منذ نعومة أظفاري وأنا أسمع جدتى تدعو الله أن يهلك أمريكا. وفي حرب العراق وليبيا الأخيرة يتمنى الناس عندنا أن تهلك أمريكا هناك. هذه الأمنيات تتحول إلى تحليلات سياسية؛ فكثيرا ما تسمع الناس في بيوت الأفراح والأتراح يتحدثون عن مأزق أمريكا الرهيب في الحروب، وعن خسائرها الهائلة التي ستُنهيها عما قريب!
عندما يسمع العاقلُ هؤلاء يستغرب من إغراقهم في الأوهام. والأهم من هذا هو هروبهم من مواجهة واقعهم المرير. فليس مهما أن تهلك أمريكا؛ بل المهم أن ننهض نحن. وهذا لا يتأَتّى من دون جهود كبيرة على جميع الأصعدة الأخلاقية والسياسية والاقتصادية.
فبدلا من تركيز الأحلام على هلاك أمريكا، يجدر تركيز العمل على الخروج من وضعنا المأساوي، من فقرنا، من قلة تصنيعنا، من ضعف محاضرينا، من ترهل إداريينا، من انعدام جهود باحثينا، من الكراهية المتبادلة بين أحزابنا وقبائلنا واحيائنا من افتراء الكل على الكل، من عدم المسؤولية، من عدم الأمر بالمعروف وعدم النهي عن المنكر، من تقديم المصلحة الخاصة على العامة، من التناقض بين القول والعمل، من المحسوبية والرشوة والواسطة، من التكاسل... هذه الأمراض هي التي نبحث عن حلها، وهي التي علينا أن نركز جهودنا لحلها ولحل ما شابهها من أمراض. أما دمار أمريكا، فليس يعنينا كثيرا. سنسعى لأن لا تتدخل أمريكا في شؤوننا، وأن لا تتربص بنا الدوائر، ونتمنى لها الهدية.
إن مشاكلنا الداخلية أعمق وأعظم من عداوة الآخرين لنا. وهي التي تقوي فرص الغرباء في التعرض لبنا بسوء. فلنبحث عن حل مشاكلنا، وحينها لن تتبقى فرص لأمريكا ولا لغيرها.
إن الجراثيم تملأ الجو، ولكنها لا تتعرض إلا لمن ضعفت لديه المناعة. وهكذا الدول الكبرى المعتدية، فإنها لا تتعرض إلا لمن ضعف كيانه الداخلي، وتلاشت مناعته الذاتية.