صدر مؤخرا عن دار بنجوين برس بالعاصمة البريطانية لندن كتاب "صعود المال" للمؤرخ الأمريكي الشهير نيال فيرجسون أستاذ مادة التاريخ في جامعة "هارفارد"، ويشرح عبر صفحاته الـ 432 أن الفوضى المالية التي عصفت مؤخرا بالعالم تكررت على مدى التاريخ الإنساني كله
ويقدّم فيرجسون وفقا لصحيفة "البيان" الإماراتية "تاريخا ماليا للعالم كما يبين العنوان الفرعي للكتاب، حيث يرى أن تكرار مثل هذا الخلل بشكل دوري هو أمر طبيعي للغاية، وليس من المدهش أن يحدث ولكن بالأحرى عدم حدوثه. وكل الجهود التي يتمّ بذلها من أجل تجنّبه لن تنجح ربما في أكثر من تأجيله لفترة من الزمن.
ويكشف المؤلف الكثير من التفاصيل التي عرفها عالم المال والتي تثير الدهشة والاستغراب، مثل شرح الطريقة التي استطاع فيها "جون لوو" إقناع الفرنسيين بتسميته مراقبا عاما للتمويل العام في مواجهة "الفقاعة المالية" التي شهدتها فرنسا خلال عامي 1720 ـ 1721.
كما يشرح في السياق نفسه كيف أن عائلات أوروبية كبرى مثل عائلة "كروفيل" قد بدد ورثتها ثروتها المالية الهائلة بينما أن عائلات أخرى، مثل عائلة روتشيلد عرفت كيف تكوّن ثروات مالية ضخمة عبر الجمع بين التوفير والاستعلام والمثابرة.
ويري فيرجسون أن العولمة السابقة الأخيرة التي سادت عمليا طيلة القرن التاسع عشر انتهت مع كارثة الحرب العالمية الأولى عام 1914 لكنه يشير بنفس الوقت إلى مدى عدم الوعي بخطورة السياق الذي أدّى إلى نشوب تلك الحرب.
وينقل عن الكاتب البريطاني نورمان انجيل الذي كان قد أكّد في كتابه الصادر عام 1910 أن الحرب بين القوى الكبرى غدت مستحيلة اقتصاديا بسبب «التداخل المعقّد للتمويل العالمي"، ليؤكد علي أنه لا ينبغي الاستكانة والاكتفاء بالاستفادة من فترة الازدهار الكبير الذي قد يعرفه العالم وتحسّن مستوى المعيشة كالذي يعرفه اليوم قسم هام من عدد سكان العالم.
ويوضح الكتاب أنه فرغم ذلك هناك العديد من مؤشرات الهشاشة الواضحة لمن يتفحّص الوضع بدقّة، إن "الفقاعة المالية" التي انفجرت وأنتجت الأزمة الراهنة تعود بدرجة ما،حسب رأي المؤلف، إلى العلاقة بين الصين والولايات المتحدة. ويعتبر أن التوفير الكبير الذي حققته آسيا "كان السبب في إغراق سوق القروض الأميركية بالسيولة النقدية وتسهيل الحصول على قروض عقارية دون أيّة ضمانات تخصّ القدرة على التسديد.
وتساءل فيرجسون حل إمكانية تحول العلاقات الأمريكية الصينية إلى حرب تجارية وأن يكون ذلك سببا في إطلاق آلية وصول العولمة الحالية إلى نهايتها. ويخلص من تساؤلاته وتعليقاته عليها على ضوء تجارب التاريخ إلى ثلاثة دروس مثيرة للقلق.
الأول أنه يمكن للحروب الكبرى أن تندلع حتى لو بلغت العولمة درجة متقدّمة.
الثاني هو أنه بمقدار ما تبتعد الحروب في العالم زمنيا يغدو من الصعب تصوّر قيام حرب.
الثالث هو أن الأزمات التي تصيب المستثمرين قد لا تكون آثارها أقل عمقا من ندوب المعارك.
ويختتم الكتاب أن الأسواق مثل مرآة البشرية تكشف بكل ساعة من كل يوم عمل القيمة التي ننظر فيها إلى أنفسنا وإلى موارد العالم المحيط فينا، وليس خطأ المرآة أنها تعكس عيوبنا بنفس وضوح عكسها لجمالنا