الانشغال الوهمي الذي يسبق الاشتغال الفعلي
دعونا
نعري هذا الانشغال الصهيوني بتنامي قوة سلاح البحرية الجزائرية من دوافعه
المعلنة، التي لا تصمد لحظة أمام الحقائق في الميدان. فعلى حد علمنا، لم
نسمع أن سلاح البحرية الجزائرية قد تزود بحاملة للطائرات تستطيع أن تنقل
التهديد إلى حدود فلسطين المحتلة، أو بوارج حربية قادرة على فرض حصار
على الكيان، أو مجموعة متطورة من الغواصات قد تعيق حرية الحركة للأسطول
الصهيوني. ثم على افتراض أن البحرية الجزائرية قد نمت قدراتها للحركة في
عرض الحوض الغربي من الأبيض المتوسط، فإنها لا تستطيع أن تشكل أي تهديد
على الملاحة التجارية في أعالي البحار المحكومة بقوانين دولية، ومع وجود
عدد كبير من الأساطيل الأمريكية والأوروبية التي تهدد سلامة دول الساحل
الجنوبي على الدوام.إلى
ذلك فإن الملاحة التجارية الدولية ليست مهددة بأساطيل الدول، بقدر ما هي
مهددة بتنامي ظاهرة القرصنة، التي لا تحتاج، لا إلى دول وجيوش نظامية، ولا
إلى قطع بحرية متطورة. كما أن عدوان إسرائيل على لبنان سنة 2006 قد كشف
لإسرائيل وجود تهديد آخر لسلاح بحريتها عبر منظومات صاروخية تطلق من البر،
استطاعت أن تدمر إحدى أحدث بوارج الكيان الصهيوني, وبذلك فإن الانشغال
الصهيوني من تنامي سلاح البحرية الجزائرية، لا يضمر تخوفا حقيقيا على حرية
تحرك الأسطول التجاري الصهيوني بعرض الحوض الغربي للمتوسط، وينبغي لنا أن
نقرأ ما يتضمنه من رسائل وتهديدات، وما يخفيه من ضغوط قد تحرك لها الدول
الغربية للتدخل في شأن داخلي صرف لدولة ذات سيادة.
حراسة على حراس بوابة غرب المتوسط
مبدئيا كان يفترض من الدول الغربية التي نقلت الرسالة الإسرائيلية، أن
تبلغ هذا الكيان المدلل، أن الإتحاد الأوروبي هو الذي بادر إلى تحفيز دول
المغرب العربي على تنمية وسائل تطويق موجة الهجرة السرية التي تؤرق اليوم
معظم دول الإتحاد، وكان عليها أن تذكر قادة الكيان، أن البحرية الجزائرية،
ومعها سلاح البحرية في المغرب وليبيا، تقوم اليوم بوظيفة حارس البوابة،
والقيم على خفارة الجبهة الأمامية في الحرب على الهجرة السرية المتنامية،
حتى أن بلدا مثل إيطاليا، مهددا بالهجرة السرية، قد دخل في شراكة
إستراتجية مع ليبيا بدأت تؤتي أكلها. وقبل أن تستفحل ظاهرة الهجرة كانت
الدول الغربية ومنظمة حلف الناتو قد انفتحت على دول المغرب العربي وعلى
بحريتها، بعقد عدة اتفاقيات أمنية، وتنظيم مناورات مشتركة في سياق التصدي
لما يسمى بالحرب على الإرهاب. وسواء تعلق الأمر بهذا الملف، أو بملف
الهجرة، فإن الخدمات التي قدمتها الدول العربية في الساحل الجنوبي تفوق
بكثير ما كان بوسع الكيان الصهيوني أن يقدمه لحلفائه الغربيين، وهو الذي
إنما أنشئ ودعم للقيام بوظيفة أمنية غربية صرفة في هذه المنطقة المضطربة
من العالم.
وإذا كان تنامي سلاح البحرية الجزائرية لا يشكل أي تهديد، الآن أو في
مستقبل منظور، للملاحة التجارية الدولية ومنها بواخر الكيان الصهيوني،
وأنه لا يتعارض مع مصالح الدول الغربية، بل أصبح شريكا يعول عليه في تحقيق
الأمن في هذه المنطقة، وتأمين حدود الإتحاد الأوروبي، فإنه ينبغي أن نبحث
عن الدوافع الحقيقية للانشغال الصهيوني في مكان آخر.