هل الإعلام العربي منشط للعمليات الإرهابية ومنسق للفكر الأصولي؟
سامح سامي
الاربعاء 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2007
كثيرا ما نطرح سؤالا: هل الإعلام العربي يعالج قضايا الإرهاب بحياد غير منحاز؟ وفي سبيل الاجابة نقول: قليلا أو نادرا أن نرى أي صحفي أو إعلامي عربي يقف موقفاً عقلياً غير عاطفي من قضايا الإرهاب المرتبط بشكل أساسي بأشخاص ينتمون إلى لغته أو دينه أو عرقه. من هذا القليل أو النادر نجد كتاب "الإعلام العربي وقضايا الإرهاب" للكاتب عبد الرحيم علي الخبير في الحركات الإسلامية، الصادر عن مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات بالتعاون مع المركز العربي لدراسة الحركات الإسلامية الذي يديره عبد الرحيم علي. ويشترك معه في مجلس التحرير المفكر اليساري عادل الضوي والكاتب مصطفى بيومي.
وتقول الدراسة-نعم الدراسة، فالكتاب عبارة عن دراسة بحثية إعلامية، معتمدة على مناهج البحث العلمي- أنه لا شك أن قضية الإرهاب تمثل الهم الأكبر الذي يواجه العالمين العربي والإسلامي في المرحلة الراهنة، وخلال عقود سابقة. ومن المنطقي والمبرر-تبعا لذلك- أن ينشغل بها الإعلام العربي عبر كافة وسائله: التقليدي منها ممثلا في الصحافة المطبوعة والإذاعة ومحطات التليفزيون الأرضية المحلية، وغير التقليدي متجسدا في المحطات الفضائية ومواقع وشبكات النت والنشر الاليكتروني. وتطرح الدراسة بعض الأسئلة منها السؤال الجوهري الذي يتصدى له البحث: بأي قدر، وبأية كيفية، عالجت وسائل الإعلام العربية قضايا الإرهاب؟ ولكن الاجابة الجادة عن مثل هذا السؤال تتطلب طرح مزيد من الأسئلة ذات الصلة الوثيقة بالسؤال الأساسي:
السؤال الأول: ما الأسلوب المتبع في إدانة الظاهرة الإرهابية والكشف عن مثالبها ومخاطرها: عاطفي إنشائي؟ تقريري علمي؟ موضوعي عقلي متوازن؟!.
والسؤال الثاني: هل ثمة مجال لاتخاذ موقف محايد لا يعرف الانحياز، تحت شعارات تتعلق بالتقاليد والأصول المهنية؟ وإلى أي حد يؤثر مثل هذا الحياد على تشكيل الاتجاهات ومواقف الرأي العام؟
أما السؤال الثالث: أليس مطروحا أن تكون بعض الوسائل والوسائط الإعلامية، بشكل مباشر أو غير مباشر، أقرب إلى تحبيذ الإرهاب والدفاع عنه، أو –على الأقل- تبريره والسعي إلى تجميله؟
هذه هي أهم الأسئلة التي تطرحها الدراسة التي تتناول جانب من جوانب الإرهاب ألا وهو الجانب الإعلامي. لذلك قام عبد الرحيم علي باختيار قناتين فضائيتين: "الجزيرة" و"العربية" وصحيفتي: "الشرق الأوسط" و"القدس العربي". وتقف الدراسة عند تحليل الموضوعات التي تتناول هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبعض العمليات الإرهابية الأكثر بروزا بعد هجمات 11 سبتمبر، مثل تفجيرات طابا عام 2004 وتفجيرات لندن في يوليو 2005 وتفجيرات عمان نوفمبر 2005.
ومن يقرأ المؤلف في سطور يكتشف أن عبد الرحيم علي يشغل وظيفة مستشار قناة "العربية" لشئون الإرهاب. وقناة "العربية" داخلة ضمن الدراسة، يقارن بينها وبين قناة "الجزيرة". ولكن ذلك لا يعني أنه لا يكتب نقدا سلبيا لتغطياتها للعمليات الإرهابية. فمن معروف أن عبد الرحيم ومجلس التحرير الخاص بالكتاب من الباحثين الموضوعيين، كما أن الكتاب ليس مجرد مجموعة آراء أو تعليقات وإنما هي دراسة وبحث علمي يستند لأساليب منهجية قائمة على تحليل المضمون من حيث الكم والكيف.
يحتوي الكتاب على بابين، الأول الفضائيات: الفصل الأول يتناول قناة الجزيرة والثاني عن قناة العربية أما الباب الثاني فيتحدث عن الصحافة ويتناول جريدة الشرق الأوسط والقدس العربي. ويقع الكتاب في 310 صفحة من القطع المتوسط.
ويقدم الباحث كلمة أخيرة بعد أن ينتهي من تحليل مضمون قناة الجزيرة من العمليات الإرهابية، يقول فيها: السؤال الآن إلى أي مدى حرصت الجزيرة في الممارسة العملية، على الالتزام بميثاق الشرف المهني الذي أعلنت عن تبنيه؟ ويجيب أن الاجابة تبدأ عند الموقف من إسرائيل. فكثير من المعارضين لسياسة القناة وتوجهاتها يرون أنها تحقق التفافا غير مباشر للوصول إلى درجة من التطبيع مع العدو المرفوض شعبيا. ويضيف الكاتب: وإذا كان الموقف المريب تجاه إسرائيل وقضية التطبيع يمثل الملمح الأول الجدير بالاهتمام عند تقييم قناة الجزيرة من منطلق تماهيها مع دولة قطر، فإن التحفظ الثاني يتمثل في مسلك القناة الذي يبدي انحيازا واضحا، على المستويين الفكري والسياسي، للتيارات السلفية ذات التوجه المتشدد والمتطرف، وهو ما يتمثل بوضوح عند بعض المذيعين ومقدمي البرامج والمراسلين. قد يكون صحيحا أن القناة تشهد تنوعا في الاتجاهات السياسية والانتماءات الدينية للعاملين فيها، إلا أن الصحيح- أيضا- هو احتكار الاتجاه المنحاز لأهم البرامج الحوارية ذات الشعبية والتاثير والنفوذ، ولن يصعب على متابعي هذه البرامج اكتشاف الخروج الصريح المتكرر عن كل قواعد الحياد والموضوعية: عدم إتاحة فرص متكافئة للمتحاورين، التحامل على أصحاب الرؤي المختلفة، تجاوز الرصانة والجدية إلى مرحلة التسفيه والسخرية.، بالطبع الملاحظات السابقة لا تعني حكما عاما على كل البرامج التي تقدمها الجزيرة لكنها تنطبق على الأغلب الأعم، والأكثر شهرة من البرامج. كما يشير الباحث في خاتمة هذا الفصل إلى أن المحطة الثالثة فتتعلق بالموقف من السياسات والممارسات الأمريكية، تجاه القضايا العربية والإسلامية الملتهبة والمزمنة، وبشكل خاص في فلسطين والعراق. وأن ما تستهدفه القناة هو خلق مناخ عام رافض وساخط لمجمل السياسات الأمريكية.
أما ملاحظة الباحث الأخيرة فكانت حول موقف القناة من دولة قطر. فالقناة لا تترك مظهرا أو موقفا عربيا رسميا، كبيرا كان أم صغيرا، دون ملاحقته والتدليل من خلاله على حالة التردي والضعف العربي أمام السياسات والمواقف الأمريكية، لكن السؤال المحير: ماذا عن دولة قطر وحكامها وسياساتها؟ وماذا عن الامتيازات والتسهيلات والقواعد العسكرية الأمريكية الموجودة على الأراضي القطرية؟ ويؤكد الباحث أنه عند هذا الحد تقف قناة الجزيرة، وتتوقف شجاعتها وتفقد مصداقيتها!
وفي الفصل الثاني يتعرض الباحث لقناة "العربية" التي تأسست في دبي عام 2003 أي بعد سبع سنوات من انطلاقة قناة الجزيرة في قطر. ويخرج من يقرأ الجزء الخاص بالعربية من أن الكاتب يريد أن يقول صراحة أن قناة العربي أفضل من قناة الجزيرة، في كل التغطيات وخاصة في مجال البحث الخاص به ألا وهو مجال التغطيات التليفزيونية للعمليات الإرهابية، فهو يقول في الصفحة 117 من تقديمه لفصله الثاني الذي يتناول قناة العربية:" وكثيرا من خبراء الإعلام، ينتصرون لقناة العربية على الجزيرة مهنيا، ذلك أن: القيم الانتاجية المتقدمة تميز قناة العربية عن قنوات إخبارية عربية أخرى، فتصميماتها وصورها لها مظهر ذو تقنية عالية ونشراتها الإخبارية سريعة، حيث لا يزيد كل موضوع عن دقيقتين ونصف الدقيقة، كما أن إيقاعا موسيقيا دراميا يصاحب هذه النشرات. وفي المقارنة يجلس مذيعو الجزيرة خلف مكتب ووراءهم خلفية مملة ذات بعدين تشبه إلى حد ما خلفية برنامج إخباري أمريكي في السبعينيات بينما تذيع العربية بثها من غرفة أخبار تتميز بالحداثة ذات تصميم ثلاثي الأبعاد من المعدن الفضي والزجاج. وعلى ضوء ما سبق، فإن ما يميز قناة العربية هو المعالجة العقلانية سياسيا، المحترفة مهنيا، الأكثر شمولا وجذرية، لمفهوم الإرهاب وتاريخه وحاضره ومستقبله. ويذكر عبد الرحيم إذا كان إنشاء المحطة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأكثر من عام ونصف، قد حال دون تغطيتها المباشرة للحدث، فإنها قدمت معالجات بالغة الأهمية لما ترتب على التفجيرات من تداعيات.
ثم ينتقل بعد ذلك المفكر عبد الرحيم علي، الذي ينصب اهتمامه الكبير على تحليل الحركات الإسلامية والفكر الأصولي، إلى الصحافة مختارا صحيفتي الشرق الأوسط والقدس العربي معللا ذلك بأن االصدور في المملكة المتحدة وهو مشترك بينهما يضفي عليهما قدرا كبيرا من الاستقلالية بالاضافة إلى الانتشار الواسع لهما ووجود نخبة كبيرة من المفكرين والكتاب والصحفيين فيهما أسباب لاختيار هاتين الصحيفتين للدراسة. ويذكر الباحث أنه أقتصر التحليل على عينة مختارة من مقالات وأعمدة الرأي، ذلك أنها الأكثر تعبيرا عن التوجه الفكري والسياسي للصحيفة.
ويختتم الباحث هذا الباب بقوله: نلاحظ أن الصحيفتين موضوع الدراسة تشتركان في الاهتمام الواضح بمعالجة الحوادث الإرهابية المختلفة، كما أنهما تشتركان في اتخاذ موقف يرفض ويعادي فكرة العمليات الإرهابية، واللجوء إلى استخدام العنف. لكن هذين المشتركين لا يحولان دون وجود تباين ملموس بينهما، يمكن رصد أهم ملامحه على النحو التالي:
من الناحية الكمية، تبدي جريدة الشرق الأوسط اهتماما أكبر بمعالجة الحوادث الإرهابية وما يترتب عليها من تداعيات. ومن الناحية الكيفية، فإن الاتفاق العام على إدانة الإرهاب، فكرا وسلوكا، لا يحول دون وجود تمايز، تميل فيه الكفة لصالح جريدة الشرق الأوسط، ذلك أنها تتخذ موقفا بالغ الصرامة والوضوح في إدانة الإرهاب ، والتأكيد أنه لا يقدم خدمة موضوعية للقضايا العربية والإسلامية، كما أنه فعل لا يمكن تبريره أو الدفاع عنه أو التماس الأعذار للقائمين به. على الجانب الآخر، لا يخلو موقف القدس العربي من مراوحة واذدواجية، تتمثل في الميل إلى تعميم الفكرة الإرهابية بحيث تطول القائمين بالإرهاب والمعرضين له، كما أن معالجات الرأي فيها تجنح كثيرا إلى البحث عن نتائج إيجابية وهمية للعمليات الإرهابية، فضلا عن محاولات متكررة لالتماس الأعذار والتعامل مع الإرهاب كأنه رد فعل يمكن تفسيره على ضوء الفعل الذي تقوم به الولايات المتحدة.
[img][/img]
منقول للفائدة