بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركات
يـا ناس.. النعمة تُداس!!
يـا ناس.. النعمة تُداس!!
لا أعتقد أن الإنسان منذ خُلِق أبوه آدم إلى قيام الساعة قد توافرت له نعمة الأكل والشرب كما نحن عليه في هذا الزمن؛ يكفيك أنك تستطيع أن تأكل ما تريد وقتما تريد، وأينما تريد، تستطيع أن تأكل منتجات الصيف وأنت تتدثر بملابس الشتاء، وتستطيع أن تأكل منتجات الشتاء وأنت في أحد المصايف، وتستطيع أن تشرب في اليوم عشرات الأصناف من العصائر والألبان والمياه العذبة الباردة المتنوعة، وتتلذذ بما تشتهي من أنواع الحلويات والفواكه والخضراوات وغيرها من بقية النِّعم التي لن نحصيها مهما سردنا من قوائم.
انتهى موسم الصيف الذي يسبق رمضان، والذي عادة ما يكون موسماً لإقامة احتفالات الزواج والولائم والمأدبات، ولكم أن تتصوروا كم من الذبائح على مستوى السعودية ذُبحت في تلك المناسبات، وكم من أطنان الأرز أُعدّت، وكم من أنواع الفواكه والخبز قُدّمت، ثم يأتي السؤال المهم: أين ما تبقى من تلك الذبائح والأرز والفواكه؟!
الجواب بسيط في نظرنا، وعظيم عند الله: وضعت في أكياس سوداء مُصمَّمة خصيصاً للقمامة، وتُرمى في أقرب مرمى للنفايات!!
نحن نجيد وبتفوق القول "اللهم لا تسخط علينا ولا تؤاخذنا" عندما نحمل تلك الأكياس المملوءة بالأرز واللحم والخبز والفواكه في طريقنا إلى مرمى النفايات، نجيد أيضاً أن نردد دائماً في مجالسنا الإشادة بفكرة البوفيه المفتوح، وأنه سبب للتوفير وللتقليل من الخسائر والإسراف، ولكن إذا حل موعد زواج الابن أو القريب تلاشت فكرة هذا "البوفيه" خوفاً من ألسنة وأعين الناس الناقدة، وتجاهلاً لعين الله التي لا يخفى عليها خافية.
لماذا يتفنن البعض في انتقاد فلان عندما ذبح في مناسبة زواج ابنه ثلاثين رأساً من الأغنام وينسى نفسه عندما ذبح في زواج ابنه أربعين رأساً؟!
أليس الأولى بك أيها الناقد أن تبدأ بنفسك، وتترك عنك النقد الذي يوجَّه إليك أيضاً؟!
للأسف أننا مجتمع يهتم كثيراً بالشكل الذي يجب أن تبدو به مائدة الطعام، خاصة في المناسبات، بغض النظر تماماً عن أين سيكون مصير هذه الأطعمة، المهم عندنا أن تبدو المائدة أمام الضيوف ممتلئة بكل ما لذ وطاب! لسنا أفضل من أولئك الذين يموتون جوعاً في الصومال، أو أننا شعب من الملائكة، أو أننا في منأى عن سخط الله ونقمته، ولم نعد في حاجة إلى ترديد عبارات الشجب والاستنكار للتبذير والإسراف ورمي النفايات، فقد سئمنا وضقنا ذرعاً بهذه العبارات الكاذبة التي نسلي بها أنفسنا. الأمر يحتاج إلى تدخل سريع من قِبل وزارة الداخلية، ممثلة في إمارات المناطق ومحافظاتها، وذلك باستحداث نظام للحَدّ من الإسراف والتبذير، وتشكيل لجان معينة تكون مهمتها المراقبة والإشراف على كل المناسبات المقامة في المنطقة، وفرض عقوبات مشددة وصارمة على كل من يخالف نظام الحَدّ من التبذير؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
أورد في هذا السياق قصة وردتني عبر الإيميل، ربما اطلع عليها الكثير، وهي لشاب سعودي مبتعث إلى ألمانيا، وعند وصوله قام بعض زملائه الموجودين هناك بدعوته إلى وجبة الغداء في أحد المطاعم الشهيرة في ألمانيا، وكما هي عادتنا نحن السعوديين في إكرام الضيف، ولو كان تبذيراً، قاموا بطلب العديد من الأطباق والوجبات التي كانت تزيد على حاجتهم؛ ما جعل بعض السيدات يشعرن بالأسف تجاه هذا التبذير؛ ما دعاهن للحديث مع هؤلاء الشباب عن سبب طلب ما يزيد على حاجتهم، فقال أحدهم: لقد دفعنا ثمن هذا الغداء، ولا علاقة لكم، يعني بالعامي "ليس من جيوبكم شيء"؛ فقامت إحداهن بتناول سماعة الهاتف لإجراء مكالمة كانت نتيجتها حضور شخص يرتدي زياً رسمياً، قدّم نفسه على أنه ضابط في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وقام على الفور بتحرير مخالفة لهؤلاء الشباب قيمتها خمسون ماركاً، ثم قال هذا الضابط بعد أن دفعوا قيمة المخالفة: اطلبوا من الطعام ما يكفيكم، المال لكم، والموارد للمجتمع، والطعام من أهم الموارد، وهناك العديد من الشعوب يواجهون نقصاً في هذه الموارد.
كم بظنكم ستكون المخالفة التي سيحررها الضابط الألماني، وكيف ستكون ردة فعله لو رأى إحدى المناسبات لأحد ملاك الإبل المشاركة في مهرجان أم رقيبة عندما قدم لضيوفه الذين يقاربون المائتين وخمسين ضيفاً سبعة عشر بعيراً وقرابة الثلاثمائة خروف، وبحسبة بسيطة قام بها مَنْ نشر هذا الخبر اتضح أن هذه الأنعام تكفي لإطعام ما يزيد على سبعة آلاف شخص، والنتيجة - كما يقول صاحب الخبر - حفرة كبيرة في وسط الصحراء، وشيول لمدة ساعة أجرته 100 ريال يتولى عملية الدفن!!
ألسنا الأولى باحترام نِعَم الله وتوفيرها وتوقيرها وصونها وعدم امتهانها وابتذالها؟ وهل تعتقدون أن الألمان قد سمعوا بقوله تعالى: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}؟! وهل سمعوا بالأحاديث النبوية التي تنهى عن التبذير وخطورته، وأنه سبب لنقمة الله؟!
للأسف أننا نحن الذين نتلو تلك الآيات في كل صلاة، ونستمع للأحاديث الشريفة، لا نزال نردد: "الله لا ينقدنا" لحظة رمي الكيس المملوء بنعم الله في حاوية القمامة. والله المستعان.
أكرر مطالبتي بالتدخل السريع من الجهات المختصة، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، والشروع في إعداد نظام كفيل بردع كل مُبذِّر ومُسرف، وتشكيل هيئات ولجان رقابية تشرف إشرافاً مباشراً على المناسبات والولائم المقدَّمة في الزواجات المقامة في قصور الأفراح والاستراحات، وتطبيق العقوبة المقررة على كل من يخالف ما يرد في النظام، قبل أن تعمنا عقوبة الله.
اللهم أدم علينا نعمك ظاهرة وباطنة، وأوزعنا شكرها، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وأطعم جائع المسلمين، ولا تصبنا بالسنين، آمين.
علي بن محمد الثوابـــي
مما راق لي ..
مع تحيات:السيف الصاعق