الحكم بما أنـزل الله
بدل أن يتحدث المشايخ عن المهمات الأخلاقية للدين، فإنهم طبخوا رؤوسنا بحديثهم الذي لا ينتهي عن تطبيق الشريعة التي لم ولن يتفقوا على حدودها وماهيتها.
لقد اتفقوا على مهاجمة الحكومات كلها، لا لأنها مستبدة، ولا لأنها ظالمة في توزيع الثروات، ولا لأن الحكم لا ينتقل بسلاسة من حاكم إلى آخر يليه، بل لأنها لم تغلق البنوك ولم تقطع يد السارق ولم ترجم الزاني.
وها هي حمس تحكم البلاد والعباد.. وها هم الناس قد انتخبوها.. وبعد أن كانت تسيطر على المساجد ومنابرها، وشؤونها، امتدت اليوم لتشمل الوطن كله.
وبعد حين سيتساءل منتخبوها عن الفرق بين السابق واللاحق.
الحق أن الغاية من بعثة الرسل هي تحسين أحوال الناس الطبعية والأخلاقية والروحانية، وليس تزويدهم بشريعة تفصيلية حديّة متخمة. وإن الواجب علينا- مواطنين ومسؤولين- أن نعمل على نشر قيم الخير والفضيلة، لا فرضها بالقوة. وأن نعمل على تحقيق العدل في الحكم وأداء الأمانة إلى أهلها، وليس إلى حرفية في فهم النصوص تُحدث ردة فعل ضد الدين لدى الناس.
إن الله حرم الربا، لكنه لم يمنعه بقوة الحكومة. بل بقوة الأخلاق.
وإن الله حرم كشف العورة، لكنه لم يطالب بملاحقة الفتيات التي يُبدين زينتهن،
وإن الله حرم أكل لحم الخنزير، لكنه لم يأمر بأي عقوبة على أكله.
نكرر هذا لننبه الحمساويين لعدم التسرع في فرض القوانين التي ستجعلهم مرفوضين بشدة من منتخبيهم، والتي تكرس المفهوم التعسفي البوليسي للشريعة الإسلامية.
ما المطلوب تغييره من قوانين على المستوى الداخلي؟
هذا السؤال الأكثر تعقيدًا الآن أمام حمس، وقد فازت بما لم تكن تتوقعه. أي أنها أوقعت نفسها في ورطة لم تحسب حسابها. وها هي تستجدي الفصائل الأخرى للمشاركة في الحكومة، لتتهرب من هذا الواقع الذي فُرض عليها فجأة.
هم أصحاب نظرية التدرج في التشريع، ولكن: أي تدرج؟ وما دليل التدرج الذي ترفضه جماعات أخرى كثيرة؟ ثم كانت حجتهم هي ضعفهم، لكنهم اليوم هم الأقوى من دون أي منافس؛ فليس أمامهم مانع من تطبيق ذلك كله.
فهل سيفرضون الرجم على الزاني؟ والقطع على السارق؟ والجلد على القاذف؟ هل سيغلقون محلات الخمور؟ ويمنعون الاختلاط في الجامعات؟ هل سيجبرون المرأة على السفر مع ذي محرم؟ هل سيمنعون التدخين باعتباره حرامًا؟ وهل سيفرضون عقوبة تعزيرية على المدخن؟ هل سيغلقون شركات التأمين التي لا تتفق مع آرائهم الفقهية؟
لن يقوموا بشيء من هذا. لذا عليهم أن يغيروا من طريقة فهمهم للنصوص قبل فوات الأوان.
آن لحمس أن تطرح برامج مبنية على أصول واضحة راسخة.. آن لها أن تتجاوز مرحلة الغموض والضبابية والعموميات.. آن لها أن تنتقل من الشعارات إلى التطبيق. وما أصعب هذا على من تربى على الشعارات عشرات السنين.
إننا أمام مرحلة قد بلغت من الحساسية الغاية. لقد فُتحت معركة رهيبة . لقد تغير مجرى الصراع كله