مازال حلم المملكة الدينية في الإسلام يسطل العقول ويغرى أتباعهم في الموت في سبيل الفوز بمملكة السماء والحور، وأتعجب لملوك الممالك الإسلامية أو التي تنتسب للإسلام وتنصب من نفسها أمير المؤمنين وخدام الحرم والمقدسات الدينية يعيشون في قصور ويوجد في رعايتهم من يأكلون في صناديق القمامة، وأتعجب على الدول الراقصة الميعة مابين النص الدستوري المراوغ بين الشريعة وشروطها المطبقة على الفقراء فقط بل تقام عليهم الحدود وحدهم، في حين أنها تحابى الرؤساء والأسياد ورجال الأعمال.!
هذا المسخ. كيف يفرز لنا مملكة إسلامية جديدة في مصر مثلا أو في تونس أو في المغرب- أصحاب الحكومات الإسلامية- الحديثة التي تستميت على فرض وتطبيق الشريعة في دساتيرها الجديدة.
فلا بأس من إقامة مجتمع إسلامي متجانس في ظل دولة راشدة تعمل على ربء الصدع بين شرائح ومكونات الدولة بمفهوم الدولة المدنية القائمة على حقوق المساواة بين أطياف شعوبها. لكن المؤشر يسير في طريق مجهول خاصة وإعادة خطاب قديم استعلائي يستخدمه التيار الإسلامي في إقامة مملكة الدينية على غرار الممالك اليهودية القديمة، فهم يرون أن أي مخالف لدعوة إقامة الشريعة الإسلامية بنفس طريقة وأسلوب الماضي السحيق المتطرف الذي يخدم الملك دون الرعاية فالملك يَسأل ولا يُسأل، مع فرض خطاب إقصائي لكل مخالف لإدارتهم للبلاد وأي نقد لهذا الفكر أو القرارات بالشأن العام فهو نقد لشريعة الله ومن ثمة هو نقد لذات الإلهية، وبالتالي وجب عقاب هذا الناقد بقطع أوصاله من خلاف أو حرقه أو نفيه من البلاد.!
فضلا عن اتهامات الزندقة والقلي في قدور الزيت المغلي والجلوس على الخازوق موتا مع جث الأعناق وتعليق الرؤوس فوق أسوار الأسواق حتى يعتبر المؤمنين.!
وهذه لست صورة مبالغة إنما هذا ما سجله شاهد القبور التاريخي على أحداثهم أيام كانوا متسيدون الرقاب والعباد.
وإن خطابهم هذا لمعسول يشع التقوى والنور بما يغرر بالبسطاء من عامة الشعوب التي تسمع لهم وتلتف حولهم بمجرد التلويح بكل إشارة تحمل "قال الله وقال رسوله". قد نجحوا في تعبئة العامة بأن اختيارهم لهم ما هو إلا اختيار لشرع الله وسنة الرسول، ومن زخرفة القول والشعارات نجدهم دائما يستخدمون عبارات مثل( أنا أرشح نفسي ليس من أجلى إنما من أجل فرض شريعة الله وإقامة سنة نبيه الكريم"على أساس أن المجتمع كافر ومنحل ولا يعلم شيئا عن الله أو رسوله"قد رأيت الرسول يوصيني بكم خير الوصية وأن أكون خادما لكم...) إلى أخر تلك الخزعبلات النفسية التي تؤثر على نفوس الجماهير. بل ويحركون بها الجماهير .
ثمة التقارب وملامح قريبة الصلة في الفكر الشهواني بداء السلطة والتسيد على أسس دينية، إن الممالك الصهيونية القائمة على الدين اليهودي والممالك العربية القائمة على الدين الإسلامي متشابهة لحد كبير فى نظرة الاستعلاء العامة على الآخر.
الصهيونيون يريدون أن يكون الإله لهم وحدهم، وأن جميع خيرات الأرض لهم، ملك لبني إسرائيل، وأن النصارى والمسلمين وعبدة الأوثان خلقوا عبيدا لهم.
الإسلاميون يرون أن وحدهم هم العارفون الطائعون لله الواحد القهار، وأن كل ما على الأرض والسماء هو من خيرات الله التي وعدهم بأنهم سوف يتمكنون منها جميعا وستكون الأرض لهم وحدهم حتى لا توجد دار في العالم إلا وتدين بالإسلام تحت ملكهم.، وأن النصارى واليهود وعبدة الأوثان جميعا عليهم دفع الجزية أو يعملون عبيدا وجواري في قصورهم.
فهل هؤلاء بهذه العقلية سواء الصهيونية أو الإسلاميون قادرون على بناء دولة قادرة تسير بسلام وسط ضجيج العالم الذي يتسع الخلاف والاختلاف بين البلاد.؟
إن المقصود هنا بالإسلاميين في التجربة المصرية بالتيار"السلفي" الحالي بشكله وبمنهجه المتزمت، وهو ما أطلق عليه هنا مسمى" السلفية الجديدة- السلفيون الجدد"، يجعله قريب التشابه مع الصهيونية الإسرائيلية القائمة على فكرة إقامة المملكة الدينية على الأرض مع ضرورة إخضاع كافة العباد لملكهم هذا.
ثمة تلون واضح كما الألوان الحرباء فى الجذب والخداع لصيد الفريسة، والفريسة فى هذه الحالة يبهرها التلون البراق بالألوان الدين والاتجار به. وهم الصهيونية والسلفيون الجدد. أصحاب فكر واحد. ممتازون في الاقتصاد و التجارة في الدين واستثماره.
فهم تحكموا فى العباد ببريق الأموال والذهب وعقود العمل، والتاريخ يقول عن اليهود فى البلاد العربية أو بالعالم أجمع أنهم مسيطرون على عصب الاقتصاد المالى فى كل بلد نزلوا فيها، وبالتالي فثمة كلمة اقتصادية واجبة النفاذ والطاعة لمن يحمل صناديق الأموال، وهكذا كان الحال مع التيار الإسلامي فى مصر فقد تمكنوا من البنية الاقتصادية التحتية في مصر وسط شرائح المجتمع المصري الفقيرة حتى تمكنوا من نفوس وعقول وولاء عامة المصريين الذين وجدوا ضالتهم في العمل والسفر والمشروعات الصغيرة. فلا بأس إذن من إتباع الشكل الخارجي للتدين حتى يتم الحصول على المزيد من الأموال والحسنات. وخير برهان قاطع على ذلك تحريك كافة القرى والنجوع والكفور من الريف والصعيد المصري فيما عرف بجمعة الشريعة الإسلامية في ميدان التحرير، ولعل أيضا فيما عرف بغزوة الصناديق خير شاهد عيان لهذا.!
فاليهود الصهيونية والسلفيون الجدد ومن قبلهم الإخوان القاسم المشترك بينهما أنهم تجار بارعون وخطباء على المنابر وفى المعابد لا فض لهم فاه.
إن اليهود الصهاينة والسلفيون الجدد همجيون في فكرهم. عنصريون لا يقبلون الآخر بل يريدون سبيه وقيده ما دام اختلف معهم في الرأي. لماذا؟ لأنهم ضعاف العقول يكونون أكثر شراسة وبطشا لضحالة فكرهم، ولأنهم تجار بارعون يعلمون كيف يعرضون بضاعتهم التي تجذب الناس البسيطة لهم، بل ويسيطرون عليهم، بل ينزلون في نفوس الناس منزلة القداسة تحت ما يسمى" إن لحوم العلماء مسمومة" وهذا كفيل بأن يقول الشيخ أي كلام أجوف ويتم التصديق عليه دون إعمال الفكر أو نقده، فكيف ينقد الشيخ؟ والخوف من عذاب الله جاهز بأنه سوف يصاب بالتسمم إن نقد - أكل كلام - لحم الشيخ. والقصد من هذه الحالة هو الطاعة المطلقة التي ينزلها خطاب هؤلاء الشيوخ في نفوس العامة بأنها طاعة واجبه وأي اختلاف أو خروج على هذه الطاعة فهو خروج على طاعة الله ورسوله. لذا وجب التسليم المطلق فى إعادة الخطاب المغلوط فى وجوب الطاعة لأولى الأمر وتحريم الخروج عليهم " وأطيعوا الله وأطيعوا رسوله وأولى الأمر منكم".!
ينتشر الخطاب الصهيوني مرادفا للخطاب السلفيون الجدد في الإجماع على تضخم الأنا المستمدة قوتها من قوة الرب فهم مجتمعون على الأنا التي على الجميع الإخضاع لها والمثول لما تراه هي فقط وإلا سيكون البديل الخراب للعالم كله وعلى هذا الأساس يتم إقامة مملكتهما الجديدة.
تبقى إشكالية الدرس التاريخي الراهن للأحداث القريبة في أن الصهيونية اثبت تفوقها في مطالبتا تغير خطابها لحد ما في فكرة إقامة الدولة وفصلها عن الدين بمعنى لدولة إدارة شئون سياسية واقتصادية وجب فيها الفصل عن الدين، ومن هنا أثبتت الصهيونية قدرتها على السيطرة واكتساب تعاطف العالم سواء باللعب على مشاعرهم الإنسانية أو الاستفادة مما تعرضوا لهم من كذبة الحرق والاضطهاد والطر من وطنهم مما كسبوا مشاعر العالم سواء بطريق شرعي أو غير شرعي فهم لعبوا سياسة المصلحة.. وقد كان فبنيت دولة إسرائيل.!
أما التاريخ يقول عن السلفيين الجدد أنهم لم يخرجوا من الكهف ولم يستثمروا ذكائهم المتطرف هذا، وهذه كارثة في حد ذاتها. إن تطرف اليهود جعل لهم دولة، ودولة متقدمة على كل الدول العربية أجمع.
أما تطرف السلفية فماذا أنتجت لا شيء سوى أنها بقت في حدود الصحراء مستهلكة لمنتجات الغرب الكافر ولم تفكر أن تنتج شيئا أو تستفيد من الغرب الكافر كما فعلت زميلتها الصهيونية...!
ومع عقد مقارنة بسيطة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية على الصعيد العلمي، سوف تتضح معنى الكارثية التي اقصدها.!
ثم لو نظرنا للعلاقة الشاذة في العقل العربي والعقل الصهيوني سوف نجد ثمة ارث مشترك - بغض النظر عن حالة العداء الظاهري التي يتشدق بها العرب من وقت لأخر- وهو الأضحوكة باسم الدين أو الاتجار بالدين أو التسيد بالدين أو السلطنة باسم الدين.
السلفيون الجدد على وشك إقامة مملكة أخرى باسم الدين في الديار المصرية ومن اتبع نهجها في بلاد شمال إفريقيا. وأقول من خلال الطرح السابق إن كل الممالك التي قامت على المعتقد الديني قد أثبتت فشلها ودمويتها وانتهائها مبكرا. فانظروا ماذا تفعلون في أنفسكم وفى بلادكم.
ادعوكم إلى زيارة القبور لكنها قبور المكتبات وأرفف الكتب التي غطاها غبار خصامنا البليد واهمالناه لأبسط واهم قاعدة دينية"النظافة من الإيمان"..!
اضحكوا...
وللعلم، غالبا تكون الضحكة أو البسمة من شر البلية... فاضحكوا، وبعيدا عن الدين اعملوا عقولكم ولو قليلا حتى لا نثار بحماسة حمقاء قد تقطع ما بيننا من مودة فكرية... اسألوا أنفسكم أنتم، ما الفرق بين الصهاينة والسلفيون الجدد...؟!