للروائية الشهيرة اغاثا كريستي .... رواية بعنوان " الرسالة الغامضة " تقوم فكرتها على جرائم قتل يرتكبها قاتل محترف بعد[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ان يبعث الى الشرطة بالحرف الاول من اسم الضحية التي ستقتل في يوم كذا وفي مدينة كذا ... كان القاتل يختار الاحرف الاولى من " الابجدية " ليرتكب جرائمه بالترتيب وبعد ان يقتل ستة اشخاص تكتشف الشرطة ان القاتل اراد في الحقيقة قتل الضحية الخامسة فقط للانتفاع من بوليصة التامين وحتى يبعد الشبهات عن نفسه قتل خمسة اشخاص اخرين لا علاقة له بهم للتمويه ولتصوير الجرائم وكأن مرتكبها قاتل مريض نفسيا . اختفاء " رضا هلال " المفاجيء قد يكون مرتبطا بمجرم اراد الاجهاز على اخرين او ارهابهم فاختار " رضا هلال " لانه هدف سهل تجتمع فيه كل المواصفات المطلوبة .
اذا عدنا الى مخابرات معمر القذافي والجرائم التي ارتكبتها من قبل سنرى ان عنصر الخطف كان من اهم وابرز اساليبها ... فهو من ناحية مرادف للقتل لان المخطوف يتلاشى من الوجود مثل موسى الصدر ومنصور الكيخيا ومئات من الطلبة الليبيين الذين اختفوا من بيوتهم دون ان يعثر لهم على اثر .... وهو ايضا يوفر للقذافي متعة الانتقام الشخصي من الخصم حيث قيل ان القذافي يشرف بنفسه على تعذيب المخطوف واستنطاقه وربما قتله ايضا ... كما ان الخطف يتسبب بمعاناة مضاعفة لذوي المخطوف الذين لا يعرفون ان كان ابنهم حيا ام ميتا وهو ما كان يفعله صدام حسين ايضا .
ولكن : لماذا " رضا هلال " ؟ وفي هذا الوقت بالذات ؟
للاجابة عن هذا السؤال علينا ان نفهم اولا ان " رضا هلال " اختفى قبل الاعلان عن صفقة لوكربي بأيام .... وبعد ان رفع القذافي دعوى قضائية على ثلاثة صحفيين مصريين بسبب مقالات كتبوها قبل اكثر من عامين الامر الذي اثار دهشة الكثيرين لانه اظهر القذافي في صورة من يفتش في اوراقه القديمة وهو لا يفعل ذلك دون ان يكون له هدف محدد وهو هنا الدفاع عن صفقة لوكربي .
من المعروف ان مصر والمصريين كانت دائما " البعبع " الذي يخاف منه القذافي ... ويهاجمه بمناسبة ودون مناسبة ومن يعود الى ارشيف الصحف الليبية او الصحف الممولة ليبيا او برامج الاذاعة والتلفزيون الليبي سيجد كما هائلا من الافتراءات والبذاءات الموجهة ضد مصر ورموزها وقادتها ... ومن المؤكد ان نظام القذافي وضع في حسابه موقف الصحافة المصرية من الصفقة السرية التي كانت تطبخ في الرباط والتي انتهت بفضيحة الاعتراف بجريمة لوكربي والموافقة على دفع ما يقارب من ثلاثة مليارات دولار لانقاذ " العرش " الليبي في وقت كان القذافي فيه يماطل في دفع ما يستحق عليه لجامعة الدول العربية او للانتفاضة الفلسطينية او حتى للبنوك والشركات المصرية .
لعل هذا يفسر توقيت الدعوى القضائية التي رفعها القذافي على ثلاثة صحفيين مصريين قبل الاعلان الرسمي عن الصفقة الفضيحة بأيام ولسان حال القذافي يقول انه سيلاحق من يكتب ضده امام ساحات القضاء بمعنى ان الدعوى القضائية لم تكن اكثر من رسالة ابتزاز وارهاب للكتاب والصحفيين المصريين قد تردع من يفكر بالكتابة عن القذافي بعد الاعلان عن الصفقة الفضيحة او - على اقل تقدير - ستدفع الكتاب الى التخفيف من لهجتهم حتى لا يقعوا في المحظور بخاصة وان القضاء المصري يفرض غرامات مالية كبيرة في قضايا النشر وقد تصل الاحكام الى السجن في حالة الكتابة ضد رئيس دولة صديقه .
لكن الدعوى القضائية التي رفعها القذافي جاءت بردة فعل عكسية لانها اثارت الكثير من علامات الاستفهام حول التوقيت بخاصة وان القذافي يقاضي الصحفيين على مقالات كتبوها قبل عامين فلماذا انتظر طوال هذه المدة قبل ان يتخذ قرار المقاضاة !!
لعل هذا هو الذي دفع المجرمين في اجهزة القذافي الامنية والذين لديهم خبرة واسعة في علميات القتل والتصفية والخطف الى التفكير بخطف صحافي مصري كبير لتصل الرسالة بسرعة الى خصوم القذافي في الاعلام المصري ... وجاء حظ " رضا هلال " العاثر ليكون هو المرشح الاول لعملية الخطف ليس لانه من خصوم القذافي ولكن لان كل المواصفات المطلوبة في " الهدف " متوفرة فيه .
فهو كاتب وصحافي كبير يشغل منصبا هاما في اكبر جريدة عربية مصرية .... وهو رجل اعزب يعيش وحيدا في شقة لا يدخلها الا عامل التنظيف وبائع البيتزا .... وعلاقات رضا هلال الشخصية شبه محدودة .... كما ان الحدود مع ليبيا طويلة ومفتوحة على المهربين ولن تعدم مخابرات القذافي وسيلة لتهريب رضا هلال الى ليبيا خلال ساعات من خطفه .
اعود فأؤكد اني لا اتهم احدا وليست لدي معلومات محددة في هذا الامر لكني اقرأ فقط في بصمات المخابرات الليبية وعملياتها السابقة سواء التي اعترفت بها او التي لم تعترف بها بعد فأجدها قريبة جدا من واقعة تلاشي رضا هلال بهذه الصورة وقد تبدو حكاية رضا هلال اقرب الى افلام السينما البوليسية ولكن من يتوقف عند عمليات المخابرات الليبية او العراقية او الاردنية او المغربية سيجد انها كلها تقريبا كانت اقرب الى افلام السينما .... ربما لان ثقافة حكام هذه الدول اقتصرت في مرحلة الدراسة الثانوية على قراءة روايات ارسين لوبين وشرلوك هولمز واغاثا كريستي .
لقد كنت الى وقت قريب لا استوعب " الاشاعات " التي كانت تنسب الى عدي صدام حسين بأنه كان يضرب ويعذب لاعبي فريق كرة القدم كلما خسروا مباراة واعتقدت ان هذه الاشاعات تنصب في موجة التشويه التي يتعرض لها صدام حسين واولاده .... الى ان رأيت شريط فديو - عرضت محطة ديسكفري مقاطع منه - وجد في قصر عدي صدام حسين بعد سقوط بغداد .... الشريط يصور عملية جلد لاعب عراقي امام جميع اعضاء الفريق .... اجلسوا الفريق على مقاعد واخرجوا اللاعب من وسطهم فحلقوا شعر رأسه ثم ربطوه بالجدار وجلدوه بعصا غليظة دون رحمة وهو يصرخ من الوجع طالبا الرحمة وواعدا ان يكون اداؤه " الرياضي " في المرات القادمة افضل .
مشهد لو رأيته في فيلم سينمائي لقلت ان فيه مبالغة غير منطقية .... ويبدو ان ما يدور في قصور حكامنا العرب واولادهم يفوق مبالغات هوليوود ويبدو ايضا اننا لن نكتشف هذه المبالغات الا بعد سقوط وانهيار هذه الانظمة .
ارجو من كل قلبي ان يكون هذا " السيناريو " لاختفاء " رضا هلال " غير حقيقي ... وارجو من كل قلبي ان يعود الشاب الصحافي الى اهله سالما وان لا يكون مصيره مثل مصير منصور الكيخيا او موسى الصدر او المئات من المعارضين الليبيين الذين اختفوا وتلاشوا ان لم يكن في مقابر القذافي الجماعية فعلى الاقل في سجونه وزنازينه
موضوع: سر اختفاء رضا هلال (2) 
السبت فبراير 07, 2009 11:42 am
