خطورة الحكم الديني
في قرية قريبة من قريتي اختلس إمام مسجدها مبلغًا من المال كان قد استلمه من مؤسسة ليوزعه على الفقراء. وحين علمت مديرية الأوقاف بذلك قامت بنقله نقلا تأديبيًّا ليصبح إمامًا في مسجد آخر.
رغم أن الواجب طرده من الإمامة، لكني لم أورد هذه القصة التي سمعتها من مصدر موثوق هذا اليوم من أجل ذلك، بل لما سيأتي، وهو أن هذا الإمام ينتمي إلى جماعة (إسلامية) أصبحت اليوم تشارك في الحكم، والشاهد أن أفراد هذه الجماعة في قريته استنكروا فضح قصة الشيخ، وأوجبوا الطبطبة عليه بحجّة أنّ فضحَه يؤثر على شعبيّتهم وعلى (الدعوة).
ولو كان هذا الإمام 0000 لملأوا الدنيا ضجيجًا بالتشهير به وبتنظيمه. فأي عدل وأي موضوعية هذه التي بها يتحلّوْن ؟!
تخيّلوا أن أحد الوزراء سوّلت له نفسه اغتصاب أموال الناس في دولة يحكمها تنظيم يدّعي تمثيله للإسلام، فماذا ستكون ردّة فعل هذا التنظيم؟ إنها التستّر عليه. أما تقديمه للمحاكمة فمستحيل! أليس هذا يُضعف ثقة الناس بهذا التنظيم؟! والمهم هو أن تبقى الثقة بالتنظيم عالية!
هذا ما ظلّ سائدًا في الدولة القومية الاستبدادية، وهو ما يريدون تكريسه أكثر في دولتهم (الإسلامية).
إن جماعة لا ترى العدلَ أساسَ الحكم لا خير فيها، إنها لا يمكن أن تؤتمن على شعبها.
إن ظنّها أنها تمثل الله في الأرض، وأنه لا ينبغي كشف عورات أفرادها بحجة أن هذا يضر بالدين.. من أهم عوامل الفساد الذي يؤدي إلى شيوع الاستبداد والاضطهاد ثم الكبْت والتخلّف.
لست ضدّ أي جماعة، ولا ضدّ أي تنظيم، لكن لا بدّ من الوقوف بحزم أمام الأخطاء القاتلة التي يمارسها الحزبيون المتعصبون العابدون حزبهم الظالمون غيرَهم.
لو صدق هؤلاء المتعصبون ما تستروا على المختلسين منهم، ولا على مرتكبي أي جريمة؛ لأن إجرام الشخص ليس دليلا على بطلان الدين الذي يتبعه، ولا على بطلان مذهبه، وليس حجة على أقاربه وعائلته. ألم يكن بعض أبناءِ الأنبياء من الكفرة الفجرة؟ ألم يَزْنِ أحدُ الصحابة أيام النبي r ؟ ألم يخذل المسيحَ u تلاميذُه؟ ألم يعبد اليهود العجل بُعيْد ذهاب موسى u إلى الجبل؟
ولكنّ عبّاد الحزب والقائمين عليه، والذين يقدّمون مؤسّسيه على القيم والأخلاق لا يمكن لهم أن يتنبهوا إلى ذلك، فرسالتهم ليست إلا تعصبًا، وهم مرتبكون قلقون مذعورون مضطربون مرتابون ظانّون ظنّ السوء.
فاللهم اجعلنا عادلين في حياتنا كلها، ووفقنا لأن نعامل الناس كما نحبّ أن يعاملونا، وأن نرفض لهم ما نرفضه منهم. وأن نفرح للفعل الحسن أيًّا كان صاحبه، وأن نضيق بالسوء أيًّا كان فاعله.