منتدى غير رسمي يهدف للتعريف بالجيش الوطني الشعبي Forum informel visant à présenter l'Armée Nationale Populaire |
| | للتثبيت : مجموعه كاملة من أهم عمليات المخابرات العامه المصرية | |
| كاتب الموضوع | رسالة |
---|
The Egyptian Colonel عريـــف
عدد المساهمات : 39 نقاط : 79 سمعة العضو : 0 التسجيل : 26/10/2012 المهنة : Civil Engineer
| موضوع: للتثبيت : مجموعه كاملة من أهم عمليات المخابرات العامه المصرية الأحد أكتوبر 28, 2012 4:03 pm | |
| العملية الأولى : زهرة مارسيليا
منذ اللحظات الأولى التى وطأت فيها قدما ذلك البحار الشاب ، ارضية المقهى الصغير الشهير ، فى ميناء (مارسيليا) الفرنسى ، ادرك الكل انه هارب من شئ ما ..
كان زائغ العينين ، مرتجف الأطراف ، عصبى الملامح ، والعرق يغمر وجهه فى غزارة ، على الرغم من برودة الطقس فى الخارج ، واصابعه الممسكة بقبعة البحارة بين يديه ، تتحرك طوال الوقت ، على نحو عجيب ، وهو يتجه نحو البار مباشرة ، ثم يتوقف أمامه بضع لحظات ؛ ليحصى النقود القليلة فى جيبه قبل أن يقول :
- زجاجة مياه غازية فحسب .
أبتسم البحارة القريبين فى سخرية ، وقهقه آخر فى آخر المكان ، فى الحين تطلع البعض الآخر إلى الشاب فى شئ من الإشفاق ، وعامل البار يقول له فى صرامة قاسية :
- النقود أولاً.
كان العامل - بخبرته فى هذا المجال- يخشى تناول الشاب الزجاجة ، ثم يتضح بعدها انه لا يملك ثمنها ، إلا أن الشاب ألقى إليه النقود فى عصبية ، ثم راح يحصى ما تبقى لديه ، وهو يلتقط الزجاجة ، ويتجه بها إلى أبعد وأصغر منضدة فى المكان كله ، وعيناه الزائغتان مازالتا تدوران فى المكان ، على نحو جعله أشبه بحيوان صغير مذعور ، لا يدرى أين يمكن أن يذهب..
ولربع ساعة أو أقل ، لم يكد لرواد المقهى الصغير من الحديث ، إلا عن ذلك الساب ، الذى راح الكل يستنتج جنسيته ومشاكله ، ثم لم يلبث الجميع أن أهملوه وتناسوه ، وأنشغلوا فى أعمالهم وأحاديثهم ..
فيما عدا هى ..
(روز) تلك المرأة الجميلة الفاتنة ، التى تعرفها مارسيليا كلها ، منذ بضع سنوات ، والتى أعتادت التردد على مقاهى البحارة ، المنتشرة فى الميناء وحوله ؛ لقضاء بعض الوقت ، ولالتقاط زبائنها من بين بحارة السفن الأجنبية ..
وبالذات القادمة من الدول العربية ..
وفى مارسيليا كلها ، كانت تتردد رواية واحدة ، عن (روز) الحسناء ، التى تفتح قلبها فى صباها ، على حب بحار عربى شاب خلب لبها ، و ...... <ألخ>
ووفقاً للرواية ، اختفى البحار العربي ذات يوم ، وجن جنون (روز) وهى تبحث عنه فى كل مكان ، قبل أن تكتشف الشرطة جثته فى مخزن مهجور ..
فمع جمال (روز) ، اندفع بحار آخر مخمور ، إلى قتل حبيبها العربى ، مدفوعاً بالحب والغيرة وغياب العقل ..
وانهارت (روز) ، وهامت على وجهها فى شوارع مدينتها قبل أن تتخذ قرارها بالسفر إلى مارسيليا ، بحثاً عن بحار عربى آخر ، يمكن أن يعوضها عن حبيبها السابق ..
ومنذ استقرت (روز) مع قصتها ، فى قلب مارسيليا ،وهى ترتاد كل المقاهى الخاصة بالبحارة ، وتعقد الصداقات مع كل من هو أصل عربى منهم ، حتى اطلق عليها البحارة العرب هناك اسم (زهرة مارسيليا) ..
وفى تلك الليلة ، التى وصل فيها ذلك البحار الشاب إلى المقهى ، كانت (روز) تراقص شابا ألمانيا ضخم الجثة ، فى ضجر واضح، حتى جذب الشاب انتباهها واهتمامها ، خاصة مع اسم سفينته التجارية ، التى رست عند الميناء صباح اليوم فحسب ، والمكتوب فى وضوح ، على القبعة التى وضعها أمامه ، على المنضدة الصغيرة ، وهو يرتوى بزجاجة المياه الغازية فى نهم ، وعيناه متعلقتان بقطعة لحم كبيرة ، راح بحاران إيطاليان يلتهمانها فى شراهة ، على المنضدة المجاورة ..
وبخبرتها وذكائها ، ادركت (روز) أن البحار الشاب مصرى الجنسية ، وانه يعانى صعوبة اتخاذ قرار ما ، فى تلك الفترة من أوائل سبعينات القرن العشرين ..
و ببعض كلمات هامسة ، تخلصت (روز) من الألمانى الضخم ، واتجهت مباشرة نحو مائدة البحار الشاب ، وجلست أمامه دون أستأذان ، هى تسأله ، فى صوت يحمل طناً من الشفقة والحنان :
- أجائع أنت ؟!
ارتبك البحار الشاب بشدة ، ولوح بكفه فى ذعر ، هاتفاً
- كلا .. لست جائعاً .
ابتسمت (روز) ابتسامة حانية ، قبل ان تستدعى النادل ، وتطلب منه وجبة دسمة ساخنة ، جعلت الشاب يرتبك أكثر ، و هو يقول :
- لا .. لست أر ...
قاطعته بأبتسامة كبيرة ، وهى تربت على يده :
- اطمئن .. أنا سأدفع الحساب .
وجاء الطعام ، وتردد الشاب بعض لحظات ، ثم لم يلب أن أقبل عليه فى لهفة ، جعلتها تبتسم فى ثقة ؛ لبراعتها فى اختيار اهدافها ، وهى تراقبه فى صمت ، حتى انتهى من طعامه ، ثم غمغم فى خجل وارتباك :
- شكراً ... كنت احتاج إلى هذا بالفعل .
منحته ابتسامة ساحرة ، وهى تسأله :
- انت مصرى أليس كذلك ؟!
أومأ برأسه إيجاباً ، وقال فى استسلام :
- بلى ... سفينتى رست هذا الصباح ، وستعود إلى الوطن صباح الثلاثاء القدام ... أى بعد خمسة أيام فحسب .
ثم تردد لحظة ، قبل ان يضيف فى خفوت :
- لكنى لن أعود معها .
بدا من الواضح ان عبارته الأخيرة قد جذبتها بشدة ، فقد اعتدلت فى مجلسها ، وتالق بريق ما فى عينيها ، وهى تساله فى حذر :
- ولماذا ؟!
راح يروى لها معناته فى مصر ، وعجزه عن توفير حياة كريمة لنفسه ، ومزج هذا بحديث ساخط عن غياب الديموقراطية ، وحالة اللا سلم واللاحرب ، و ارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية ..
واستغرق حديثهما هذا المساء كله ، حتى دقت الساعة ، معلنة تمام الثانية صباحاً ، فابتسمت (روز) واحدة من ابتسامتها الساحرة ، وهى تقول :
- هل يمكننى ان ادعوك إلى المبيت أيضاً ؟!
ومرة أخرى تردد الشاب طويلاً ، ثم بدا وكانه مغلوب على أمره ، وهو يتبعها فى صمت ، إلى منزلها الصغير الأنيق ، دون أن ينبس ببنت شفة ، ولكنه ما أن أصبح داخل المنزل ، حتى ألقى نفسه على أقرب أريكة إليه ، وغرق فى سبات عميق ..
أما ( روز) ، أو ( زهرة مارسيليا) ، فقد وقفت تتطلع إليه بضع لحظات ، قبل أن ترفع أح حاجبيها وتخفضه مغمغمة :
- ممتاز .
وفى هدوء شديد ، دلفت إلى حجرتها ، وأغلقت بابها خلفها فى أحكام ، ثم انحنت تلتقط جهاز اتصال لا سلكى ، مخفياً بمهارة فى تجويف خاص ، فى قاعدة فراشها ، وراحت تبث رسالة شفرية خاصة ، إلى سفينة صغيرة ، من السفن الدائمة فى الميناء ، والتى تقتصر مهمتها على أستقبال مثل تلك الرسائل ، وإعادة بثها ، على نحو اكثر قوة ، بوسائل أكثر تطوراً ، إلى قلب الدولة غير العربية الوحيدة ، فى الشرق الأوسط كله ..
إلى (تل ابيب) ...
وبعدها نامت (روز) ملء جفنيها ..
وفى الصباح التالى ، وقبل ان تغادر حجرتها كان جهازها اللاسلكى يستقبل أوامر عاجلة وصارمة من ( الموساد) الإسرائيلى ، الذى تعمل
لحسابه ...
لا بد من تطبيق الإجراءات المعتادة ، على الصيد الجديد .. فوراً ..
ولقد نفذت ( روز) الأوامر بمنتهى الدقة ، كما اعتادت أن تفعل فى كل مرة ..
فالحقيقة أن (روز) هذا لم يكن أبداً أسمها الحقيقى ..
إنها (جولى جولدشتاين) ، يهودية من أصل فرنسي ، تعمل لحساب المخابرات الاسرائيلية ، منذ أكثر من ستة أعوام ..
اما قصة (روز) وحبيب صباها العربى ، فما هى إلا خدعة كبيرة ؛ لتبرير سعيها لعقد الصداقات والعلاقات ، مع بحارة السفن العربية ، وانتقاء النوعيات الصالحة مهم للتجنيد ، والعمل لحساب الموساد الإسرائيلى ..
ولقد حققت (روز) نجاحاً ملحوظاً ، جعل المخابرات الإسرائيلية تعتبرها واحدة من أمهر وأبرع جواسيسها فى أوروبا كلها ..
ولعل براعتها تعود إلى جمالها الفاتن ، وقدرتها المدهشة على اصطناع الحنان ، ومنح الحب للجميع ..
وبخاصة البحارة العرب ..
وفى ذلك الصباح ،أعدت (روز) لضحيتها الشاب وجبة إفطار شهية ، قبل أن تسأله فى أهتمام :
- أمازلت مصراً على عدم العودة إلى مصر ؟!
أومأ برأسه إيجابا ، وهو يقول فى أسى :
- أى عمل هنا ، سيكون أفضل من العودة إلى مصر .
مالت نحوه ، هامسة :
- وماذا لو كانت العودة أفضل من البقاء هنا؟!
بدا مبهوراً ، مع رائحة أنفاسها العطرة ، وهو يلهث متسائلا :
- وكيف هذا ؟!
تراجعت بأبتسامة كبيرة ، قائلة :
- عندى وسيلة مضمونة .
نطقتها ، ثم غمزت بعينيها ، قبل أت تطلق ضحكة عابثة طويلة ، ظلت تتردد فى أذنى وقلب البحار الشاب ، حتى قدمته (روز) لصديقها (فرانسوا) ، الذى بدا شديد الوسامة والأناقة والود ، وهو يصافح البحار الشاب ويسأله عن استعداده للعمل داخل مصر ، براتب جيد ، ومكافآت سخية ، مع كل عمل جيد يقوم به ..
وعندما سأله الشاب عن نوع العمل ، الذى يستحق كل هذا ، ابتسم (فرانسوا) ، مجيباً فى خبث :
- هذا يتوقف على مهارتك .
ثم مال نحوه وربت على ركبته ، مضيفاً :
- واكثر ما يهمنا هو أن تتميز بالكتمان ، وألا يعرف مخلوق واحد ما تفعله من اجلنا
هتف الشاب بكل حماسة :
- بالتأكيد يا مسيو ( فرانسوا) .. بكل تأكيد .
وعلى عكس خططه السابقة ، عاد البحار الشاب إلى مصر ، وفى جيبه ثلاثمائة دولار ، مع مطلب واحد للوسيم ( فرانسوا) ..
الحصول على أسعار الخضر والفاكهة فى مصر ..
وبعد شهر واحد عاد الشاب إلى مارسليا ، واستقبل (روز) كما استقبلته ، بمنتهى الحرارة واللهفة ، واخبرها أنه قد أحضر ما طلبه صديقها الوسيم ، وأضاف إليه أيضاً أسعار اللحوم و الدجاج ، ومعلومة عن أزمة البيض والعلب المحفوظة ..
ولقد ابتسم (فرانسوا) ابتسامة كبيرة ، وهو يستمع إلى هذه المعلومات ، قبل أن يمنحه ثلاثمائة دولار أخرى كراتب شهرى ، ومثلها كمكافأة لما أحضره من معلومات ..
ولم يخف الشاب فرحته بالنقود ، ولا دهشته لعدم تناسبها مع المعلومات البسيطة التى أحضرها ، ولكن ( فرانسوا) ربت على كتفه قائلاً :
- ربما تكون المعلومات المطلوبة أكثر أهمية فى المرة القادمة .
وكان هذا صحيحاً ، ففى المرة التالية ، كان المطلوب منه معرفة عدد السفن التجارية والحربية ، فى ميناء الإسكندرية ، وجنسايتها ..
ولقد عاد الشاب بالمعلومة ، وأبدى سعادة أكبر بالمكافأة الجديدة ، التى أنفق نصفها على محبوبته الفاتنة ( روز) ، قبل أن يعود إلى القاهرة ، مع أوامر بالسعى لمعرفة عدد مدافع الميدان ، حول الميناء التجارى فى الأسكندرية ..
وعاد البحار الشاب بالمعلومات الجديدة ، واستقبلته (روز) فى أجمل وأحلى ثيابها ، ومنحته أعذب أبتسامتها ، إلا أنه بدا صارماً حاداً ، وهو يقول :
- المعومات التى يطلبها (فرانسوا) أصبحت مرهقة ، وانا أضطر لإنفاق الكثير من اجل الحصول عليها .
تطلعت إليه بابتسامة خبيثة ، قبل أن تقول:
- هل تريد زيادة المكافأة ؟!
هتف فى حدة:
- أظن أن هذا حقى .
أطلقت ضحكة عابثة طويلة ، قبل أن تهمس فى أذنه وعطرها الفواح يلهب مشاعره :
- إنه حقك ، ولكنك تعرف اليهود ... لن يمنحوك هذه الزيادة بسهولة .
كانت أول مرة تصارحه فيها بحقيقة من يعمل لحسابهم ، لذا فقد حدق فيها بضع لحظات مبهوتاً ، قبل أن يهز رأسه ، قائلاً :
- يهود او حتى بوذيين .. المهم ان يدفعوا جيداً .
ولقد راق هذا كثيراً للوسيم ، الذى أعلن فى وضوح اسمه الحقيقى هو (إفرايم) ، وأن رؤسائه مستعدون لمضاعفة المكافأة ، لو أنه أحضر المزيد من المعلومات العسكرية والبحرية ، والتجارية أيضاً ..
وبعد مساومة طويلة ، وافق الشاب على القيام بالمهمة الجديدة ..
وفى الزيارة التالية ، أحضر كومة لا بأس بها من المعلومات عن القطع التابعة للسلاح البحرى المصرى التى تحمى ميناء (الأسكندرية) ..
وكانت المكافأة سخية بحق ، حتى إن الشاب دعا (إفرايم) و(روز) إلى العشاء ، فى احد أكبر مطاعم مرسيليا ..
وفى أثنا العشاء ، فجر الشاب مفاجأة مزهلة ، وهو يقول :
- الفرنسيون أحضروا بعض الصناديق العسكرية إلى سفينتنا سراً مساء أمس .
جن جنون (إفرايم) ، وراح يبذل جهدا خارقاً ، لمعرفة ما تحتويه تلك الصناديق العسكرية ، إلا أن الشاب أكد انه لا يفقه شيئاً عن الرسوم التى عليها ، وانه لا يجيد الرسم لينقلها إليهم ، و .. ، و ...
ولأن الأمر بالغ الأهمية والخطورة ، تشبت (إفرايم ) بذراع الشاب ، وهو يقول :
- أسمع .. لا بد ان أرى تلك الصناديق ، قبل أن تقلع سفينتك ، وبأى ثمن .. هل تفهم ؟! بأى ثمن .
نفض الشاب يده ، وهو يقول فى حدة :
- مستحيل ! لن يسمحوا بصعود غريب إلى سطح السفينة أبداً .. مستحيل !
بدا (إفرايم) شديد العصبية ، وهو يتحدث مع (روز) بالعبرية ، والشاب يتطلع إليهما فى بلاهة ، شأن من لا يفقه حرفاً واحداً مما يقولانه ، قبل أن تومئ (روز) برأسها ، ثم تلتفت إلى الشاب ، قائلة فى هدوء :
ألم تدعنى يوماً للقائك فى قمرتك ، على سطح السفينة .
لوح الشاب بيده قائلاً :
هذا الأمر يختلف .. انهم يعتبرونها نزوة عاطفية ، و ..
قاطعته بأبتسامة كبيرة :
- فليكن .. سألقاك الليلة ، على سطح سفينتك .
هتف بمنتهى اللهفة :
- حقاً؟!
واتسعت ابتسامة (إفرايم) فى ارتياح ..
ومع دقات الساعة ، معلنة منتصف الليل ، وقف (إفرايم) يفرك كفيه فى توتر ، وهو يراقب (روز) ، التى صعدت إلى سطح السفينة ، واستقبلها البحار الشاب بأبتسامة أخيرة وهو يقول :
- أخيراً يا زهرة مارسيليا .
ابتسمت فى ثقة ، قائلة :
- نعم ، اخيراً .
أمسك يدها فى قوة أدهشتها ، وهو يقودها إلى قمرات البحارة ، فسألته فى لهفة ، لم تستطع إخفائها :
- أين الصناديق الفرنسية العسكرية ؟!
ابتسم فى خبث قائلاً :
- أيه صناديق ؟!
خُيل إليها أنها تراه لأول مرة ، بقامته الطويلة ، وصدره العريض ، وهو يتطلع إليها فى ظفر عجيب ، جعلها تقول فى حدة :
- من انت بالضبط ؟!
أغلق الباب العازل للصوت ، وهو يقول بلهجة قوية حازمة ، لم تعهدها منه قط :
- من تتوقعين أن أكون ؟!
نطقها بالعبرية ، وبطلاقة مدهشة ، جعلت جسدها كله ينتفض فى عنف ، وهى تحدق فيه بكل ذعر الدنيا ، فأمسك ذراعيها فى قوة ، وتطلع إلى عينيها مباشرة ، بنظرة جمدت الدم فى عروقها ، وهو يتابع :
- صديقك ( إفرايم) ، الذى يراقب المكان فى الخارج سيشاهد بعد قليل ، على الضوء الخافت ، اثنين يشبهاننا يغادران السفينة ، ويستقلان سيارة ، ستقلهما إلى خارج الميناء ، ومن المؤكد انه يسحاول تعقبهما ، ولكنه لن يعثر عليهما أبداً.
حاولت تتخلص من قبضتيه القويتين عبثاً ، مع استطرادته :
- لقد أوقعت الكثيرين فى فخك ، يا زهرة مارسيليا المسمومة ، حتى وجدنا انه لابد من إزاحتك عن الطريق لإنقاذ شباب بحارتنا من مخالبك الوردية ..
ومال نحوها ، حتى خُيل إليها أنها ستذوب فى عينيه الصارمتين المسيطرتين ، وهو يقول :
- ستصاحبيننا هذه المرة إلى القاهرة .
مع اخر حروف كلماته ، سمعت صفارة السفينة ، التى تشير إلى اقلاعها ، فانتفض جسدها بكل رعب الدنيا ، وهى تسأله مكررة :
- من أنت ؟!
وفى هذه المرة أجابها فى صرامة :
- المخابرات العامة المصرية .
وانهارت (روز) تماماً
وفى الوقت الذى كاد فيه (إفرايم ) يجن ، وهو يقلب مارسيليا رأساً على عقب ، بحثاً عن (روز) ، كانت السفينه ترسو بهذه الأخيرة ، فى ميناء الإسكندرية ، حيث تنتظرها واحدة من سيارات المخابرات المصرية أتت أخيراً لتضع نهاية لهذه العملية ..
عملية زهرة مرسيليا
|
| | | The Egyptian Colonel عريـــف
عدد المساهمات : 39 نقاط : 79 سمعة العضو : 0 التسجيل : 26/10/2012 المهنة : Civil Engineer
| موضوع: للتثبيت : مجموعه كاملة من أهم عمليات المخابرات العامه المصرية الأحد أكتوبر 28, 2012 4:06 pm | |
| العملية الثانية : الجاسوس المنتحر ( رجب عبد المعطى ) المصرى الخائن
في الأول من أكتوبر 1937 .. امتلأ منزل الحاج عبد المعطي بلفيف من الأهل والأصدقاءجاءوا يباركون مقدم مولوده الأول "رجب"، ولأن الحاج عبد المعطي تاجر مشهورفي حي القباري بالاسكندرية فقد انهالت عليه الهدايا من حيث لا يدري فالمولود جاء بعد انتظار طويل مليء بالقلق والصبر والترقب،وتجارب لا حصرلها مع الأطباء والأدوية. وفي شهر رجب – جاء رجب.
وبعد عدة أشهر حمل الرجل وزوجته أمتعتهما وحطا الرحال بأطهر أرض ورفعا أيديهما عند الكعبة يطلبان من الخالق جل شأنه أن يبارك لهما في رجب ويشكرانه على "عطيته". وشب الوحيد نبتاً طرياً يأكل بملعقة من ذهب كمايقولون. . فقد وفر له أبوه كل أسباب الرغد، وجعل منه شاباً خنوعاً مدلل اًكان مدعاة لأن يخفق إخفاقاً ذريعاًفي الحصول على الثانوية العامة .. وبعد عدة محاولات أثمرت جميعها عن خيبة أمل للأبا غتر الابن وأوهم نفسه بأن لهم ن العقل ما لم يملكه غيره. . ويستطيع – بدون شهادات – أن يصبح رجل أعمال مشهوراً ينافس عمالقة السوق والميناء . . ووسوس له الشيطان أنه فقط بحاجةالى فرصة يثبت من خلالها أنه عبقري زمانه الملهم.
حاول الحاج عبدالمعطي إفاقة ابنه من سكرة الغرور وإعادته الى طريق الصواب ففشل. إذ سيطرت على رجب عبقرية كاذبة نشأت من فراغ العقل والثقافة. وصاريحلم ليل نهار بشركة رجب للخدمات البحرية.
ولما امتنع والده عن إمداده بالمال اللازم حتى يتحصن بالخبرة ..اضطر يوافق رجب على العمل في وظيفة كاتب حسابات بميناء الاسكندرية . . إرضاءلوالده. واستغرق في عمله الجديد حتى توسعت مداركه واستوعب الكثير من الخبرةبعدالاحتكاك الفعلي في الحياة.
وبعد ثلاث سنوات من العمل في الميناء .. لم ينس حلمه الكبير ففاتح أباه . . وهذه المرة كان عنده إصرار عنيد على ألا يرجع. فلماعارضه والده بشدةغادر المنزل غاضباً.. وتحت ضغوط الأهل والأصدقاء.. رضخ الأب أخيراً أمام رغبة ابنه وأمده بعدة آلاف من الجنيهات وهو على ثقة من فشله وخسارته. وغمره للمرة المليون إحساس بندم شديد لأنه دلل ابنه وفتح له منذ الصغرخزينة أموالهب سحب منها كيفما يشاء. .وتمنى بينه وبين نفسه لو أن الزمن عاد به الى الوراء فيقوم على تربيته بالشكل الصحيح .. وينشئه فتى معتمداًعلى ذاته فيشب رجلاً يعرف قيمةالعلم والقرش .. ويدرك جيداً أن للحياة ألف وجه ووجهاً.. ولكن . .فات الأوان وحسم الأمر . . !! من ناحية أخرى كان رجب يدرك ما يدور بعقل والده، وأراد أن يؤكدله كذب ظنه واعتقاده.. فتوسع في أعماله دون خبرة كافية بمنحنيات السوق وتقلباته. وكانت النتيجة المؤكدة خسارة جسيمة مُني بها وفشلاً ما بعده فشل .. وديون اًتزاحمت بأرقامها دفاتره.
وجاءت نكسة يونيو 1967 وتعم حالة كساد ازدادت معها الأمورسوءاً، وحاول رجب باستماتة أن يقاوم التيار القوي فخارت قواه وغرق في ديونه. . وقام بتصفية الشركة وحزم حقائبه ووجد نفسه على ظهر مركب يشق مياه البحر الى ميناء "بيريه" في اليونان.
نزل ببنسيون "بروتاجوراس" وحاول جاهداً أن يعثر على عمل لكنه باء بالإخفاق .. فلجأ الى بحار يوناني يدعى "زاكوس" ربطتهما معاً إحدىسهرات الاسكندرية.. وكذب عليه مدعياً أنه ينجز إحدى صفقاته التجارية واستولى منه على خمسمائة دراخمة وهرب الى "أثينا" العاصمة حيث ضاقت به المدينةالساحليةالساحرة. ووجد في أثينا أن الحياة بها أكثر ضجيجاً وحركة.
وفي بنسيون "زفيروس" جلس يفكر فيما وصل اليه من حال سيئة: لقد مر به شهر تقريباً ولم يعثر على عمل بعد. إنه الآن عاطل ينفق ليعيش. . وعما قريبستنفذ دراخماته فماذا سيعمل؟ هل ضاقت به الحياة أيضاً في أثينا؟
مئات من المصريين جاءوا الى اليونان يعملون في أي شيء وكل شيء.. لكنه يبحث عن عمل من نوع آخر يتناسيب وعبقريته. وكثيراً ما حدث نفسه قائلاً "لا أحد يفهمني في هذا العالم". . لقد صور له خياله أنه مضطهد .. ومعظم عباقرةالعالم اضطهدوا أيضاً قبله وها هو يواجه قوى الاضطهاد التي تطارده أينما حلوعليه بالصبر حتى يكتب له النجاح.
وبينما هو يتجول في شارع "سوفوكليس" التقى بشاب مصري من برديس جنوب يسوهاج يعمل في مصنع للعصائر .. عرض عليه أن يعمل معه في قسم التغليف لكنه أبى بشدة أن يعمل بوظيفة تافهة كهذه.. واستعرض له سيرةحياته السابقة في مصر. . فما كان من الشاب الصعيدي الى أن نصحه بالعودة الى الاسكندرية لكيلا يقع فريسة سهلة في قبضة المخابرات الاسرائيلية. . التي تتصيدالشباب المصري العاطل في اليونان وتغريه بالعمل معها مقابل مبالغ كبيرة. وسخر رجب في داخله من نصيحة الشاب له بالعودة. . فقد كان والده يعاني الأمرين من حجم الديون التي خلفها له ومن مطاردة الدائنين في المتجر كل يوم. ×××××××××××××××××××××××
تزاحمت الأفكارفي رأسه وغمرته إحساسات اليأس من صلاح أمره في أثينا .. والخوف من العودة يجر أذيالالخيبة والفشل .. وداهمه شعور بالضآلة وقال لنفسه "لن أيأس .. لن أستسلم أبداً مهماحدث".
أيقظته دقات الباب من أفكاره. وكان الطارق موظف حسابات البنسيون. فطلب منه إمهاله عدة أيام .. وما كانت جيوبه تحوي سوى دراخمات قليلة لا تكفي لأسبوع واحد إلا بالكاد.
هرب منه النوم واختنق صدره واهتزت أمامه الرؤى وعندما تذكرمقولة الشاب الصعيدي "المخابرات الإسرائيلية تدفع الكثير" قال لنفسه "لن أخسر أكثرمماخسرت" وأمسك بالقلم ليكتب:
السيد المبجل / سفير دولة إسرائيل في أثينا
أنا موظف مصري أقيم في بنسيون زفيروس. ضاقت بي الدنيا وظلمتني في الاسكندرية وفي أثينا. قال لي البعض إنكم تمدون يد المساعدة لكل من يلجأ إليكم وأنتم الملجأ الأخير لي. فأرجو أن أنال عطفكم واهتمامكم.
رجب عبد المعطي أثينا 27/12/1967
ولم تكد تمر ثلاثة أيام – حتى فوجئ بمندوب من السفارةالإسرائيلية ينتظره في صالة الاستقبال .. فاصطحبه الى السفارة وهناك قابلوه بود وقالوا له: وصلتنا رسالتك ولم نفهم منها ماذا تريد بالضبط؟
أجاب بصوتي غلفه الرجاء: أريد أن أعمل في أثينا.
سلمهم جواز سفره وتركوه ثلاث ساعات بمفرده .. ثم جاءوا له باستمارة من عدةصفحات . . تحمل اسم السفارة وشعاردولة إسرائيل .. وطلبوا منه أن يملأهاويكتب سيرة حياته وأسماء أصدقائه وأقاربهووظائفهم.
وبعدما تبين لهم أنه أمضى ثلاث سنوات في العمل داخل ميناءالاسكندرية. . طلبوا منه أن يكتب تقريراً مفصلاً عن الميناء وأهميته الاقتصاديةوالعسكرية ففعل. واستعرض ما لديه من مظاهر "العبقرية" الفذة في شرح كل شيءعنالميناء بتفصيل مطول. . فأذهلتهم المعلومات التي كتبها عن الميناء . . وأدرك ضابطالموساد الذي شرع في استجوابه بأنه وقع على كنز ثمين عليه أنيعمل على استثمارهو"حلْب" ما لديه من معلومات.
وفي الحال سددوا حسابات البنسيون كافة ونقلوهالى فندق "أورفيوس". . وهوابن ربة الفن الإغريقية .. وأعطوه مائتي دولار أمريكيوتركوه عدة أيام يمرنهاره وهو يغط في سبات عميق . . وفي الليل يتذوق طعم السهر في حانات وكباريهات أثينا المتحررة . . ويصاحب أجمل فتياتها وداعراتها في شارع "ارستيديس" الشهير. وعندما نفدت نقوده تماماً ود لو عاد إليه مندوب السفارةالإسرائيلية ببعض المال ليكمل مسيرة اللهو والسكر.
وحدث ما توقعه وجاءه المندوب بمائتي دولار أخرى. . فاستغرق في مجونه وتمنى لو استطاع أن يفعل أي شيء في سبيل أن يحيا حياة مرفهة في أثينا. أغرقته المخابرات الاسرائيلية بالمال حتى اطمأن الى رجالها.. وكلما نفدت نقوده ذهب بنفسه لمقابلة أبو ابراهيم في السفارةالاسرائيلية يعرض عليه خدمات مقابل الدولارات التي يأخذها. فيؤجل ضابط الموسادالحديث في هذا الأمرلوقت آخر . . وينصرف رجب بالنقود فيرتع بين الحسان عاريات الظهر والنهود هو بينهن يختال اختيالاً. إن المال والنساء أهم أسلحة أجهزةالمخابرات. بل هما الأساس الذي تبني عليه عملية صنع جاسوس أو اصطياد عميل. وأجهزةالمخابرات ليست بالسذاجةا لتي تجعلها تنفق الملايين لاصطياد ضعاف النفوس والخونةا لذين يسهل شراؤهم بالمال والفساد. . ولذلك أقامت فروعاً لها ومكاتب في الخارج تحمل أسماء شركات وهمية لا نشاط حقيقي لها سوى البحث عن الخونة. ويعمل بهذه الفروع ضباط مخابرات على أعلى مستوى من الخبرة والكفاءة. . وتخول لهم سلطات واسعة .. وتحت أيديهم مئات الآلاف من الدولارات. . وطابور طويل من السكرتارية والمساعدين الأكفاء . . بخلاف أجمل الفتيات اللاتي اخترن الطريق الصع بوخطون خطوات طويلة من الخبرةوالحنكة. فهن يعرفن عملهن جيداً ويبدعن فيه وطريقهن الى الإبداع يبدأ وينتهي بالجسد. إنه السلاح السحري الذي يقتل مقاومة الهدف. . ويحرك فيه غريزته المجنونةالتي تحيله الى إنسان بلا عقل أو إرادة.
والمخابرات الإسرائيلية – الموساد – تفوقت كثيراً في هذه الأمور. . وأصبحت أكثر أجهزة المخابرات خبرة في استخدام لغة الجسد. . تلك اللغة التي يفهمها الجميع ولا تحتاج الى مترجم أو قواميس تفسر مفرداتها.. ولكن الذي لا يعرفه أحد. . أن الخونة الذين يسقطون في براثن الموساد .. يتحولون في لحظة ما الى مجرد بهائم تدور في الساقية . . تطاردهم سياط الأوامروالطلبات التي لا تنتهي أبداً.. وأنها تقدر ما تدفع تريد المقابل أضعاف مادفعته. وعندما يجف معين عميلها تنبذه كالكلب الأجرب وتلقي به في زوايا الذل والنسيان. . وتعامله كخائن باع وطنه وأهله ولا قيمة لإنسان فقدانتماءه، وسلك كل المسالك نحو المال واللذة ××××××××××××××××××
لم يدرك رجب عبد المعطي هذه الحقائق بل اندفع بكل ثقله باتجاه المخابرات الاسرائيلية . . وصادقا لكثير من ضباطها في أثينا ظناً منه أنهم سينقذونه من شبح الإفلاس الذي تعلق بتلابيبه ولا يود مفارقته. ورحب كثيراً بضابط الموساد – ابوابراهيم – الذي فوجئ به يزوره في حجرته بالفندق الفخم . . ويحدثه طويلاًعن أزمة الشرق الأوسط والوضع المتفجر في المنطقة بسبب الحروب مع العرب . . وحقهم في أن يعيشوا فوق أرض الميعاد في سلام وأمان . . وأنهم ليسوا شعباً يحب سفك الدماء بل أمة مشردة ضعيفة تسعى الى العيش في هدوء بلا حروب أوصراعات.
واستعرض ابو ابراهيم في سرد اساطيروأحاجي اللص الذي يبرر مشروعية سرقاته ثم سأل رجب فجأة: هل ترحب بالعمل معنا لصالح السلام؟
والابتسامة تملأ وجهه .. بالطبع . . ولكن .. أي عمل بالتحديد؟
أخرج ضابط الموساد الخبير أربع ورقات ذات المائة دولار ودسها فييد رجب وهو يقول: - أنت كثير الأسئلة . . هل تعتقد أننا نريدك سفيراً لنا في مصر؟
- إذن .. ما هو المطلوب مني؟
- ألا تسأل كثيراً لكي لا أغضب منك .. عليك فقط أن تعرف أننا أصدقاء .. وأن لكل حديث أوان. هز رجب رأسه علامة على الرضوخ والطاعة ولحقه ابو ابراهيم بسؤال ذا مغزى: - هل لك صديقة في أثينا؟
أجابه على استحياء: - هجرتني فتاة تدعى انكسيميندرا لأنني لا أعرف اللغة اليونانية وقدضاقت بإنجيلزيتي الركيكة.
- أوه . . أتقصد تلك الفتاة التي يملأ النمش وجهها؟دعك منها وسوف أعرفك بفتاة رائعة تتحدث بالعربية وستكون معك ليل نهار فيأثينا.
تهلل وجهه وارتفع حاجباه دهشة وقال: أين هي؟ أريدها حالاً. .
- ستكون الى جوارك في الطائرة أثناء رجوعك من تل أبيب.
بهت رجب ووقف فجأة كالملسوع وقال بصوت متلعثم: تل أبيب؟
- نعم . . !!
بسرع ةقالها ضابط الموساد بلغة الواثق، وأضاف كأنه يأمره بتنفيذ قراره الذي لا رجعة فيه: ستسافر إسرائيل بعد عدة أيام .. وفي الغد عليك أن تحضر اجتماعاً مهماً في السفارة لمناقشة خطوات تنفيذ هذا الأمر فهل عندك اعتراض؟
هربت الكلمات وغاصت في قرار عميق . . وأجاب رجب الذي بدا كالأبله لا يضبط خلجاته: لا . . لا . . أنا لا أعترض . . إنها مفاجأة لي.
- عندما كتبنا تقريراً عنك وأرسلناه الى إسرائيل. . طلبوا منا أن نأخذك في رحلة سريعة الى هناك ليتعرفوا عليك أولاً. وثانياً هناك مفاجأة سارةتنتظرك. وثالثاً: لتختار صديقتك بنفسك من بين أجمل فتياتنا وتصحبها معك الى أثينا.
سكت رجب ولاحقه أبو ابراهيم: المخابرات الاسرائيلية إذا أعطت فهي سخية بلا حدود. وإذا غضبت ومنعت فطوفان من الهلاك قادم. وثق يا رجب أننا ودودون معك الى أقصى درجة .. أعطيناك أكثر من ألف وخمسمائة دولارحتى الآن ولم نطلب منك أدنى شيء. ألايدل هذا على كرم منا أيها المكار؟
وربت كتف رجب الغارق في ذهوله وهو يقول في لغة ظاهرها الثقة وباطنها التهديد والبطش: عليك ألا تضيع هذه الفرصة .. انتهزها. . واركب قارب النجاة تنج نفسك من الطوفان والهلاك.
وعندما قام ضابط الموساد منصرفاً لم يستغرق رجب في التفكير كثيراً. لقد ثبتت لديه النية واتخذ قراره. .ولم يذهب الى سريره لينام بل خرج ينزفدولاراتالموساد على الخمر وجسد داعرة صحبها الى شقتها وهو يمني نفسهبالجارية الاسرائيليةالتي ستكون تحت إمرته. وفي الصباح الباكر كان يقف أمام باب سفارة إسرائيل تعلوه سحابة انكسار وبعينيه بريق خنوع ديّوث باع لحمه لمزايد !!
استغرق الاجتماعبه نحو الساعة .. كانوا أربعة من ضباط الموساد في أثيناوخامساً جاء من فيينا كان يبدو أنه أكبرهم دراية بالتعامل مع الخونة وتطويع الجواسيس. طلب من رجب أن يرسم له خريطة الميناء في الاسكندرية وأين يقع مكتبه بالضبط؟!! وفوجئ رجب بماكيت مصغرللميناء دخل به موظفان ووضعاه على منضدة تتوسط الحجرة ..
أخذ رجب يشرح بتفصيل أكثر معلوماته عن الميناء. بل ويحدد أماكن مخازنالتشوين التجارية . . ورصيف الميناء الذي يستقبل السفن الحربية السوفيتية. . وسفن الشحن التي تجيء بالأسلحة المختلفة من ميناء أوديس السوفييتي على البحر الأسود . . ومخازن تشوين السلاح المؤقتة .. وبوابات التفتيش والمداخل والمخارج.
وهكذا استمر يشرح لهم أسرارالميناء الحيوي، ولم يتركوا أدق التفاصيل إلاوسألوه عنها ثم طلبوا منه الانصراف والعودة صباح اليوم التالي ومعه أربع صور فوتوغرافية وجواز سفره. وبعد أن سلمهم الصور تسلم منهم وثيقة سفرإسرائيلية ذكر بها أنه إسرائيلي من تل أبيب واسمه "دافيدماشول". . تسلم كذلك تذكرة سفر بالدرجة السياحية – أثينا تل أبيب على شركة العال الإسرائيلية – وأوصله مندوب من السفارة الى المطار وتأكد من صعوده الى الطائرةا لمتجهة الى إسرائيل.
وعندما جلس رجب في مقعده بالطائرة كان جسده يرتجف بشدة .. وتشوشت أفكاره للدرجة التي أصبح فيها كالمخمور الذي فقد تركيزه واتزانه . . وسرعان مااستعاد ثقته بنفسه وهو يرسم في خياله أحلام الثراء الذي ينتظره . . ووجه الفتاة المليحة التي سيختارها في إسرائيل . . وخطرت بباله فجأة فتاة من بورسعيداسمها مايسة كانت قد هاجرت مع أهلها الى المنصورة وتعرف عليها في إحدى الحفلات العائلية وأحبها بسرعة إيقاع عجيبة وافترقا أيضاً بلا وداع. لماذا خطرت بباله في تلك اللحظة بالذات؟ ضحك بصوت مسموع فرمقته سيدة تجلس بالقرب منه بنظرة تعجب وابتسمت .. وأغمض عينيه ثم نام.. واستيقظ والطائرةتحوم فوق مطار بن جوريون تنتظر الإذن بالهبوط ×××××××××××××××××××
وعلى سلم الطائرة صافحه ثلاثة رجال .. ثم أدخلوه سيارة مسدلة الستائر كانت تنتظر أسفل جناح الطائرة .. سلكت به اتجاهاً آخر بعيداً عن بوابة خروج الركاب والجوازات . . ووجد نفسه في شوارع تل أبيب لا يصدق عينيه. .
وفي بيت يشبه الثكنة العسكرية على أطراف تل أبيب أدخلوه إحدى الشقق المخصصة لأمثاله من الخونة .. حيث كانت تنتظرهم بها فتاة رشيقة صافحته بحرارة .. ورحبت به بالعربية فسره ذلك كثيراً وقالوا له إن "زهرة" ستظل على خدمته طوال إقامته في الشقة.
وتركوه ليستريح بضع ساعات وعادوا إليه ثانية فصحبهم لمبنى المخابرات الاسرائيلية في شارع الملك شاؤل بوسط المدينة .. وكان في استقباله عدد كبير من كبار رجال الموساد. ولعدة ساعات أخضع لتحقيق واستجواب تفصيلي لكل ما كتبه عن ميناء الاسكندرية.
كان الاجتماع مغلقاً على الضباط المختصين والمحللين الذين أدركوا ميوله للنزعة العسكرية .. وكان ذلك واضحاً جداً من خلال إجاباته الحاسمة .. التي تشبه إجابة عسكرية مدعومة بلغة عسكرية بحتة .. وتغلفها تفاصيل استراتيجية دقيقة لا ينتبه اليها الرجل المدني الذي لم يجند بالقوات المسلحة.
وفي ختام الاجتماع أعد له حفل استقبال كبير في إحدى القاعات بالمبنى .. حضره عدد أكبر من ضباط الموساد ورؤساء الأقسام . . وتم منح رجب عبد المعطي رتبة "رائد" في المخابرات الاسرائيلية، ولم يضيعوا وقتهم كثيراً في مظاهر الترحيب.. إذ أعدوه لدورة مكثفة بدأها أحد الضباط بمحاضرة طويلة عن "ذراع إسرائيل الطويلة" .. وأنها تجعل العدو يرتجف رعباً، وتمنح الإسرائيليين القدرة على النوم في هدوء. وأن الموساد نجحت في حل الكثير من مشاكل الدولة اليهودية وهي على استعداد للقيام بمهام أخرى.
. . وإن عمليات الموساد ليست على درجة أقل أهمية .. بل هي أساس شهرتها.
وجاء ضابط آخر كانت مهمته تدريبية فنية تتعلق باستخدام الشفرة والاستقبال بواسطة موجات خاصة بالراديو. . وبعد أيام أجاد رجب استقبال الرسائل المشفرة وترجمتها بسرعة وكان عليه اجتياز دورة أخرى مهمة .. وجاءته هذه المرة ضابطة شابة تتحدث العربية بطلاقة شرعت في تدريبه على كيفية استخدام الحبر السري في الكتابة وقراءة الرسائل المرسلة إليه بالحبر السري أيضاً. . وكذلك استعمال شفرة خاصة للمراسلة لا يكتشفها أحد.
استمرت برامج الدورة التدريبية المكثفة خمسة عشر يوماً كانت عصيبة ومرهقة. وبعد أن اجتاز الاختبارات بنجاح مذهل . . رافقته زهرة الى منتجع خاص آمن يقع على بحيرة طبرية. . وهناك أذاقته من لدائن أنوثتها ما حار فيه العقل وأذهل الشعور. قالتها له صراحة إنها هدية له لاجتيازه الاختبارات وتعاونه مع المخابرات الاسرائيلية بإخلاص. . بل وأكدت له أنها عبدة له يفعل بها ما يشاء . . وعندما صارحها بأنه يستريح إليها ويود لو صاحبته الى أثينا وعدته بأن تعرض طلبه على رؤسائها..
وفي تل أبيب أخبره الضابط المسؤول بأنه سيعود الى الاسكندرية مرة أخرى ليعادو نشاطه السابق في شركة رجب للخدمات البحرية. وأنهم سوف يمدونه بالأموال اللازمة لإحياء شركته وتجديدها. . ولكي يتم تنفيذ ذلك عليه أن يمكث عدة أشهر في أثيناء .. ويشيع بين المصريين العائدين الى مصر بأنه اسس أنشطة تجارية رابحة جداً في أثينا .. ويجب عليه أن يتأكد من وصول هذه الأقاويل الى مصر والى أهله بالذات.
لقد تمكنوا خلال تلك المدة من تدريبه على كيفية إعداد التقارير وتلخيص الجمل واختصار عدد الكلمات. هذه الدورة المكثفة زرعت بداخله إيماناً حقيقياً واهماً بأنه صاحب رسالة مهمة أوكلت اليه. وبرغم أنهم بثوا لديه الثقة في مناعة المخابرات الاسرائيلية ضد كشف عملائها في الدول العربية .. واستماتها في استردادهم حال القبض عليهم ، إلا أنه أحس بالتعاطف معهم بعد عدة محاضرات عن تاريخ اليهود . . واضطهادهم على مر الأحقاب والعصور . . ومحاولات إبادتهم التي أسفرت عن تشريدهم ومقتل الملايين منهم . . وكانت آخر المحاولات تلك التي قام بها أدولف هتلر الذي أقام معسكرات لتجميع اليهود. . ثم حرقهم في محارق خاصة لاستئصال كل يهود أوروبا.. وهكذا حشوه بأكاذيبهم المضللة لكسب عطفه.
وعندما عاد رجب الى أثينا برفقته زهرة .. كان بداخله إصرار غريب على التعاون مع الموساد لحماية إسرائيل وأمن إسرائيل . . من التهديد العربي الدائم والذي يدعو إليه جمال عبد الناصر . . وإصراره على إلقاء اليهود في البحر ليتخلص منهم .. وترسب بداخله اعتقاد بأن عبد الناصر ما هو إلا هتلر جديد جاء ليبيد اليهود الذين يدافعون عن أمنهم . . وحقهم في أن يعيشوا في سلام.
غادر رجب مطار بن جوريون في تل أبيب في طريقه الى أثينا ترافقه "زهرة" .. جميلة الجميلات والعبدة التي تحدثه بلغته وبلغة الجسد الناطقة.
لم تكن مهمتها إفراغ ثورات رجولته المشتعلة دائماً بقدر ما كانت رقيبة على سلوكه وتصرفاته.. وتمتحن إخلاصه للمخابرات الاسرائيلية بين آن وآخر. وكلما حاولت تصيد أخطائه وجدته أكثر منها إخلاصاً لليهودية .. وإيماناً بحق الإسرائيليين في القدس وسائر أرض فلسطين.
إنها تواجدت بجواره لتدفعه بقوة الى عشقها والذوبان فيها. فكلما ازداد عشقاً لها. . أخلص لإسرائيل .. وتفانى في خدمتها.
استأجرت له المخابرات الاسرائيلية إحدى الشقق الصغيرة في حي دميتير الهادئ. . وهيأت له من أسباب العيش والرخاء والإمتاع الكثير .. لتجعله لصيقاً بهم يدور في فلكهم لا يستطيع فكاكاً. وعلموه كيف يتعامل مع المصريين الوافدين الى اليونان للسياحة أو للبحث عن عمل. فالذين جاءوا للسياحة خصص لهم بعض الوقت وصحبهم للمزارات السياحية والأسواق والمتاحف. . وأفاض في خدماته اليهم وحملهم الهدايا الى أهله بالإسكندرية تأكيداً على تيسر أحواله وظروفه المالية في الخارج. وبدون توصية كانت صور حياته المختلفة تنقل الى والده من خلال المصريين العائدين الى مصر.
صور وجوانب مشرقة رسمتها المخابرات الاسرائيلية بإحكام شديد.. وأضفت عليها هالة من النجاحات أثلجت صدر أبيه بعدما فقد الأمل في إبنه . . وأرسل رجب خطاباته واضعاً في إسهاب عمله في إحدى الشركات الكبرى .. التي استوعبت مواهبه واكتشفت فيه عبقرية فذة دفعت بها الى الأمام بعد تعثر طويل .. فارتقى في وظيفته واحتل مكانة مهمة في بلاد الإغريق. وأكد ذلك للأب كل من حملوا إليه هدايا ابنه الرقيقة له ولوالدته ولأصحابه. وضمت خطاباته صوراً فوتوغرافية مختلفة في مكتبه وفي مسكنه.. وفي إحدى رحلاته "الى جزر بحر إيجه حيث الشاطئ يموج بالحسناوات يرتدين البكيني. . ويطاردن شبح الملل بالرقص واللهو.
لكل هذه المظاهر المزيفة .. صدق الأهل بالإسكندرية ما تبوأه رجب من نجاح .. فأرسل إليه والده يرجوه أن يعود الى وطنه مرة ثانية ليعاود نشاطه من جديد .. وليؤكد نجاحاته على أرض وطنه بعدما صقلت شخصيته. . ودرج على القيام بمهام صعبة أوصلته الى القمة. . فاستمهله رجب بعض الوقت، وانشغل بالعسي مع المصريين القادمين بحثاً عن عمل في أثينا فكان يصحبهم – بترتيب دقيق من الموساد – الى الشركات البحرية في بيريه . . والى شركات تجارية أخرى في أثينا. . على أمل أن يسقط من بينهم شاب آخر في براثن المخابرات الاسرائيلية.
لأجل ذلك اختلط العميل الخائن بالمصريين المقيمين باليونان ووطد علاقاته بهم. . وتعددت خدماته ومواقفه تجاه كل من يلجأ اليه فأحبه الشباب المصري هناك .. ووجدوا فيه صورة المصري الشهم النبيل . . في حين أنه كان يدير حوارات سياسية معهم .. ويسجل تقارير مطولة تحمل بين سطورها خسة نياته القذرة في خدمة جهاز مخابرات العدو .. فبدا كما لو كان قد اندرج لسنوات طويلة في صفوف أكاديمية الجواسيس في إسرائيل.. وأعيد مرانه وتدريبه في أثينا على استخدام الحس الأمني والملاحظة والتمويه والخداع. وهذه كلها أمور أسهب في شرحها "فيكتور أوستروفسكي" في كتابه: "الموساد" حيث بين لنا كيفية صنع جاسوس محترف في إسرائيل بواسطة أمهر الخبراء . . وأحدث دراسات علوم المخابرات والجاسوسية في العالم.
فقبل أن يخرج الجاسوس من مخبئه ل****س وظيفته يخضع لبرنامج مكثف لا بد له أن يجتازه بنجاح وهو عن "خداع المراقبة". . ويدرك جيداً إذا ما كان قد "ألقى بظلاله" أم لا. . ومن النافذة يستطيع أن يرى الشخص الذي يقتفي أثره .. وكيف تابعه؟ وعندما يلتقي الجاسوس الظل وخاصة عند الخروج من فندق – مكتب – متجر. سيجري بسرعة لمدة خمس دقائق . . ويسير بعدها في خط متعرج الى أحد المباني ويبحث عن نقطة مراقبة ليراقب . وهذه الطريقة ستعطي الجاسوس الفرصة ليعرف أسلوب المراقبة .. وعليه حينئذ أن يمتنع عن إثارة أية شبهات أو إتمام عمل .. ويركب وسيلة مواصلات الى مكان آخر بالمدينة خلاف الذي كان يقصده.
هكذا تدرب الجواسيس وأيقنوا أن هذا التصرف يتعلق بتكتيك السلامة الذي يجب أن يتبعه كل جاسوس. خاصة إذا كانت ظروف عمله معرضة لبعض الشكوك.
واتبعت الموساد أيضاً مع رجب ذات النظرية التي شرحها "ديفيد تلبيني" في كتابه: "فرق الرصد" عن كيفية الإثارة التي تتولد لدى الجواسيس والعملاء الصغار من ذوي "الميول المظهرية". . وقد كان الخائن رجب يعشق اللكنة العسكرية في الحديث .. والمرافعات العسكرية في الوصف ولو لم يلتحق بالقوات المسلحة . . وعندما لاحظ خبراء الموساد هذا الاتجاه منحوه رتبة رائد في الجيش الاسرائيلي إشباعاً لغروره ×××××××××××××××××××××لم تكن زهرة فتاة فراش للجواسيس الجدد بل إنها عميلة مدربة أخضعت فكرياً ومعنوياً وجسدياً لخدمة الموساد. عميلة تؤدي عملاً مهماً وأساسياً لصالح إسرائيل. وجسدها أحد أركان هذا العمل الأساسية.
إنها تستغل جسدها في تطويع الجواسيس وربطهم بها. . حيث درست وتعلمت أن لكل رجل عادات وميولاً.. خاصة تظهر جلية عندما يتجرد من ملابسه أمام امرأة عارية. قد تكون ميوله سوية أو شاذة .. لا يهم .. فإن لديها القدرة على احتواء كل أنواع الرجال وإشباعهم وتأكيد رجولتهم وتضخيم فحولتهم. إن الجنس بالنسبة إليها عمل مهم، وترتقي من خلاله وظيفياً ومهنياً إذا ما أبدعت فيه مع الخونة الذين يجري إعدادهم، وتنال شهادات شكر وتقدير بعد تطويعهم.
ولذا . . لم يكن وجود زهرة على مسرح الحدث عملاً ثانوياً يحسب على جهاز المخابرات الاسرائيلي. إنه جزء مكمل لتعمية العميل عن الحقائق والثوابت .. وإخضاعه بتصويره في أوضاع شاذة تظهر مدى ضعفه. . وخلق دفء عاطفي يزيل غمامة الخوف التي قد تؤثر في إقدام العميل فينشط ويبدع ويقوم بعمله خير قيام. مر عام ونصف ولم يزل رجب في أثينا في حضن المخابرات الاسرائيلية يترقب موعد رجوعه الى الاسكندرية. وعندما اعتقد أنه هيأ "الجو" لعودته .. تحدث مع أبو ابراهيم ضابط الموساد في السفارة الاسرائيلية الذي أمهله عدة أيام ليكتب بذلك الى رؤسائه .. ولما جاءت الموافقة .. اشاع رجب خبر عزمه على العودة الى مصر غانماً بآلاف الدولارات التي جمعها من "أعماله الناجحة" في اليونان. وعندما أشار عليه البعض بإكمال مسيرة النجاح دون العودة – مؤقتاً – الى مصر .. تملكته نعرة الوطنية المزيفة .. وأقسم ألا يحرم وطنه من خبرته وعبقريته التي يشهد بهما الأجانب. وأقيم حفل وداع صغير في أحد الفنادق حضره بعض المصريين الذين صادقهم هناك . . وبعد نهاية السهرة حمل حقائبه وتوجه الى المطار في طريقه الى القاهرة.
كان الجو قائظاً في سبتمبر 1970 والإسكندرية لا زالت تموج بعشرات الآلاف من المصطافين .. الذين هربوا من لسعة القيظ وحرقة الوهج الى الشواطئ الممتدة الجميلة وفي شقة الحاج عبد المعطي كانت جموع أخرى من البشر تتوافد لتهنئ الرجل بسلامة وصول ابنه الوحيد من اليونان.
كان الرجل أسعد الناس على سطح الأرض.. وجهه يتهلل بشراً وسحنته تضحك خطوطها ويرقص قلبه طرباً. والخائن لا يستحي وهو يحكي عن عبقرية مزعومة .. ويختلق اقاصيص الوهم التي لقنته إياها مخابرات العدو .. فأفاض في الحديث والوصف وأضفى على نفسه بطولات وبطولات.
وبعدما استقر به المقام عدة أيام، اصطحب مهندس الديكور الى مكتبه القديم حيث كانت لافتة "شركة رجب للخدمات البحرية" قد ضربتها الشمس وتشققت قشرة خشبها. وبالداخل كان العنكبوت قد نسج خيوطه فخيمت على كل شيء وبدا المكتب كمقبرة مهجورة.
وبينما كان المهندس يشرح له تصورات وتخيلات الشقة بعد تجديدها. .حدث زلزال هز أعماق مصر كلها وضرب فيها الأمل والأمان .. وزحفت جموع الشعوب العربية لهول الصدمة عندما أعلن موت جمال عبد الناصر.
امتلأت الشوارع بفيضان من البشر كالطوفان يجرف أمامه هدأة الحياة وغفلة الزمن زحف من الأحياء يغلي، وكتل ملتصقة من الحناجر تصرخ في هلع وبكاء مرير يمزق القلوب . . وشروخ بدت في الوجوه بفعل الدموع. وتوقفت الحياة ومادت موازين العقل فلا عقل يصدق أن الزعيم رحل.
ودون أن يدري . . بكى رجب، وكان لا يدري أيبكي ناصر الأمل؟! أم يبكي بذور الخيانة التي تعملقت بداخله وعظمت فروعها؟
وود للحظات لو أن أقدام الباكين الحائرين داسته. لكنه سرعان ما استعظم ذاته وأبى ألا يضعف. بل سطر أولى رسائله، وكانت هذه الرسالة هي الخطوة العملية الأولى في عالم الجاسوسية. . رداً على رسالة وصلته بطريق الراديو تطلب منه مراقبة حركة ميناء الاسكندرية وعما إذا كانت اسلحة سوفييتية تتدفق على مصر بعد موت زعيمها الأول أم لا ؟ وكانت الرسالة كالتالي: ملحوظـــــه (رقم 2) سطور كتبت باللغة العربية بالحبر السري بين سطور الرسالة.
(رقم 1) سطور كتبت باللغة الانجليزية. الاسكندرية 24/1/1970 صديقي العزيز باولو: 1- خط عادي: وصلتني رسالتكم العزيزة الى قلبي وكم سررت بها. 2- حبر سري: لا زالت أعمال التجديدات في مكتبي جارية وبالرغم من.
1- خط عادي: وتعجبت من فعل الزمن يفرق دائماً بين الأصدقاء. 2- حبر سري: ذلك أقوم بعملي وأراقب الميناء جيداً.
1- خط عادي: والمحبين، ولكنك يا صديقي مهما باعدت المسافات بيننا 2- حبر سري ومنذ صباح الأمس وأنا أراقب سفينة سوفييتية ضخمة.
1- خط عادي: تسكن بأعماق قلبي فالأيام الجميلة التي قضيتها معك. 2- حبر سري: ترسو على الرصيف وحولها حراسة مشددة. السفينة.
1- خط عادي: في جزر كيكلاديس . لا أستطيع مهما حييت أن 2- حبر سري: اسمها ستاليننجراد، وقال لي زميل قديم بالميناء:
1- خط عادي: أنسى طعم حلاوتها وروعتها والصور التي التقطت. 2- حبر سري: إن السفن السوفييتية تتردد بكثافة هذه الأيام.
1- خط عادي: لنا هناك تكاد تنطق بمدى شوقي الى تجديد هذه. 2- حبر سري: على الاسكندرية ونادراً ما تظل الأرصفة خالية منها.
1- خط عادي: الذكريات الجميلة في جزر بحر أيجه وشوارع ومقاه. 2- حبر سري: وعلمت أن بعضها تنزل حمولتها بالليل فقط بواسطة.
1- خط عادي: ومتاجر أثينا الساحرة. إن قلبي يرقص طرباً. 2- حبر سري: الأضواء الكاشفة. ومنذ أسبوع بالضبط نزل.
1- خط عادي: كلما مرت ببالي هذه الأيام الجميلة. 2- حبر سري: عدد كبير من الجنود والخبراء السوفييت.
1- خط عادي: عزيزي باولو: أرجو أن ترسل لي صورة ابنتك. 2- حبر سري: في ذات الوقت الذي تفرغ فيه سفن مصرية أخرى.
1- خط عادي: الجميلة بياتريتشي التي لم يسعدني الحظ برؤيتها. 2- حبر سري: حمولاتها من القمح المستورد من استراليا ومن.
1- خط عادي: خلال زيارتكم القصيرة لليونان. وسوف أحاول. 2- حبر سري: البرازيل.. وشاهدت عدداً كبيراً من الشاحنات العسكرية.
1- خط عادي: في القريب أن أزوركم في إيطاليا وأرى مدينتكم. 2- حبر سري: تنقل صناديق خشبية ضخمة بعضها مغطى بغطاء.
1- خط عادي: الرائعة – تريستا – التي تعشقونها. ومن جانبكم. 2- حبر سري: أزرق أو كاكي وتتجه الى طريق الاسكندرية.
1- خط عادي: لا تدخروا وسعاً في التفكير بجدية في زيارتي. 2- حبر سري: القاهرة الصحراوي، وأنزلت سفينتان حمولتهما.
1- خط عادي: مع احتفالات الكريسماس حيث المناخ هنا في. 2- حبر سري: من الخشب الزان من أسبانيا ورومانيا وتعطلت بالأمس.
1- خط عادي: مصر أكثر من رائع، وبالأخص في صعيد مصر حيث. 2- حبر سري: شاحنة على الطريق محملة بأجولة السكر المستورد.
1- خط عادي: آثار أجدادي الفراعنة تفوح منها رائحة التاريخ. 2- حبر سري: من الاتحاد السوفييتي وسأوافيكم بمشاهداتي. 1- خط عادي: تحياتي لكم وتمنياتي بالسعادة الدائمة. 2- حبر سري: أولاً بأول، وسوف أنتظر رسائلكم.
1- خط عادي: رجب 2- حبر سري: رقم / 1041×××××××××× ومع إطلالة الأيام الأولى في عام 1971 كان رجب قد انتهى من تشطيب مكتبه . . ولبس حلة جديدة من بهاء تتفق ورونق أعمال الديكورات الفخمة .. التي تدل على ذوقه الأوروبي ويساره. .
افتتح المكتب جمع غفير من الأهل والأصدقاء، وملأت إعلانات الدعاية بالعربية والإنجليزية صفحات الأهرام تعلن عن ميلاد شركة خدمات بحرية متميزة . . قادرة على تحمل مسؤوليات الشحن والتفريغ وما يخصهما من إجراءات مع الجهات المختصة.
وساعدته المخابرات الإسرائيلية كثيراً ليحصل على ثقة بعض الشركات البحرية العالمية ليصبح وكيلاً لها في الاسكندرية .. وتحول مكتبه الى خلية نحل اضطر معها الى الاستعانة بعدد كبير من الموظفين والسكرتارية، وازدحم المكتب بالزوار وذوي المصالح، وازدادت الخطابات الواردة اليه من الشركات الملاحية ومن رؤسائه في أثينا يغذونه بالمعلومات . . ويلقون أوامرهم وتوجيهاتهم ويدفعونه ليكبر أكثر وأكثر. فازدهرت أعماله بسبب التوكيلات العالمية التي حصل عليها، وصار اسمه مشهوراً ودخوله الى الميناء بالتصاريح الممنوحة أمراً سهلاً وقويت علاقاته بالموظفين وبالمديرين.
ولأنه يعمل في "المهنة" فقد كان سؤاله عن أحوال الميناء يوماً بيوم أمراً عادياً لا يثير ريبة ولا شكوكاً في نياته. . وهذا هو ما كانت تقصده المخابرات الاسرائيلية. . أي زرع جاسوس داخل ميناء الاسكندرية يرصد كل أسراره وأوضاعه دون أن يشك فيه أحد. ومرت الشهور تلو الشهور وهو لا يزال يرتقي سلم النجاح والشهرة، ولم ينس أفضال اليهود عليه للحظة واحدة. إنهم أولى أمره الذين ثبتوا قدميه على طريق النجاح، وهم الذين تسعى مصر ومن خلفها جميع الدول العربية للإضرار بهم رغم قلتهم ومحدودية أرضهم ومواردهم.
لقد أكدوا له أنهم لا يريدون حروباً مع العرب.. فهم يدافعون عن رقعة صغيرة من الأرض يعيش عليها أطفالهم وضعافهم. وكلما شن أنور السادات هجماته من خلال خطبه السياسية .. كان رجب يرتعد خوفاً من حماس وعوده بأن هذا العام هو عام "الحسم" لتدمير إسرائيل. . وكثرت الرسائل الى رجب بطريق البريد والراديو .. وتعددت رسائله أيضاً الى "أصدقائه".
وانحبس النفس في رئتيه هلعاً يوم السادس من أكتوبر 1973 وجنودنا البواسل يعبرون الهزيمة ويدكون خط بارليف الحصين ويكتبون النصر غالياً بدمائهم.
وعندما كانت مصر – بل والأقطار العربية كلها تزغرد للنصر . . كان رجب يبكي في مكتبه وينتفض جسده خوفاً وشفقة على شعب إسرائيل الذي يقتله العرب بلا رحمة مجتمعين. وكثرت في تلك الأثناء زياراته للميناء يستقص الأخبار ويستقي المعلومات بجرأة، دون أن يلفت انتباه أحد، لكثرة أسئلته عن السفن الراسية بالميناء وفي الغاطس تنتظر الدخول.
لفتت رسائله المتعددة الى أثينا وروما انتباه ضابط المخابرات المصري المكلف بمراقبة البريد الصادر الى خارج مصر والوارد اليها. واكتشف أمر الرسائل المشفرة. وقام جهاز المخابرات المصرية بمراقبة بريد رجب عبد المعطي . . وجرى الكشف عن كل رسائله وصورت وأعيد إغلاق الرسائل بدقة متناهية.. لكي تكون دليل إدانة ضده أمام النيابة وعند محاكمته.
وبينما كان الجاسوس مشحوناً بحماس النصر، وبدأت الخريطة السياسية للمنطقة
|
| | | The Egyptian Colonel عريـــف
عدد المساهمات : 39 نقاط : 79 سمعة العضو : 0 التسجيل : 26/10/2012 المهنة : Civil Engineer
| موضوع: للتثبيت : مجموعه كاملة من أهم عمليات المخابرات العامه المصرية الأحد أكتوبر 28, 2012 4:09 pm | |
| العملية الثالثة : العراف
فى نفس الوقت الذي غرق فيه جنرالات إسرائيل فى نشوة النصر الذي حققوه فى حرب 1967م , كان عشرات المهاجرين يتوافدون على إسرائيل بعد أن تأكدوا ذلك النصر لا رجعة فيه , وان إسرائيل ستصبح جنة الله فى الأرض كما وعدتهم الدعاية الصهيونية , و بمنتهى العناية والدقة كان الأمن الاسرائيلى يفحص أوراق الوافدون للتيقن من هوياتهم وجنسياتهم , ومن بين هؤلاء كان ( دافى كرينهال ) مهاجر سوفييتي نحيل الجسم وضعيف القوة يثير الشفقة بملابسه الرثة وحقيبته البالية وربما لهذا لم يعيره الأمن اى انتباه , ليتسلم بعدها أوراق إقامته فى إسرائيل ويتم توزيعه مع المهاجرين الجدد الذين لا يمتلكون مهارة أو خبرة فى مجال مهم إلى احد المزارع أو ( الكيبوتز ) ليعملوا بالزراعة إلى أن يتم توفير فرصة عمل مناسبة لهم وهو مالا يحدث بالطبع.. ولمدة ثلاثة أشهر اخذ دافى يقص حكايته على جميع زملائه المهاجرين , فهو يهودي سوفيتي اعتقل الحزب الشيوعي والده وهو مازال فى الحادية عشرة من عمره ولم يره مرة أخرى حتى توفيت والدته وصحبه رجل يوغسلافي إلى تركيا وهناك ركب احد السفن القادمة إلى إسرائيل ممنيا النفس بأن يحقق أحلامه فى ارض الميعاد , ولقد تعاطف الجميع معه خاصة وهم يرون ضعفه الواضح وعدم امتلاكه اى مهارة أو موهبة تؤهله للنجاة فى هذا المجتمع القاسي , حتى كانت تلك الليلة عندما كان جالسا مع رفاقه ويتحدث مع جارته الفاتنة ( راشيل ) وأمها العجوز ( استير ) وفجأة زاغ بصره وشردت ملامحه وهو يقول بصوت عميق : - لقد اخطأ ( يارون بلونسكى ) كثيرا عندما رفض الاعتراف بما فعل , لقد شعر بالخزي و الندم وقرر أن يدفع الثمن … وسيدفع قريبا !! وتسمرت راشيل وأمها فى مكانها من هول الصدمة فقد كان يارون بلونسكى هذا السبب فى هجرة أسرة راشيل من العراق عندما ارتبط مع ابنتهم راشيل بقصة حب تطورت إلى علاقة غير مشروعة ونتج عنها حمل سفاح , ولم يكد يارون يعلم به حتى استنكره تماما و رفض الاعتراف به وابتعد عن راشيل تماما ثم لم يلبث أن فر من بغداد ومن العراق إلى جهة مجهولة تماما وبذلت أسرة راشيل جهدها لإخفاء هذا الأمر كليا , ولهذا كانت صدمتهم عندما سمعوا القصة على لسان ذلك المهاجر السوفيتي الذي قال قولته واغشي عليه وسط ذهول زملائه , وبعد أن أفاق حاولوا أن يستفسروا منه عن ذلك التصرف إلا انه اخبرهم انه لا يتذكر انه قال شيئا من ذلك . وكان من الممكن أن ينتهي الأمر عند هذا الحد , إلا انه وفى الأسبوع التالي مباشرة تلقت راشيل رسالة من أوروبا وبداخلها شيك بمبلغ ضخم يمكن صرفه من اى بنك فى إسرائيل ويحمل توقيعا كاد قلبها أن يتوقف لرؤيته : يارون بلونسكى , وعلى ظهر الشيك كانت عبارة ( تقبلي اعتذاري ) بخط يارون نفسه !!! وطارت الأسرة فرحا بهذا المبلغ الضخم واخذوا يقصون على الجميع نبوءة دافى التي تحققت , دون أن يتطرقوا لعلاقة يارون براشيل , وانتشر أمر النبوءة فى المزرعة واخذ الجميع ينظرون فى انبهار إلى دافى الذي استنكر كل ذلك واخبرهم انه لا يعلم شيئا , وفى سهرة صاخبة فى نهاية الأسبوع فاجأ دافى الجميع بنبوءة أخرى عندما زاغ بصره وشردت ملامحه وقال لهم : خسارة أن يتلف محراث جميل كهذا !!! ثم عاد إلى وعيه وأنكر تماما انه قد قال اى شيء وانطلق الشباب يفحصون كل المحاريث فى المزرعة والتي كانت جديدة تماما ثم عادوا ليعلنوا أن المحاريث بحالة جيدة وليسخر الجميع من نبوءة دافى العجيبة , ولكن فى اليوم التالي مباشرة انكسر المحراث الرئيسي فى المزرعة دون اى سبب , لينظر الجميع إلى دافى فى ذهول , وينتشر خبر ذلك العراف فى المزرعة والمزارع المجاورة ويبدأ الناس فى التوافد عليه لرؤيته و ليطلبوا منه أن يخبرهم بأي نبوءة مستقبلية لهم , ورغم أن الشاب كان يرفض ذلك تماما إلا انه فى بعض الحالات كان يروح فى تلك الحالة العجيبة من الشرود ويدلى بنبوءة هنا وهناك تتعلق بماضي احد الحاضرين أو مستقبله , مما أكد للجميع انه لا يتحكم فى موهبته ولا يعلم عنها شيئا , ومع الوقت خرج الأمر من حيز المزارع الريفية البسيطة إلى ارض أكثر صلابة ليفاجأ دافى ذات يوم بضيف من ذوى السترات الرسمية يطلب مقابلته , ليخبره أن يستعد للسفر إلى ……تل أبيب !!! وفى الطريق إلى تل أبيب فى تلك السيارة الفارهة التي يقودها نفس الشخص الذي زاره فى المزرعة وبجانبه شخص أخر برتبة اكبر , اخذ دافى كرينهال يتذكر كيف بدأت تلك القصة , وفى نفس اللحظة وعلى بعاد مئات الأميال وفى قلب العاصمة التي لا تنام أبدا : القاهرة , اندفع مسئول الشفرة إلى مكتب رجل المخابرات الشهير ( امجد ) وهو يقول له : لقد ابتلعوا الطعم , واستدعوه إلى تل أبيب , و ليبدأ الجزء الثاني من العملية الجنونية التي وضع امجد خطتها بنفسه ..عندما التقى مصادفة بذلك الشاب ذو الثياب الرثة التي تدل على فقر شديد انعكس على صاحبها الذي بدا شاحبا إلى أقصى حد وإن لم يمنع ذلك تلك النظرة العبقرية التي تطل من عينيه , والتي استغلها الشاب فى التحايل على البسطاء ليحصل على قوت يومه عن طريق إقناعهم بأنه ( شخص مكشوف عنه الحجاب ) وكان لملامحه الغريبة اكبر الأثر فى ذلك , وليتلقفه امجد ليتعرف عليه وليعرف منه قصته الحزينة.. اشرف فؤاد الطحان ..شاب مصري, كان والده فؤاد الكلب من أسرة مصرية بسيطة اقتطعت من قوت يومها لتعليم ابنهم الأكبر فؤاد وليحصل على شهادة الهندسة أملا منهم فى أن يرفع مستوى عائلتهم الاجتماعي , ويلتقي فؤاد بالأوكرانية ( هيلجا بتروفا ) ويرتبط الاثنان بقصة حب عنيفة لم يستطع والدها الذي يعمل فى احد الدواوين الحكومية المصرية أن يعرقلها , لتنتهي بزواج الاثنان وكان اشرف هو ثمرة ذلك الزواج , ولم يكتب الله لفؤاد أن يرى ابنه قط . فمات فى حادث اليم قبل ولادة اشرف بيوم واحد , ويولد الطفل يتيما ولا يعرف عن أبيه إلا تلك الصورة المعلقة فى صالة دارهم والتي تعود أن يشاهد أمه يوميا وهى تبكى بجوارها , وحتى العاشرة من عمره تعود الطفل على أن يقضى الشتاء فى كنف أمه وجده السوفيتي , والصيف فى مصر مع عائلة أبيه , وهكذا نشأ الصبي وهو يجيد التعايش مع العادات السوفيتية والتحدث باللغة الروسية بلهجة أهل أوكرانيا , بالإضافة إلى عشقه لمصر وتحدثه باللغة العامية , وفى الحادية عشرة من عمره تتوفى والدته , ليأخذه جده إلى أوكرانيا خلسة بسبب تمسك أهل والده به , وهناك عانى الصبي بسبب فراق مصر وأهل أبيه , واخذ فى النحول والانطواء , وعندما كبر استطاع الهروب من القبضة الحديدية السوفيتية وظهر فى الإسكندرية وذهب إلى منزل أهل والده وكانت المفاجأة أن المنزل كان قد انهار دافنا معه كل أفراد الأسرة باستثناء ابنة عمه (وفاء ) والتي كانت تراسله أثناء وجوده فى أوكرانيا وكان يكن لها حبا كبيرا , واخذ يبحث عنها فى كل مكان ولم يجدها بعد أن اختفت من الحي الذي نشأت فيه واسودت الدنيا فى وجهه وانتهى به الأمر وهو بتسول لقمته فى المساجد , إلى أن تلقفته ايدى المخابرات المصرية …… دارت كل تلك المشاهد فى رأس ( دافى كرينهال ) أو ( اشرف فؤاد ) وهو جالس فى تلك السيارة التي تقله إلى تل أبيب , وبعد ساعة أو يزيد توقفت السيارة أمام مبنى كبير أنيق وانزله مرافقه منها فى شيء من الصرامة وقاده إلى صالة ذلك المبنى الأنيق , وبعد دقائق فوجئ بامرأة أنيقة ممتلئة الجسم تقول له : أأنت دافى كرينهال ؟ تماما كما وصفوك , كانت تلك المرأة هي زوجة الجنرال ( كوهين ) احد قادة الجيش الاسرائيلى , والتي طلبت إحضار دافى بعد ذيوع صيته وشهرته فى تلك الفترة التي كان المجتمع الاسرائيلى غارقا فى شهوة النصر وجذبت الجميع أضواء الشهرة وحب الظهور واخذ كل منهم يبحث عن شيء جديد ليتفرد به ببن أقرانه , وفى مساء تلك الليلة تم إعداد دافى كرينهال للحفل الذي تقيمه زوجة الجنرال , والذي يحضره زوجات الجنرالات الآخرين والجنرالات أنفسهم والذين لم يعيروا دافى اى انتباه على اعتبار انه مجرد موضة وسوف تزول , وكان الانبهار يملأ دافى من داخله فقد كان كل ذلك قد اخبره به رجل المخابرات المصري امجد منذ كان فى القاهرة فى أثناء فترة إعداده مما أعطاه ثقة كبيرة وراح يختلط بالحاضرين وجلس فى وسط زوجات الجنرالات يستمع لأحاديثهم وهم فى انتظار أن يلقى بأحد تنبؤاته , وفجأة راح فى تلك الحالة التي كان يجيد تمثيلها , ونظر فى اتجاه زوجة سكرتير وزير الصناعة وقال لها : قصة ميراث بلغاريا لا أساس لها من الصحة , وانطلق يخبرها عن الكثير من أحداث ماضيها والذي لا يعلمه احد ثم ختم حديثه بعبارة : ولكن زوجك يواجه خطرا كبيرا جدا ..ووسط ذهول الجميع اعترفت زوجة السكرتير بصحة كل ما قاله دافى , وفى صباح اليوم التالي وصلت إلى النائب العام الاسرائيلى كومة من الملفات والوثائق التي تثبت تورط سكرتير وزير الصناعة الاسرائيلى فى وقائع فساد ورشوة واستغلال نفوذ , وكانت فضيحة كبرى فى إسرائيل , وقنبلة انفجرت حول دافى الذي أصبح العراف الرسمي لجنرالات إسرائيل , وجدير بالذكر أن كل النبوءات كانت من إعداد المخابرات المصرية التي نشرت شبكة كاملة حول دافى لتمده بكافة المعلومات التي يستطيع استغلالها بموهبته الفطرية فى إلقاء النبوءات بدءا من نبوءة راشيل ويارون والتي تكبدت المخابرات المصرية المشقة فى سبيل العثور على يارون وإقناعه أنهم أهل راشيل وإجباره على توقيع الشيك والاعتذار وأيضا حادثة المحراث التي دبرها عميل أخر كان يعاون دافى فى نفس المزرعة وانتهاء بنبوءة سكرتير وزير الصناعة الذي فضحته المخابرات المصرية ومع ذيوع صيت دافى أصبح ضيفا دائما على حفلات جنرالات إسرائيل وكان يسير بينهم فى منتهى الحرية ويستمع بنفسه إلى أهم الأخبار والمعلومات ويقوم بنقلها مباشرة إلى القاهرة , حيث تستقبلها مجموعة خاصة مهمتها الأساسية هي تلقى المعلومات من ذلك المصدر الخطير الذي أمد القاهرة بمعلومات غاية فى الدقة, ومع انتشاره فى المجتمع الاسرائيلى كان من الطبيعي أن تهتم المخابرات الإسرائيلية به ,و هو ما كانت المخابرات المصرية تتوقعه وتم بالفعل اصطحاب دافى إلى مقر الموساد للتحقيق معه ومراجعة أوراقه بل وتم فحصه بجهاز كشف الكذب الذي كان قد تدرب على خداعه على يد رجال المخابرات المصرية وجاءت النتيجة سلبية تماما , مما أعطاه ثقة بلا حدود فى المخابرات المصرية ,وتوطدت صلاته بالجنرالات وكبار المسئولين وتسابقوا فى استضافتهم فى منازلهم حتى انه على مدار سنوات قضاها فى إسرائيل من العام 1968 حتى 1973 لم يكن له مسكنا مستقلا , وفى احد الأيام القي دافى بنبوءة أخرى على مسامع الجنرال كوهين حيث قال له : ستثبت جدارتك حقا فى قيادة خط بارليف يا جنرال , ومع دهشة الجنرال وفرحته كانت المفاجأة عندما تلقى تكليف الوزارة له بقيادة الحصون الشمالية فى خط بارليف وهنا قام الجنرال كوهين باصطحاب دافى إلى منزله ليقيم هناك فى حجرة صغيرة إقامة شبه دائمة , باعتباره العراف الخاص به ويجب أن يستأثر به لنفسه , حتى فى الأيام التي كان الجنرال يقضيها فى خط بارليف كان يتركه فى المنزل مع زوجته لتعرضه على صديقاتها باعتباره حيوانها الأليف !! وتلقى الشاب رسالة من المخابرات المصرية أن يجهز نفسه للسفر إلى قبرص فى خلال أسبوع وعلى الرغم من تأكده التام أن الجنرال سيرفض أن يتركه ولو لمدة يوم واحد , إلا انه فوجئ بالجنرال نفسه يخبره أن يستعد للسفر فى رحلة ترفيهية فى نفس اليوم الذي حددته المخابرات المصرية , وعلل ذلك بأن احد أصدقائه المهمين يمتلك شركة سياحية تدعى ( ماجي تورز ) ويريد أن يستضيف دافى لمدة أسبوع فى رحلة إلى قبرص بغرض الدعاية بل وأعطاه ألف شيكل لينفقها على تلك الرحلة هدية منه, ليتأكد دافى انه يعمل مع جهاز مخابرات عبقري , وفى قبرص كانت المفاجأة عندما التقى برجل المخابرات المصرية أمجد شخصيا والذي أعطاه جهاز إرسال واستقبال وكتاب الشفرة والحبر السري و التعليمات الجديدة , وعاد دافى إلى إسرائيل مرة أخرى ليتخذ من منزل الجنرال كوهين مركز إرسال واستقبال للمعلومات والرسائل المشفرة , واستمر دافى فى عمله المثير حتى كانت تلك الليلة فى أواخر عام 1972 عندما استقبل رسالة شفرية من المخابرات المصرية تطلب منه القيام بشيء خطير بل ومستحيل ….. وفى اليوم التالي وبينما كان الجنرال يحكى لزوجته المتاعب والصعوبات التي تواجهه على خط بارليف وفى وجود دافى الذي يستمع ويخزن كل تلك المعلومات بعد أن اعتبره الجميع وكأنه لا وجود له ويتحدثون أمامه بمنتهى الحرية فى كل الموضوعات حتى انه وصف نفسه فى تقاريره ( لقد أصبحت مثل الرجل الخفي ) فى هذا اليوم فاجأ دافى الجنرال بسؤال غريب : كيف يبدو خط بارليف من الداخل ؟؟ ولصعوبة السؤال اندفع الجنرال يسأله فى شك ؟ ولماذا تسأل ؟؟ هذه أمور سرية ؟؟ وهنا زاغ بصر دافى وشردت ملامحه كعادته عند إلقاء النبوءات وقال : الجنرال كوهين …….. خط بارليف ……… التاريخ !!!! وانتفضت زوجة الجنرال من مقعدها وهى تسأله عما يعنيه وربط الجميع بين تلك النبوءة وبين سؤاله عن خط بارليف من الداخل ,إذن الجنرال كوهين سيدخل التاريخ بقيادته لخط بارليف …وأقنعت الزوجة الباحثة عن الشهرة زوجها بضرورة أن يصطحب دافى معه إلى داخل خط بارليف , لعله تأتيه نبوءة أخرى توضح الأمور واقتنع الجنرال بدوره وتم تحديد موعد لكي يصطحب دافى معه , وكان هذا ما طلبته المخابرات المصرية حرفيا من دافى وهو محاولة الدخول إلى خط بارليف بأي طريقة !! وفى الموعد المحدد فى أوائل مارس 1973م كان دافى جاهزا للذهاب مع الجنرال إلى خط بارليف بتلك السترة الجديدة ذات الأزرار الكبيرة اللامعة , وكانت تلك السترة هي أهم شيء فى رحلته العسكرية فبداخل أزرارها الكبيرة كانت تختفي آلة تصوير دقيقة تحوى ميكروفيلما خاصا لالتقاط كل الصور الممكنة لخط بارليف من الداخل لكشف تفاصيل اقوي خط دفاعي عسكري عرفه التاريخ , وكان هذا هو هدف تلك العملية العجيبة من البداية ,وذهب دافى إلى خط بارليف وتجول داخله بمنتهى الحرية بصحبة الجنرال ليلتقط كمية هائلة من الصور من كل الزوايا لكافة التحصينات الداخلية للخط المنيع وأحس الجنرال بالغيظ عندما لم يطلق دافى اى نبوءة فى هذا اليوم وبعد عودته سلم دافى الميكروفيلم إلى عميل أخر والذي قام بنقله إلى القاهرة وراح الرجال يراجعون ويدرسون كل الصور الملتقطة ليتمكنوا فى النهاية من صنع نموذج كامل ثلاثي الأبعاد لحصون خط بارليف , كما تمكن الجيش من إقامة وحداته بالحجم الطبيعي ليتدرب عليها رجال الصاعقة والكوماندوز انتظارا للحظة الحسم , واستمر دافى فى أداء مهمته من داخل منزل الجنرال كوهين قائد الجبهة الشمالية لخط بارليف حتى أواخر عام 1973م , عندما استلم برقية من المخابرات تطلب منه مغادرة إسرائيل فورا , وأعطته رقم تليفون ليتصل به على الفور , وتم تحديد مكان للقاء داخل إسرائيل فى نفس الليلة وهناك التقطته سيارة إلى مطار بن جوريون مباشرة ليركب واحدة من طائرات شركة العال الإسرائيلية ضمن فوج سياحي من شركة ( ماجي تورز ) متجهة إلى روما , وهناك وجد امجد فى انتظاره ليستقلا طائرة إلى مصر مباشرة , ورغم حيرته وتساؤله عن تلك الطريقة البوليسية العاجلة لإنهاء مهمته وإخراجه من إسرائيل إلا أن امجد لم يعطيه الجواب الشافي بل عرفه هو بنفسه عندما اندلعت حرب أكتوبر بعد أسبوع واحد من وصوله إلى مصر , لقد خافت المخابرات المصرية على عميلها أن ينكشف بعد الحرب عندما يبحث الإسرائيليين عن المصدر الذي سرب كل تلك المعلومات الخطيرة واثروا إنهاء العملية حفاظا على حياة عميلهم , وفى القاهرة وجد دافى الذي عاد إلى اسمه الحقيقي , اشرف فؤاد الكلب وجد كل الرعاية من المخابرات المصرية حتى أنهم أعطوه راتبه عن السنوات الأربع التي أمضاها فى إسرائيل وشقة فى ارقي أحياء القاهرة وسيارة ووظيفة جديدة , وأعطوه أيضا الجائزة الكبرى , ابنة عمه وفاء التي اختفت بعد انهيار منزل عائلته وبحثت عنها المخابرات المصرية حتى وجدت ما كان اشرف يعتبره حب عمره الضائع , لتثبت المخابرات المصرية مرة أخرى أنها لا تنسى اى رجل من رجالها الذين يضحون بحياتهم فداء للوطن الأعظم …….مصر |
| | | The Egyptian Colonel عريـــف
عدد المساهمات : 39 نقاط : 79 سمعة العضو : 0 التسجيل : 26/10/2012 المهنة : Civil Engineer
| موضوع: للتثبيت : مجموعه كاملة من أهم عمليات المخابرات العامه المصرية الأحد أكتوبر 28, 2012 4:30 pm | |
| العملية الرابعه : اليهودى
بولين اسكندر شاب هادئ الطبع لا يدخن و لا يشرب الخمر شديد النفور من الحسناوات .. يهودى متعصب يؤمن بدينه رغم انه كان فى الثلاثين من العمر الا انه كان دائم التردد على المعابد وحائط المبكى كان ضابط و موجه سياسى فى وحدة البالماخ و لهذه الصفات اشتهر فى اوساط الجيش الاسرائيلى بأنه مثقف له قدرة هائلة على التأثير فى نفوس من يسمعه و كانت ندواته تحوز رضا الجميع و كان الكل فى مدينة بئر السبع يكن له الاعجاب و لم يكن يتصور احد انه عميل خطير يعمل لصالح المخابرات المصرية . كان بيته الانيق فى بئرالسبع يطل على الطريق المؤدى الى ميناء ايلات و لخبرته العسكرية كان مراقبا يقظا لشمال صحراء النقب و اطلقت عليه المخابرات المصرية : ( عين النقب ) و استخدم هذا اللقب كوسيلة تعارف بينه و بين الرسل الموفدين اليه من المخابرات المصرية . تبدأ قصته مع المخابرات فى مدينة زيورخ السويسرية خلال جولته السياحية فى عدد من دول اوروبا و فى فندق متوسط المستوى هناك فى شمال مدينة زيورخ عكف على القراءة و اتخذ لنفسه نظاما دقيقا فكان يصحو مبكرا و يتناول افطاره فى غرفته ثم يهبط الى البهو ويحيى صاحبة الفندق و على باب الفندق يستنشق الهواء النقى ثم يقوم برياضة المشى ويعود قرب الظهيرة و يحتسى القهوة ثم يطالع كتاب إلى ان يتناول الغداء فى زاوية بعيدة من المطعم و لا يرفع رأسه عن طبق طعامه و يعتكف امام المدفأه فى المساء يقرأ كتاب و لا يغادر مكانه حتى العشاء و تظل غرفته مضاءة لساعة متأخرة من الليل . و ذات ليله عاصفة فوجئت به ( ماريا ) صاحبة الفندق مرتديا معطفا رفع ياقته حول وجهه وغادر الفندق فى جو عاصف شديد البرودة . و فى الصباح شاهدته لاول مرة على مائدة الافطار و وجهه شاحب و قبل ان يبدأ رياضته الصباحية اتجه الى الهاتف و رفع سماعته ثم التفت حوله و اعادها الى مكانها فقد كان ينوى الاتصال لكنه تراجع ثم ذهب ليمارس رياضة المشى و فى الظهيرة اتصلت به هاتفيا للمرة الاولى امرأه حادثته فى غرفته لدقيقة واحدة طلب بعدها سيارة اجرة ثم هبط من حجرته ممسكا حقيبة صغيرة و كان على عجله من امره و امضى اسبوعاعلى نهجه اليومى و لم يستجد عليه الا حالة اكتئاب كست وجهه و اصبح اقل شهية للطعام و اتصلت به امرأة مرة اخرى و بعد حديث قصير اسرع الى الخارج يبدو عليه المرح فأيقنت صاحبة الفندق ان فى حياته قصة حب لا يريد الافصاح عنها ثم عاد الى الفندق بسيارة خاصة و ليس بسيارة اجرة كما تعود و شاهدته يتبادل حديثا ضاحكا مع محدثته و بعد جولة غامضة ذات مساء عادت اليه حالة الاكتئاب مرة اخرى و رفض تناول الطعام و اعتكف فى غرفته حتى ان ماريا سألته هاتفيا : ( عزيزى بولين هل انت فى حاجة الى استدعاء طبيب ؟ ) فرفض و جاء فى اليوم التالى زائر له ملامح مبهمة و قامة متينة اصطحب بولين الى غرفته فى الفندق و قضيا ساعة ثم هبطا الى البهو وودعه بولين و عاد الى الهاتف ثم طلب تذكرة سفر الى قبرص . و فى قبرص اختفى بولين بشكل مؤقت حيث نزل فى فندق فلوكسونيا باسم مستعار و هو ( فريتز) و بعد اسبوع قدم الى شركة مصر للطيران جواز سفر جديد و حجز مقعدا الى القاهرة و كان فى انتظارة 2 من رجال المخابرات بسيارة سوداء اقلته من المطار إلى شقه مجهزة من اجله فى شارع فؤاد وساعدوه على التخلص من مكياجه التنكرى و فى المساء دار حديث مهم بينه و بين مدير المخابرات العامة فى اهم غرفة فى جهاز المخابرات و بعدها اصبح اشد تحمسا للعمل مع المصريين و لا تزال تفاصيل الحديث و الاتفاق سرية الا ان نتائجه ان اصبح عميل لمصر فى اسرائيل عرفت المخابرات كيف تستغل المعاناة النفسية التى انتابت بولين عندما شاهد زملائه يموتون فى الحرب فأصابه السخط بعد ان انتشر الادعياء و الانتهازيون والمزورون و تجار الدعارة فى اسرائيل و استطاعوا ان يصلوا الى السلطة بعد ان تاجروا فى كل شئ حتى دماء الشباب اليهودى لصالح مافيا المفرقعات و الاسلحة و كانت المخابرات التقطت هذه المعلومات من المخابرات السوفيتيه التى اتصل بولين باحد ضباطها فى سويسرا . تناول افطاره فى الصبح وسط شباب المخابرات يتوسطهم ضابط كبير ودار الحديث عن الاضطهاد و التشرد و الاذلال الناجم من تعنت اسرائيل . تسلم بولين جهاز لاسلكى و كاميرا صغيرة لتصوير الوثائق و ادوات للكتابة السرية و غادر القاهرةالى اثينا و منها إلى قبرص و فى نيقوسيا عاد للظهور بشخصيته الحقيقية و عندما وصل لبيته فى بئر السبع ارسل اول رسالة الى المخابرات المصرية ايذانا باول جاسوس على دراية واسعة بالشئون و المعدات العسكرية فى النقب و كانت فائدة كبيرة لوجودها فى مفترق الطرق بين اسرائيل و سيناء و كانت كل التحركات العسكرية هناك تجاه ايلات تصل الى القاهرة قبل وصولها الى الوحدات العسكرية . و لم يأخذ من المخابرات سوى 20 الف دولار فى زيورخ و كان يتحرك بدافع مبادئه للسلام . ارتكب خطأ كبيرا عندما حاول اقناع عريف اسرائيلى يدعى شالوم بالعمل معه و كان شالوم احد افراد المخابرات الاسرائيلية فى بئر سبع كلف ان يتقرب من بولين بعد ان شعرت بشئ غريب فى المكان . ارسل بولين الى القاهرة يخبرها بتجنيد العريف شالوم الذى يعمل فى سلاح الشارة الاسرائيلى و اندهش رجال المخابرات لانهم لم يكلفوه بتجنيده و ابرقوا اليه يطلبوا منه التخلص منه بسرعة لكن بولين كان واثقا تماما من شالوم و ابرق اليهم انه سيحصل على كل الاتصالات العسكرية فى النقب و صارح شالوم انه يعمل مع المخابرات المصرية و اخبرهم ان شالوم وافق على العمل معه . اسرعت المخابرات المصرية بإرسال احد عملائها الى بئر سبع عن طريق تل ابيب متخفيا فى زى تاجر دراجات فرنسى و سلم رسالة الى رفعت الجمال ( جاك بيتون ) فى شركته السياحية مفادها التمهيد مسبقا مع المخابرات الاسرائيلية لتوصيل معلومة مهمة بطريقة يفهم منها ان مصادفة و قوة الحس الوطنى عند رفعت الجمال و فى بئر سبع اخذ ينفى بولين لعميل المخابرات المصرية شكوك مصر لانها لا تستند الى اساس واضح و كان واضح ان شالوم قد تمكن من كسب ثقته . و لم يكن مسموح لعميل مصر بإيه معلومات او تعليمات تثبت صدق اقواله و لكنه طلب من بولين ان ينظر من خلف الستارة إلى السيارة اللاسلكية الواقفة قريبا من بيته فاستهتر بولين بهذه المعلومة و قال انه شئ طبيعى فى اسرائيل فدائما ما تتنقل مثل هذه السيارات فى اسرائيل . و طلبت منه مصر امام عناده و اصراره التوقف تماما عن مزاولة نشاطه الى ان تصله اوامر جديدة وبعد 3 اشهر و دون طلب من المخابرات المصرية ارسل بولين برقيه يستعلم فيها عن الاوامر الجديدة و واصل ارسال المعلومات و طلبت المخابرات منه ان يمتنع عن اجراء اتصال لاسلكى الى اجل غير مسمى و كانت بعض المعلومات التى ارسلها ـ نقلا عن شالوم ـ ايقنت المخابرات المصرية انها مدسوسة بذكاء من المخابرات الاسرائيلية و بعض رسائل البريد التى وصلت منه اخذت طريقها فى هدوء الى لندن تحت رعاية الموساد دون ان تعترضها اسقطت مصر هذا العميل من حساباتها و غادر بولين اسرائيل الى اليونان ..... و ارسل برقية مسبقة الى مصر عن المكان الذى سيقيم فيه هناك و فى اثينا امضى اسبوعين دون ان يتصل به احد من المخابرات المصرية حيث كان حوله رقابة مشددة من الموساد و اتخذت العمليه شكل فكاهى فى اليونان فبولين يسير و يتحرك كالقطة العمياء و خلفه خطوة بخطوة مندوبو الموساد و خلفهم جميعا محمد حسونة المقرن و ماجد حلمى اندرواس مندوبا المخابرات المصرية . عمدت المخابرات المصرية الى حيلة لالتقاط بولين الذى وقع بين فكى الموساد و انه سقط دون ادنى شك و فى المساء طرق غرفته فنى اصلاح التكييف وعندما فتح الباب دلف الى الداخل و سلمه ورقة مكتوبة بالعبرية و اشار اليه بعدم التحدث لوجود اجهزة تنصت فى غرفته و كان بها عزيزى عين النقب .. انت مراقب ارتدى هذه الملابس و الباروكة و فى الساعة الواحدة و النصف تماما اخرج من غرفتك و اترك الباب مفتوحا ثم استقل المصعد الى الدور السابع سيكون امام الباب فتاة معها شابا كأنهما توأم تأبط ذراع الشاب الخالى و اصعدوا معا السلم الى المرقص فى الدور الثامن تناولوا مشروبا ثم اتجهوا الى المصعد و انزلوا إلى الكراج اسفل الفندق فى البارك رقم 20 المقابل لباب المصعد ستجد سيارة ذات لوحة خضراء Rq979 استقلها مع اصدقائك لو شعرت انك مراقب لا تعد الى الفندق مرة اخرى و سنتولى نحن الامر ) و نجحت الحيلة وشقت السيارة طريقها الى ميدان اومونيا ثم إلى شاطئ اثينا و عرجت الى شارع جانبى وعند بوابة حديقة بيت كبير فتحت البوابة و اسرعت السيارة الى الداخل و ودع الاصدقاء صديقهم الذى اقتاده شاب اسمر الى الدور الثانى بعد ان تخلص من ملابس السيدات التى كان يرتديهاو هناك واجه مباشرة اثنين قالا له اننا نتابعك منذ وصولك ولم نتصل بك لانك مراقب من الموساد و لم يكن امامنا الا تلك الطريقة للاتصال بك و قال له ضابط المخابرات : إما ان تسافر الى مصر بجواز سفر اعددناه لك و تحل علينا ضيفا مدى حياتك فقد قدمت لنا خدمات كبيرة و اما ان تغادر هذا البيت الى اى مكان بشرط ان تنسى اى صلة لك بالمصريين . فقد كشفت نفسك بنفسك لانك خرجت عن اتفاقنا و سنكون سعداء بك فى القاهرة ضيفا معززا و اختار بولين الخيار الثانى و حاول اقناع محدثيه بعقم شكوكهم وانه خطط لزيادة شبكته فى اسرائيل و توسيع نطاق معلوماتها و رفض المصريون . و كانت المخابرات المصرية متيقنه من انه سيقبض على بولين ارسلت رسالة الى رفعت الجمال فى تل ابيب : ( هل انت جاهز للقيام بالعملية السابق افادتك بها و هل اعددت الترتيبات ..) و جاء الرد نعم فابرقوا اليه : يؤسفنا كثيرا ان تبلغ عن الضابط بولين اسكندر من بئر سبع انه وفق الخطة 59 عميل للمخابرات الالمانية نحن غير سعداء لذلك و لكنه اختار التهلكة و نحن لا نترك فرصة دون الاستفادة بها لرفع اسهمك و على باب الطائرة فى تل ابيب كانت الموساد فى استقبال بولين و انكر امام المحكمة الاسرائيلية انه يعمل لحساب اى جهة و القى موعظة طويلة امام القضاة هاجم العنصرية الاسرائيلية والتفرقة بين طوائف اليهود و هاجم المتربعين على كراسى السلطو و رفض الدفاع عن نفسه و صدر الحكم بإيداعه السجن مدى الحياة و عدم نشر معلومات عنه فى الصحف |
| | | The Egyptian Colonel عريـــف
عدد المساهمات : 39 نقاط : 79 سمعة العضو : 0 التسجيل : 26/10/2012 المهنة : Civil Engineer
| موضوع: للتثبيت : مجموعه كاملة من أهم عمليات المخابرات العامه المصرية الأحد أكتوبر 28, 2012 4:33 pm | |
| العملية الخامسة : عملية انقاذ
اندلعت حرب السادس من أكتوبر1973 م بغتة, علي نحو لم يتوقعه أو يتخيله العدو الإسرائيلي قط, بفضل خطة خداع استراتيجية متقنة,تضافرت من أجلها جهود العديد من أجهزة الدولة, وعلي رأسها جهاز المخابراتالعامة, الذي نفذ العشرات من العمليات المدهشة, التي شاركت فيها عقول خبرائه,وبطولات رجاله, وبسالات عملائه, الذين لم يتركوا ثغرة واحدة, أو احتمالا ولو ضئيلا, يمكن أن ينفذ منه الخصم,لإدراك أن مصر لم ولن تستسلم للهزيمة والاحتلال وأنها ستهب حتما لاستعادة حقها, ونيل ثأرها, وإن طال المدي.. وفي غفلة من العدو وعيونه, هبت مصر, وانقضت كعاصفة عاتية, أو كإعصار مباغت عنيف, لتقتلع خط ( بارليف), أقوي مانع عسكري عرفه التاريخ, وتسحق بلا رجعة أسطورة العدو الذي لا يقهر..
وانهزم العدو,وانتصر جيشنا, وراحت قواتنا تتدفق علي الضفة الشرقية لقناة( السويس), وأطلقترمال ( سيناء) زغرودة فرحة, وهي تستقبل الجنود أصحابها وأبناءها.. وتوالت الانتصارات, وأدرك العالم ـ لأول مرة ـ أن( مصر) دولة قوية صنديدة, قادرة علي المقاومة, والقتال.. والنصر..
ومع فرحة النصر, وسحر العبور, خرجت جموع الشعب المصري إلي الشوارع, إثر إعلان وقف إطلاق النار, تهتف باسم قائدها, وشجاعة وعبقرية رجاله, وبسالة جنوده وأبنائه,..
وفجأة, انطلقت من وسط الجموع صرخة, تحمل كل فرحة الدنيا.. ـ( ماهر) بك. اخترقت الصرخة أذني( ماهر), الضابط السابقفي القوات المسلحة المصرية, وأحد عملاء رجال المخابرات المصرية, الذين ساهموا في الحرب النفسية ضد العدو الإسرائيلي, طوال عدة أعوام ناجحة.. واستدار(ماهر) إلي مصدرها, ووقع بصره علي صاحبها, الذي اندفع يشق الجموع نحوه, وهو يهتف بسعادة غامرة: ـ ياإلهي!.. كم تسرني رؤيتك.
وحتي قبل أنيبتسم( ماهر) الذي تعرف صاحب الصرخة علي الفور, كان هذا الأخير يعانقه في حرارة, ويصافحه بانفعال لا محدود, ويشد علي يده في قوة, متسائلا فياهتمام: ــ هل تذكرني يا( ماهر) بك؟! اتسعت ابتسامة( ماهر) وهويقول: بالطبع أذكرك يا( إبراهيم)... كيف حالك؟! أطلق( إبراهيم)هذا ضحكة عالية, تموج بالارتياح, قبل أن يجيب: ـ أنا في خير حال...بفضلك, بعد الله سبحانه وتعالي, فلولاك لكان حالي الآن غيرالحال... غمغم( ماهر): ــ لولاي أنا؟!
ربت( إبراهيم) عليكتفيه بحرارة, قائلا, ومكررا: ــ لولاك, بعد الله( سبحانه وتعالي)يا( ماهر) بك. جمدت ملامح( ماهر) بضع لحظات, قبل أن يستعيد ابتسامته, وهو يغمغم: ــ حمدا لله علي سلامتك يا( إبراهيم). نطقها,وعقله يستعيد ذكريات أربعة أعوام مضت.. ذكريات أهم عملية في حياته... عملية إنقاذ..( إبراهيم)...
***
( إبراهيم)شاب بسيط, من أبناء( مصر) الذين عاشوا مرحلة النكسة, وانكسرت في أعماقهم حماسات جميلة, عاشوا يتغنون بها طويلا, فانسحقت معها نفوسهم, وخيم الظلام علي أحلامهم وآمالهم, فصاروا يتخبطون فترة كالعميان, في سنوات عصيبة عسيرة, استقرخلالها العدو في( سيناء) وتدلت قدماه في مياه قناة( السويس) وصدي ضحكاته الساخرة الظافرة يؤذي مسامع كل مصري وطني...
وعلي الرغم من أن(إبراهيم) قد خضع للتجنيد الاجباري كسواه, في تلك الفترة التي راحت( مصر)تسعي فيها لاستعادة جيشها وقوتها, إلا أن حلم السفر والعمل في الخارج ظل يراوده, في صحوه ومنامه, كأمل أخير في الخروج من الأزمة, وتجاوز المحنة,التي تصور مخطئا, كفئة من أهل( مصر) أن عبورها أكثر استحالة من عبور بحر منالنيران, بزورق من القماش, المغموس في بنزين نقي.. والعجيب ان هذا الحلم لم يفارق( إبراهيم) لفترة طويلة, حتي وهو يشارك رفاقه تدريباتهم ومناوراتهم, ويستمع إلي أحاديثهم التي تؤكد أن أحدا منهم لن يخرج من مرحلة التجنيد الإجباري أو يتجاوزها, إلا بعد مرور المحنة, التي تبدو وكأنها لا خروج منها قط... شئ ما في أعماقه كان يؤكد له أنه سيتجاوزها يوما, علي نحو أو آخر. ولان ذهنه منشغل دوما بأحلامه وأمنياته,ارتكب( إبراهيم) خطأ بسيطا في اثناء احدي المناورات, مما أديإلي اصابته بجرح, استلزم نقله إلي أحد المستشفيات العسكرية للعلاج. وفي المستشفي العسكري, جلس( إبراهيم) ينتظر دوره كالمعتاد, في صمت وصبر وسكوت, وعيناه تراقبان كل ما يحدث حوله, كوسيلة للتسلية البريئة, في ظروف كهذه.. ثم وقعت عيناه علي( صبحي)...
ضابط من أصل عربي, ترك مهنته ودولته, وأتي ليقيم في( مصر) مع زوجته, معلنا إيمانه بأهداف وطموحات قادتها, ومؤكدا استعداده للموت من أجلها.. وفي( مصر) استقر( صبحي)وحاز القبول لدي بعض المسئولين, فطاب له المقام, وحظي بمقام رفيع, ومنصب ممتاز, وعلاقات قوية, بدت واضحة للغاية, في تعاملاته داخل المستشفي العسكري, وأسلوب حديثه مع كبار مديريها ومسئوليها. وانبهر( إبراهيم)بوضع( صبحي) هذا في المستشفي, وانبهر أكثر باقتراب هذا الأخير منه, وجلوسه إلي جواره, بمنتهي البساطة والتواضع, والانهماك معه في حديث طويل, وكأنهما صديقان قديمان... وكعادة المصريين البسطاء, أفرط (إبراهيم) في الحديث, وراح يدلي بكل مالديه عن وحدته, ورفاقه, وتدريباتهم,والمناورة التي أصيب فيها أيضا... وباهتمام مغلف بالهدوء والبساطة, استمع إليه( صبحي) هذا,وتركه يروي كل ما لديه, قبل أن يمنحه ابتسامة كبيرة, ويربت علي كتفه,قائلا: ــ لابد أن نلتقي كثيرا يا أخ( إبراهيم)... سأعطيك عنواني ورقمهاتفي, وسأنتظر زيارتك. لم يصدق( إبراهيم) نفسه, عندما طلب منه(صبحي) زيارته, واحتفظ بالورقة التي تحوي العنوان ورقم الهاتف, وهو يمني نفسه بأن يساعده هذا الشخص, صاحب الاتصالات والنفوذ, في تحقيق حلمه القديم...
وفي أول اجازة له, اتصل( إبراهيم) بذلك الرجل( صبحي)فاستقبل الرجل اتصاله بالحرارة والترحاب, وطلب منه أن يأتي لزيارته فورا... ولم يضيع( إبراهيم) لحظة واحدة... لقد ذهب فورا لزيارة(صبحي), وكله لهفة في أن يقص عليه حلمه, وأن يجد لديه مطلبه... وفيمنزله, استقبله( صبحي) بحرارة وترحاب أكثر, ليقفز انبهار( إبراهيم) إلي الذروة, مع مرأي المنزل الفاخر, والأثاث الأنيق باهظ الثمن, والأجهزة التي لم ير لها مثيلا, إلا في أفلام السينما الحديثة فحسب... ومع انبهار(إبراهيم) وخفقات قلبه المشدوهة, راح( صبحي) يتحدث إليه, ويسأله عنأحواله, وأحوال وحدته, وآخر أخبار المناورات...
وفجأة, سأله(إبراهيم) وكأنه لم ينتبه إلي وجوده إلا في هذه اللحظة: ـ سيد( صبحي)...ألك معارف في دول الخليج؟! صمت( صبحي) بضع لحظات, وهو يتطلع إليه, قبلان يبتسم ابتسامة كبيرة, وهو يتراجع في مقعده, قائلا: ــ لي أخت تقيم في( الكويت) وزوجها يمتلك تجارة كبيرة هناك. هتف( إبراهيم) في لهفة: ــ وهل.. هل يمكنك أن تجد لي عملا لديه؟!
اتسعت ابتسامة(صبحي) أكثر, وهو يجيب: ــ بالتأكيد. ولم يكد( إبراهيم) يغادرالمنزل بعدها, وهو يكاد يطير فرحا, حتي أطلق( صبحي) هذا ضحكة عالية مجلجلة, والتقط سماعة هاتفة, مغمغما: ــ طير جديد وقع في القفص. في الليلة نفسها, وإثر المحادثة الهاتفية, استقبل( صبحي) ضيفا آخر, فيالتاسعة والنصف مساء, وصافحه في حرارة, قائلا: ــ لدينا طير جديد. سأله ذلك الضيف الجديد( ماهر) في اهتمام: ــ وما نوعه؟!...
ولساعة كاملة, راح( صبحي) يشرح لصديقه( ماهر) كل مايتعلق بذلك الشاب( إبراهيم) قبل أن يقول في النهاية: ــ وكما تري هو صيد ممتاز, سيسعد الأصدقاء محبي السلام في العالم الحر, وموقعه سيمنحنا الكثير منالمعلومات, التي ستساعدنا علي معرفة ما إذا كان المصريون يستعدون بالفعل لحرب ثأرية, أو أنهم سيستسلمون لحالة الاحتلال هذه.
قال( صبحي) كل هذا واستخدم تلك المصطلحات التي ميزت عالم الجاسوسية, في تلك الحقبة, مطمئنا الي أن( ماهر) يعمل إلي جواره, لصالح المخابرات الإسرائيلية, التي رمز إليها , باسم( العالم الحر), دون أن يخطر بباله, ولو لحظة واحدة, أن(ماهر) هذا يعمل لحساب جهاز مخابرات آخر تماما..
لحساب المخابرات العامة المصرية..
ولقد استمع إليه( ماهر) في هدوء واهتمام, كما علمه رجال المخابرات المصرية, قبل أن يقول في حزم: ـ أريد أن أراه أولا,وسأخبرك برأيي بعدها.
ضحك( صبحي) قائلا: ـ اطمئن.. لقد طلبتمنه أن يحضر غدا مساء, مع كل أوراقه, فهو يتصور أن لدي من الاتصالات, مايمكنأن يتيح له الخروج من وضعه الحالي, والسفر للعمل في( الكويت)فورا.
أدرك( ماهر) علي الفور أن( صبحي) قد ألقي شباكه بالفعل حول( إبراهيم), وأنه لم يعد أمامه سوي أن ينشب مخالبه فيه, ويلقيه فيالمستنقع, الذي كاد هو نفسه أن يقع فيه, لولا يقظته في اللحظة الأخيرة, ولجوئه إلي رجال المخابرات العامه المصرية..
وبعد منتصف الليلة نفسها بساعة أو يزيد, التقي( ماهر)بضابط المخابرات المصري( أ.ص), الذي يتابع حالته, وأخبره بأمر(إبراهيم), ومايعده ( صبحي) الجاسوس له. وبكل الحزم, قال(أ.ص): ـ لاتدعه يقع في الفخ أبدا يا(ماهر).. امنعه من هذا بأي ثمن...هل تفهم.. بأي ثمن. ثم صمت بضع لحظات, قبل أن يضيف: ـ ربما كانت سياسة بعض أجهزة المخابرات الأخري, هي أن تترك مثله, حتي يسقط في المستنقع,لتزيد من عدد انتصاراتها, عندما تلقي القبض عليه فيما بعد, أما نحن فسياستنا تختلف.. إننا نسعي لمنعه من السقوط, بأية وسيلة كانت. ووضح يده علي كتفه, مكملا: ـ إنها مهمتك. والتقط( ماهر) الكلمة, وأقسم فيأعماق نفسه علي تنفيذها, بالأسلوب الذي حدده له( أ.ص)..
مهماكان الثمن.. وفي زيارة( ابراهيم) التالية, كان( ماهر) هناك,يشاركهم مجلسهم, ويتعامل مع( ابراهيم) بغلظة وفظاظه وتجاهل, جعل هذا الأخير يبغضه كل البغض, ويتصور أنه يحاول منعه من السفر للعمل في( الكويت), لأنه يغار منه, ويرفض له الخير.. وحاول( ابراهيم) ان يجتذب( ماهر) بأية وسيلة, طوال تلك الليلة, ولكن( ماهر) ظل عابسا في وجهه, متجهما معه,حتي انصرف الشاب, تاركا كل أوراقه للجاسوس( صبحي) وهو يلعن( ماهر) فيأعماقه ألف مرة.. وبعد انصرافه, سأل( صبحي) ماهر في حيرة, عن سر تعاملاته الفظة مع( ابراهيم), فأجابه في حزم: ـ إنه لايساوي شيئا.. كل مالديه من معلومات يمكنني إحضار ماهو افضل منه.. وصمت لحظة, قبل أنيضيف: ـ وبسعر أقل..
ليلتها ضحك( صبحي) كما لم يضحك من قبل,وتصور انه قد فهم هدف( ماهر) من إبعاد( إبراهيم), وقال في حماس: ـ انتعلي حق.. لماذا نمنحه مكافآت كبيرة.. فلنخبرهم أننا قد جندناه, ولنمنحهم ماكنا سنحصل عليه من معلومات, ولنربح نحن مكافأته.
شاركه( ماهر)ضحكته وهو يشعر بارتياح عميق في أعماقه, لأن مهمته قد نجحت من الضربة الأولي.. ولكنه لم يكتف بهذا, فما تعلمه من رجال المخابرات المصرية, جعله لايستكين لأي نصر عاجل وسريع, لذا فقد التصق أكثر بالجاسوس( صبحي), وحضر كل مقابلاته التالية مع( إبراهيم), وتأكد من أنه لم يعد يوليه الاهتمام الكافي,حتي يأس الشاب, وانصرف نهائيا, وهو يبغض( ماهر) أشد البغض..
ثم قرر رجال المخابرات العامة إنهاء قضية الجاسوس( صبحي), وتم إلقاء القبض عليه,في مارس1969 م. وفي التاسع والعشرين من ابريل, في العام نفسه, نشرتالصحف تفاصيل إلقاء القبض علي الجاسوس( صبحي) ونشرت صورته, وصورة( ماهر),ودوره في العملية, التي لعب فيها دور الجاسوس المزدوج, ليخدم المخابرات الإسرائيلية وجاسوسها, ويوقع الجميع في النهاية.. وقرأ( ابراهيم)الصحف, وشاهد الصور.. ووقع قلبه بين قدميه..
لحظتها فقط فهم( إبراهيم) ما الذي كان يفعله( ماهر), عندما كان يتعامل معه بكل الغلظة والخشونة والصلف, أثناء زياراته للجاسوس(صبحي).. لحظتها فقط أدرك انه قد منعه من السقوط في مستنقع رهيب, لو دفع فيه قدميه, لحملت الصحف صورته, إلي جوار صورة( صبحي) في ذلك اليوم.. وتحولت مشاعره في لحظة واحدة, تجاه( ماهر), منالبغض الي التقدير.. كل التقدير.. لقد أنقذت حياتي ومستقبلي يا( ماهر)بك.. انتزعت عبارة( إبراهيم)( ماهر) من أفكاره وذكرياته, فاستعاد ابتسامته, وهو يربت علي كتف( ابراهيم)قائلا: ـ لم أكن وحدي يا(إبراهيم). هتف( إبراهيم) في حرارة: ـ أعلم هذا يا( ماهر) بك..أعلم هذا.. ثم عاد يعانقه, ليهمس في ذلك.. أبلغهم تحياتي.. وشكري أيضا.. شكري الجزيل. ابتسم( ماهر) مرة أخري قائلا: ـسأفعل. مرة أخري, تصافحا, وافترقا وسط الجموع, التي تحتفل بالنصر,و(ماهر) يشعر بالسعادة والفخر, والزهو بنفسه, لأنه شارك يوما في تلك العملية, التي مازال يعتبرها أهم عملية في حياته.. عملية إنقاذ... مواطن مصري.
|
| | | The Egyptian Colonel عريـــف
عدد المساهمات : 39 نقاط : 79 سمعة العضو : 0 التسجيل : 26/10/2012 المهنة : Civil Engineer
| موضوع: للتثبيت : مجموعه كاملة من أهم عمليات المخابرات العامه المصرية الأحد أكتوبر 28, 2012 4:36 pm | |
| العملية السادسة : الخدعة الطبية
قتربت ساعة الصفر , وبدأ العد التنازلي لحرب أكتوبر و بلغت حرارة الرجال حداً مخيفاً , على الرغم من إنخفاض درجات الحرارة و وصولها إلى معدلات معتدلة بالنسبة لهذه الفترة من العام...... فكل شيء ينبغي دراسته بمنتهى الدقة و العناية حتى أدق التفاصيل , بحيث تمضي الخطة في مسارها , دون أن ينتبة العدو أو تلتقط عيونه لمحة واحدة يمكن أن تفصح عما يديره جيشنا و تعده له قياداتنا السياسية والعسكرية.....
و كلما برزت مشكلة , كان عليهم أن يفحصوا و يمحصوا , ويجاهدوا للبحث عن أفضل الحلول لها , و بأكثر الوسائل أمناً....
و في الوقت ذاته كانت هناك مشكلات معتادة و تقليدية في كل الحروب يدركها و يعلمها العدو , ومن الضروري أن يجد الخبراء لها حلولاً مبتكرة و جديدة بحيث لا ينتبه العدو إلى هذه الحلول التي تقوده بالطبع إلى وجود المشكلة , و إرتباطها الحتمي بقرب إندلاع الحرب......
و من أكبر المشكلات هي مشكلة توفير أماكن العلاج للمصابين الذين قدر الخبراء أنهم سيبلغون 50% في موجة العبور الأولى , ثم يتناقص العدد بعدها تدريجياً......
و طبقاً لتقدير الخبراء كان من الضروري أن يتم إخلاء عدد من المستشفيات المدنية حتى يمكنها إستقبال كل هذا العدد الذي لن تستوعبه مستشفيات القوات المسلحة وحدها......
و من أجل هذه المشكلة إجتمع الرجال كثيراً وراحوا يدرسون و يفكرون و يتناقشون و يتجادلون.....
و في إهتمام شديد قال أحدهم في الرابعة و النصف صباحاً :- -(المشكلة أن إخلاء المستشفيات المدنية ليس بالعمل البسيط الذي يمكن إخفاؤه , فكل مريض يسعى للعلاج سيشعر بالغضب و الثورة , و سيشكو إلى جيرانه و أقاربه وأصدقائه و زملاء عمله و سيجد بينهم من ينقل الخبر إلى تل أبيب...)
فبدا على الرجال شيء من الضيق و الإحباط , ثم لم يلبث أحدهم أن إعتدل في حركة و قال في حماسة:- -(إلا لو تم هذا لسبب منطقي) التفتت إليه العيون كلها في تساؤل وجد طريقه إلى لسان أحدهم , و هو يقول:- -(و ما الذي يمكن أن يكون هذا السبب المنطقي؟) أجابه الأول في حماسة:- -(سبب طبي بحت) ثم راح يشرح الخطة التي برزت في ذهنه , و بكل التفاصيل.. و إستمع إليه الرجال بمنتهى الإهتمام حتى إنتهى من الشرح دون أن يقاطعه أحدهم لحظة واحدة , ثم بدءوا مناقشاتهم و محاوراتهم التي إمتدت إلى السابعة صباحاً , قبل أن يربت رئيسهم على منضددة الإجتماعات براحته قائلاً:- -(على بركة الله ... فلنضع الخطة موضع التنفيذ) ********************* و بعد سبع ساعات و إثنتي عشرة دقيقة وصل إلى إحدى الوحدات العسكرية في السويس قرار من إدارة شئون الضباط للقوات المسلحة , بتسريح ضابط طبيب من الخدمة , و عودته إلى الحياة المدنية....
و لما كان هذا الإجراء نادر الحدوث في تلك الفترة فقد أظهر الضابط الطبيب فرحته و سعادته , و همس للمقربين إليه بأن جهود خاله الذي يحتل مكانة رفيعة في القيادة هي التي منحته هذا الإمتياز و أعادته إلى الحياة المدنية , حتى يستطيع إكمال دراساته العليا , التي توقفت مؤقتاً بسبب إلتحاقه بكلية ضباط الإحتياط منذ عدة سنوات...
و كإجراء طبيعي لم يكد الطبيب (ع) يعود إلى حياته المدنية , حتى تسلم وظيفته السابقة في وزارة الصحة , التي تركته على قوتها ليومين أو ثلاثة قبل أن تمنحه خطاب التعيين في مستشفى (الدمرداش) الذي وقع عليه الإختيار ليكون على رأس قائمة المستشفيات المطلوب إخلاؤها قبل أن تنشب الحرب.....
والتحق (ع) بالمستشفى و أبدى نشاطاً ملحوظاً و مهارة و كفاءة في عمله في قسم الجراحة.
و قبل أن يمضي أسبوع واحد على تسلمه العمل حتى كان يتقدم بمذكرة إلى مدير المستشفى في إنفعال:- -(خطأ ...... إستمرار العمل بهذا المستشفى خطأ) تطلع إليه المدير في دهشة و سأله:- -(لماذا؟! كل شيء يدور على مايرام) فقال (ع) في حزم:- -(هذا ما يبدو ظاهرياً و لكن هناك مشكلة بالغة الخطورة , لست أدري كيف لم ينتبه إليها أحد)
ثم مال نحو المدير و أضاف في لهجة تشف عن خطورة الأمر:- -(معظم عنابر المستشفى ملوثة بميكروب التيتانوس) قفز المدير من مقعده كالمصعوق و هو يهتف:- -(التيتانوس ؟! هذا مستحيل !)
إحتدمت المناقشة بينهما لفترة طويلة , و أصر الطبيب (ع) على رأيه وعلى أن مواصلة إستقبال المرضى في المستشفى لها عواقب وخيمة , و حذر المدير من أنه سيحمله المسئولية الكاملة لو إنتشرت الإصابة بالميكروب .
و لم يخضع المدير للأمر بسهولة , و إنما قرر القيام بفحص شامل , و إجراء عدد من التحليلات , قبل إتخاذ أي قرار في هذا الشأن .. و تم تجميع العينات المطلوبة , و إجراء كل الفحوص الممكنة...
ثم أتت النتائج.......
و المدهش أنه و على الرغم من خلو المستشفى فعلياً من الميكروب , إلا أن كل النتائج إيجابية و كأنما تحول مستشفى (الدمرداش) فجأة إلى مزرعة نشطة لميكروب التيتانوس بالذات.
و صدر قرار بإخلاء المستشفى تماماً من المرضى لتطهيره من الميكروب , و تم إتخاذ كل الإجراءات اللازمة لهذا .....
و في نفس الليلة إجتمع الرجال مرة أخرى ..... كان من الواضح أن خطتهم تسير على ما يرام بالنسبة لمستشفى (الدمرداش) و لكن أحدهم طرح سؤال غاية في الأهمية:- -(ماذا عن المستشفيات الأخرى ؟! هل سنتبع معها الخطة ذاتها؟!) أجابه أحد زملائه في حسم:- -(من المستحيل أن نفعل , فلو تكرر الأمرعلى النحو نفسه سينتبه العدو إلى أن الأمر ليس طبيعياً , مما سيثير شكوكه , و يدفعه إلى دراسة الأمر و تحليله , مما سيوصله حتماً إلى إستنتاج الحقيقة) عاد الأوليسأل :- -(ماذا يمكننا أن نفعل إذن ؟) ران عليهم صمت ثقيل و كل منهم يفكر في الأمر , ثم كسر أحدهم ذلك الصمت و هو يقول في إهتمام:- -(دعونا نطرح سؤالاً على أنفسنا .. ما الذي ينبغي فعله في الظروف العادية لو أن مستشفى (الدمرداش) تلوث بميكروب التيتانوس فعلياً ؟) أجابه أحدهم بسرعة:- -(ستكون فضيحة و سيصبح الأمر حديث الصحف) قال الرجل في إرتياح:- -(عظيم هذا بالضبط ما نحتاج إليه) تساءل أخر في دهشة :- -(الفضيحة؟!) أجابه في حماس:- -(بل حديث الصحف)
قالها و راح يشرح فكرته التي إعتمدت على تعاون الصحافة و تأثير الكلمة المطبوعة على مشاعر الجماهير , و خاصةً لو كانت كلمة من كاتب يحترمه الجميع و يثقون بما يقول تمام الثقة ..
و كل رجل مخابرات يدرك أنه من أهم المصادرالتي يستقي منها العدو معلوماته - الصحف - حتى إنه لكل جهاز تقريباً قسم خاص , مهمته الحصول على الصحف و المطبوعات , للإطلاع على ما بها من معلومات , و دراستها وتحليلها.
و من هذا المنطلق إتخذ الرجال قرارهم بالوسيلة التي ينبغي التعامل معها في هذا الشأن مع رجال الصحافة و الإعلام.
و في السادسة صباحاً , إرتفع رنين الهاتف في منزل الكاتب الصحفي (م ص) الذي إستيقظ على الفور و إلتقط سماعة الهاتف في سرعة متصوراً إنهم يستدعونه في الصحيفة التي يعمل بها , لحدوث ظرف طارئ يحتاج لتغطية صحفية , و عندما ألقى السؤال على محدثه , أن يسمع على الطرف الأخر صوتاً مهذباً يقول:- -(معذرة يا أستاذ <م ص> .. أنا <......> من المخابرات العامة المصرية) إنتفض جسد الرجل في دهشة , و تساءل في عصبية عن السبب الذي يطلبه من أجله رجل المخابرات في السادسة صباحاً , فإعتذر له الرجل في لهجة شديدة التهذيب و قال له:--(الواقع أنه أمر عاجل و سري للغاية .. هل تمانع من تناول قهوة الصباح معنا؟)ردد الكاتب في قلق شديد:--(قهوة الصباح فقط؟!)أجابه رجل المخابرات:--(بالتأكيد)صمت الكاتب بضع لحظات , و كأنما يدر الأمر في رأسه و يقول:--(موافق , سأرتدي ملابسي و أتصل بالجراج لإحضار السيارة و....)قاطعه الرجل بلهجة مهذبة:--(لا داعي .. ستجد سيارتنا في إنتظارك أمام الباب) ضاعف هذا الرد من توتر الكاتب الصحفي (م ص) و قلقه , إلا إنه إرتدى ثيابه بسرعة , ثم هبط من منزله ليجد من يستقبله أمام السيارة بتحية حارة , وفتح له الباب الخلفي في إحترام , ثم إنطلق في شوارع (القاهرة) نحو أحد المباني التابعة لجهاز المخابرات العامة , فإستقبل رجل المخابرات الكاتب الصحفي بإبتسامة ودود و قال له رجل المخابرات:--(تقبل إعتذارنا مرة أخرى يا أستاذ <م> و لكنك عندما تعرف لماذا طلبنا مقابلتك ستقدر موقفنا جيداً)لم تكن الكلمات كافية لإزالة توتر الكاتب الصحفي , و لكن أسلوب رجل المخابرات البسيط , و طريقته المباشرة في شرح الأمور , و توضيحه لأهمية تعاون الأستاذ (م) مع الجهاز , كلها أزاحت حواجز التوتر و القلق و جعلت الكاتب يستمع في إهتمام و إنتباه و يتفاعل مع الموقف بكيانه كله. و الطريف أن رجل المخابرات لم يشرح للكاتب حقيقة الموقف قط .. كل ما قاله هو أنهم يحاولون إجراء تجربة علمية , لما يمكن أن يحدث لو لجأ العدو إلى أسلوب (الحرب البكتروبيولوجية) , و نشر نوعاً من الميكروبات في البلد و خاصةً في المستشفيات , و أن أفضل وسيلة إجراء مثل هذه التجربة دون إثارة الذعر , هي إدعاء وجود ميكروب معروف , يلوث عدداً من المستشفيات ,مما يحتم إخلاءها بأقصى سرعة.. و إقتنع الأستاذ (م) تماماً بحديث رجل المخابرات, بل تحمس له بشدة... و في الصباح التالي مباشرة , نشرت جريدة الأهرام خبر إخلاء مستشفى (الدمرداش) من المرضى بسبب تلوث معظم عنابره بميكروب التيتانوس ... ثم جاء دور الأستاذ (م) .. و في مقال ملتهب إستنكر (م) ما حدث في مستشفى (الدمرداش) و عزاه إلى الإهمال و الإستهتار , ثم تساءل في النهاية عما إذا كان الأمر يقتصر على هذا المستشفى وحده أم أن مسلسل الإهمال قد بلغ بعض المستشفيات الأخرى. و في اليوم التالي خرج بمقال أخر حول الموضوع نفسه....ثم مقال ثالث , و مع رد إنفعال الجماهيري , و بناءً على هذه الحملة الصغيرة الساخنة , أصدرت وزارة الصحة قراراً بإجراء تفتيش على باقي المستشفيات الأخرى. و الطريف أنها أسندت إلى الطبيب (ع) نفسه من قبيل المصادفة. و إنطلق (ع) يواصل مهمته و يجري التفتيش على عدد كبير من المستشفيات , و من ضمنها تلك التي تحتل القائمة التي وضعها رجال المخابرات و وزارة الدفاع. و لم يكد أكتوبر يأتي حتى كان العدد المطلوب من المستشفيات قد تم إخلاؤه نهائياً , و نشرت جريدة الأهرام تحقيقاً علنياً حول هذا الأمر , مع صور الأسرة الخالية و عمليات التطهير المستمرة... و إلتقط رجال المخابرات أنفاسهم في إرتياح لنجاح الخطة , ثم عادوا يكتمونها في قلق شديد , خشية أن يكشف العدو الأمر قبل إندلاع الحرب , و لكن هذا لم يحدث و الحمد لله..... و بعد ستة أيام بالتحديد قامت حرب أكتوبر و إندفعت موجة العبور الأولى تشق قناة السويس , و تعبر حاجز الهزيمة و تحتل أقوى خط دفاعي في التاريخ , و تحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي , الذي أشاع أنه لا يقهر أبداً... و خفقت قلوب الرجال في حماس و زهو لا يخلوان من الدهشة و التقدير .. لقد تحقق عامل المفاجأة إلى أقصى تقدير , و بوغت العدو تماماً لعملية العبور , حتى إن معدلات الخسائر التي قدرها الخبراء بخمسين في المائة في موجة العبور الأولى , إنخفضت حتى لم تتجاوز العشرة في المائة , و هو أقل معدل للخسائر عرفته الحروب الحديثة , في عملية عبور مائي حصين كهذا. و عندما تحركت كتائب الإسعاف لنقل المصابين إلى الخطوط الخلفية , و توفير أفضل عناية و رعاية لهم , كانت كل المستشفيات المطلوبة خالية , و معدة لإستقبالهم , و توفير كل الخدمات الطبية لكل واحد منهم.... هذا لأن الخدعة قد نجحت نجاحاً منقطع النظير. |
| | | The Egyptian Colonel عريـــف
عدد المساهمات : 39 نقاط : 79 سمعة العضو : 0 التسجيل : 26/10/2012 المهنة : Civil Engineer
| موضوع: للتثبيت : مجموعه كاملة من أهم عمليات المخابرات العامه المصرية الأحد أكتوبر 28, 2012 4:39 pm | |
| العملية السابعه : أوراق اللعب
مع وفاة الزعيم جمال عبد الناصر وتولى السادات مقاليد الحكم فى مصر ، بدت الأمور
هادئة تماما واعتقد الجميع ان حالة اللا حرب و اللا سلم ، ستدوم للأبد وخاصة مع
هدوء السادات الظاهري وإيحاءه للجميع بأنه لا يستطيع ان يدخل فى حرب جديدة مع
الكيان الصهيوني ، وخلف كل هذا كانت الأمور مختلفة تماما لقد كانت كل أجهزة الدولة
فى حالة استنفار عام استعدادا لمعركة المصير …ومن بين تلك الأجهزة كان جهاز
المخابرات العامة المصرية الذى انطلق رجاله فى كل أركان الدنيا ليصنعوا اكبر شبكة
معلومات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ولتتوالى العمليات الناجحة لهذا الجهاز
الاسطورى على نحو أدهش العدو قبل الصديق ، وفى تلك الفترة الحرجة صدرت أوامر
جديدة بمهمة خاصة للمخابرات المصرية ، وهى الحصول على شفرة الدفاع
الجوى الاسرائيلى ..وعلى الرغم من صعوبة المهمة بل واستحالتها ، إلا ان رجال
المخابرات كالعادة عقدوا اجتمعا فوريا لبحث الطريقة المثلى للحصول على هذا السر
الحربي الخطير والذي سوف يكفل لنسور الطيران المصري التجول بحرية وتنفيذ المهام
الخاصة بهم عندما تأتى ساعة الحسم دون ان تستطيع أنظمة الدفاع الجوى
الاسرائيلى اعتراضهم .. وكأجراء تقليدي راح الجميع يراجعون كل ما لديهم عن نظام
الدفاع الجوى الاسرائيلى من ناحية أساليبه و أسلحته وقادته وجنوده ..وكل شيء
ولكل نقطة من النقاط السابقة كانت هناك عشرات من الملفات والمعلومات التي
جمعها الرجال فى شهور عديدة ؟،
وبمنتهى الصبر راح الرجال يراجعون كل الملفات والمعلومات مهما بدت صغيرة، وبعد
أسبوع كامل من المناقشات اتفق الجميع على ان الطريقة الوحيدة لمعرفة الشفرة
المطلوبة ستكون من خلال الرجل المسئول عنها مباشرة ، الجنرال ( ايزاك رابينوفيتش
) وهو من اليهود الروس الذين كانوا أول من هاجر الى فلسطين قبل حرب 1948م
وإعلان قيام دولة إسرائيل التى التحق بأول جيش لها وأخذ يترقى فى المناصب حتى
حصل على رتبة جنرال بعد حرب يونيو 1967 ، وعلى الرغم من جنسيته الروسية لم
يكن رابينوفيتش يحمل اى ملامح روسية على الإطلاق بل كان يبدو مثل اليهود
الشرقيين اسمر البشرة والشعر ثم انه كان يعشق المال أكثر مما يعشق اى شيء
فى الدنيا كلها والعجيب انه على الرغم من عشقه الشديد للمال والادخار والبخل
اليهودي الشديد الذى يشتهر به بين زملائه ورجاله ، إلا انه كان لاستطيع مقاومة لعب
الورق ( القمار ) فى أمسيات السبت وكان يفرح كثيرا عندما يكسب ويكاد يبكى فى
حالة الخسارة حتى لو كانت مبالغ صغيرة، وكان عشقه للعب الورق نقطة ضعف واضحة
لم يلتفت إليها قادة إسرائيل لمعرفتهم بولاء رابينوفيتش الشديد لإسرائيل ..وحار رجال
المخابرات فى كيفية الاستفادة من نقطة الضعف هذه للحصول على السر المنشود ،
حتى وصلتهم معلومة عن طريق التحريات الدقيقة ان الجنرال رابينوفيتش يحتفظ
بنسخة من كل الوثائق السرية جدا فى خزينة منيعة مخفية بمهارة داخل منزله ، ولا
احد يعلم مكان تلك الخزينة حتى زوجته نفسها..ولأن اى عملية اقتحام كانت مرفوضة
تماما نظرا لان الأسرار تفقد أهميتها إذا ما أدرك الخصم انك حصلت عليها فقد كان من
الضروري البحث عن وسيلة عبقرية للوصول الى منزل الجنرال والبحث عن الخزينة
وفتحها والحصول على الوثائق دون ان يشعر الجنرال ان ذلك قد حدث !! وهنا جاءت
الفكرة العبقرية واقترح الرجال ان ينفذ العملية شخص من داخل إسرائيل حتى يحوز
ثقة الجنرال بسرعة وسهولة ، ووقع اختيار الرجال على احد عملاء الجهاز داخل
إسرائيل وهو رجل اعمل اسرائيلى يدعى ( دافيد باراهودا ) وكان قد هاجر الى
إسرائيل وكره تلك الحياة الاستبدادية داخله لتتلقفه يد المخابرات المصرية ليعمل
لحسابها بمنتهى الإخلاص منذ أوائل عام 1970 ، وبدأت العملية فى شتاء عام 1972م
عندما سافر دافيد الى باريس بناء على برقية شفرية من المخابرات المصرية ، وهناك
التقى برجل المخابرات امجد وعدد أخر من الرجال بينهم خبير فى العاب الورق والذي
راح يدربه على ابرع حيلها وأدق أسرارها . وفى النهاية عاد دافيد الى تل أبيب بصحبة
رجل أعمال فرنسي يحمل جواز سفر سليما باسم ( فرانسوا مولييه ) ويهوى أيضا
لعب الورق.. وبعد فترة قصيرة كان فريق دافيد وفرانسوا قد اشتهر بالبراعة فى هذا
المضمار وعقد عددا من الصداقات مع من يمارسون اللعب فى أمسيات السبت حتى
قام احدهم بتقديم دافيد و فرنسوا الى الجنرال رابينوفيتش باعتبارهما هواة لعب الورق
بنفس الحذر والمبالغ الصغيرة التي يهوى هو اللعب بها. وكان من الطبيعي ان يقبل
رابينوفيتش بلعب دورة واحدة مع اللاعبين الجدد كنوع من الحذر ولقد قامر بمبلغ صغير
جدا خشية الخسارة… الا انه ربح هذه المرة وفى المرة الثانية والرابعة والسابعة !!!
ربح ثلاث دورات لأول مرة فى حياته حتى انه نسى وقاره و أجراءته الأمنية المعتادة
وراح يصرخ من الفرحة واستمر فى اللعب وربح مجددا ، وفى نهاية السهرة أصر على
ان يلتقي بالثنائي مرة أخرى فى السبت التالي وكل سبت ، ومع توالى الأسابيع
والربح أدمن الرجل اللعبة وصار يسهر حتى منتصف الليل على طاولة اللعب كما لم
يفعل من قبل ، وبدأ يتعامل مع دافيد وفرانسوا كصديقين حميمين خاصة أنهما كانا
يتقبلان الخسارة بنفس صافية ودون غضب.. والواقع ان الرجلين كانا يلعبان ببراعة ليس
لها مثيل ليخسرا دورة من كل دورتين تقريبا لحساب الجنرال الذى انبهر بالأرباح وأصبح
يعتبر اللعب لأول مرة فى حياته وسيلة شبه منتظمة للربح ، حتى كان ذلك اليوم فى
بداية صيف عام 1973 م ، يومها كان كل شيء يسير كالمعتاد والجنرال يكسب ويحصى
أرباحه من أمسية اليوم، حتى حدثت تلك المشاجرة بين الفرنسي ونادل صالة اللعب
وتطور الشجار بسرعة لينتهي بالفرنسي خارجا من المقهى وهو يقسم بأرواح أبائه
وأجداده انه لن يدخل هذا المكان مرة أخرى ، ولأنه ضيفا على دافيد فقد خرج معه وهو
يحاول تهدئته بينما كان الجنرال يبذل قصارى جهده لتهدئة الموقف الاستكمال أرباح
الليلة التي اعتاد عليها، وغادر الجنرال وهو غاضب وهو يمنى النفس باستكمال الأرباح
فى السبت التالي ولكن دافيد وفرانسوا لم يحضرا فى السبت التالي ولا الذى يليه ،
وبعد مرور 4 أسابيع انهارت مقاومة الجنرال واخذ يبحث عن رفيقي اللعب بكل لهفة
وعندما عثر عليهما كانت الصدمة فالفرنسي اقسم انه لن يدخل هذا المكان أبدا ، بل
انه اقسم انه لن يلعب فى اى مكان عام مرة أخرى حفاظا على كرامته وهيبته،
وبالطبع كان دافيد يوافق ضيفه على ذلك الموقف..وراح الجنرال يبحث عن طريقة
مناسبة لاستكمال حلقة الربح الذى أحبه وأدمنه ولم يعد من الممكن ان يتخلى عنه ،
ثم جاءته الفرصة على طبق من ذهب عندما ربحت زوجته رحلة مجانية لمدة شهر
كامل من شركة( بيتون ) للسياحة التي أعلنت أنها ستتكفل بمصروفات السفر
والإقامة بالإضافة الى حصولها على جائزة مالية بقيمة المصروفات الخاصة !! ولأن الأمر
لا يقاوم سافرت زوجة الجنرال وتركته وحده فى منزلهما طوال الفترة من منتصف
أغسطس الى منتصف سبتمبر 1973م ، وعلى ذلك تلقى دافيد باراهودا وفرانسوا
مولييه الدعوة لقضاء أمسيات السبت فى منزل الجنرال ايزاك رابينوفيتش حول طاولة
لعب خاصة… ووصلت المخابرات المصرية الى قلب منزل الرجل الذى يحتفظ بأهم
أسرار العسكرية الإسرائيلية ، وعندما تأتى سكرة الربح ويغرق الجنرال فى نعاس
عميق محتضنا أمواله وأوراق اللعب ، وفى حين يجلس دافيد لحراسته، كان العميل
المصري الذى ينتحل شخصية الفرنسي ليخفى حقيقته كخبير خزائن لا يشق له غبار
، يبدأ فى التجول بحرية داخل منزل الجنرال ليفحص كل شبر بحثا عن تلك الخزينة
السرية التي تحوى كل أوراق ووثائق الجنرال السرية ، والواقع ان تلك الخزينة كانت
تحفة أمنية بكل المقاييس حتى ان خبير الخزائن المحنك قد احتاج الى ثلاثة أمسيات
كاملة قبل ان يعثر عليها والى أربع ساعات كاملة فى الأمسية الرابعة والأخيرة قبل
عودة زوجة الجنرال ، حتى يتجاوز كل استحكاماتها مع أول ضوء شمس ، ليبدأ البحث
وسط كل ما تحتويه من أوراق سرية عن شفرة الدفاع الجوى.. ومن المؤكد ان
المخابرات المصرية أدركت كم كانت خطتها عبقرية عندما تلقت ثلاثة من الميكروفيلم
تحوى عشرات الصور التي التقطها العميل المصري لكل الوثائق السرية التي تحتويها
الخزينة قبل ان يعيد إغلاقها على نحو لا يمكن معه كشف ما فعله بها وبمحتوياتها،
وفى الوقت ذاته الذى تلقت فيه القوات الجوية المصرية شفرة الدفاع الجوى
الاسرائيلى كان دافيد وفرانسوا يواصلان للعب والخسارة أمام الجنرال رابينوفيتش فى
نفس المقهى الذى وافق الاثنان على العودة إليه بعد عودة زوجة الجنرال من الرحلة
التي دفعت ثمنها المخابرات المصرية عبر واحد من أهم واخطر عملائها فى تل أبيب ،
وفى الرابع من أكتوبر 1973 م سافر دافيد وفرانسوا (رجل المخابرات المصرية ) الى
باريس مع وعد للجنرال بقضاء أمسية السبت التالي فى المقهى ليواصل أرباحه ،
وكانت تلك هي أخر مرة يحصل فيها الجنرال على أموال المخابرات المصرية ، ففي ظهر
السبت التالي السادس من أكتوبر 1973م انقضت الطائرات المصرية على خط بارليف
وكل معسكرات ومطارات إسرائيل فى قلب سيناء وجن جنون الإسرائيليين عندما
فشلت دفاعاتهم الجوية فى اصطياد نسور مصر الذين انطلقوا يحطمون وينسفون
الغطرسة الإسرائيلية ويمحون أسطورة الجيش الاسطورى الذى لا يقهر أبدا ، وفى
القاهرة راح الرئيس السادات يوزع الأوسمة والنياشين على الجيش المنتصر ويتلقى
تهاني شعبه الذى أسكره النصر وأعاد إليه الثقة بقيادته وحكومته وفى الوقت ذاته اخذ
رجال المخابرات المصرية يراجعون تقارير العمليات الأخيرة ، ويبتسمون فى ثقة بعد أن
أدركوا أنهم كانوا يمسكون أوراق اللعبة فى أيديهم طوال الوقت |
| | | The Egyptian Colonel عريـــف
عدد المساهمات : 39 نقاط : 79 سمعة العضو : 0 التسجيل : 26/10/2012 المهنة : Civil Engineer
| موضوع: للتثبيت : مجموعه كاملة من أهم عمليات المخابرات العامه المصرية الأحد أكتوبر 28, 2012 4:43 pm | |
| العملية الثامنة : الصمت
الأول من أكتوبر عام 1973م -الخامس من رمضان عام 1393هـ..كل شئ يبدو هادئاً على السطح فى (القاهرة)، التى انشغل معظم قاطنيها بمتابعة فوازير ومسلسلات شهر رمضان، وانهمك البعض فى أعمالهم،التى تشهد رواجاً ملحوظاً، فى ذلك الشهر الكريم، مع إقبال الناس على الشراء،واستمتاعهم بالسهر والتجوال، حتى مطلع الفجر.. ولكن، دعونا نبتعد عن قلب (القاهرة)، ونتجه إلى ذلك المبنى القابع خلف القصر الجمهورى، فى حدائق القبة، وستبدو لنا الصورة مختلفة تماماً.. ففى قاعة الاجتماعات، فى أحد طوابق المبنى الغامض، التف عدد من الرجال حول خريطة مُجسمة ضخمة، تحتل منضدة كبيرة، فى منتصف القاعة، وتمثل نموذجاً شديد الإتقان لصحراء (سيناء) بكل مدنها وطرقها، والمنشآت التى أقامها الإسرائيليون عليها، وحتى بجبالها وتبابها وكثبانها الرميلة.. وكانت المناقشة محتدمة للغاية ، بين هؤلاء الرجال، الذين هم صفوة جهاز المخابرات العامة، وخلاصة خبراته وعقوله،والذين أدركوا قبل غيرهم أن الحرب على الأبواب، وأن المهمة التى أُسندت إليهم منذ فترة طويلة، قد شارفت ذروتها، واقتربت من اللحظة التى تحسم عندها الأمور، والتى لن يشهد نهايتها إلا المنتصرون..
وفى حزم، أشار قائد الرجال إلى مبنى صغير على الخريطة، يرتفع فوقه برج معدنى طويل، وهو يقول: - هنا تكمن المشكلة الحقيقية ، فهذا هو مركز التصنت، الذى أنشأته المخابرات الإسرائيلية فى منطقة محمية للغاية،على ساحل (سيناء) الشمالى، وهو يضم بين جدرانه أحدث الأجهزة الإليكترونية، وأكثرها تطوراً، وبفضلها يُصبح بمقدور الإسرائيليين الاستماع إلى الإشارات المتبادلة، بين وحدات الجيش المصرى، وبين هذه الوحدات وقياداتها فى جبهة قناة السويس.. وهذا أمربالغ الخطورة، وخاصة فى ساعة القتال..
ثم اعتدل، ودار بعينيه فى وجوه الرجال، قبل أن يُضيف فى حزم أكبر: ولهذا، لابد من تدمير ذلك المركز، قبل ساعة الصفر.
التقط الرجال عبارته، وعادوا يتناقشون فى حماس، واقترح أحدهم فكرة مهاجمة المركز بالطائرات المصرية، أو بواسطة فريق من رجال الكوماندوز، ولكن سرعان ما تم طرح الفكرة جانباً، لأنها ستنبه الإسرائيليين إلى قُرب حدوث هجوم مصرى شامل،ثم إن الإسرائيليين اختاروا للمحطة نقطة حصينة للغاية، وأحاطوها بحراسة مُشددة،ومراقبة دائمة دقيقة..
وأثناء المناقشات والمحاورات هتف أحد الرجال فجأة: - ولما لا نلجأ إلى ضربة غير مباشرة؟!
التفتت إليه العيون كلها فى تساؤل، فأضاف فى حماس، وهو يُشير إلى نقطة أخرى على الخريطة: - هذه هى محطة المحولات الكهربائية، المقامة خلف جسر (وادى العريش) وتشتمل على ثلاثة محولات ضخمة ، كل منها له ثلاثة أوجه، من الطراز الذى يجرى فيه الزيت مضغوطاً، ويتم تبريده بتيارمن الهواء، وهذه المحطة تمد معسكرات الجيش الإسرائيلى فى (سيناء) وثلاجات حفظ الأطعمة الضخمة، وأجهزة التكييف فى غُرف العمليات والقيادة بالتيار الكهربى، ولكن الأكثر أهمية هو أنها مصدر الطاقة الرئيسى لهذا المبنى.
قالها وهو ينقل سبَّابته إلى مبنى مركز التصنت، فتألقت العيون كلها فى آن واحد، وفهم الجميع الفكرة فى لحظة واحدة، وهتف أحدهم: - فكرة عبقرية.. إذن فأنت تقترح تدمير محطة المحولات الكهربائية، وقطع الطاقة عن مركز التصنت؟ أشار الرجل بكفِّيه، وهو يقولمبتسماً: - بالضبط.. إننا لن نشغل أنفسنا بتدمير مركز التصنت، ولكننا سنقطع أذنيه، ونُغرقه فى عالم من الصمت. بدا القلق على وجه قائد الرجال، وهويقول: - إنها فكرة جيدة بالفعل، ولكن المشكلة أنها تحتاج إلى إعداد مسبق، وليس لدينا الوقت الكافى لتدريب الرجال، وإرسالهم إلى هناك، و... قبل أن يتم عبارته،اندفع رجل آخر يقول فى حماس: - ربَّما لا نحتاج إلى هذا. تطلَّع إليه زملاؤه،فتابع بسرعة: - لدينا فى العريش من يمكنهم تنفيذ المهمة، وبكفاءة مُدهشة.. إننى أعنى تلك المجموعة.. مجموعة (صباح الكاشف). ومرة أخرى تألقت كل العيون، فقد كانهذا الاقتراح رائعاً.. رائعاً بحق..
***
الرابع من أكتوبر عام 1973، الثامن من رمضان عام 1939هـ.. ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتى الصيدلى (محمود حميدة) وهو يفتح باب صيدليته فى الصباح الباكر، فى شارع (23يوليو اخرالشارع الذي يقع فيه بيتي انا شخصيا ناقل هذه القصه )، أهم شوارع العريش، وبدا أنيقاً بسيطاً، فى معطفه الأبيض النظيف، وهو يلقى التحية على المارين، أو يتلقاها منهم، ولم يلبث أن استقر خلف ذلك الحاجز الزجاجى فى الصيدلية، وبدأ عمله فى قراءة التذاكر الطبية وتسليم الأدوية، من خلال نافذة صغيرة فى الحاجز، دون أن تُفارقه ابتسامته البشوش لحظة واحدة.. ثم دلف الرجل إلى الصيدلية..
كان شاباً نحيلاً، فى حوالى الأربعين من عمره، تبدو عليه العصبية فى وضوح، وهو يمسك تذكرة طبية، ناولها للصيدلى، قائلاً فى توتر: - هل يمكننى أن أجد هذا عندك؟ ألقى الدكتور (محمود) نظرة مُدققة على التذكرة، التى تحوى تركيبة طبية بسيطة، لعلاج آلام المفاصل، ثم أشار إلى مقعد فى ركن الصيدلية، قائلاً فى هدوء: - انتظر قليلاً يا أستاذ (عبدالحميد)، فالتركيبة يحتاج إعدادها إلى بعض الوقت. جلس (عبد الحميد عبد الله الخليلى) على ذلك المقعد فى الرُكن، وراح يُحرك قدميه فى عصبية واضحة، وكان يحتاج إلى هذا الدواء فى شدة، فى حين أجاب الصيدلى طلبات زبون أو زبونين فى سرعة، ثم إعادة قراءة التذكرة فى اهتمام واضح شديد، وبأسلوب تدرب عليه طويلاً، فالتقط الحرف الأول فى اسم العقار الأخير، ثم الحرف الثانى من اسم العقار السابق له، وهكذا، حتى تكونت لديه فى النهاية كلمة (الهدف - 126ب).. وفهم الصيدلى على الفور تلك الرسالة، التى وصلته من الرجال فى (القاهرة).. لقد تقرر تدمير ذلك الهدف، الذى لم يكن سوى محطة توليد الكهرباء الكبيرة.. وفى حسم، سأل الصيدلى: - ومتى تحتاج إلى هذا الدواء؟ أجابه (عبد الحميد) فى سرعة حازمة: - الليلة. كان الموعد قريباً للغاية، والمهمة عسيرة إلى حد مُخيف، إلا أن الصيدلى لم يتردد لحظةواحدة، وهو يُجيب: - ستحصل عليه فى الموعد المطلوب بإذن الله.
ولم يكن (عبد الحميد) يُغادر الصيدلية، حتى أزاح الصيدلى ستارة قريبة، والتقط من خلفها صندوقاً يحمل اسم شركة أدوية شهيرة، ونقله فى عناية إلى ما خلف مكتبه، ثم التقط منه علبتين كبيرتين من علب أحد أدوية الروماتيزم، ودسهما فى جيبه، وأغلق باب الصيدلية،ثم اتجه مباشرة إلى شارع المحطة..
كان يعلم أن العلبتين لا تحويان أية عقاقير طبية، كما يقول غلافيهما، وإنَّما يحملان خمسة مفجرات طرفية تحتاجها المهمة،ضمن عدد آخر من المعدات، المبعثرة فى طول المدينة وعرضها، فلكى يتم تدمير المحطة،يحتاج الرجال إلى عشرة كيلو جرامات من مادة (t.n.t) تم إخفاؤها فى قاع زورق مهجورعلى الشاطئ، وعشرين متراً من الفتيل المُتفجر، يحتفظ بها (عبدالحميد الخليلى) فى بيته الكائن فى شارع الشهيد (محمد الخليلى)، وهو شقيقه، ويحتاجون أيضاً إلى قلم أوقلمين زمنيين، لتحديد موعد التفجير..
وفى شارع المحطة، كان (محمود العزازى) فى ورشة السيارات التى يمتلكها، بقامته الممشوقة وكتفيه العريضين، وإلى جواره واحدة من سيارات الجيب الإسرائيلية، التى تحتاج إلى إصلاح عاجل، ولكنه لم يكد يلمح الصيدلى، حتى أوكل أمر إصلاحها إلى أحد الصبية فى الورشة، ومسح جبهته بكم سترته الملطخة بالشحم، واتجه مباشرة إلى الصيدلى وصافحه فى حرارة، وسأله بصوت مسموع عن عقار جديد، لعلاج التهابات الأذن، ثم انتحى به جانباً، وهمس فى اهتمام: - هناك جديد.. أليس كذلك؟ أجابه الصيدلى بسرعة: - بلى.. لابد من تدمير الهدف 126 ب الليلة.
أومأ (محمود العزازى) برأسه موافقاً، دون أن يلقى أية أسئلة أخرى، وقال سألحق بك عند الحاج (صباح)، فى الموعد المعتاد..
والحاج (صباح الكاشف) هذا هو قائد المجموعة، وعلى الرغم من أنه فى ذلك الحين كان يتجاوز الستين من العمر،إلا أنه يحتفظ بنشاط وحيوية شاب فى العشرين، وجرأة مقاتل لا يشق له غبار، وكان هادئاً بطئ السير والحديث، إلا أنه فى أعماقه داهية ماكر، وعبقرى يتميز بين رفاقه فى قدرته على دراسة وتخطيط أعقد الأمور، ثم أنه همزة الوصل، بين مقاتلى (العريش)،ورجال المخابرات العامة المصرية..
وفى منزل الحاج (صباح)، اجتمع الفريق كله،الصيدلى، و(عبد الحميد)، و(العزازى)، ومسئول اللاسلكى (سعد محمود جلبانة)،والمزارعان (محمد عبد الغنى السيد) و(عدنان شهاب البراوى)..
وفى حزم، قال الحاج (صباح): - منذ زمن وأنا أشعر أن هذه المحطة سيتم تدميرها ذات يوم، فهى شريان الحياة للعسكريين ، ولكن المهمة ليست سهلة أو هينة بالتأكيد، بل هى مهمة شاقة للغاية، وستتطلب منا جهداً خرافياً، واحتمالات نجاتنا منها قد لا يتجاوز الخمسة فى المائة، فمن منكم يرغب فى التراجع الآن؟
ظلَّت الوجوه جامدة حازمة، يطلمنها العزم والإصرار الذى ترجمه (عدنان) بقوله: - اشرح لنا ما ينبغى فعله: ابتسم الحاج (صباح) وأدرك أن الجميع مُصرون على القيام بالمهمة، فالتقط نفساً عميقاً، وقال: على بركة الله. ثم بدأ يشرح خطته.. كانت عملية شاقة بالفعل، ولعل أخطر ما فيها هو عملية نقل المواد نفسها، والتى لابد وأن تتم وضح النهار، وعبر طرقات تغص بجنود الاحتلال، إلى خارج المدينة، حيث منطقة الجسر، والتى تتم حراستها بعناية فائقة، نظراً لأن فيها جسر السكك الحديدية، وكابل الاتصالات اللاسلكية، ومحطة المحولات المنشودة..
ولكن أحداً من الرجال لم يتقاعس أو يتراجع..
فبعد صلاة الظهر مباشرة، بدأت تحركات المجموعة فى نشاط جم، وصمت تام، وسرية بالغة، فأحضر (عبد الحميد) الفتيل المتفجر والقلمين الزمنيين من منزله،واتجه (سعد جلبانة) إلى الزورق المهجور، وأحضر المواد الناسفة من قاعه، ثم تولى (محمد عبد الغنى) و(عدنان شهاب) وزميل لهما عملية نقل الشحنة كلها إلى منطقة الجسر.. و...
وفجأة أمسك (عدنان) ذراعى زميله، وهمس: مهلاً.. يبدو أن الأبقار كلها لم تعد إلى حظائرها بعد.
انتبه زميلاه فى تلك اللحظة إلى ثلاثة من الحراس الإسرائيليين المدججين بالسلاح، يقفون لحراسة المحطة، وعيونهم تدور فى كلمكان، فغمغم (محمد عبد الغنى): - هذا من سوء حظهم. وفى خفة وحذر، تسلل الرجال الثلاثة إلى المحطة، واتخذوا مواقعهم، التى حددها لهم الحاج (صباح) وتطلَّع أحدهم إلى ساعته لحظات، قبل أن يقول فى حزم، وهو يلوح بيده فى قوة: الآن. وقبل أن يتلاشى صوته، كان الثلاثة ينقضون على الحُراس الإسرائيليين، الذين أخذتهم المفاجأة فعقدت ألسنتهم، وأخرست حلوقهم، وجمَّدت أيديهم على أزندة أسلحتهم، فلم ترتد إليهم عقولهم، ويُعاودهم جأشهم، إلا وقد جردهم الرجال الثلاثة من أسلحتهم، وألقوهم أرضاً،وجثموا فوق صدورهم، و... وانتهى أمر الحراس الثلاثة، فى أقل من دقيقة واحدة.
ثم بدأت عملية زرع المتفجرات..
وحتى بعد التخلص من الحراس الثلاثة، لم يكن هذا بالمهمة السهلة أو اليسيرة، فالمحطة مُحاطة بسياج مرتفع من الأسلاك الشائكة، والأضواء تغمرها من كل جانب، على نحو يجعل من العسير أن يتحرك أى شخص فى نطاقها، دون أن يبدو واضحاً منظوراً.. ولكن المدهش أن الرجال أنجزواالمهمة، بعد أن انضم إليهم رفاقهم، ثم تراجع الجميع على نحو منظم، إلى مسافة عشرين متراً، وهو طول فتيل التفجير، قبل أن يغمغم (سعد): حانت اللحظة. قالها، وغرس القلم الزمنى، وأشعل فتيل التفجير، ثم انطلق الرجال يبتعدون بأقصى سرعة.. ومن بعيد، وفى شرفة منزله فى قلب (العريش)، وقف الحاج (صباح الكاشف) يُراقب الأفق، وهو يتمتم بآيات قرآنية، ويُداعب حبات مسبحته فى توتر..
ثم دوى الانفجار..
كان انفجاراً رهيباً، ارتجت له (العريش) كلها، وارتجفت له أجساد الإسرائيليين، فى نفس اللحظة التى رقصت فيها قلوب المصريين فى المدينة..
ومع اندلاع النيران، أطلق الحاج (صباح) كل التوتر المحبوس فى صدره، على هيئة زفرة حارة،أفلتت من بين شفتيه الباسمتين، وهو يتمتم: - الحمد لله. وفى منتصف الليل،وعندما التقى الرجال فى منزل الحاج (صباح)، والزهو الظافر يملأ عقولهم وقلوبهم،ويزغرد صامتاً فى عيونهم، ابتسم الحاج، وأشار إلى (عبد الحميد) و(سعد)،قائلاً: - أبلغا (القاهرة) أن الهدف لم يعد هناك. وصمت لحظة، ثم أضاف فىحزم: - وقل لهما : إنها ليست عمليتنا الأخيرة بإذن الله. وعندما وصلت الرسالة إلى (القاهرة)، استقبلها الرجال بلهفة وسعادة حقيقيتين، وهتف أحدهم: - كنت أعلم أنهم سيفعلونها. أومأ قائده برأسه، وهو يقول فى إعجاب واحترام: - هؤلاءالرجال أبطال بحق. مال عليه أحد الرجال، وسأله: - هل تظن أن الحاج (صباح) كان يعنى ما يقوله، عندما أشار إلى أنها ليست عمليتهم الأخيرة. ابتسم القائد ابتسامة واسعة، وهو يقول: - نعم.. الرجل اكتسب خبرة جيدة، وهو يُدرك جيداً أن تدمير محطة محولات كهربية ليس بالهدف الرئيسى حتماً، وإنَّما هو مُجرد خطوة فى طريق طويل،تقترب نهايته فى سرعة. ثم تطلَّع إلى خريطة (سيناء) المُجسمة، قبل أن يستطرد فى حزم: - وأنها حتماً، لن تكون عمليتهم الأخيرة. وكان القائد على حق تماماً، فىكل حرف نطق به، فعملية محطة المحولات لم تكن آخر عمليات مجموعة (العريش)،
ففى السابع من أكتوبر 1973م، قاموا بوضع ستة من العبوات شديدة التفجير تحت ستة من الدعائم الخرسانية الضخمة لكوبرى السكك الحديدية، الممتد من (إسرائيل) إلى الجبهة، ونسفوا ليقطعوا بهذا واحداً من أخطر وأهم خطوط الإمداد والتموين الإسرائيلية، فى اليوم الثانى للحرب.. وفى الساعة الثانية والثلث، من مساء الاثنين الثامن من أكتوبر، نسفوا كابل الاتصالات السلكية الرئيسى للإسرائيليين، فى أربعة مواضع مُتباعدة، حتى تُصبح عملية إصلاحه شبه مستحيلة..
وبوسعك أن تتخيل حالة جيش، فوجئ فى الأيام الثلاثة الأولى من الحرب بضربات تقطع إمداداته، وتشل اتصالاته بقياداته، وتنسف أذنه المرهفة، التى كانت تنقل إليه أسرار المصريين أولاً بأول.. وكل هذا بفضل أبطال (العريش)، الذين ظلّوا لسنوات وسنوات يعملون فى بسالة وإصرار، تحت قيادة رجال تحتم عليهم طبيعةعملهم أن يٌقاتلوا فى دقَّة وفى صمت. |
| | | |
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|