أكّد معهد غيت ستون الأميركي على أنّ تأثير الولايات المتّحدة ونفوذها ليس كما يتصوّره الناس، بل حتّى إنّه ليس كما يتصوّره أعداؤها، وذلك بغضّ النظر عن جميع الإنجازات الإيجابية والسلبية التي حقّقتها.
ونشر معهد "غيت ستون" مقالا بقلم (شوشانا براين) جاء فيه: لقد كانت القوى الاستعمارية، ولا سيما فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وروسيا، تعتقد أنّه لا يوجد بديلٌ لجيوشها وقوّاتها الخاصّة لضمان إدارة مستعمراتها. ولكنّ الولايات المتّحدة ترسل المال والأسلحة والقوات التعليمية لسائر البلدان نيابةً عن قوّاتها المحتلّة.
من وجهة نظر الأميركان، فإنّ شعوب سائر بلدان العالم والمجتمعات الأخرى هي بحاجة إلى برامجها الاجتماعية وأموالها وخدماتها الطبية وسلاحها.
يُذكر أنّه بعد اتّساع نطاق الحرب الداخلية في سوريا، توصّلت لجنة التحقيق التابعة لمنظمة الأُمم المتّحدة إلى أنّها حربٌ طائفيةٌ، وقد أدّى هذا الأمر إلى تصوّر البعض بأنّ أمريكا لو تدخّلت في الشأن السوري فبإمكانها تمهيد الأرضية لثورةٍ علمانيةٍ حرّةٍ هادئةٍ، وبالطبع فإنّ قياداتها سوف يكونون أصدقاء لأمريكا مستقبلاً.
الخبير في الشؤون الدولية (باري روبين) انتقد القرارات الحذرة التي اتّخذها باراك أوباما وسائر المسؤولين الغربيين، فهو يرى أنّ البلد الذي يتمكّن من تبرير نفوذ الإسلاميين في مصر بعد الأحداث الداخلية التي عصفت بالبلاد، هو أمريكا. ولكن يا ترى هل بإمكان أمريكا القيام بتغييراتٍ إيجابيةٍ في المنطقة؟
إنّه من الصعب مشاهدة الاختلاف الحاصل بين الأحداث الداخلية في مصر والتي أدّت إلى فوز الإخوان المسلمين، وبين أحداث سوريا التي قد تتمخّض عنها نتائج مختلفة.
يقول (روبين): يعتقد أوباما وغيره أنّ التعاون مع الإخوان المسلمين من شأنه تضعيف السلفيين، إلا أنّ هذا الأمر يعتبر أكبر خطأ في السياسات الخارجية طوال القرن المنصرم.
في الحقيقة هذا الموضوع قد يكون عارياً عن الصحة، لكنّه يناظر الخطأ الذي ارتكبه (روبين) من نواحٍ أُخرى. فأغلب الخبراء يرون أنّ الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الأمريكي قد يغيّر الضغينة القومية والمذهبية طويلة الأمد في المنطقة. وكذلك فإنّ اعتدال السياسة الأمريكية من شأنه تأسيس حكومات معتدلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب غرب آسيا؛ ولكنّ أحداث في فلسطين ومصر وباكستان وأفغانستان وليبيا قد أثبتت خلاف هذا الأمر.
إنّ المساعي الأمريكية في فلسطين كانت ولا زالت عقيمةً حتّى الآن، ولكن ما الذي ستتمخّض عنه في مصر؟ فإذا كانت المساعدات المليونية التي قدّمتها الإدارة الأمريكية لفلسطين عديمة الجدوى، فإنّ المساعدات المليارية العسكرية والاقتصادية المقدّمة لمصر بالطبع سوف لا تكون مجديةً هي الأخرى، إذ إنّ الهدف منها هو تطوير جيشٍ حليفٍ لأمريكا وضمان استمرار اتّفاقية السلام مع إسرائيل وإقرار الأمن في المنطقة الحدودية لسيناء. ولكنّ أمريكا لم تحصل في مقابل ذلك على شيءٍ يُذكر! فرئيس جمهورية مصر هو أحد أعضاء حزب الإخوان المسلمين، والبرلمان تحت سيطرتهم أيضاً، والدستور هو الآخر قد دوّن وفق الشريعة الإسلامية، والجيش بدوره لا يعارض أيّاً من هذه القضايا المطروحة على الساحة! لذا فإنّه من المستبعد أن تعتمد الإدارة الأمريكية على مساعداتها العسكرية وتستخدمها كورقةٍ رابحةٍ، إذ لو كان الرئيس المخلوع حسني مبارك يعتبر هذه المساعدات غرامةً على معاهدة السلام مع إسرائيل، فإنّ الإخوان المسلمين يعتبرونها عقوبةً لأمريكا نظراً لدعمها نظام مبارك الدكتاتوري.
وبالطبع فإنّ أفغانستان وباكستان وليبيا هي أدلّةٌ بارزةٌ أخرى على فشل السياسات الأمريكية، لذا فإنّ نفوذ أمريكا وتأثيرها ليس كما يتصوّره الناس، بل حتّى إنّه ليس كما يتصوّره أعداؤها.
يرى (روبين) أنّ جميع الحلول التي طرحتها أمريكا في المنطقة لم يكترث بها أحدٌ، وأنّ السياسيين المعتدلين حقّاً لم يعمل بآرائهم. السياسيون المعتدلون (الذين لا يرغبون بالمجازر والإرعاب) قد يكونون عاجزين عن تحقيق نصرٍ في المنطقة، وذلك لأنّ المبادئ الحقيقية (المعتدلة) في المنطقة لم يتمّ تعريفها بالشكل الصحيح.
ومن الجدير بالذكر أنّ أمريكا تختار بعض حلفائها في المنطقة دون إرادتها، لذا فإنّ نفوذها أقلّ ممّا يُتصوّر.