يوميات مراقب عسكري في دار فور9
من الصعب وصف المشاعر التي أحسست ويحس بها كل من هو في أرض المهمة حين يغادر المنطقة لقضاء إجازته وخاصة إن كانت هي الأولى له في المهمة فذلك يعني قضاء أوقات مختلفة بحرية أكثر ويعني رؤية الأهل والأقارب والأصدقاء ويعني النوم لساعات أطول والراحة والأكل الجيد ويعني الرحلات والشواطئ والأندية وغيرها وهذا ما يعتقده كل من تركتهم ورائي وهم يحسدونني على اجازتي وربما لأن الكثير منهم كانوا يقضون اجازاتهم في مدن اخرى من العالم تم يعودون الى ارض المهمة دون ان يروا بلدانهم .
والحقيقة بالنسبة لي غير ذلك فلم تكن الإجازة كافية حتى لإنجاز مجموعة من المسئوليات والالتزامات والاحتياجات التي تراكمت طوال الأشهر الثلاثة السابقة ناهيك عن الأحداث العارضة كاصابتي بانفلونزا حادة نتيجة لاختلاف الطقس واضطرابات في المعدة بسبب التغيير في الاكل وغيرها من الاحداث لذلك فبدلاً من أن تكون الاجازة وقتاً مخصصاً للراحة والاستجمام للعودة إلى المهمة بنشاط وحيوية من أجل أداء افضل كانت الاجازة استمرار للارهاق والضغط النفسي وبالتالي العودة بفكر مشوش وبدن مرهق وقلق على الأداء والحياة وكل شئ.
يوم الجمعة 5 . 1 . 2007 بدأت طريق العودة إلى أرض المهمة والموعد الساعة الثامنة مساءاً على الرحلة المتوجهة إلى الخرطوم وعندما دخلت إلى صالة مطار طرابلس التقيت مع اربعة من المراقبين الليبيين العاملين هناك والذين لم التق معهم منذ تم توزيعنا على مجموعات العمل (المعسكرات) أول مرة وسافرنا على نفس الرحلة التي استغرقت ثلاثة ساعات ونصف ولم تكن هذه الرحلة كسابقاتها بالنسبة لي فقد كنت مازلت اتعافى من الانفلونزا التي لم اشف منها تماماً وربما كانت وراء ما تعرضت له من تاثير الضغط الجوي فقد كنت اشعر وكأن هناك فقاعات هواء تتحرك في اماكن من رأسي ويكاد ينفجر ولم تفلح استغاثتي بالمضيفين والزملاء والمحاولات باشغال نفسي من ان تخفف عني وكنت في بعض الاحيان اقف من مكاني منتفضاً من شدة الالم ولا اعرف ما الذي يجب أن افعله وليس في الامكان المغادرة لزيارة الطبيب وكدت لا اصدق باننا هبطنا على أرض مطار الخرطوم الساعة الثانية عشر تقريباً فاتممنا اجراءاتنا وخرجنا لنحجز في احد الفنادق وفي اليوم التالي سافر اثنان من الزملاء إلى الفاشر وبقيت انا واثنين اخرين لاتمام بعض الامور في السفارة واستكمال بعض الاحتياجات والراحة ولحقنا بهم إلى الفاشر يوم الأثنين 8 . 1 . 2007 على متن طائرة الاتحاد الافريقي وكانت رحلة عادية جداً بالرغم من تخوفي من
الطيران بعد ما حدث لي في الرحلة السابقة إلا ان تاثير الضغط هده المرة كان خفيفاً ويحتمل وبعد وصولنا الفاشر ذهبنا إلى مقر قيادة المهمة حيث علينا أن نسجل في سجل خاص بالمغادرة والرجوع إلى ارض المهمة تم ذهبنا إلى معسكر زمزم وبالتحديد إلى الخيام الكبيرة المخصصة لاستقبال اعضاء الاتحاد الافريقي الغير عاملين بهذا المعسكر فحجزنا اماكننا ووضعنا امتعتنا وكانت الاقامة في هذه الخيمة غير مريحة على الاطلاق فقد كان بهذه الخيمة لا يقل عن ثلاثون سريراً وهي مزدحمة بجميع الجنسيات لذلك فهم يسهرون لمشاهدة الافلام على اجهزة الحاسب والتعارف وتبادل المعلومات ويطبخون في السر مما يتسبب في انبعاث روائح مختلفة مزعجة ايضاً في اماكن النوم وهناك من يستعمل الانارة في اوقات متأخرة والموسيقى العالية بالاضافة للسرقة والتطفل وو وغيرها وما زاد الطين بلة وجعل هذا المكان اكثر كآبة هو تدمير المقهى الذي امام المعسكر على جهة اليسار واحراق الآخر المقابل له في مظاهرة احتجاج لسكان الفاشر وفي هذه الليلة لم انعم بالراحة حتى في نومي فقد كانت البطانية من الحجم الصغير والليلة باردة جداً ولعله لا يخفى على احد معنى البرد في المناخ الصحراوي ولا معنى ان يقضي أحدهم ليلته في برد قارس حتى الصباح.
يوم الثلاثاء 9 . 1 . 2007 اليوم صباحأ سافر الزميلان اللذان كانا معي إلى موقعهما وبقيت لوحدي في هذا المكان أنتظر دور رحلتي لاسافر وبالرغم من أن سفرهما جعل المكان أكثر مللاً إلا إن أحدهم أعطاني بطانيه كان قد استعارها من أحد الضباط الجزائريين على أن أتركها له عندما أغادر وبذلك استطعت ان أعرف معنى النوم الحقيقي باقي الليالي وقبل أن أنام هذه الليلة وعندما دخلت إلى فراشي وتغطيت جيداً وابقيت على رأسي خارج الغطاء واخذت اراقب ما يدور حولي من حوارات ومواقف وكلهم في جماعات ولا وجود لليبي أو عربي أخر ولا حتى أي شخص أبيض عندها خطر ببالي ذلك السؤال الذي سالته لنفسي مرات عديدة خلال مهمتي .. ماذا افعل هنا ؟ وعندما أجبت نفسي وعلمت ماذا أفعل هنا ضحكت وأدخلت راسي تحت الغطاء ونمت .
يوم الاربعاء 10 . 1 . 2007 صباحاً ذهبت إلى المطار في محاولة للسفر إلى الموقع على الطائرة المتجهة إلى هناك وكانت مخصصة للتموين حسب الجدول ولكني لم اتمكن من السفر على متنها بالرغم من ان قائد الرحلة قد سمح لعدد محدد من ركوب الطائرة وكان من بينهم آمر مجموعتنا الذي حضر الموقف فقال لي بانه يعرف انه لا توجد رحلات كافية وبانه منذ ايام ينتظر السفر ولذلك فهو سيقدر أي تاخير لي عن الالتحاق بالموقع فرجعت إلى مقر المهمة وبالتحديد إلى شعبة العمليات الجوية حيث لديهم سجل على كل من يريد السفر إلى أي موقع من مواقع الاتحاد الافريقي أو سيستخدم أي وسيلة مواصلات خاصة بالاتحاد الافريقي عليه ان يسجل بعض البيانات التي اهمها الاسم ورقم الهوية فسجلت طالباً السفر إلى مهاجرية ورجعت إلى معسكر زمزم ونفس الخيمة حيث وجدت أن احدهم قد أعجبه مكاني وأخذه فبحتث عن سرير أخر وغيرت مكاني .
كانت معظم اللقاءات بين الضباط المراقبين الليبيين (بيننا) في هذا المهمة تتم عادة بالمصادفة فعندما يدخل احدنا إلى المناطق التي بها تغطية الهاتف المحمول يبدأ بالاتصال بارقام الجميع ومن يكون في التغطية سيرد وفي كثير من المواقف نلتقي مع بعضنا البعض بدون أي تنسيق أو تخطيط وهذا ما حدث يوم الخميس 11 . 1 . 2007 حين اتصل بي احد الزملاء القادم من الإجازة وقال لي بانه نزل الان في مطار الفاشر قادماً من الخرطوم وكان هذا خبراً مفرحاً بالنسبة لي فوجوده سيغير قليلاً من الشعور بالقلق والوحدة وبعد ان جاء إلى معسكر زمزم استطاع ان يحصل على خيمة فردية فانتقلت معه فيها واصبح الحال افضل مما هو عليه على الاقل من ناحية الاستقلالية وخاصة انه لن تكون هناك رحلات يوم الغد مما يعني بقائنا يوم وليلتين في هذا المكان على اقل تقدير وكانت التعليمات في هذا المعسكر تقتضي بان يقيم الضباط برتبة عقيد ومقدم في حال تواجدهم بهذا المعسكر بالخيام الفردية وكان زميلي هذا برتبة مقدم فقضينا عطلة نهاية الاسبوع معاً .
يوم السبت 13 . 1 . 2007 سافر زميلي إلى موقعه فقد كان محظوظاً لأنه يعمل بمنطقة تسير اليها الرحلات يومياً بالاضافة للرحلات التجارية وبقيت لوحدي مرة أخرى فذهبت إلى مقر المهمة للتسجيل في قائمة السفر فهم لا يعتدون بقائمة يوم الخميس بل التسجيل يكون بشكل يومي وفي الخامسة مساء من كل يوم يتم تعميم جدول الرحلات المقررة غداً على القطاعات عن طريق الانترنت وينشر في لوحات الاعلانات والجدول يبين نوع الطائرة واسمها ورقمها ووجهتها ونوع الرحلة (دورية إدارية/دورية تحقيق/نقل مسافرين/شحن تموين او معدات وغيرها) وعدد الركاب المسموح بهم ومن هذا الجدول تبين وجود رحلة إلى مهاجرية غداً فاستعديت للسفر .
يوم الأحد 14 . 1 . 2007 اليوم صباحاً ذهبت إلى المطار وبعد انتظار ومحاولة فاشلة للسفر عن طريق رحلة متجهة إلى نيالا أولاً تم مهاجرية فلم يسمح لي بصعود الطائرة لعدم وجود اسمي بكشف المسافرين على هذه الطائرة وبعد ذلك استطعت ان أجد طائرة كانت ستذهب في رحلة طويلة جداً تردد الكثيرين قبل ان يسجلوا اسمائهم ولكنني فرحت بها وركبت الطائرة مع ثمانية أفراد أخرون واقلعت بنا متجهة إلى معسكر هسكنيتا الذي كان يقع شرق معسكرنا ويبعد عنها أكثر من مئة كيلو متر وبعد وصولنا هناك دخلنا إلى المعسكر للغذاء في انتظار افراغ شحنة التموين المرسلة اليهم تم اقلعت بنا الطائرة مرة أخرى متجهة إلى نيالا التي تقع غرب معسكرنا بحوالي مئة كلم وكنا قد حلقنا فوق معسكرنا ونحن نطير بهذا الاتجاه وهناك التحق بنا اربعة افراد من الشرطة الافريقية وتم التزود بالوقود واقلعت الطائرة متجهة إلى مهاجرية ونزلت بمهبط المعسكر وبالرغم من طول الرحلة إلا انها كانت من غير متاعب وبالنسبة لي كنت سأختار رحلة اطول من هذه مرتين أو ثلاثة على البقاء في معسكر زمزم وتلك الخيام الكبيرة ، بعد هبوط الطائرة وجدنا مجموعة في انتظار الصعود إليها كان منهم آمر الشرطة بمعسكرنا الذي كان ذاهباً في إجازة وآمر قوات الحماية بالمعسكر وهو ذلك الضابط الذي كان طرفاً في مشكلة هبوط الطائرة ليلاً فقد تم نقله إلى معسكر هسكنيتا وارسال آمر مجموعة الحماية بهسكنيتا إلى مهاجرية وبعد دخولي إلى المعسكر وفتح خيمتي وجدت أن كل أشيائي قد غطاها الغبار فطلبت من أحد العسكريين أن يقوم بتنظيفها وذهبت لاسلم على باقي الزملاء كما اني رأيت أن أحد المحليين قد افتتح متجراً أمام المعسكر فذهبت لابارك له واستطلع امكانياته فوجدت أن المتجر عبارة عن كوخ من الصفيح وامامه مظلة تحتها مجموعة من الكراسي وكان يبيع الاحتياجات الاساسية من سجاير وبطاريات وادوات حلاقة والصابون والسكر والشاي والمشروبات وغيرها كما انه اصبح مكانا نجلس فيه بعض الأحيان للحديث وقضاء بعض الوقت .
يوم الأثنين 15 . 1 . 2007 صباحاً ذهبت دورية إلى لبدو ورجعت بدون أي حاذث يذكر وبعد الظهر رأينا دخان يتصاعد من جهة الشرق وكان كثيفاً وليس ببعيد وفي المساء وصلتنا معلومات تؤكد أن مصدر الدخان قرية اسمها (أم دريساي) التي تعرضت لهجوم من قبل الجنجاويد فقرر الآمر إرسال دورية إلى هناك وكلف رائد من جنوب افريقيا وانا معه وكان الوقت قد تأخر حيث خرجنا من المعسكر الساعة السادسة والنصف ومعنا مجموعة من قوات الحماية وبعد أن خرجنا من مهاجرية واصبحنا في اطرافها التقينا مجموعة من المواطنين الفارين من تلك المنطقة فاستوقفناهم لنسألهم عن ما يحدث فقالوا لنا بانهم ذهبوا إلى هناك معتقدين بانه لا وجود للجنجاويد ولكنهم كانوا في كل مكان وبالرغم من ان المواطنين في الغالب ما كانوا يطلبون منا ان نواجه الميليشيات إلا ان من صادفناهم هذه المرة طلبوا منا ان لا نذهب إلى هناك لان الوقت قد تأخر ولن نرى شئ في الظلام فاخذنا اقوالهم وسجلنا ما شاهدوه ورجعنا إلى المعسكر .
الثلاثاء 16 . 1 . 2007 اليوم صباحاً تم تسليمي مهمة دورية إلى قرية (أم دريساي) ومعي نقيب من التوغو وافراد من الشرطة ومجموعة من قوات الحماية ولم يكن احد من المراقبين الموجودين في هذا المعسكر يعرف شئ عن القرية ولا يوجد لها إحداثي مسجل على جهاز تحديد المحل لذلك عندما سلكت الطريق باتجاه المنطقة فكرت انه ليس من الجيد ان اذهب لابحث عن قرية لا اعرفها من قبل وليس عندي لها إحداثي فقد لا اجدها او اقع في مشاكل انا في غنى عنها وفي الطريق التقيت احد الرجال ومعه زوجته يركبان حصاناً يجر عربة فاستوقفتهما وسألت الرجل عن القرية التي نقصدها فحاول ان يصف لي الطريق ولكن كان ذلك صعباً لعدم وجود نقاط دالة أعرفها فسألته ما إذا كان يستطيع ان يذهب معنا إلى هناك فتكلم مع شريكته بلغة محلية تم اجابني بالموافقة ، وفي الواقع كان نقل المدنيين بشكل عام والمحليين بشكل خاص لا يسمح به ولكن في رأيي ان بعض التجاوزات قد تكون مفيدة عندما يكون القصد منها صالح العمل وكان هذا الرجل يحمل سيفاً فقلت له بطريقة ودية : بما انك ستذهب معنا فانت لست في حاجة لهذا السيف ومن الافضل ان تتركه مع زوجتك لانها هي من ستذهب لوحدها فضحك ومرة اخرى تبادلا جملاً غير مفهومة بالنسبة لي واعطى سلاحه لزوجته وركب معنا وانطلقنا إلى القرية المعنية وفي هذه الاثناء كنت ارسم الطريق إلى هناك على جهاز تحديد المحل وبمجرد وصولنا إلى وجهتنا طلبت من المراقب الذي يقود السيارة ان يقف بنا في منتصف الحي وسجلت الاحداثي والمسافة التي كانت 8 كم تم صعدت إلى سقف السيارة لأوثق ما أرى بآلة التصوير الرقمية الخاصة بالدورية وبعد ذلك ترجلت وأخذت في تفقد الحي مع باقي افراد الدورية ووجدنا أن نصف المساكن تقريباً قد أحرقت ودمر جزء أخر ووجدت مجموعة من الاطلاقات ومجموعة أخرى من الظرف الفارغ للبندقية FN والبندقية كلاشنكوف فقمت بتجميعها جميعاً وتوثيقها تم قمنا بجولة حول القرية وعدنا من نفس الطريق وأنزلنا الشخص المدني حيث أراد وفي طريقنا ثم ذهبنا إلى معسكر النازحين الجنوبي بمهاجرية ثم إلى وسط القرية وبعد ذلك إلى معسكر النازحين الشمالي ورجعنا إلى المعسكر بعد أن وجدنا قرية مهاجرية آمنة وبعد الغذاء أرسل آمر المجموعة وبشكل مفاجئ دورية أخرى إلى نفس القرية بها نقيب من مالي ورائد من زامبيا ورجعوا مساءأ دون أن يضيفوا جديداً وفي إجتماع المساء كان الحديث عن ثلاثة دوريات إلى نفس القرية .
يوم الاربعاء 17 . 1 . 2007 اليوم صباحاً ذهبت أنا وآمر المجموعة ونقيب من التوغو في سيارة الآمر ومعنا قوات حماية وشخص سوداني يعمل بشركة الخدمات بالمعسكر أحضره الآمر معنا كدليل لنا للوصول إلى أناس نزحوا من قرية (أم دريساي) إلى (حي السلام) القريب من معسكرنا ولا يفصل بيننا الا وادي وعند وصولنا إلى هناك استطعنا أن نلتقي بمجموعة من الناس منهم اثنان كانا حاضرين وقت الهجوم على القرية وكان أحدهما شيخ في الستينات من عمره والآخر شاب عمره 18 سنة وبعد أن أخذنا أقوالهما التي قالا فيها انهم كانوا يتوقعون الهجوم في أي لحظة ولكن الهجوم كان مباغث واستطعنا ان نهرب من هناك كما ان احدهما قال بأن المهاجمون أمسكوا ببعض من سكان القرية واطلقوا سراحهم بعد ان هددوهم بالقتل ان هم عادوا إلى هذه القرية أو مزارعها وقالا ايضا ان بعض المصابين موجودين بمستشفى القرية وذكروا لنا أسماء فذهبنا إلى هناك فاستقبلنا أمام باب المستشفى طبيب من أطباء بلا حدود فسأله الآمر عن عدد الجرحى الذين استقبلهم بالمستشفى بعد هجوم الأمس فذكر لنا العدد وللأمانة لم أعد أذكره بالضبط الآن ولكنه لا يقل عن تسعة جرحى فشكرناه وانهينا الحديث معه وتوجهنا إلى مقر العمدة ، وكان الغرض من معرفة عدد الجرحى هو محاولة لتكوين فكرة عن حجم المعركة بناء على الخسائر وعند العمدة التقينا ايضاً بقائد منطقة جنوب دارفور بالحركة وشيخ مهاجرية وبعض الأعيان فتحدثنا عن الأوضاع الأمنية بالمنطقة بصفة عامة وعن خلفيات هجوم الأمس بصفة خاصة وبعد رجوعنا إلى المعسكر علمنا أن مجموعة من الامم المتحدة ستزور معسكرنا غداً .
الخميس 18 . 1 . 2007 اليوم أستيقظنا باكراً من أجل الاستعداد لاستقبال الضيوف الذين كان من المفترض أن يصلوا الساعة التاسعة ولكن بعد الحادية عشر وصلت برقية تفيد بتأجيل الزيارة نظراً للأوضاع الأمنية بالمنطقة وفي هذا اليوم جاءت دورية من لبدو لتسليم بعض المعاملات الإدارية ومعهم سيارة نقل مياه لتعبيتها من بئر المعسكر فلم يكن لديهم بئر داخل المعسكر كما هو الحال في معسكرنا ومعظم المعسكرات الاخرى وكانوا يقومون بتعبية المياه من بئر داخل منطقة لبدو ولكن حين تتوتر العلاقات مع المحليين كانت أولى أوراق الضغط هي مياه الشرب لقد كانت الحياة في مثل هذه الظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها معاناة وقبل أن يغادروا جاءت دورية أخرى من شاعرية ايضاً من أجل البريد وبعد أن علمنا رسمياً بتأجيل موعد زيارة مجموعة الأمم المتحدة ذهبت أنا وممثل الحركة إلى العمدة والقيادة العسكرية لنخبرهم بذلك لأننا كنا قد أعلمناهم بها حسب التعليمات .
السبت 20 . 1 . 2007 اليوم صباحاً بعد اجتماع الدورية خرجت مع الآمر ونقيب من نيجيريا في دورية على محور مهاجرية – حي الدنكا – كالاجو – بركة – كليكلي كانت كل هذه المناطق عند بداية عملي بالمهمة تقع تحت سيطرة حركة جيش تحرير السودان جناح مناوي أما الآن فهي مناطق مهجورة ومدمرة ولم يبقى تحت سيطرة الحركة الا مهاجرية ولبدو وسنيد ويوجد على طول الطريق إلى هناك بعض المقاتلين وافراد من قبيلة المعاليا الذين كنا نراهم من بعيد وبعد وصولنا إلى المنطقة الأخيرة وجدنا أنه قد ثم فتح نقطة للجيش وأخرى للشرطة السودانية فبعد سيطرة ما يسمى بالجنجويد على تلك المناطق قاموا بتسليم كليكلي للحكومة السودانية التي قامت بدورها بتتبيث اقدامها لتأكيد سيطرتها على الأرض وكانت هذه الخطوة قد قلبت موازين القوة بالمنطقة وكان أفراد من قبيلة المعاليا في السابق يقولون انه عند سيطرتهم على أي أرض سيقومون بتسليمها للحكومة وهذا ما فعلوه في كليكلي ولم نستطع لقاء العمدة لانه كان في اجتماع بمدينة الضعين يجمع كل عمد المنطقة ثم جاءت دورية الضعين وكان آمرها ذلك الضابط الموريتاني الذي كان معنا وانتقل إلى هناك وجاء معه ضابط الامداد بمعسكرنا الذي ثم نقله إلى الضعين بعد ذهابي في إجازة وثم إعادة توزيعه مرة أخرى بمعسكرنا فرجع معنا اليوم إلى هناك وبعد وصولنا المعسكر ذهبنا إلى إجتماع قصير تناولنا فيه نتائج دورية اليوم قبل ان نذهب للغذاء وفي المساء جاء إلى معسكرنا بعض من القادة العسكريين للحركة بالمنطقة وطلبوا الاجتماع بالآمر الذي اجتمع معهم بمرافقة بعض المراقبين كنت أحدهم وعندما بدأ أحد الضيوف يتحدث عن سبب مجيئهم تفاجئنا بما يقول فقد طلبوا فصل العاملات السودانيات اللاتي كن يعملن بالمعسكر في الغسيل والتنظيف كان طلبهم بدون مقدمات ولم يقدموا مبررات لقد كانوا مصممين على تنفيذ قرارهم ورافضين إيجاد حلول وسط بدعوى انه قرار الإدارة الأهلية بالمنطقة الذي لا يمكن التدخل فيه عندها طلب الآمر مهلة لمعالجة الأمر فوافقوا على اعطائنا مهلة حتى صدور قرار فصلهن ، لم نكن لنتأثر كثيراً بايقاف تللك النسوة عن العمل فنحن كعسكريين تعلمنا أن نصنع الشئ من لاشئ وتدربنا على الإعتماد والإعتداد بالنفس وجربنا التعايش في ظروف مختلفة لهذا فلن تحل كارثة إذا غسلنا ملابسنا بايدينا أونظفنا مكاتبنا بانفسنا وإنما ستكون هناك مآساة إذا ثم طردهن لأن أقل إمراءة فيهن لديها ثلاثة أطفال تقوم باطعامهم وفرصة العمل بالنسبة لهن في مثل هذه المناطق هي فرصة العمر التي قد لا تتكرر لذلك فنحن نظرنا لهذه المشكلة من الجانب الانساني .. ما السبب ياترى وراء الاصرار على قطع الارزاق ؟ لقد حاولت أن افهم السبب الحقيقي وراء هذا القرار دون فائدة لقد وقفت عاجزاً كما هو حال زملائي لإحتواء هذه الأزمة فكيف لي أن أطرح حلاً أو حتى أفكر لحل مشكلة لا اعرف سببها ، كتب الآمر تقريره إلى رئاسة القطاع واستدعاء مدير شركة الخدمات بالمعسكر نظراً لتبعية النسوة له وأبلغه بما حدث فقال أنه سيطلب التعليمات من مديره وطلب ايضاً أن يتحدث مع الاشخاص الذين جاءوا إلى هنا ولكنهم كانوا قد غادروا .
فهل سيتم فصل النسوة عن العمل ؟..............................................................................................النقيب خالد كنيفو