السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى
ما أجمل هذا الدعاء! حين توضح إيمانك لشخص، وتدعوه لاتباع الحق فتدعو له بقولك: "السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى".. السلام كله لمن اتبع الهدى وترك ما هو فيه من ضلال، فهيّا تقدَّم نحو الإيمان واترك العصيان.
يقول الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} (طه 48).. إئتيا فرعون، ووضِّحا له أن الله بعثكما لتخليص بني إسرائيل من الذل في مصر، والانتقال إلى الأرض المقدسة، وأنّ عليه أن لا يعذبهم، وأنهما قد جاءا بآية من الله، فالسلام كله على من اتبع الهدى.
والآيتان التاليتان {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (48) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (طه 48-49) تشبهان الآيتين على التوالي: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (39) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (البقرة 39-40)
لكن مشايخ العداوة والبغضاء يرون هذا الدعاء العظيم تحية يُلقونها على من يبغضونه لكفره، فكأنهم يقولون له: أيها الكافر العدو البغيض نلقي سلامنا على من اتبع الهدى، أما أنت فلا سلام عليك، لأنك لا تستحق سوى البُغض.
وهذا الحقد لا يجوز أن يُقابَل به أحد، فحتى العدو في معركة لا نقابله بذلك، بل نعرض عليه الإسلام أولا بحكمة وموعظة حسنة.
التحية تقال عند اللقاء، وليس بعد فترة من الحوار، لكنها وردت في هذه الآية بعد محاورة؛ فهذا من أقوى الأدلة على أنها ليست تحية.
وقد وردت هذه العبارة في آخر رسالة بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم للنجاشي، ووردت أحيانا في أوائل الرسائل إلى الملوك مع عطفها على جملة أخرى، بحيث يظهر جليا أنها ليست تحية، كما في هذه الرسالة: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين. فإن تسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك". (السيرة النبوية لابن كثير)
وقد وردت في آخر الرسالة للنجاشي:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة سِلْمٌ أنت، فإني أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإنى أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني وتؤمن بالذى جاءني فانى رسول الله وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عزوجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى. (عيون الأثر، تاريخ الرسل والملوك)
نلحظ في رسالة النجاشي أنه بدأه بالسلام حين قال: سِلْمٌ أنت.
أما ورودها في مطلع رسالة هرقل فلا يدل على أنها تحية ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد استعلمها دعاءً كما في الرسالتين السابقتين، وكما استخدمها القرآن الكريم كذلك.
لذا فليست هذه تحية أصلا، بل هي دعاء بالهداية لا علاقة له بالتحية. وتحويلُها إلى تحية استفزازيةٍ خطأٌ بيِّن؛ ذلك أن معناها عند القائلين بها: أيها الكافر العدو البغيض الشرير المجرم أُعْلِمك أني أحييك بتحية ليست لك، فليس عليك أي سلام، لأنك لا تستحقه، بل تستحق القتل والعداوة والبغضاء..
وهذا ما يتنافى مع كل الآيات القرآنية الداعية إلى معاملة الكافرين المسالمين معاملة حسنة، بل إنه لا يجوز أن نُبطن الشرّ حتى للكافرين المعادين. ثم ماذا ستكون ردّة فعل السامع إذا عرف نيّة مفشي الحرب والعدوان؟ فهذه ليست تحية ولا سلاما، بل بغض وحرب. والأهم من هذا كله أنها كذب ونفاق، فأنت توهمه أنك تقول له سلاما، لكنك في الحقيقة تُلقي عليه بغضا.
الجيش رجال ومهام