أولا: ضمانات المتهم في الشريعة الإسلاميةنصت الشريعة الإسلامية على ضمانات عديدة لفائدة المتهم منها:
1- -الحق في التكريم: لقد كرم الله تعالى الإنسان واعتبره أرقى المخلوقات في قوله:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [سورة الإسراء، الآية 70].
2- الحق في إعمال أصل البراءة: مع لزوم اشتراط اليقين في الإثبات الجنائي تطبيقا للقاعدة الشرعية: "اليقين لا يزول بالشك"، وقد ثبت في الشريعة: درء الحدود بالشبهات، لحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم)، والخطأ في العفو عن الجاني خير من الخطأ في عقوبة البريء.
3- وجوب التثبت والتحقيق قبل الحكم: أكدت نصوص القرآن والسنة على وجوب التثبت قبل إصدار الأحكام واتخاذ المواقف في جميع المقامات والحالات، لقوله تعالى: ﴿ ... فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [سورة الحجرات، الآية 6]، ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [سورة النجم، الآية 28]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو يُعْطَى الناس بدعواهم لادَّعَى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المُدَّعي واليمين على من أنكر) [ حديث حسن رواه البيهقي وغيره عن ابن عباس].
وقد استنبط الفقهاء من تلك النصوص قاعــدة [البينة على من ادّعى واليقين على من أنكر].
وكان لزاما على القضاة العمل بمقتضى هذه القاعدة إقراراً للحق ونفياً للباطل.
4- حق اتخاذ محام: من مقاصد المحاماة أو الوكالة بالخصومة مساعدة القضاء على أداء وظيفته في فض النزاعات، والمحافظة على حقوق المتقاضين وهي مهنة مباحة شرعاً، إذا التزمت ضوابط الشريعة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، فلعلّ بعضكم أن يكون أََلْحَنَ بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه) [رواه البخاري ومسلم، وأصحاب السنن].
5- حق اتخاذ مترجم للدفاع: يرى المالكية والأحناف أن الترجمة خبر لا يتطلب عدداً معينا كالشهادة، وأن المترجم مُخْبرٌ وناقل لمضمون كلام الخصوم والشهود وغيرهم من الخبراء، فتقبل ترجمة الواحد إذا كان عدلاً.
6- لا تجريم ولا عقاب إلا بنص شرعي: استخلصت هذه القاعدة من مجموع الآيات منها قوله تعالى: ﴿ ...وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ [سورة الإسراء، من الآية 15].
ولقد اعتبرت الشريعة الإسلامية نكاح زوجة الأب جريمة، ولكنها لم تجعل للنص أثراً رجعياً حيث قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ [سورة النساء ، الآية 22].
وكذلك الأمر بالنسبة للجمع بين الأختيين ﴿ ...وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيماً ﴾ [سورة النساء، من الآية 23].
7- لا اعتبار للاعتراف القسري: حرصت الشريعة على أن يكون الاعتراف الصادر من المتهم حراً دون إكراه مادي أو معنوي، قال تعالى: ﴿ ... إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ... ﴾ [سورة النحل، من الآية 106].
فإذا كانت هذه الآية تسقط حكم الكفر عن الناطق به مكرها، فالأولى أن تسقط ما عَدَاهُ، لذلك أكد الفقهاء على عدم اعتبار الاعتراف القسري لما فيه من إكراه، قال شريح القاضي:"السجن كره، والوعيد كره، والقيد كره".