وربما أصدق حوار، هو حوار الإنسان الواعي، مع ذاته العاقلة.
ويا ليت أهل الحوار، قبل أن يباشروا أي حوار مع غيرهم -يبدؤون بجلسة حوارية نزيهة مع أنفسهم، يناقشون فيها حقيقتهم قبل حقوقهم وواقعهم قبل مواقعهم، ومالهم، وما عليهم، قبل إعداد الإحتياطات، وحفر المطبات وتغليف الأسئلة والإجابات..
ولو قامت حكومة الولايات المتحدة بحوار صادق مع ذاتها، لضربت على نفسها حصاراً من حديد، خجلاً مما فعلته، وتفعله مع العرب والمسلمين..!؟
وشتان، في الأحلام المثالية، الموغلة في الخيال.. وبين هذا الزمن الأناني، العنصري الهمجي..!؟.
قلت إنني سأتحاور مع نفسي بصراحة.. أتحاور كإنسان عربي يعتز بنسبه، ويحتقر أحياناً نفسه، دون تشاؤم ويحترم بعضاً من الآخرين من أبناء وطنه الكبير..
والحوار مع النفس، هو كالمقابلة الصحفية مع الذات، وهذا ليس بالأمر الغريب.
سأطرح أسئلة، وأحاول الإجابة عنها، بما يتناسب مع إمكانياتي الفكرية البسيطة، ويتماشى مع همومي واهتماماتي الثقافية، والاجتماعية، والنفسية، وهي في الغالب نفس الهموم لأي مواطن عربي مثلي من المحيط إلى الخليج..
إن أبناء الشعب العربي، هم نسخة طبق الأصل عن بعضهم البعض، وهو ما تبرهن عليه كل اللقاءات العفوية التي تتيحها الصدف بينهم.. نفس المشاعر، نفس الآمال، نفس الآلام.. نفس اللامبالاة بعد ذلك.. رغم عهودهم الثقيلة، والمليئة بالحواجز، والتأشيرات، وعزلة الذاكرة..
لذا فإن المقابلة مع الذات، قد لا تختلف كثيراً عن المقابلة مع الآخر الذات..
وهنا أستثني أي حوار مشحون بنوايا التحامل أو الاستفزاز.. إنه ليس من الذات البريئة في شيء! وقد جرت العادة في كثير من المقابلات الصحفية، أن تكون مسبوقة باتفاق مبدئي بين السائل والمجيب حول الأساس في ما يجب أن يقال، وما لا يقال.
وقد يصل الاتفاق أحياناً، إلى أن السائل يعطي للمسؤول كافة الصلاحيات في اختيار الأسئلة التي يفضل الإجابة عنها.. أو حتى يضع لنفسه الأسئلة المستحسنة لديه، خاصة إذا كان المسؤول كبيراً، أو كان الصحفي السائل، كسولاً.. أو دون مستوى الإجابات..
ومن المعروف أن القراء يفضلون دائماً الصراحة والحرارة، والجرأة، في أي حوار، ويبقى - بالطبع- لكل مقام مقال.