع الأمر إلى وليّ الأمر. وإذا كانت الجريمة من الحاكم نفسه فقد أمرنا بالصبر ثم بالهجرة إن لم نستطع الصبر.
هذا كله يؤدي إلى أن تقوم علاقتنا مع الحاكم ومع الكفار ومع كل الناس في مجتمعنا على التعاون لا على التصادم؛ ويستحيل بعدها أن يكون اقتتال داخلي نحن طرف فيه؛ فنحن نفضِّل أن نُظلم جميعا على أن نَظلم أحدا، ونقبل أن نتعرض لاضطهاد ألف سنة على أن نضطهد أحدا لحظة، ونقبل أن نُقتل جميعا على أن نقتل بريئا واحدا. وليس من حقنا أن نحكم بجواز قتل أحد من الناس، حتى لو ثبت أنه قتل ألفا منّا، لأن هذا ما تحكم به المحكمة في البلد، وليس المواطن. فالمواطن ليس له إلا الصبر أو الهجرة إن لم يحتمل.
هذا لا يعني عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هذا واجب حتى لو أدى إلى أن نُقتل، لكنّ إثارة الناس ليست معروفا، وقتل الشرطة ليس معروفا، وتشويه الحاكم ونشر الإشاعات عنه ليس معروفا، والتآمر عليه والغدر به ليس معروفا، والكذب ليس معروفا، بل هو أسّ المهالك.
المعروف هنا هو الذهاب إلى الحاكم ونصحه مرة ومرة وألف مرة.. وقبل ذلك لا بدّ من التوجه إلى الله بالدعاء.. المعروف هو أن توضح للحاكم أخطاءه على انفراد أو من خلال مراسلتك إياه -حتى لو قُطع رأسك- بجرأة ووضوح وليس بتشهير وتشويه.
مثال من الواقع:
لن أتحدث عن معارك اليمن، وما أكثرها! ولا عن الاقتتال في إيران، ولا عن كارثة العراق، ولا عن فتن طائفية تحدث أحيانا في مصر، ولا عن الصومال ولا عن معارك الجزائر الداخلية الرهيبة، بل عن مشاكلنا وحدنا في فلسطين، بين السلطة وحماس.. ليس دفاعا عن السلطة، بل سأفرض أن الشرور المنسوبة لها صحيحة، لكن ما الحلّ الواجب لدرء هذه الشرور؟
لقد عملت حماس على تشويه السلطة للقضاء عليها بدل إصلاحها، وهذا أدى إلى هذا الصدام الذي لا أراه ينتهي ولا أظنه يتوقف. يمكن للبعض أن يريح نفسه ويقول: إن السلطة عميلة، أو يقول: إن حماس ظلامية وتعمل لإيران، ولكن هذا التبسيط ليس صحيحا البتة. بل المشكلة في الأخلاق. المشكلة أن حماس أجازت لنفسها أن تشوّه السلطة وتبالغ في أخطائها، مع أن الأصل هو محاولة إصلاحها، خصوصا أن الانتخابات تتيح للجميع أن يشارك، وما أسهل أن تنتصر حماس! فموعظة واحدة لعجائز القرى تحصد كلَّ أصواتِهن. والمشكلة الأخرى أن حماس أجازت لنفسها أن تتمرد على قرارات السلطة فتهاجم المحتل بالتفجيرات مع أن السلطة اتفقت مع هذا المحتل على الحلّ السلمي. والمشكلة أن حماس لا تَتَثَبَّت من الأخبار المتعلقة برموز السلطة.
ما ضرّ الإخوان المسلمين لو صدقوا مع الحاكم؟ ما ضرّهم لو تعاونوا بدل أن يتصادموا ويتآمروا؟ ما ضرّهم لو أصلحوا من الداخل؟ لماذا يهاجمون السلطات الحاكمة بدل أن ينصحوها؟ لماذا يعشقون الإثارة؟ لماذا خططوا لقتل عدد كبير من الضباط في كلية عسكرية في سوريا؟ لماذا أنشأ حسن البناء تنظيما سريًّا؟ أليس هذا واجب الدولة؟ لماذا هم دولة داخل الدولة؟ لماذا حلقاتهم مغلقة؟ لماذا لا يفتحوها؟ لماذا التنظيم نفسه سريًّا؟ هل يظنون أن الحاكم سيتساهل مع التآمر عليه؟ هل يتساهلون هم مع المتآمرين عليهم لو حكموا؟ هل تساهلوا مع مشايخ مسجد ابن تيمية في رفح أم استأصلوهم عن بكرة أبيهم؟
ألا يعلمون أن أكبر الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؟ هل ورد مرةً أن من أكبر الجهاد سيف أو بندقية أو قنبلة على رأس هذا السلطان؟
ماذا حقق الغدارون الذين قتلوا السادات؟ والمجرمون الذين قتلوا السُّيّاح؟ هل كان عليهم الانتظار كل هذه السنوات حتى يتوبوا عن جرائمهم؟ هل كان صعبا عليهم أن يعلموا أن الإسلام ينهى عن الغدر وقتل الأبرياء تحت أي حجة؟ من أين أتوا بقاعدة أن الغاية تبرر الوسيلة؟
لتعلم التنظيمات الإسلامية السياسية أنها أكثر تعويقًا للنهضة من السلطات نفسها، وأنها أكبر مسبب للاقتتال الداخلي. صَوِّبوا نَظَرَكم حيثما اتجهتم: هل سلم بلد مِن دمويتهم؟