...............................رأس السنة الامازيغية تقليد عمره آلاف السنين تجاهلته السياسة وهمشه التعليم
أساطير تمجد الطبيعة وطقوس ضاربة في عمق التاريخ.................................................................. يعد الاحتفال برأس السنة الامازيغية الذي يصادف 12 كانون الثاني (يناير) من كل سنة، تقليدا راسخا ليس في الثقافة الجزائرية فحسب، لكن في ثقافات شعوب شمال إفريقيا من لبيبا إلى المغرب حيث ما يزال سكان هذه المناطق يحيونه بطقوس مختلفة باختلاف التقاليد والعادات. في الجزائر بدأت هذه الاحتفالات تأخذ مكانتها في الظهور بعد الاعتراف الرسمي باللغة الامازيغية كمكون أساسي في الثقافة الوطنية.
وقالت صحيفة "الشروق" الجزائرية ان طقوس الاحتفالات التي ترافق هذا اليوم باختلاف تفاصيلها تشير إلى ارتباط هذا التقليد بالطبيعة والموسم الفلاحي، حيث تشير الطقوس إلى مدى ارتباط الإنسان الامازيغي القديم بأرضه ومدى اندماجه في الطبيعة، حيث يمثل "يناير" بداية الحساب الفلاحي أو الزراعي الذي يرمز إلى اختلاف نمطين شمسيين هما الانقلاب الشمسي الشتوي أو الصيفي والاعتدال الربيعي أو الخريفي، وهي الفترات التي ترافق بداية أو انطلاق جملة من الأعمال الفلاحية والزراعية بمنطقة القبائل.
والأمازيغيون الذين كانوا يعتقدون أن 12 يناير مناسبة لتجديد القوى الروحية من خلال ممارسة بعض الطقوس التي يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس أسباب الخير والسعادة التي لا تكون بالنسبة للإنسان الأمازيغي إلا بوفرة المحاصيل، فبداية العام تشكل نهاية وخاتمة للمؤونة الماضية أو العولمة وبداية التحضير للمحصول القادم. تاريخيا يعد التقويم الأمازيغي من بين أقدم التقويمات التي استعملها البشر على مر العصور، إذ استعمله الأمازيغ منذ 2962 سنة، وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري، فإن التقويم الأمازيغي لا يرتبط بحادث ديني... لكنه مرتبط بالطبيعة حيث يعتبر 12 يناير أول يوم يفصل بين زمنين طبيعيين، زمن البرد والاعتدال الذي يصادف عادة بداية تجديد الطبيعة لدورتها الحياتية، لهذا يبدأ الناس في تهيئة الحقول ومباشرة الأعمال الفلاحية حيث تجمع التفاصيل المشتركة بين مختلف الاحتفالات التي تصادف هذا اليوم على تمجيد الطبيعة والإكبار من شأنها والتماس الأسباب التي يعتقد أنها تجلب الخير والإنتاج الوفير.
ورغم قلة الدراسات التاريخية التي تفصل في هذا التاريخ فإن الاحتفال بيناير يصادف حدثا تاريخيا هاما في التاريخ الأمازيغي القديم، وهو ذكرى انتصار الملك "شيشونغ" أو شاشناق على الفراعنة في فترة حكم رمسيس الثاني، وذلك قبل 950 سنة من بداية استعمال التقويم الميلادي، إذ كان الفراعنة قبل هذا التاريخ ينظمون هجمات متكررة على بلاد الأمازيغ للاستيلاء على خيراتهم ونهب ثرواتهم، تلك المعركة التي يعتقد أن جزءا من وقائعها كانت حسب الأساطير القديمة في ناحية بني سنوس بتلمسان، غير أن بعض الباحثين أشاروا إلى أن أوضاع مصر القديمة ساعدت شاشناق على الجلوس على العرش الفرعوني في مصر بطريقة سليمة، حيث استعان به المصريون القدماء لإعادة استتباب الأمن وإعادة تنظيم شؤون المملكة في فترة حكمه والتي دامت 3 قرون، فاتخذ ذكرى هذه المعركة كبداية لتقويم الامازيغي.
كلمة يناير تتكون من كلمتين هي أين، أي واحد أو بداية، ويار التي تعني العام، أي بداية العام أو السنة، كما تشير كلمة أين وهي مفرد انين إلى حجرة الموقد أو "المناصب" بتعبير باقي مناطق الوطن حيث تختلف التسميات باختلاف المعنى الاجتماعي الذي يعطى لها، وحسب اختلاف مناطق الوطن وشمال إفريقيا وتقاليدها وما ارتبط بهذا التقليد من أساطير على مر العصور فمن "ينّاير" إلى "العجوزة" و"التراز" و"ثابورث أوسقاس" و"أمنزو يناير" أو "باب السنة" وهي جميعها تعني مغنى واحد بداية رأس السنة الامازيغية.
فإحدى أشهر الأساطير في الجزائر تقول إن شهر "يناير" كان قد طلب من "شهر فورار" أو "فبراير" أن يعيره يوما لمعاقبة العجوز المتكبرة التي استهانت بقوة الطبيعة، عندما خرجت هي وأغنامها دون أن تلقي بالا لقوة يناير وجبروته حيث أخذها الغرور بصمودها في وجه الشتاء حيث قال له "يا عمي فورار سلفني ليلة ونهار باش نقتل العجوزة فم العار" فكان أن استجاب عمي فورار لطلب ينار وحلت في ذلك اليوم عاصفة شديدة اختنقت العجوز على إثرها وصارت حجرا منحوتا في قمة جبال جرجرة فصار هذا اليوم يستحضر كرمز للعقاب ضد الجاحدين بقوة بالطبيعة وفضلها على الإنسان، لذا فغالبا ما تعطى لاحتفالات يناير رموز طبيعية مثل استخدام البذور في الطبخووضع الأعشاب على أسطح البيوت.
وتختلف التقاليد التي ترافق هذا الاحتفال من منطقة إلى أخرى باختلاف السكان وطبيعة المنطقة حيث نجد مثلا بمناطق بانتة وخنشلة النساء يعمدن في هذه اليوم إلى تحضير طبق الشخشوخة أو الثريد باستخدام لحم الغنم أو البقر، غير أن تناوله يقتصر في هذا اليوم على النساء دون الرجال.
كما يتم في ذات المناسبة إعداد طبق "الشرشم" أو "ايرشمن" أو "اركمن" وهو قمح يطبخ بعد نقعه في الماء وتضاف إليه فيما بعد كلبدة والعسل، كما قد تضاف إلى الطبق الحمص المطبوخ والدقيق المحمص. في هذه المناسبة تحرص ربات البيوت على تغيير أواني البيت وتجديد الموقد المشكل من انين أو المناصب، كما كانت سيدات البيت أيضا قديما يعمدن إلى إعادة طلاء البيوت الحجرية بتبييضها بالطين التي تجلب من المنابع وتحضير الطلاء الذي يسمى في بعض مناطق الوطن بـ"ثومليلت" حيث تبدو البيوت بيضاء نضيفه في هذا اليوم إلى جانب تجديد الألبسة وأفرشة البيت التي تكون النساء عادة قد انتهين من نسجها.
وفي هذا اليوم يحق للجميع الفرح حيث يحرص أفراد الأسرة على الحضور مجتمعين على مائدة العشاء في أطباق تعد خصيصا لهذا اليوم، حيث تحضر الأمهات كميات كافية جدا حيث يجب في هذا اليوم أن يأكل الجميع حتى الشبع، كما يسمح للأطفال بمشاركة الكبار أطباقهم واختيار قطع اللحم التي تروقهم، وفي هذا اليوم تحرم إعارة الأواني من عند الجيران اعتقادا انه دلالة على الفاقة والحاجة، كما يمنع في بعض المناطق العمل حيث تعمد السيدات إلى إخراج مناسجهن وآلات النول قرب البيت، فاليوم هو وقفة لإعادة ترتيب المسار وتقييم سنة كاملة مرت. في هذا اليوم أيضا تعد بعض العائلات ما يعرف بالتراز أو القشفشة، وتقوم كبرى سيدات البيت "الجدة أو الأم" بصب هذا الخليط على رأس اصغر أولاد البيت داخل قصعة كرمز على فيضان الخير وحلاوة الأيام القادمة، أما البنات فيتم تزيينهن بأجمل الملابس والحلي ويأخذن في زيارات عائلية كدليل على المحافظة على صلة الرحم في هذا اليوم.
وفي بعض مناطق الوطن يقوم الأطفال بالطواف بالعائلات ويجمعون كميات كافية من الطعام المختلف ويقومون بعدها بإعداد لعبة "ثاعشت" أو "ثاعشونت" وهي لعبة يتم من خلال تعويد الأطفال على تحمل المسؤولية، حيث توكل في اللعبة إلى الطفلة مهمة إعداد الطعام وترتيب أمور البيت، بينما توكل للطفل مهمة الأعمال الخارجية.
أما بالنسبة للأطباق التي يتم إعدادها خلال رأس السنة الامازيغية فعادة ما تستقبل ربات البيوت هذا اليوم بنشاط زائد بإعداد أطباق تقليدية مثل الكسكس بالديك الذي يجب أن يذبح في البيت ولا يشترى مذبوحا، وهي عادة الديوك التي يتم تربيتها في المزارع والحقول وتسمى الوجبة في بعض المناطق ب" أسفال"حيث تذبح الديوك على عتبة المنازل تماشيا مع اعتقاد قديم يقال أنها تبعد الأرواح الشريرة، وتجلب الخير، وتقوم السيدات بإضافة "القديد" وهو لحم "الخروف المملح والمجفف" عادة تكون السيدة قد احتفظت به من أضحية العيد وتضاف كلها إلى طبق "الكسكسي" في إعداد وجبهة العام التي تسمى بـ"ايمنسي نيناير" أو "عشاء يناير"، ومن المهم هنا أن يتم توزيع الطبق على كل أفراد العائلة والمعوزين من أهالي الحي أو الدشرة حتى يعم الفرح على الجميع كما تضاف إلى هذه الوجبة الحبوب المجففة مثل التين والعنب والمكسرات من اللوز، أما بعد هذه الليلة فتحرص العائلات الامازيغية على طبخ الأطباق التي تخلو من اللحم وتكتفي فقط بحساء من الحبوب الجافة "الحمص والقمح والفول" في إعداد وجبة تسمى "أوفتيان" أو "تمغظال" كرمز للخصوبة ووفرة المحاصيل.
وفي بعض المناطق الريفية يقوم السكان بإعداد لعبة الـ "تيشقيفين" حيث يقوم الأطفال بقلب الحجارة ويتم قراءة أسفلها، فمن عثر على الكثير فهذا دليل على كثرة رزقه وماله ومن وجد حفرا فهذا دليل على كثرة محاصيله التي يقوم بوضعها في مطامير الحبوب وهكذا.
ومن بين الطقوس القديمة التي كانت تمارس في هذا اليوم في بعض المناطق يقوم أفراد الأسرة بعد الانتهاء من وجبة العشاء إلى ترك ما لا يقل عن حصة فرد واحد من الطعام توزع على جميع زوايا البيت، كدليل على اقتسام ما تجود به الطبيعة والسماء مع الارواح الخفية والمباركة. وفي مناطق أخرى يقوم الفلاحون بالذهاب إلى فقيه القرية ليكتب لهم حرزا على غصن من شجرة ذكر التين (الدوكا) بهدف حماية حليب المواشي من القرصنة والسرقة.
وتتشابه التقاليد في الاحتفالات برأس السنة الامازيعية في كامل شمال إفريقيا، ففي الساحل المغربي تحرص النساء على تحضير شربة "ؤركيمن" التي يستعمل فيها جميع أنواع الحبوب من محاصيل الأرض للموسم، ويجب الانتهاء من طبخها قبل غروب الشمس، ليوزع جزء منها على أطفال القرية الذين يطوفون على البيوت مرددين بصوت واحد (ؤوركيمن، ؤوركيمن، ؤوركيمن...) وتعتبر هذه الشربة من الوجبات التي لا غنى عنها لكل عائلة في رأس السنة الامازيعية، ويعتقد أنها أصل الحريرة المغربية.
وتقوم النساء بتنظيف البيوت وتزيينها، ويقوم الرجال بوضع قصبا طويلا وسط الحقول حتى تنمو الغلة بسرعة، أما الأطفال فيعمدون إلى قطف الأزهار والورود ووضعها عند مداخل المنازل، كما يتم تجديد أفرشة أرضية حظائر الحيوانات بالأعشاب الطرية، وهو نفس التقليد الذي يمارس في أرياف وجبال منطقة القبائل عندنا حيث يقوم الأطفال بإحضار أنواع من أغصان وأوراق الأشجار تفرش على أسطح البيوت ويرتدي الأطفال ملابس جديدة، وتحلق رؤوس الصغار، أما في بعض القبائل المغربية فتقوم النساء بإعداد طبق كسكس بمرق اللحم وسبعة أنواع من الخض، يضعن فيه نوى تمر واحد، ومن وجدها أثناء الأكل يعتقد انه سيكون سعيدا ويحالفه الحظ طوال السنة.
.............................................منقول........................................