واجه الجيش الجزائري، لأول مرة منذ الاستقلال، اضطرابات أمنية تصل إلى حدّ الحرب على الحدود البرية للجزائر، البالغ طولها 3436 كلم. وفوق هذا يواجه حركة مسلّحة تهدد الأمن والاستقرار الداخليين، وهذا ما دفع قيادة الجيش إلى التفكير في رفع تعداد الجيش وميزانية الدفاع مجدداً.
وتعاني كل الحدود البرية للجزائر في الوقت الراهن من وضع أمني سيئ، ورُغم الهدوء في الحدود الغربية فإن الجيش يحتفظ بقوات مهمة في المنطقة لمنع تهريب المخدرات والسلاح. ومن وجهة نظر عسكرية، تحتاج حدود مضطربة تمتد على مسافة 6000 كلم إلى إمكانات عسكرية وأمنية ضخمة، بل إن جيوشاً كبرى، مثـل الجيش الروسي أو الأميركي، تجد صعوبة في مراقبة حدود بمثل هذا الطول.
وفي نفس السياق، شكّلت هيئة أركان الجيش لجنة عمل لدراسة تأمين الحدود البرية مع تونس على المدى البعيد. وعن ذلك قال مصدر أمني - وفق ما ذكرت صحيفة "الخبر" الجزائرية - إن مبعث قلق العسكريين الجزائريين هو تقارير أمنية تشير إلى خطورة الجماعات السلفية الجهادية في تونس، التي تستفيد من دعم بالمال والسلاح داخل ليبيا، وإلى الصعوبة التي تواجه الجيش التونسي في التعامل مع الجماعات الإرهابية التي تنتشر في جبل الشعانبي وفي مواقع أخرى بالجنوب، تنشط فيها عمليات تهريب السلاح بالتواطؤ مع جماعات سلفية ليبية.
لجيش التونسي يفتقر خبرة مواجهة العصاباتويعود سبب عدم قدرة الجيش التونسي على مواجهة المسلحين، بحسب المصدر الأمني الجزائري، إلى افتقاره للخبرة القتالية في التعامل مع حرب العصابات في الجبال وفي الصحراء، ونقص التجهيزات لديه، خاصة وسائل التجسس والمراقبة الجوية، وهو ما يضع أعباء جديدة على عاتق الجيش الوطني الشعبي.
وقد قررت قيادة أركان الجيش نقل عدة كتائب قتالية من مناطق داخلية إلى حدود التونسية التي تعاني من اضطراب. وحددت تقارير أمنية منطقتي تهديد رئيسيتين في الحدود البرية بين الجزائر وتونس، تمتد المنطقة الأولى التي تعد معبر تهريب السلاح الصحراوي، وتمتد في منطقة صحراوية شاسعة في أقصى جنوب تونس. وتتصل مع منطقة ''حمادة الحمرا'' جنوب غرب ليبيا، وصولاً إلى سهل البرمة الذي يصل بين الجزائر وتونس جنوب واد سوف. وتمتد المنطقة الثانية عبر جبال الشعانبي، وصولاً إلى النمامشة ومنطقة تبسة.
زيادة عدد القواتووفقاً لصحيفة "الخبر" أيضاً فإن وزارة الدفاع ستقترح زيادة تعداد القوات البرية، وتجهيزات إضافية تشمل طائرات عمودية ووسائل أخرى لتأمين كل الحدود البرية التي باتت تعاني من اضطراب غير مسبوق.
وتتخوّف مصالح الأمن الجزائرية المتابعة لملف الجماعات الإرهابية من تطور الأوضاع في تونس لعدة أسباب، أهمها أن تجنيد الجهاديين أكثـر سهولة في تونس مقارنة مع الجزائر، بالإضافة إلى أن الدعم الذي تتلقاه الجماعات السلفية الجهادية التونسية من داخل ليبيا عن طريق شحنات السلاح والمال، وهو ما يرشح الأوضاع في الحدود الشرقية للجزائر إلى المزيد من الاضطراب.
وتعد الحرب الدائرة في شمال مالي، قرب الحدود الجنوبية، أكبر تهديد للحدود الجزائرية الممتدة على مسافة 1300 كلم، وتشهد هذه الحدود محاولات تسلل يومية لمسلحين أو إرهابيين أو مهربين.
ويأتي بعدها في سلم الأولويات تأمين الحدود مع كل من ليبيا والنيجر وموريتانيا لمواجهة تنامي تهريب السلاح والمخدرات، ثم محاربة تنظيم القاعدة المغاربي الذي تراجعت قوة تهديده للأمن الوطني، لكنه يبقى مصدراً للقلق الأمني. لكن احتمال زيادة نفوذ الجماعات الإرهابية داخل تونس سيغيّر المعادلة الأمنية تماماً، ما قد يدفع الجيش للدفع بكل ثـقله إلى الحدود الجزائرية التونسية القريبة، مما يسمى "البطن الرخو للجزائر"، وهي التجمعات السكانية الرئيسية في الجنوب الشرقي الجزائري.