الخوف على الدين سمة المفلسين
معلوم أن النبيين كانوا يشتقبلون بالعنف والترهيب (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ).. وقد خاف مشركو مكة على دينهم فماذا قالوا؟ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).
وإذا خاف أي شخص على حزبه اليوم، أو على دينه، أو على مذهبه، فإن قدوته في ذلك هو فرعون وأبو جهل.
أما المسلم فإنه واثق بوعد الله بنصره وبنصر دينه، قال تعالى (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).. بل وجَّه الله اللوم لسيدنا محمد r لأنه ضاق ذرعًا بكفر الكافرين وعنادهم (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
ولكن المسلم يخاف على نفسه من التقصير في أداء واحبه، وهذا ليس خوفا على الدين. فإذا قصر قوم في واجباتهم الدينية، ومالوا نحو الظلم والفجور، فإن الله ينقل هذا الدين من بينهم، ولكن الدين لا ينتهي، بل يهيئ الله للدين مَن يحمله، قال تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
من هنا فإن المسلم لا يخاف من مجابهة أي فتنة، أو أي شبهات، بل يسمع الشبهات كلها، ويواجهها بكل ثقة وبحجج دامغة.. فلا يمكن لشبهة أن تقف أمام الحجج الدامغة. لكن، يمكن لمن لا يستحق الإيمان أن يصرف الله قلبه عن هذا الإيمان باعتباره لا يستحقه. قال تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا)، وهذا لا ينفعه الهروب من المواجهة، بل ينفعه تقوى الله، وتطليق الغرور والكبر.
المسلم لا يهرب من مواجهة أحد متذرعًا بضعف ثقافته الدينية، فالدين ليس معادلات في الفيزياء النووية، بل هو سهل ميسور.
أدلة إرسال الرسل بادية للناس كالشمس، وأدلة صدق كل نبي، وأدلة صدق القرآن العظيم كذلك.. ما الذي يخشاه المسلم؟ أهي شبهة ضد القرآن يطلقها جهول هنا أو هناك؟ لا بأس، فللمسلم أن يسأل من هو أفقه منه عن كيفية الرد عليها بعد أن ثبت له صدق الرسول r ، وصدق القرآن الكريم.
أما اتخاذ الخوف على الدين وسيلة لعدم سماع الدين الحق نفسه، فهذه والله الكارثة التي لا نريد لأحد أن يقع فيها. والناس فيها واقعون اليوم كما وقعوا فيها في الماضي.
فالناس اليوم في هذا العالم قد ورثوا الدين والمذهب تقليدا. ولا يجرؤون على مواجهة المخالفين بحجة ضعفهم. وهذا جبن وخور وخطأ.. ما الذي يمنع أن يكون المذهب الآخر أقرب إلى الله؟ لماذا لا يسعى كل واحد نحو الحكمة من خلال استماع الأقوال جميعها ثم اتباع أحسنها كما قال الله تعالى (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).
إن الخوف المزعوم على الدين ليس خوفا على الدين في حقيقة أمره، بل خوف على المكانة الاجتماعية. فانتبهوا لنواياكم، وقولوا قولا سديدا. وليفتح كل شخصٍ وكل حزب وكل جماعة الباب على مصراعيه لسماع الآخرين جميعًا، وهذا فيه الخير كله لأصحاب الحق، لأن الحق تزداد نصاعته بمقارنته بالباطل.