|
على كبار المشايخ أن يتقدموا المسيرات والتظاهرات إن كانوا يرونها الحلّ الأمثل بدل أن يثوِّروا المراهقين؛ فالوضع في بلادهم لا يختلف كثيرا عن الوضع في تونس؛ لكنهم يقولون ما لا يفعلون.
مهما كان زين العابدين مجرمًا، فهو ليس زعيم قبيلة يسيطر على حقول بترول هائلة في منطقة صغيرة وقليلة السكان بينما يعيش عشرات الملايين في مصر والشام بلا بترول وتحت خط الفقر. فأيهما أكثر ضررا بالأمة، زين العابدين أم شيوخ النفط يا قرضاوي؟ هل يقارَن ظلمه بظلم دول الخليج التي تسيطر على المليارات وتلعب بها ويذهب أبناؤها لإضاعتها في لهوهم ولعبهم في بلاد الغرب الكافر!
لماذا لم ينتقد الناسُ زين العابدين حين كان رئيسا؟ لماذا تكثر السكاكين حين تسقط الضحية؟ لماذا لم يدْعوا الناس للخروج عليه إنْ كان هذا الخروج فوائده عظيمة؟
تظاهرات تونس ليس مخططا لها، بل أشعلها انتحار شاب. فلماذا تمجيد تظاهرات عفوية؟ ألِهروب الرئيس؟ وماذا لو لم يهرب؟ وماذا لو تدخل الجيش فسحق المتظاهرين كما فُعل في الصين قبل سنوات؟ وماذا لو تأخر الرئيس في الهرب حتى أُكل الأخضر واليابس كما حصل في الجزائر قبل سنوات؟ وماذا لو انتصر الرئيس ودعا الهاربين إلى التوبة؟ ألن تثنوا عليه حينها كما أثنيتم على مَن سبقوه وانتقدتم الخارجين؟
لا يا سادة، لا تجعلوا الناس يطيشون على شبر من الماء، ولا تثوِّروهم ليهلك الحرث والنسل في بلادنا المعدومة.
الأنبياء لم يعلِّموا الناس هذا الطريق، بل علَّموهم قول الحق عند سلطان جائر، حتى لو أدى هذا إلى الشهادة، فهي أعظم شهادة.
الأنبياء لم يعلِّموا الناس الخروج في تظاهرات، بل علَّموهم الصبر والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشجاعة. علَّموهم التضحية من أجل مصلحة الأمة، علَّموهم أن لا يتآمروا على حاكم ولا غير حاكم، علَّموهم أن لا يُظهروا في الأرض الفساد.
من يجزم أن تونس ستزدهر الآن أكثر من ذي قبل؟ ألم يأت كثير من حكام العرب من خلال ثورات؟ هل كانوا أفضل من سابقيهم؟
المشايخ اليوم يطبِّلون ويزمِّرون لتثوير الناس، إنهم يحبون الفوضى من غير أن يشاركوا فيها، يفرحون للدماء والأشلاء، ولا يقولون كلمة الحق بجرأة.
فليس الحل في إراقة دماء الناس، بل في قول كلمة الحق.. الحل هو أن يضحي الكلُّ بنفسه بقوله كلمة الحق عند السلطان الجائر، وليس تحريك المراهقين من وراء ستار ليُقتلوا.
ولا شك أن الظلم لا يدوم، لذا زال هذا الحاكم وهرب، وهذا مصير غيره من الظالمين، لكن الحاكم ليس هو الظالم الأوحد، بل سيزول معه ظالمون كثر لا يقلُّون ظلمًا عنه.
الدرس الأهم في الحدث التونسي هو غياب المشايخ كليا عنه، ولعل هذا هو سرّ نجاحه الظاهري، وكأن الله تعالى يريد أن يقول لهم: لقد أفشلتُ دمويتكم في سوريا وفي مصر وفي الجزائر وفي كل البلاد، ونجح مَن هزّهم مَن أحرق نفسه لعلكم تتعظون وتعلمون أن النصر ليس بالتحايل والخداع والأكاذيب والغدر والخيانة.
على كل حال، هل تسمح حماس في جمهورية غزة بأن يتظاهر الناس مستنكرين حكمها؟ وهل كان يسمح بذلك البطل صدام!؟ وهل تسمح بذلك إيران الثورية أم وضعت أنصار الموسوي في السجون؟ ألا يتهمون المتظاهرين بالانحياز للإمبرالية؟ فلماذا الكيل بمكيالين؟ لماذا تُمجِّدون المسيرات في بلد وترفضونه في آخر؟
فكْرُ المشايخ سيدمّر الأمة أكثرَ مما دمَّرها، وأخشى أن يكون حدثُ تونس مقدمة لأنهار دماء يتسبب فيها مَن احترفوا الفتن والفساد.
راى صواب يحتمل الخطا...ورايك خطا يحنمل الصواب