رافاييل دو سوبركاز*
لطالما حددت الدول بوضوح ثلاثة أنواع من التهديدات المتعلقة بالشبكات المعلوماتية. فهي تتمثل أولاً "بالحرب للحصول على المعلومات" أو ما يسمى بالتجسس، وهي تقنية تهدف إلى الكشف عن معلومات استراتيجية لصالح دولة معينة، وثانياً بعمليات الهجوم التي تضرب الشبكات والبنى التحتية الحيوية لبلد معين باستخدام تقنية القرصنة أو فيروس معيّن، وأخيراً "حرب المعلومات"، التي تشكل عنصراُ تقليدياً لكل نزاع، ويزداد تهديدها حالياً بسبب الإنترنت.
يتم تعريف "الإرهاب الإلكتروني" على أنّه استخدام الإنترنت للاتصال بمجموعات إرهابية ودعم نشاطاتها والترويج لها وتمويلها. ويبقى "الإرهاب الإلكتروني"، بمعنى عمليات الهجوم على البنى التحتية لدولة ما، يبقى اليوم تهديداً يتأخر في التنفيذ العملي، لكن رغم ذلك، لا بد من أخذ الموضوع بجدية بحسب أخصائيي الأمن الذين اجتمعوا خلال النشرة الخامسة للمندى الدولي للأمن الإلكتروني المنعقد في مدينة ليل الفرنسية نهاية شهر كانون الثاني/ يناير.
لقد وفرت الاعتداءات الإلكترونية على استونيا في العام 2007 وجورجيا في العام 2008 وخصوصاً على إيران عام 2010 نظرة عامة عن إمكانيات هذه العمليات العدائية. وقد برهن فيروس ستوكسنت (Stuxnet) الذي تم استخدامه خلال العملية الإسرائيلية- الأميركية المشتركة المسماة "ألعاب أولمبية" التي هدفت إلى ضرب الشبكة المعلوماتية لمفاعل ناتانز، إمكانيات تنفيذ اعتداءات الإلكترونية على البنى التحتية الاستراتيجية لبلد معيّن وتأثيراتها.
ومنذ فترة وجيزة، أشار الفريق أول ويليام شيلتون المسؤول عن قيادة الفضاء الأميركية إلى أنّ هذه العملية برهنت لطهران فعالية "ذراع المعلوماتية" وسرّعت وتيرة الجهود الإيرانية للتزود بوسائل من هذا النوع. في الواقع، نظمت طهران الاعتداءات التي نفّذت نهاية العام 2012 على المصارف الأميركية مثل بنك أوف أميركا، سيتيغروب، جي بي مورغان كلاس؛ أو خلال شهر آب/ أغسطس الماضي على شركة راسغاز قطر القطرية أو أرامكو السعودية قاضية على الأقراص الصلبة لثلاثين ألف جهاز كمبيوتر.
وانطلاقاً من حرب العراق الثانية، اكتشفت المجموعات الجهادية الإمكانيات التي توفرها الإنترنت أو الشبكات الاجتماعية على مستوى الدعاية والتجنيد والدعوة إلى التحرّك من خلال بث التوجيهات والتعليمات التقنية.
وتستمر القاعدة في شبه الجزيرة العربية اليوم بنشر المجلّة الإلكترونية "إنسباير"، الصادرة باللغة الإنكليزية تستهدف جمهور القرّاء الغربي الذي لا يتقن اللغة العربية. وفي أوائل شهر كانون الأول/ ديسمبر، تم إغلاق الصفحة التي تعمل على تحريرها حركة "تحريك طالبان" الباكستانية، على الفايسبوك، أما حساب حركة الشباب المجاهدين الصومالية باللغة الإنكليزية على تويتر، فقد تم أيضاً إغلاقه الأسبوع الماضي
في المقابل، فإن عملية القطع هذه لا ترضي دائماً بعض مسؤولي مقاومة الإرهاب الذين يعتبرون أنّ المنتديات ومواقع الإنترنت الجهادية ساعدت بشكل ما في تسهيل عمل مراقبة هؤلاء الجهاديين والبحث عنهم. وفي الإشارة إلى الأهمية الإعلانية لحقل القتال الجديد هذا، أعلنت هيلاري كلينتون منذ بضعة أيام، أنّ وزارة الدفاع سترد على دعاية القاعدة والمجموعات الجهادية على الإنترنت والشبكات الاجتماعية وأنّ الدبلوماسية الأميركية قد أوجدت هيئتين مختصتين بذلك.
وفي أعقاب إطلاق العمليات العسكرية الفرنسية في مالي، تعرّض العديد من مواقع الدفاع الفرنسية لهجمات إلكترونية. كما تم استهداف موقع قسم الاتصالات في وزارة الدفاع الفرنسية بهجوم حجب الخدمة الهادف إلى تحقيق تعذر بلوغ الموقع بسبب إثقاله بالطلبات. وإن كانت هذه الاعتداءات لم تؤثر على النشاطات الاستراتيجية للوزارة، فإنها تبرهن اليوم أنّ كل عمل سياسي يؤدي إلى ردود فعل على الإنترنت.
إزاء هذه التهديدات الجديدة، أصبح تنظيم "الدفاع الإلكتروني" يشكّل أولوية جديدة بالنسبة لكافة الدول. فقد عززت فرنسا قدراتها في مجال "الدفاع الإلكتروني" خلال بضع سنوات نظراً لكونها هدفاً لعمليات قرصنة متعددة تستهدف وزارة المالية أو رئاسة الجمهورية بشكل خاص.
أسست باريس عام 2009، الوكالة الوطنية لأمن نظم المعلوماتية (ANSSI) التي ستشمل 360 عميلاً مع نهاية العام 2013، وستكون مسؤولة عن تنسيق الأمن المعلوماتي للشركات والبنى التحتية لأحد عشر قطاعاً مصنّفاً كقطاع "حيوي" كالاتصالات والطاقة وسكك الحديد والفضاء والمطارات...
وفي العام 2011، تم تعيين اللواء البحري أرنو كوستيير، مسؤولاً عن الدفاع الإلكتروني في الأركان العامة للجيش الفرنسي. مع العلم أنّ فرنسا ستنضم خلال الأشهر المقبلة إلى مركز امتياز الدفاع الإلكتروني الخاص بحلف الناتو (CCDCOE) الموجود في تالين في استونيا ويضم حوالي ثلاثين خبيراً من 11 دولة.
إلى ذلك، ستتم زيادة ميزانية المديرية العامة للتسليح الفرنسية (DGA) المخصصة لدعم عمليات البحث والتطوير في مجال الأمن الإلكتروني، لتبلغ 30 و35 مليون يورو سنوياً مقابل 10 مليون يورو فقط للسنة الحالية.
أما على المستوى العملاني، فقد دعا وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالز في ليل، إلى توسيع عمليات "التسلل الرقمي" عبر الخدمات الأمنية وتعزيز أساليب الاعتراض الإلكتروني. أما النقطة الأخيرة والتي تعدّ مسألة حساسة بشكل خاص فهي مخاطر التعرّض للحياة الخاصة للمواطنين.
وتثير حالياً عقيدة استخدام "الاعتداءات الإلكترونية" جدلاً من جانب الأختصاصيين والجامعيين والعسكريين ولكن النشاط الفرنسي في مجال الهجوم الإلكتروني ليس أمراً عادياً.
وفي سؤال جرى طرحه في ليل حول إمكانية الاعتداءات الإلكترونية المحتملة على مجموعات جهادية في مالي أو شبكات الدعم الخاصة بهم، ردّ اللواء البحري أرنو كوستيير بالإيجاب. ومن المفترض أن يقترح مشروع الدفاع الذي سيصدر قريباً توجيهات تتعلق بالسياسة الفرنسية المستقبلية في مجال الدفاع الإلكتروني والحرب المعلوماتية.