 |
| |
أصبحت عجلة الحرب الالمانية السوفيتية تدور أبتداءا من عام 1943 في الاتجاه المعاكس. وكان خط الجبهة السوفيتية الالمانية بحلول صيف عام 1944 يشبه كثيرا ما كان عليه في يوليو/تموز عام 1941حين كانت مجموعة الجيوش الالمانية الوسطى تطور هجومها الى أعماق الدفاعات السوفيتية وتحاصر وحدات الجيش السوفيتي المدافعة. وكان تحت سيطرة القوات الالمانية عدد من المناطق في أوكرانيا ومولدافيا بالاضافة الى المناطق البلطيقية وجمهورية بيلوروسيا بكامل اراضيها تقريبا. وكان خط الجبهة يمر بمدن فيتيبسك واورشا وموغيليوف وجلوبين البيلوروسية ومنطقة بوليسيه التي شكلت ما يسمى بشرفة بيلوروسية موجهة نحو الشرق. وكانت القيادة العسكرية الالمانية تفهم خطورة هذا الوضع. لذلك اقترحت على هتلر سحب القوات الى عمق بيلوروسيا وتنظيم الدفاعات المحصنة على ضفة نهر بيريزينا. لكن هتلر لم يوافق على هذا الاقتراح خشية خروج فنلندا من الحرب.
تمكنت القيادة السوفيتية بحلول عام 1944 من تحقيق التفوق الملموس في القوة البشرية والمعدات الحربية حيث كانت في حوزة الجبهات البيلوروسية الاربع 2.4 مليون فرد و36 الف مدفع وهاون وما يزيد عن 5 آلاف دبابة و5.3 الف طائرة مقابل 1.2 مليون فرد 9.5 الف مدفع وهاون وما يزيد 900 دبابة و1350 طائرة لدى القوات الالمانية.
بعد هزيمة القوات الألمانية في معركة كورسك في صيف عام 1943، اضاع الألمان زمام المبادرة وصاروا يتراجعون باستمرار، وأصبح للقوات السوفيتية حرية أكبر في التحرك في أي وقت يناسبهم.
ومما زاد من متاعب الألمان هو التزاماتهم العسكرية على الجبهات الأخرى، كجبهة إيطاليا، وجبهة نورماندي التي فتحت بعد نجاح الغزو النورماندي للحلفاء في 6 يونيو/حزيران عام 1944. وقد تم تحويل وحدات جوية من الجبهة الروسية لمواجهة هذا الغزو.
لم يكن هتلر بغافل عن رغبة ستالين في شن هجوم كبير صيف عام 1944. لكنه لم يعرف مكانه، ولا زمانه بالتحديد، وقد حذر القائد الألماني إرنست بوش قائد مجموعة الجيوش الوسطى المتواجدة في بيلوروسيا، القيادة الألمانية من احتمال أن تقوم القوات السوفيتية بهجوم في قطاعه، إلا أن الاستخبارات العسكرية الالمانية التي تلقت معلومات مضللة من عناصرها في روسيا احاطت القيادة الألمانية علما بأن الهحوم سيبدأ في شمال أوكرانيا، أو رومانيا، علما ان رومانيا، الغنية بالنفط تعتمد عليها ألمانيا في مجهودها الحربي، لكن ستالين لم يكن مستعجلا على احتلال حقول نفط رومانيا، فقرر الهجوم على بيلوروسيا.
إضافة إلى كل ذلك فان خطوط المواصلات للألمان كانت قد تعرض جزء منها للتخريب على يد ثوار المقاومة الشعبية، لذلك عانت مجموعة الجيوش الوسطى من نقص في الإمدادات.
قررت القيادة السوفيتية القيام بعملية حربية واسعة النطاق في بيلوروسيا اطلقت عليها تسمية باغراتيون نسبة الى قائد روسي جورجي الاصل لعب دورا هاما في ايقاف قوات نابليون في معركة "بورودينو" بضواحي موسكو عام 1812.
وكانت هناك أربع جبهات سوفيتية في بيلوروسيا مكلفة بقيادة العملية، وهي:
جبهة بيلوروسيا الأولى بقيادة الجنرال روكوسوفسكي وجبهة بيلوروسيا الثانية بقيادة الجنرال زاخاروف وجبهة بيلوروسيا الثالثة بقيادة الجنرال شرنياكوفسكي وجبهة البلطيق الأولى بقيادة الجنرال باغراميان.
وقام المارشال جوكوف بالتنسيق في عمليات الجبهتين البيلوروسية الاولى والثانية. اما المارشال فاسيليفسكي فقام بالتنسيق في عمليات جبهة البلطيق الأولى و وجبهة بيلوروسيا الثالثة.
ويواجههم في المقابل الألمان بثلاث مجموعات جيوش: مجموعة الجيوش الشمالية بقيادة لندمان ومجموعة الجيوش الوسطى بقيادة بوش ومجموعة الجيوش المرابطة شمال أوكرانيا بقيادة والتر مودل.
انيطت الجبهات السوفيتية الاربع بمهمة توجيه ضربات متتالية في شمال ووسط وجنوب بيلوروسيا بغية شرذمة القوات الالمانية ومحاصرة جيوشها في مينسك وفيتيبسك وفيلنيوس والوصول الى اراضي بولندا وحدود المانيا النازية بمنطقة "بروسيا الشرقية". وعند ذلك تم التركيز على دحر مجموعة الجيوش الوسطى التي كانت تشكل قوة ألمانية اساسية في الجبهة السوفيتية الالمانية.
بدأ الهجوم صباح يوم 23 يونيو/حزيران 1944 بشكل أساسي على مجموعة الجيوش الوسطى، وفوجئ الألمان بهذا الهجوم، وفي يوم 25 يونيو/حزيران حاصرت قوات الجنرال باغراميان خمس فرق ألمانية في مدينة فيتبسك البيلوروسية وقد حاولت مجموعة منهم قدرها 8000 جندي فك طوق الحصار والهرب لكنها فشلت.
أما جبهة شرنياكوفسكي فقد عبرت نهر بيريزينا يوم 28 يونيو/حزيران. وفي اليوم عينه سقطت مدينة موغيليف في يد جبهة الجنرال زاخاروف.
أما جبهة روكوسوفسكي فقد حاصرت خمس فرق ألمانية قضت عليها في يومين، واستولت على 24 الف أسير.
في خلال ستة أيام من بدء الهجوم كانت القوات السوفيتية قد تقدمت على طول الجبهة من 100 إلى 140 كيلومتر تقريباً.
في 28 يونيو/حزيران قام الزعيم النازي أدولف هتلر- رغبة منه في أن يصد الهجوم بأي ثمن - بعزل الجنرال بوش وأحل محله الجنرال مودل في قيادة الجيوش الوسطى، مع احتفاظه بقيادة مجموعة جيوش شمال أوكرانيا لكي ينقل ما شاء من الجنود منها إلى المجموعة الأولى.
قام الألمان كذلك محاولة منهم لإنقاذ الوضع بسحب قوات من جبهة نورمانديا المشتعلة إلى الجبهة الشرقية، ولم يكن لهذه التحويلات أي تأثير جوهري.
في 3 يوليو/تموز استأنفت جبهتا زاخاروف وشرنياكوفسكي الهجوم بغرض تطويق القوات الألمانية في عاصمة بيلوروسيا مينسك، ونجحتا في تطويق أكثر من 100 الف جندي ألماني. وفي يوم 11 يوليو/تموز كانت المقاومة الألمانية قد انتهت بعد أن خسر الألمان حوالي 35 الف قتيل، و70 الف أسير.
في 13 يوليو/تموز حاصرت القوات السوفيتية 15 ألف ألماني في منطقة مدينة فيلنيوس عاصمة ليتوانيا. وفي الجنوب وصلت القوات السوفيتية في 28 يوليو/تموز إلى مدينة بريست ، أما في الشمال فقد وصلت في 31 يوليو/تموز إلى شاطئ مدينة ريغا عاصمة لاتفيا ، وبهذا تم فصل مجموعة الجيوش الشمالية عن الوسطى، وأصبحت الأولى محاصرة حتى نهاية الحرب، ويمكن اعتبار ذلك أكبر إنجازات هذه الحملة.
بحلول 29 أغسطس/آب كانت القوات السوفيتية قد تقدمت حوالي 600 كيلومترا منذ بداية الحملة، وقد اخترقت حدود ألمانيا النازية، ووصلت إلى نهر فيسلا وصارت الى الشرق من وارسو عاصمة بولندا بحوالي 21 كيلومتر فقط.
تعتبر عملية باغراتيون من اكثر العمليات الحربية السوفيتية في الحرب الوطنية العظمى تنسيقا على الرغم من العدد الضخم من الافراد والاليات الحربية المشاركة فيها. ويعود فضل ذلك بالدرجة الاولة الى المارشالين جوكوف وفاسيليفسكي. وتعتبر هذه العملية انتصارا لنظرية الفن الحربي السوفيتي. وتكبد الجيش السوفيتي خلال الشهرين للعملية (23 يونيو/حزيران - 29 اغسطس/آب عام 1944) خسائر تقل 4 امثال عما هو عليه لدى الالمان. وخسر الجيش الالماني 300 الف فرد بين القتيل 250 الف فرد بين الجريح 120 الف فرد بين الاسير، بمن فيهم مقتل 12 جنرالا واسر 22 آخر، ناهيك عن تدمير 2000 دبابة و57 الف وناقلة. اما الجيش السوفيتي فخسر 60 الف فرد .
وتم التدمير التام ل 17 فرقة و3 الوية المانية. اما 50 فرقة فتكبت الخسائر بالقوة البشرية ينسبة 60 – 70 %.
ومن اجل ان يشهد العالم اجمع نتائج العملية الحربية السوفيتية ـ أمر ستالين بان يسير 50 ألف اسير ألماني في شوارع موسكو. وكان رتل متكون من الجنود والضباط الالمان يسير خلال 3 ساعات تأكيدا على انتصارات الجيش السوفيتي في ملحمة بيلوروسيا.
موضوع: تحرير بيلوروسيا: عملية "باغراتيون" احدى ضربات ستالين الحاسمة لهتلر 
الأحد نوفمبر 08, 2009 10:45 pm
