اختُتِمَت في دبي الأربعاء أعمال المنتدى الثالث الذي ينظمه "مركز الخليج للأبحاث" حول إعلان الخليج منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وشارك في الملتقى، الذي انعقد على مدى يومين تحت عنوان "وضع الأسس لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الخليج: التشريعات الوطنية للاتفاقيات حول هذه الأسلحة"، مسؤولون رفيعو المستوى من دول مجلس التعاون الخليجي الست، فضلا عن إيران، والعراق واليمن، بالإضافة إلى خبراء دوليين في مجال الحد من التسلح.
موجبات نزع السلاح
ويكتسي الحديث عن نزع أسلحة الدمار الشامل من الخليج أهمية خاصة جراء ما شهدته هذه المنطقة "من الحروب، وسباق التسلح، واستخدام أسلحة دمار شامل، سواء في داخل بلداننا أو في الحروب المحلية، وتسببت في كثير من الخراب والدمار وتدمير البيئة"، يقول لبيد عباوي، وكيل وزارة الخارجية العراقية لشؤون التخطيط السياسي.
لبيد عباوي
ويمضي إلى القول: "وبالتالي هناك حاجة الآن ملحة لدول الخليج، ودول الشرق الأوسط عموما، لأن تنظر في أن إستخدام هذا السلاح يشكل خطورة كبيرة على شعوبنا وعلى بلداننا وعلى مستقبلها وعلى قدرتها على التنمية".
وطموح كهذا يتطلب، من وجهة نظر حسين موسويان، الباحث في مركز الأبحاث الإستراتيجية التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، توفر منظومة شرق أوسطية شاملة للتعاون.
ويقول: "من المهم جدا أن يكون هذا الأمر ضمن إطار ترتيب أمني إقليمي وأيضا في إطار نظام شامل للتعاون الإقليمي يشمل التعاون السياسي، والأمني، والعسكري، والاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي بين الدول الأعضاء بغية خلق ثقة عريضة".
حسين موسويان
ويردف قائلا: "إن مبادرة من أجل منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الخليج الفارسي يجب أن يُنظَر إليها كجزء من منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط".
ظلال الملف النووي الإيراني
ولا يمكن في ضوء التطورات الأخيرة في منطقة الخليج وما تثيره من هواجس قلقة حول مستقبل الأمن فيها، لا يمكن لحلقة دراسية تناقش نزع أسلحة الدمار الشامل في الخليج إلا أن تركز الأنظار على الملف النووي الإيراني وما تنطوي عليه تداعياته وردود الفعل الدولية حياله من إحتمالات للتصعيد تنذر بزعزعة الاستقرار في المنطقة برمتها.
ونُذُر التصعيد هذه تشكل بحد ذاتها منابت لدواعي قلق لدى العديد من الدول العربية في المنطقة، وهو قلق يعرب عنه لبيد عباوي، حيث يقول إن امتلاك إيران لناصية التكنولوجيا النووية أمر "يقلق العراق ويقلق كل دول المنطقة".
وفي سياق الحديث عن مبررات هذا القلق، يوضح عباوي قائلا: "لأننا نحن في هذه المرحلة برأينا أنه لا نحتاج لامتلاك ناصية التكنولوجيا النووية إلا في حالة استخدامها حصرا لأغراض الاستخدام السلمي".
ويضيف أن "هذه المسألة بحاجة إلى ضمانات كبيرة تحت رعاية دولية".
ويردف قائلا: "ولكن بسبب التوترات الموجودة في المنطقة وامتلاك إسرائيل للسلاح النووي، فإن المشكلة الآن هي في كيفية التوصل إلى قناعات بأنه فعلا هذه التكنولوجيا هي فعلا فقط للاستخدام السلمي".
أزمة ثقة
لا يسع المرء إلا أن يتلمس ملامح أزمة ثقة تطل برأسها من ثنايا كلام المسؤول العراقي حيال الاستخدامات الفعلية للتكنولوجيا النووية الإيرانية.
وبالتالي يطرح السؤال نفسه، كيف يمكن لإيران أن تطمئن جيرانها بأن تطويرها للتكنولوجيا النووية سيقتصر حصرا على الاستخدامات السلمية؟
وفي معرض إجابته على هذا السؤال، يشير حسين موسويان إلى توقيع إيران على المواثيق الدولية التي تحظر تطوير واستخدام وتخزين أسلحة الدمار الشامل كمرتكز أساسي لبناء الثقة في هذا المجال.
ويؤكد بأن "إلتزام إيران بكافة المواثيق المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل" كفيل بذلك.
ويوضح قائلا: "لقد وقعت إيران وصادقت على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وميثاق حظر الأسلحة الكيماوية، وميثاق حظر الأسلحة البيولوجية. ليس هنالك أي ميثاق في شأن أسلحة الدمار الشامل لم توقعه إيران وليست عضوا فيه".
ويقول جازما: "لا يمكن لأي شيء آخر غير القواعد والنُّظُم الدولية أن يخلق الثقة".
ويتابع: "إن إلتزام إيران الكامل بالقواعد والنُّظُم الدولية في مسألة أسلحة الدمار الشامل هو الأفضل لبناء الثقة ليس في المنطقة فحسب، وإنما في المجتمع الدولي أيضا".
فتاوى
وبالإضافة إلى التأكيد على التزام إيران بتعهداتها الدولية، يلفت موسويان إلى عدد من الفتاوى الصادرة عن كبار المسؤولين الدينيين الإيرانيين والتي تنص على نوع من أنواع التحريم العقائدي والديني لأسلحة الدمار الشامل.
ويلمح إلى فتوى دينية في هذا الشأن صادرة عن مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني، مشيرا إلى أنه قد أعيد التأكيد عليها مرارا من قبل المرشد الأعلى الحالي آية الله علي خامنئي.
ويقول: "لقد أصدر الزعيم الحالي آية الله علي خامنئي فتوى أيضا وأعاد التأكيد عليها رسميا، حتى أنه قبل عام أعاد التأكيد عليها في مراسم صلاة الجمعة، وقال إن إنتاج، وتخزين، وحيازة واستخدام كافة أنواع أسلحة الدمار الشامل من وجهة نظر إسلامية هو أمر محظور وحرام".
ويرى موسويان بأن "هذه فتوى صريحة للغاية من قبل الزعيم الديني الإيراني".
وجنبا إلى جنب هذه التأكيدات، صدرت عن عدد من القيادات السياسية، والعسكرية والأمنية الإيرانية تأكيدات مشابهة على أن استراتيجية إيران النووية خالية من السلاح النووي.
عود على بدء الشكوك
ورغم كل هذه التأكيدات ما تزال هنالك شكوك تطبع الموقف الإقليمي من البرنامج النووي الإيراني حيث يرفع البعض لواء الخشية مما قد يحمله المستقبل من إمكانية استعانة إيران ببرنامجها النووي السلمي لبناء قدرات نووية تسليحية.
ويلمح لبيد عباوي إلى أن "هناك تجارب كثيرة في العالم حيث بدأوا في الحديث عن استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية ثم انتقلوا إلى تكوين قنابل نووية".
ويضرب على ذلك أمثلة دول "مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية بدأت هكذا وانتهت في الأسلحة".
ويتمنى "أن لا يكون الشيء نفسه بالنسبة لإيران. ولكن هي المشكلة حقيقة في موضوع كيفية بناء جسور الثقة".
وينبّه إلى أن هناك قناعة في المنطقة يختصرها سؤال مفاده "هل فعلا دولنا بحاجة لتكنولوجيا نووية لأغراض الطاقة؟"
ويقول إن مردَّ هذه القناعة هو توفر "الكثير من موارد الطاقة في إيران وفي العالم العربي مما يكفينا لعشرات من السنوات".
من هنا، تتبدى مخاوف تاريخية عميقة الجذور من إيران ومن أي عمل تقوم به يعيد رسم التوازنات الإقليمية.
ويبقى المشهد مترددا بين الإعلان عن حسن النوايا من قبل إيران والشكوك التي ما تزال تلوح من خلال ردود الفعل العربية على تطوير إيران للتكنولوجيا النووية.
وهذا الواقع بكل التباساته وتعقيداته يؤشر إلى أن تأكيدات المسؤولين الإيرانيين على التزامهم بالقانون الدولي والفتاوى الدينية التي تحظر أسلحة الدمار الشامل ما تزال قاصرة إلى حد ما عن تعزيز ثقة دول الخليج العربية بإيران أو بطموحاتها السياسية والاستراتيجية.