فيما يأتي سأحاول أن أتناول كل هذه الموضوعات بشرح موجز، والله الموفِّق والمستعان.
تعريف الخلافة
أول سؤال يتبادر للذهن في هذا الصدد هو تعريف الخلافة، أي ما المراد من أمر الخلافة وأي شيء يسمى نظام الخلافة؟ فاعلموا أن الخلافة كلمة عربية تعني لغويا المجيء بعد أحد أو خلفه، أو القيام مقامه أو النيابة عن الغير. أما في المصطلح الديني فكلمة الخليفة تستخدم بمعنيين:
أولا: المصلح الرباني الذي يبعث من الله في العالم لإصلاح أمر ما، وعليه فبهذا المعنى إن جميع الأنبياء والرسل يسمّون خلفاء لله لأنهم يعملون نائبين لـه عز وجل، وبهذا المعنى سمى اللهُ سيدَنا آدم وسيدَنا داؤدَ خليفةً في القرآن الكريم.
ثانيا: ذلك الرجل البار الصالح الذي يقوم مقام نبيٍّ أو مصلحٍ روحيٍ بعد وفاته ليكمل مهمته ويكون إمام جماعته. مثلما قام سيدنا أبو بكر رضي الله عنه خليفةً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده سيدُنا عمر رضي الله عنه.
ضرورة الخلافة
والسؤال الثاني هو عن ضرورة الخلافة، أي لأي غرض يتأسس نظام الخلافة؟ فاعلموا أنه لا يخلو فعل من أفعال الله من الحكمة، ولما كان عمر الإنسان في سننه الكونية محدوداً، ومهمة الإصلاح تقضي الإشراف والتربية لأمد طويل لذا فقد سنّ الله بعد النبوة نظام الخلافة لتتم بعد وفاة النبي مهمتُه بواسطة خلفائه. فكأن البذر الذي يُزرع بيد النبي ينميه الله عن طريق الخلفاء حتى يأمن الأخطار الابتدائية ويصبح دوحةً عظيمة. ومن هنا يتضح أن نظام الخلافة في الحقيقة فرعٌ لنظام النبوة وتتمته. ولهذا قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من نبوة قط إلا تبعته خلافة".
قيام الخلافة
بما أن نظام الخلافة فرع لنظام النبوة وتتمة له لذلك جعل الله قيامَه بيده مثلما هو الأمر للنبوة لكي يتولى منصب الخلافة من يكون في علم الله أصلحُ شخص وأجدر لحمل هذا الحمل من الناس الموجودين وقت الانتخاب. وبما أن جماعة المؤمنين تكون قد نشأت بعد بعثة النبي وتكون قد تربت تحت فيوض النبوة لذلك يجعل الله للمؤمنين أيضا نصيبا في انتخاب الخليفة لكي يجدوا في صدورهم انشراحا وانبساطا في مؤازرته والامتثال لأوامره. وهكذا فإن انتخاب الخليفة يصطبغ بصبغة ممزوجة بشكل غريب حيث يتم انتخاب الخليفة على أيدي المؤمنين في الظاهر لكنه في واقع الأمر يأتي تحقيقًا لقضاء الله وقدره بحيث يتحكم الله في قلوب المؤمنين ويصرفها إلى شخص ذي الكفاءة المطلوبة لذلك المنصب.
ولأجل ذلك نسب الله تعالى اختيار الخلفاء إلى نفسه في كل موضع من القرآن الكريم، وقال مرارا إني أنا أجعل الخليفة، وبقصد الإشارة إلى هذه الحقيقة قال النبي صلى الله عليه وسلم عن خلافة سيدنا أبي بكر: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". وقد بيّن"الوصية" حيث قال إن الله أقام أبا بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فأنقذ الجماعة الموشكة على الانهيار.... وقال عن نفسه: "سيكون من بعدي أفراد آخرون تظهر بهم قدرة الله الثانية". فمن هذه المقتبسات يثبت قطعا أن هناك دخلا لرأي المؤمنين أيضا في اختيار الخليفة لكن في واقع الأمر يعمل قدرُ الله عملَه.
أمــارات الخلافة
ثم ينشأ التساؤل عن أمارات الخلافة التي بها يمكن معرفة الخليفة الحق؟ فاعلموا أن للخليفة الحق علامتين بارزتين كما يثبت من القرآن والحديث. أولاهما هي تلك التي ذُكِرت في سورة النور في قوله تعالى:
(وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا. يعبدونني لا يشركون بي شيئا) أي إن الله يقوي ويعزّز الدين بالخلفاء الصادقين ويبدل حالة خوف المؤمنين بحالة الأمن، وهؤلاء الخلفاء يعبدونه وحده فقط ولا يشركون به شيئا. فكما تُعرف كل شجرة بأثمارها الظاهرية فإن الخليفة الحق يُعرف بأثماره الروحية التي قدّرها الله له منذ الأزل.
أما العلامة الثانية فقد وردت في الحديث، وهي أنه يجب أن يتم انتخاب الخليفة - عدا الظروف الاستثنائية - بإجماع المؤمنين أو الأغلبية الساحقة، وذلك لأنه وإن كان قضاء الله يعمل عمله لكن الله حسب تدبيره الحكيم يجعل لرأي المؤمنين دخلا في اختيار الخليفة في الظاهر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خلافة سيدنا أبي بكر "يدفع الله ويأبى المؤمنون" أي لن يدَع قدرُ الله أحدا ليُنتخب خليفةً غير أبي بكر ولا جماعة المؤمنين تتفق على غيره. فالعلامة الثانية لكل خليفةٍ حقٍّ أن المؤمنين ينتخبونه أولا ثم ينصره الله ويؤيده بعمله ثانيا ويتقوّى به الدينُ. وهناك علامات أخرى لا يتسع المجال لذكرها هنا مفصلا.
بركـات الخــلافة
إن نظام الخلافة - كما ذُكِر أعلاه - نظام جد مبارك يُطلع الله به قمرَ النبوة بعد الغروب الظاهري لشمسها ويعصم الجماعة الإلهية من أضرار تلك الصدمة التي تقع كالكارثة على الجماعة الحديثة الولادة بعد وفاة النبي. إن مهمة النبي كما يثبت من القرآن الكريم تتمثل في تعليم جماعة المؤمنين دينيا وتربيتهم الروحية والأخلاقية ولمّ شملهم وتنظيمهم بالإضافة إلى تبليغ الهداية، وكل هذه الأعمال تنتقل بعد وفاة النبي إلى الخليفة الحالي الذي يحمي الجماعة من التشرذم ويُبقيها منظومة في سلك متين واحد.
وعلاوة على ذلك فإن شخص النبي يشكل لأفراد الجماعة مركزا روحيا لأواصر الحب والإخلاص يتعلمون به درسا ذهبيا للوحدة والتضامن والتكاتف، ووجود الخليفة يتسبب في تجدّد درس الوفاء هذا، ولذلك قد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الجماعة التي تلازم الخليفة - لكونها متحدة على يد واحدة - بأنها نعمة كبيرة وأعار لها أهمية كبيرة، ولعن الذي يحاول خلق الفرقة في الجماعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من شذَّ شُذَّ في النار." أي أن الذي ينشق عن الجماعة ويخلق فيها الفرقة والتشتت فإنه يفتح باب النار على نفسه.
ويقول صلى الله عليه وسلم في موضع آخر: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين." أي أيها المسلمون يجب عليكم أن تتبعوا سنتي في الأمور الدينية، كما يجب أن تتبعوا في زمن خلفائي من بعدي سنتهم أيضا لأنهم سينالون الهدى من الله. فنظام الخلافة نظام جد مبارك تتولد به وحدة الجماعة والمركزية اللتان تكون الجماعة الحديثة الولادة بأمس الحاجة إليهما، وبالإضافة إلى ذلك يتجلى بفضل الخلافة نور النبوة على رأس الجماعة وهذه من أكبر النعم وأعظم البركات.
صـلاحيات الخليفة
أما فيما يتعلق بصلاحيات الخليفة فيجب أن تتذكروا نقطة أساسية لاستيعاب هذا الأمر، وهي أن الخلافة مؤسسة روحية ينـزل فيها حق الحكومة من الأعلى إلى الأسفل (أي من الله تعالى إلى خليفته في الأرض) وبما أن نظام الخلافة فرع للنبوة، ومن ناحية أخرى قد اكتملت الشريعة إلى الأبد، لذا كما تحوز النبوة بصلاحيات واسعة داخل حدود الشريعة كذلك فإن الخلافة هي الأخرى تحظى بصلاحيات واسعة داخل حدود الشريعة والسنة النبوية. أي أن الخليفة حائز على أوسع الصلاحيات لتنظيم الجماعة الإلهية وتنسيقها ضمن حدود الشريعة الإسلامية وداخل نطاق سنة نبيه المتبوع.
إن الشباب المعجبين بالديمقراطية المعاصرة يتعجبون من سعة صلاحيات شخص واحد، ويقولون: كيف يمكن أن يملك شخص واحد صلاحيات واسعة هكذا؟ ولكن عليهم أن يفكروا أن الخلافة ليست قسمًا من أي نظام ديمقراطي أو دنيوي وإنما هي جزء لنظام ديني وروحاني يتفرع حقها من حق الله وأن ظل الله يكون على رؤوس الخلفاء دائما.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ما دامت الحدود الشرعية القوية محيطة به ولا يستطيع أن يتجاوز حدود سنة نبيه المطاع فكيف يجوز إذًا الاعتراض على سعة صلاحياته؟ ومن المؤكد أن شخص الخليفة بعد النبي نعمة ورحمة وإن كثرة الرحمة واتساعها مدعاة للبركات لا محالة وليس مدعاة للاعتراض. هذا، ويقول الإسلام أيضا، بما أن هناك دخلا في بادئ النظر لرأي المؤمنين أيضا في انتخاب الخليفة لذا عليه أن يستشير المؤمنين في القضايا الهامة غير أنه ليس ملزما بالتقيد بمشورتهم في كل الأحوال لكنه مطالب بأخذ المشورة. وذلك لكي تستمر التربية الدينية للجماعة على الصعيد السياسي وغيره. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تتولد البشاشة والانبساط أكثر في الجماعة بقبول مشورتهم في الأمور اليومية. أما في الأوضاع الخاصة فليبق مبدأ (وإذا عزمت فتوكل على الله) أيضا ساري المفعول. هذه نقطة لطيفة ولكن قليلا ما يتفكرون.
مسألة عزل الخليفة
إن الذين لا يدركون منـزلة الخلافة ومكانتها السامية يتخبطون أحيانا لسفاهتهم في مسألة عزل الخليفة. إنهم يعتبرون الخلافة نظاما دنيويا على غرار الأنظمة الديمقراطية الأخرى ومن ثم يبحثون عن طريق لخلع الخليفة حسب الضرورة. وهذا الخيال ينمّ عن الجهل والغباء، وينجم عن عدم إدراك المنـزلة الحقيقية للخلافة. فالحقيقة - كما ذكرنا آنفا - أن الخلافة نظام روحاني يستند إلى قدر خاص من الله كتتمة النبوة، وإن كان فيه - حسب مشيئة الله - دخل لرأي الناس أيضا في بادئ النظر، لكنه في الحقيقة يقوم تحت مشيئة الله الخاصة. ثم إن الخلافة من أسمى النعم الإلهية فلا ينشأ سؤال عن عزل الخليفة في شكل من الأشكال.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيرا إلى خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه: "يَا عُثْمَانُ إِنَّهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلا تَخْلَعْهُ لَهُم".
(سنن الترمذي، كتاب المناقب)
وهذا الحديث الموجز يتضمن فلسفة القيام المبارك للخلافة كما يميط اللثام عن الحركات الخبيثة لعزل الخليفة.
ثم لا يفكر هؤلاء السفهاء في أنه إذا كان الله هو الذي يختار الخليفة ومع ذلك يجوز النقاش حول عزله فلِمَ لا يجوز إذاً عزل النبي والعياذ بالله؟ فالحق أن مسألة عزل الخليفة لا يمكن طرحها على بساط النقاش نهائياً. وثمة سبيل وحيد فقط لعزل الخلفاء المزعوم على شاكلة الأنبياء ألا وهو أن يرفعهم الله من الدنيا بالموت. فإذا ثبت بصورة قطعية أن الله هو الذي يجعل الخليفة، كما يعلن القرآن مرارا وكما صرّح بذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص خلافة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وخلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه، فلا يمكن أن ينشأ سؤال عزل الخليفة في قلب مؤمن صادق ولا لحظة واحدة.
إن الإسلام دين النظام والنسق لدرجة لا يسمح لأتباعه بالتمرد حتى ضد الحكام الدنيويين العاديين أو من الذين يصلون إلى سدة الحكم بناء على رأي الناس أو التوارث فقط، "إلا أن تروا كفرا بوّاحا"، في تصرفاتهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل يمكن أن يسمح بخلع خلفاء الله وخلفاء النبي الطاهرين؟ هيهات هيهات بما تؤمرون!
الخاتمة...
يجب علينا أن نسعى للحفاظ على الخلافة باعتبارها وراثة النبوة في تلاوة آيات الله، وفي تزكية نفوس المؤمنين، وفي تعليمهم الكتاب والحكمة، وفي وحدة صفهم، وفي المحافظة على كيانهم وتوثيق العلاقات بينهم في هذا العالم الواسع.
ادن ان الدين يتصورون انهم بستطاعتهم حكم رقاب الامة الاسلامية بسم الخلافة بنتهاج العمل السياسى او القتل او اتدمير او الارهاب او التنازل لعدو الامة هم واهمون وسيهزمون فى كل عام مرة او مرتين